جريمة الرشوة


المطلب الأول: أركان جريمة الرشوة

ينص الفصل 248 من القانون الجنائي على أنه: "يعتبر مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من250 إلى 5000 درهم, من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هدية أو أية فائدة أخرى من أجل:


   
  1ـ القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا, أو متوليا مركزا نيابيا, أو الامتناع عن هذا العمل سواء كان عملا مشروعا أو غير مشروع طالما أنه غير مشروط بأجر. وكذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل ولو أنه خارج عن اختصاصاته الشخصية إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله .
   
  2ـ إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده وذك بصفته حكما أو خبيرا عينته السلطة الإدارية أو القضائية أو اختاره الأطراف.

   3ـ الانحياز لصالح أحد الأطراف أو ضده وذلك بصفته أحد رجال القضاء (أو المحلفين)أو أحد أعضاء هيئة الحكم .

   4ـ إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولدة"

  ونص الفصل 249 كذلك على ما يلي: "يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 250 إلى 5000 درهم كل عامل أو مستخدم أو موكل بأجر أو بمقابل من أي نوع كان طلب أو قبل عرضا أو وعدا, أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو عمولة أو خصما أو مكافئة مباشرة أو عن طريق وسيط دون موافقة مخدومه ودون علمه, وذلك من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال خدمته أو عمل خارج عن اختصاصاته الشخصية ولكن خدمته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله".
  
    ويستنتج إذن من هذين الفصلين أن الأركان الأساسية لجريمة الرشوة هي التالية:
  1ـ ركن مادي يتكون من أخذ العطية أو قبول الوعد أو الطلب.
  2ـ أن يقوم بهذه الأفعال أحد الأشخاص المعنيين في القانون على سبيل الحصر.
  3ـ أن يكون العمل أو الامتناع المقابل للرشوة داخلا في اختصاص المرتشي أوتسهله وظيفته أو من الممكن أن تسهله. 
  4ـ الركن المعنوي أو القصد الجنائي.

الفرع الأول:الركن المادي
   
 الركن المادي في جريمة الرشوة هو قيام الموظف بطلب أو قبول أو أخذ وعد أو عطية أو أية فائدة أخرى كيفما كان جنسها أو نوعها من صاحب المنفعة مقابل أداء عمل أو امتناع يدخل ضمن اختصاصاته الشخصية.

 وكما سبق القول أن المشرع المربي في تجريمه للرشوة اعتمد النظرية الفرنسية المبنية على أساس استقلال فعل كل من الراشي والمرتشي في هذه الجريمة, ولهذا يكون من الضروري التعرض إلى الفعل المادي للراشي والمرتشي على الترتيب التالي:

أولا: صور الركن المادي للمرتشي:

 من خلال الفصلين السابقين 248 و249 يتبين لنا أن جريمة الرشوة تتحقق بالنسبة للمرتشي بتقديمه طلبا بالعرض أو بالوعد أو بالهبة أو بالهدية أو بأية فائدة أخرى, حتى لو لم يستجب صاحب المصلحة لطلب الموظف. وبذلك لم يعتبر المشرع هذه الأفعال مجرد محاولة بل اعتبرها مكونة لجريمة الرشوة. ولا شك أن طلب الموظف للرشوة وإعلانه عن رغبته في الحصول على مقابل لعمله يظهر ذلك الانحراف الذي يتحقق به الاتجار في الخدمات العمومية. فكان تصرفه هذا كافيا لاعتباره جريمة تامة ما دام العنصر الأساسي للرشوة قد تم تنفيذه. ولا أهمية بعد ذلك لتسلمه للمكافئة فعلا أو عدم تسلمه إياها. وبذلك يكون المشرع المغربي قد تبنى نفس الاتجاه المعتمد في أغلب التشريعات الجنائية الحديثة في هذه الجريمة .

  ومفاد ما سبق أن جريمة الرشوة تتحقق في حق الموظف في حالة قيامه بأحد الأفعال الآتية:
    1ـ طلب عرض : تقوم جريمة الرشوة في هذه الصورة بمجرد حصول الطلب من جانب الموظف مقابل القيام بعمل أو الامتناع عنه. ولو رفض صاحب الحاجة الاستجابة لطلبه, وقد ساوى القانون بين طلب المنفعة لنفسه أو لغيره. كما لا يهم أن يرد الطلب على منفعة معروضة أو ينصرف إلى مجرد الوعد بها. ولو لم يحصل عليها الموظف بالفعل. ولطلب بهذا الشكل يعتبر أدنى مراحل ارتكاب جريمة الرشوة لأنه بعد تلبية الطلب قد يقنع المرتشي بعرض الراشي وما اقترن به من شروط وقد لا يوافق عليه فيستمر التفاوض إلى أن يتم الاتفاق على المقابل من حيث المقدار والنوع وكيفية القبض وزمانه وغير ذلك.

 2ـ طلب وعد: في جريمة الرشوة لا يشترط أن يحصل المرتشي من صاحب المصلحة على فائدة معجلة, فالرشوة تتحقق متى طلب المرتشي من الراشي وعدا بمقابل, كأن يطلب منه أن يحدد له مبلغا معينا من المال أو بتقديم مساعدة معينة كالوعد بوظيفة أفضل أو الحصول على امتيازات محددة وغير ذلك.

 3ـ طلب هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى: وتسمى الرشوة في هذه الحالة "الرشوة المعجلة"وهي الصورة الغالبة والعادية في هذه الجريمة .ذلك أن المرتشي يتقاضى عادة ثمنا معجلا نظير قياه بالعمل المطلوب منه أو الامتناع عنه.

  4ـ قبول العرض أو الوعد أو تسلم الهبة أو الهدية أو أية فائدة أخرى: لكي تتحقق جريمة الرشوة لا يكفي فقط حصول الطلب أو الوعد من قبل المرتشي, بل لا بد من صدور سلوك يدل على قبوله للمنفعة مقابل القيام بعمل أو الامتناع عنه.
 
   والفرق بين قبول الوعد وتسلم الهبة أو الهدية, هو تأجيل التنفيذ في الحالة الأولى وتعجيله في الحالة الثانية. أما قبول العرض فقد يكون مرتبطا بوقت محدد للتنفيذ. وقد لا يكون كذلك حسب نوع العرض المقدم من الراشي وكيفية تقديمه .

ثانيا : صور الركن المادي لدى الراشي
  
جاء في الفصل 251 من القانون الجنائي أن: "من استعمل عنفا أو تهديدا, أو قدم وعدا أو عرضا أو هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى لكي يحصل على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو على مزية أو فائدة مما أشير إليه في الفصل 242 إلى 250 وذلك من استجاب لطلب رشوة ولو بدون اقتراح من جانبه, يعاقب بنفس العقوبات المقررة في تلك الفصول سواء أكان للإكراه أو للرشوة نتيجة أم لا؟".
   
   الواضح من هذا الفصل أن الركن المادي في جريمة الراشي لا يختلف كثيرا عن الركن المادي في جريمة المرتشي. فمجرد عرض الرشوة أو الوعد بها يعتبر محققا للجريمة التامة حتى ولو يترتب عن ذلك أية استجابة من طرف الموظف بغض النظر عن طبيعة هذه الاستجابة أكانت صريحة أم ضمنية. فالراشي حتى ولو تراجع عن تنفيذ ما وعد به مقابل الأعمال المطلوب أداؤها من طرف الموظف فتبقى مسؤوليته واردة ما دام أن الجريمة أصبحت قائمة بالنسبة له. ولا يقيد بعدوله الإرادي في هذه المرحلة. كما يشترط في العرض المقدم من طرف الراشي أن يكون جديا وواضحا لا شك فيه.

الفرع الثاني: صفة موظف أو أية صفة ألحقها بها القانون

 اشترط القانون في الشخص الذي الذي تنطبق عليه أحكام الرشوة صفة معينة وهي صفة الموظف العمومي ومن في حكمه. وقد ألحق المشرع المغربي في جريمة الرشوة بالموظف العمومي المعرف في الفصل 224 من القانون الجنائي الأشخاص الآتي ذكرهم:
   1ـ المتولين لمركز نيابي كأعضاء المجالس القروية والبلدية والبرلمان .
 2ـ المحكمين والخبراء سواء كان هؤلاء المحكمون والخبراء معينين من السلطة القضائية أو من السلطة الإدارية أو من الأطراف.
   3ـ الأطباء والجراحين وأطباء الأسنان والمولدات .
  4ـ العمال والمستخدمين والوكلاء بمقابل في القطاع الخاص.

   وعلى هذا الأساس لكي يتابع المرتشي على جريمة الرشوة يجب أن يكون موظفا عموميا بالدولة أو أحد الأشخاص الأربعة السابق ذكرهم. وبذلك يكون المشرع المغربي قد عمم هذه الصفة على أفراد ليسوا موظفين ولا علاقة لهم بمصالح الدولة .

الفرع الثالث: أن تكون الخدمة المقدم عنها الرشوة من اختصاص المرتشي وأن تكون مهمته قد سهلتها أو من الممكن أن تسهلها:
  
الأصل أن الاتجار بالوظيفة لا يتحقق إلا إذا كان العمل المطلوب داخلا في اختصاص الموظف أو من في حكمه. ويقصد بأعمال الوظيفة كل عمل يدخل في الاختصاص القانوني للوظيفة التي يتقلدها الموظف إلا أن القانون لا يشترط لاعتبار العمل المتعلق بالرشوة داخلا في اختصاص الموظف فعلا. بل يكفي أن يكون على صلة به تسمح له بتنفيذ الهدف من الرشوة. كما يكفي أن تكون للأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها علاقةبوظيفته وأن تسهل له هذه العلاقة القيام بهذه الأعمال أو حتى أن تسهلها له. وعلى هذا الأساس يعتبر تقديم مبلغ من المال أو أية هدية أخرى إلى كاتب الضبط مكونا لجريمة الرشوة ذلك لأن علاقة الكاتب بالقاضي تجعله في وسعه أن يؤثر عليه في اتجاه يحمله على تأجيل القضية.

  هذا وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد سوى بين أن يكون الموظف على علم بعدم اختصاصه بالعمل  ثم ادعى أنه من اختصاصه ليتقاضى الرشوة, أو أنه يعتقد خطأ باختصاصه بالعمل في حين أنه في حقيقة الأمر غير مختص به. أما في حالة زعم الموظف الاختصاص فإن ذلك لا يكفي لقيام جريمة الرشوة ما لم تكن ثمة صلة بين وظيفة المرتشي والأعمال المطلوبة منه.

الفرع الرابع : الركن المعنوي ٍِــ القصد الجنائي

 جريمة الرشوة جريمة عمدية .يشترط فيها توافر القصد الجنائي لدى الجاني, ولذلك يجب أن يكون المرتشي مدركا وقت الطلب أو قبول الوعد أو أخذ العطية أن هذا ثمن لعمل أو امتناع مما يدخل في وظيفته, أي أن تكون لديه نية الاتجار في وظيفته أو عمله, بل يسأل الموظف الذي يخل بواجبات وظيفته جنائيا حتى ولو لم توجد لديه نية الاتجار بها. لأنه يكفي مجرد استغلال الوظيفة للحصول على فائدة غير مشروعة من ورائها.  

ويقوم القصد الجنائي في صورة الطلب بمجرد أن يبدي الشخص رغبته في مال أو منفعة أو وعد بشيء من ذلك عن علم بأنه مقابل الاتجار بالوظيفة أو العمل. أما في صورة القبول فإنه يتوافر بدوره بكشف المرتشي عن موافقته على العرض الذي تقدم به الراشي عالما أنه مقابل الاتجار بوظيفته أو عمله. وهو لا يقوم إلا إذا كان المرتشي جادا في قبوله. أما إذاكان هازلا أو كان يهدف من وراء ذلك كشف أمر المرتشي فينتفي لديه القصد الجنائي إذ لم تطابق موافقته العرض الذي تقدم به الراشي. أي أنه لا يتابع على جريمة الرشوة إلا إذا كان يقصد من عرضه حمل الموظف على أداء عمل  من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه, وأن تتجه إرادته إلى تحقيق العرض الذي يسعى من أجله. وبناء على ذلك لا يتوافر القصد الجنائي في حقه إذا كان يجهل أن الموظف مختص ولكنه قدم المقابل بنية حمله مثلا على التوسط لدى من بيده الأمر.
وتعتبر جريمة الرشوة قائمة بالنسبة لأحد الطرفين متى توافر القصد الجنائي لديه حتى ولو لم يستجب الطرف الآخر لطلبه أو لعرضه.

المطلب الثاني : الاشتراك في الجريمة عن طريق الوساطة

إذا كان الوضع المادي لجريمة الرشوة أن يكون لها طرفان : الراشي والمرتشي قد يوجد بجوارهما أحيانا شخص ثالث هو الوسيط أو الواسطة أو الرائش, ويقصد بالوساطة قيام الوسيط بربط الصلة بين أطراف العلاقة في جريمة الرشوة وذلك بمساعدتهما على الأعمال التمهيدية أو التنفيذية لارتكاب  الجريمة.

ويعتبر الوسيط في جريمة الرشوة كل شخص يتدخل بين الراشي هادفا تسهيل ارتكاب الجريمة من أحد الطرفين أو منهما معا ممثلا أحد الأطراف لدى الآخر وذلك لتمرير الرشوة في خفية وتستر, بحيث أن الراشي غالبا لا يجرؤ على دفع مقابل الرشوة خشية أن يترفع عنها الموظف أو المستخدم. وكثيرا ما تقابل رشوة صاحب الحاجة بالدفع والتنكر خوفا من أن يضبط وهو في حالة تلبس لا تعففا من الموظف. وهكذا يتدخل الوسيط بين أطراف العلاقة في جريمة الرشوة لتسهيل عملية الارتشاء فيصبح من جراء ذلك حلقة وصل بين الراشي والمرتشي, فينقل رغبتهما وإرادتهما إما بطريقة شفاهية أو كتابية أو بوسائل أخرى تمويهية.

وبفضل فعل الوساطة تظهر صعوبة الكشف عن أطراف الرشوة ولذلك ذهب المشرع إلى تجريم الفعل الذي يأتيه الوسيط ومعاقبته بعقوبة تتفق وعمله الإجرامي المساهم في تحقيق جريمة الرشوة والتستر عن الجريمة.

وعلى هذا الأساس تم تكييف العمل االذي يقوم به الوسيط على أنه اشتراك في جريمة الرشوة طبقا لأحكام الفصل 129 من القانون الجنائي ( 1 ) التي تعتبر مشاركا في الجريمة كل من "ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها مع علمه بذلك".

ومفاد ذلك أن الوسيط الذي يشارك في جريمة الرشوة لا تتم مساءلته إلا إذاتحققت جريمة الرشوة, ذلك لأنه يستمد صفته الإجرامية من إجرام الفاعل الأصلي الراشي المرتشي بل يكفي أن تتحقق جريمة الرشوة في أحدهما فقط.

المطلب الثالث: الاشتراك في جريمة الرشوة بالأمر أو التحريض

يؤاخذ الوسيط على قدم المساواة مع المرتشي متى أمره وحرضه على ارتكاب الجريمة. فالرئيس الذي يأمر مرؤوسه أو يسمح له بالاتجار في أعمال الوظيفة يعتبر مشاركا في جريمة الرشوة, والموظف الذي عرض أو شجع زميله على قبض الرشوة يعتبر كذلك.

ونفس التكييف يسري على الشخص الذي يظهر للموظف محاسن الرشوة وما تحققه من أرباح وفوائد. لكن شريطة أن ينفذ فعلا الموظف الجريمة. ويشترط أن يقع التحريض بعبارات صريحة تتضمن فعلا الدعوة إلى التنفيذ والرغبة الملحة في إنجاز الفعل وعليه لا يعتبر تحريضا الكلام العابر عن تحبيذ الجريمة أو التحدث عن مزاياها. لهذا فإن المشرع لم يحدد وسيلة معينة يقع بها الأمر أو التحريض فقد يكون بالقول أو الإشارة أو بأية وسيلة أخرى تؤدي إلى النتيجة المرجوة.

والواضح من هذا الكلام أن العمل الذي يقوم به الوسيط بفعل أمره أو تحريضه لأطراف العلاقة في الرشوة على اتباع مسلك الارتشاء يأتي مطابقا لأحكام الفصل 129 المتعلق بالاشتراك في الجريمة. مما يؤكد أن فعل المحرض هنا يعتبر اشتراكا في جريمة الرشوة.

المطلب الرابع : المكافأة اللاحقة

الصورة العادية في جريمة الرشوة هي حصول المرتشي على مقابل من طرف الراشي قبل أداء عمل من أعمال وظيفته أو يمتنع عن أدائه لصالح الراشي صاحب المصلحة. أويتم الاتفاق بينهما على القبض بعد إنجاز العمل .إلا أن هناك حالة تبقى غامضة وفي حاجة إلى توضيح خاصة وأن أغلب التشريعات لم تتعرض لها في نصوص مستقلة لبيان حكمها ومنها التشريع المغربي, ويتعلق الأمر بالحالة التي يتسلم فيها المرتشي مكافأة لاحقة من الراشي المستفيذ من موضوع الرشوة دون أن يكون هناك اتفاق سابق بينهما .  

المشرع المغربي كما سبق القول لم يشر إلى هذه الحالة صراحة في أي فصل من الفصول. وعدم الإشارة تفيد الإباحة كما يقول الدكتور عبد الوهاب حومد. ومعنى هذا أن القانون الجنائي المغربي لا يعتبر هذه الحالة صورة من صور جريمة الرشوة وتبعا لذلك فكل المكافآت اللاحقة من هدايا وهبات وأموال التي يقدمها الراشي إلى المرتشي مقابل أداء عمل أو الامتناع عنه, دون أن يكون هناك اتفاق سابق بينهما, لا تسري عليها أحكام جريمة الرشوة. في حين نجد الدكتور أحمد الخمليشي يذهب إلى رأي مخالف للرأي السابق مؤكدا بأن المشرع المغربي يعاقب على ذلك لأنه نص على عقاب طلب أو قبول أو تسلم الهدية أو أية فائدة أخرى دون أن يحدد زمنا للتسليم, ولذلك يشمل المكافأة السابقة واللاحقة أيضا. بالإضافة إلى ذلك أن عدم العقاب على المكافأة اللاحقة بمجرد جريمة الرشوة من حقيقة أسباب تجريمها ذلك أن العبرة ليست بزمن الاستفادة بل العبرة بحصول الاستفادة وهي العنصر الأساسي في تكوين جريمة الرشوة.

ونحن نميل إلى هذا الرأي يجد سنده في أغلب التشريعات كالتشريع المصري الذي ينص صراحة في الفصل 105 من قانون العقوبات على التكييف القانوني لهذه الحالة بقوله: "كل موظف عمومي قبل من شخص أدى له عملا من أعمال وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها أو خل بواجباتها هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه, ولا تزيد عن خمسمائة جنيه".
جريمة استغلال النفوذ

ينص الفصل 36 من قانون محكمة العدل الخاصة بأنه: "يعد مرتكبا لاستغلال النفوذ ويعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم, كل من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل تمكين شخص أو محاولة تمكينه من الحصول على وسام أو نيشان أو رتبة شرفية أومكافأة أو مركز أو وظيفة أو خدمة أو أية مزية أخرى ثمنها السلطة العمومية أو صفقة أو مشروع أو ربح ناتج عن اتفاق يعقد مع السلطة العمومية أو مع إدارة موضوعة تحث إشرافها أو بصفة عامة الحصول على قرار لصالحه من تلك السلطة أو الإدارة ,مستغلا بذلك نفوذه الحقيقي أو المفترض .

وإذا كان الجاني قاضيا أو موظفا عموميا ,فإن العقوبات ترفع إلى الضعف ".هذا وقد تعرض المشرع المغربي لهذه الجريمة أيضا قبل أن يرد هذا النص بموجب قانون 26 نوفمبر 1962 في الفصل 250 من القانون الجنائي .

ويتضح لنا من خلال النص الساب أن  جريمة استغلال النفوذ تحتوي على عناصر لا تختلف كثيرا عن عناصر جريمة الرشوة .إلا أنهما يختلفان في أكثر من موضوع كما سنرى في المطلب التالي:

المطلب الأول : الفرق بين الرشوة واستغلال النفوذ

يظهر الفرق بين الشوة واستغلال النفوذ فيما يلي :
1 ـ من حيث موضوع المقابل : في جريمة الرشوة يقوم المرتشي بالاتجار في الوظيفة التيتدخل ضمن اختصاصاته .بينما في استغلال النفوذ فيتاجر باستغلال له حقيقيا أو مزعوما لدى السلطة العامة .
وبمعنى آخر أن الجاني في جريمة استغلال النفوذ يقوم بتسخير نفوذه الحقيقي أو المزعوم على الجهة المختصة لحملها على قضاء حاجة صاحب المكافأة أو المقابل .

2 ـ من حيث الصفة : لكي تتحقق جريمة الرشوة لا بد ن توافر صفة الموظف في المرتشي أو يكون من بين الأشخاص المحددين في القانون على سبيل الحصر .فيحين لم يشترط القانون في مستغل النفوذ توافره على هذه الصفة .ولذلك يجوز أن يكون شخصا لا صفة له إطلاقا .

3 ـ من حيث الاختصاص : النظر في جرائم استغلال النفوذ يكون من اختصاص محكمة العدل الخاصة إذا بلغت المكافأة المالية المقدمة للجاني خمسة آلاف درهم أو أكثر .أما جريمة الرشوة فلا تدخل ضمن اختصاص محكمة العدل الخاصة إلا إذا كان الجاني فيها موظفا عموميا طبقا للفصل 224 المشار إليه سابقا ,أو تكون قيمة الرشوة خمسة آلاف درهم أو أكثر .

4 ـ من حيث العقوبة : في جريمة الرشوة ,إذا كان المرتشي موظفا عموميا وكانت المكافأة أقل من خمسة آلاف درهم تكون العقوبة هي السجن من 5 إلى 10 سنوات وغرامة من 100 إلى 10000 درهم .وإذا كان مبلغ المكافأة أقا من خمسة آلاف درهم أو كان مرتكبها متوليا مركزا نيابا أو حكما أو خبيرا أوطبيبا أو جراحا وغيرهم ,فإن العقوبة هي الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين درهما إلى خمسة آلاف درهم ( الفصل 248 ).وإذا ارتكبها عامل أو مستخدم أو وكيل بأجر فتنقص العقوبة إلى الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 250 إلى 5000 درهم ( الفصل 249 ).

أما العقوبة على جريمة استغلال النفوذ فتكون السجن من 5 إلى 10 سنوات وغرامة من 500 إلى 5000 درهم إذا كان الجاني غير موظف .وتضاعف هذه العقوبة إذاكان الجاني موظفا عموميا (فصل 36 من قانون محطمة العدل الخاصة ),إذا بلغت الفائدة من الجريمة 5000 درهكم أو أكثر .أما إذا كان المبلغ أقل فالعقوبة تكون الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 250 إلى 5000 درهم وتصل هاتين العقوبتين إلى الضعف إذا كان مرتكب الجريمة موظفا عموميا أو قاضيا,أو منوليا مركزا نيابيا .

المطلب الثاني : أركان جريمة استغلال النفوذ

جريمة استغلال النفوذ تتكون من الأركان التالية:
1 ـ الفعل المادي
2 ـ الاعتماد على نفوذحقيقي او مزعوم
3 ـ القصدالجنائي.

الفرع الأول : الفعل المادي

الفعل المادي في جريمة استغلال النفوذ هو نفس الفعل المادي المكون لجريمة الرشوة.يتمثل في طلب الجاني أو قبول عرض أو وعد أو بطلب تسليم هدية أو هدية أو هبة أو أية فائدة أخرى كيفما كان شكل الطلب أو االقبول أو التسلم صريحا أو ضمنيا , مباشر أو عن طريق وسيط, كتابة أو شفويا, ولا يهم نوع الفائدة أو الهدية .
وتتحقق الجريمة حتى ولو تم رفضالطلبأو العرض من الطرف الآخر .ذلك أنه يكفي لقيام الجريمة إعلان الجاني إرادته وعزمه في تقاضي مقابل لنفوذه .

الفرع الثاني : الاعتماد على نفوذ حقيقي أو مزعوم

يجب لتحقيق جريمة استغلال النفوذ أن يستند الجاني في قضاء حاجة صاحب المقابل على نفوذ له حقيقي أو مزعوم على الوظف أو الجهة المختصة .بحيث إذا تسلم المكافأة دون أن يدعي في ذلك بأن له نفوذا لدى السلطة المختصة يمكنه من تحقيق هذه المزية فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة استغلال النفوذ .كما أن الزعم بالنفوذ يتحقق بالتعبير الصريح دون اشتراط اقترانهبعناصر أخرى أو وسائل احتيالية .
كما لا يشترط لقيام الجريمة أن يستند الجاني على نفوذه لدى السلطة العامة نفسها .وإنما يكفي فقط أن يدعي بالنفوذ لدى السلطة العامة متى كانت المزية أو العمل المطلوب أداؤه من هذه الجهة .

الفرع الثالث : القصد الجنائي

القصد الجنائي في جريمة استغلال النفوذ يتمثل في انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل المادي المكون لهذه الجريمة الدي يتجسد في طلب المكافأة أو تسلمها مقابل استعمال نفوذه لدى الجهة المختصة لتحقيق حاجة صاحب المكافأة .
وطبقا لذلك لا تتحقق جريمة استغلال النفوذ في حالة انعدام القصد الجنائي كما إذا كان صاحب لنفوذ يجهل بتقديم الهدية كأن تقدم إليه بواسطة شخص آخر ,أو وصفت بمنزله,أو بأية وسيلة لايعلم بها .وكذلك إذا تسلمها دون أن يطلب منه أي طلب في الحال .

أما القصد الجنائي بالنسبة لصاحب الحاجة فيتوافر لديه بمجرد تقديم المكافأة لأجل الاستفادة من نفوذ من تقدم إليه سواء قبلت منه أو تم رفضها .وسواء كان يهدف من تقديمها الحصول على الاستفادة عاجلا أو آجلا .

Aucun commentaire: