عدالة الأحداث بين النص والواقع


المصطفى ادجيخي
إن جنوح الأحداث يعد من أكبر المشاكل الاجتماعية المثيرة للحزن والأسى.
مضى زمن كان العالم يعتبر فيه جنوح الأحداث مجرد اعتداء من الصغار على أمن المجتمع وقواعد التعايش الاجتماعي فيه.
الآن، أصبحت النظرة الصحيحة تفرض اعتبار جنوح الأحداث مؤشرا على فشل اجتماعي في رعاية الأبناء، وإخفاق للأسرة، الخلية الصغيرة للمجتمع الكبير، في تأهيل وتقديم خلف صالح للمجتمع الكبير.
إن الأسرة متى دخلت دوامة التنمية المعطوبة والفقر الاجتماعي، وهزتها التحولات القيمية الكبرى التي تمس المعيش اليومي، أصبحت مجرد أسرة «بيولوجية»، بدل الأسرة المتضامنة، وأنتجت لنا جانحين متحللين من كل التزام نحو الأسرة والأقارب وكل القيم الأخلاقية التي يقوم عليها كل مجتمع.
كلما اهتزت وتراجعت مؤشرات الانتماء، ازداد جنوح الأحداث، لأن الخيط الرفيع الذي يربطهم إلى الأسرة الصغيرة والأسرة الكبيرة أيضا قد انقطع.
تذكروا معي أن صغار الجانحين في مجتمعنا، قبل أن يجنحوا، يتعرضون لعنف قبلي يتمثل في الحرمان من التعليم والتكوين والشغل والعيش الكريم ورفاهية الدفء العائلي، مما يولد لديهم عنفا مضادا تجاه المجتمع يتمثل في الاعتداء على الآخر.
يمكن أن نمارس حدا، إذن، من «السوسيولوجية» العفوية لنتأكد أن أكبر نسبة من الجانحين المغاربة يمارسون العنف المضاد بحثا عن تأمين حاجيات الإدمان، وبعض الضروريات، وتكون جريمتهم مرتبطة بالفقر والفاقة. وقد لا توجد لدينا نسبة كبيرة تمارس الجريمة بقوة المرض النفسي، بل المرض الاجتماعي وحده هو الفاعل.
ما من مشرع أقلقه موضوع في القانون الجنائي أكثر من معاملة الأحداث الجانحين وتكييف هذه المعاملة مع الظروف العامة للمجتمع الوطني والدولي.
في الماضي، واجه المشرع الجنائي، لأسباب تاريخية وسياسية وقانونية معقدة، مشكلة جنوح الأحداث بنفس الطريقة التي تصدى بها لإجرام البالغين. ومع تطور الاتجاهات المعاصرة في السياسة الجنائية والقانون الدولي، وتقدم علم الإجرام والعلوم الجنائية والاجتماعية الأخرى، تأكد أنه لا يمكن بناء شخصية الحدث وتربيته وضمان تآلفه مع المجتمع بالوسائل التقليدية للقانون الجنائي، وبدل ذلك يجب الاعتماد على نظام أساسه تربوي وأخلاقي يراعي وضعية الحدث وحاجياته.
ولما كان حدث اليوم هو رجل الغد، والجانح الذي لم يعالج هو مجرم الغد، تأكد أن المسألة تتعلق بالمستقبل الجماعي للأمة، حيث اعتبر المجلس الدستوري في فرنسا، في حكم حديث له، أن المبادئ التي تتعلق بالجوانب التربوية للحدث الجانح، هي مبادئ ذات طبيعة دستورية، حيث يقتضي الأمر البحث عن تدابير فعالة من الناحية الموضوعية أو الناحية الشكلية بحيث تركز في المقام الأول، وبصورة رئيسية، على التقويم التربوي والمعنوي للحدث بعيدا عن القانون العقابي وبعيدا عن آلياته ومؤسساته التقليدية. وهذا يتطلب، بالضرورة، وجود نظام قضائي خاص بالأحداث الجانحين، إذ لا يجوز أن يختصم حدث أمام القضاء الجنائي العادي. (المجلس الدستوري الفرنسي 29 غشت 2002)
انخرط المشرع المغربي بدوره في التوجه الدولي بشأن المعاملة القضائية للأحداث الجانحين، وهكذا تبنى مبادئ التكريم والعناية ذات الأصل الديني ثم تبنى أحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها وخصص لقضاء الأحداث ومحاكمتهم المواود من 458 إلى 517 من ظهير المسطرة الجنائية.
تجد القاعدة القانونية دائما شرخا عميقا بينها وبين البنيات التحتية التي تضمن سلامة تطبيقها على أرض الواقع.
يجد القضاء المكلف بتطبيق هذه القواعد نفسه أسير صعوبات عملية تفرض عليه أحيانا الالتواء على النص القانوني على نحو يضمن التعامل مع واقع المؤسسات وليس مع ما يجب أن تكون عليه المؤسسات.
ونتيجة لهذا يمكن التأكيد بأن واقع عدالة الأحداث غير منسجم تماما مع النصوص المنظمة لها انطلاقا من الأمثلة التالية:
لقد تم رفع سن الرشد الجنائي من 16 إلى 18 سنة انسجاما مع القاعدة رقم 4/1 من قواعد بكين واعتبار الحدث دون سن 12 سنة منعدم المسؤولية الجنائية ومنع إيداعه بالسجن مادة 473 مع إمكانية اتخاذ بعض التدابير في حقه للوقاية والتهذيب (المادتان 468 و480).
وجعل من إثبات سن الحدث مسألة أساسية، لأنها تؤمن مثول الحدث أمام قاضيه الطبيعي.
أثبت الوقع العملي أن ضباط الشرطة القضائية يتراخون في التأكد من سن الحدث بفعل عدم تخصص المحققين، حيث يكتفون بالتصريحات المجردة، وترتكب//// النيابة العامة خطأ مرؤوستها، وتحيل نتيجة لذلك أحداثا على القضاء الجنحي والجنائي العادي مع كل ما يستتبع ذلك من معاناة وتداخل يؤثر على الحداث (قضية «ب. ح» الحدث الذي أحيل على غرفة الجنايات وأودع بسجن الرشداء إلى أن تداركت محكمة الجنايات الأمر بتأكيد من الدفاع الذي سخر وسائل ذاتية للبحث عن الحقيقة التي كان مقتنعا بها منذ البداية بمجرد المعاينة)، وكذلك (قضية الحدث «م. س» الذي أحيل على جلسة 16 أكتوبر 2009 المحكمة الابتدائية القطب الجنحي وتبين بفضل دفاعه أيضا أن الشرطة القضائية والنيابة العامة لم تسخر الوسائل البسيطة التي كانت كافية لإحالة الحدث، منذ البداية، على قضائه الطبيعي. إن الدعم القانوني، في مثل هذه الحالات، مكن القضاء من تجنب الخطأ الجسيم قبل أن تصبح آثاره غير قابلة للمحو.
تقرر//// المادة 460 من قانون المسطرة الجنائية على أن الحدث، خلال مرحلة البحث التمهيدي، يحتفظ به في مكان مخصص للأحداث لمدة لا تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية، مع اتخاذ كافة التدابير لمنع إيذاء الحدث مع إشعار أولياء الحدث بالإجراء المتخذ في حقه وإمكانية الاتصال بالحدث من طرف محاميه أو من طرف الأشخاص الواردين في الفقرة الثانية عند اتخاذ تدبيري الاحتفاظ أو الحراسة المؤقتة.
إن ضمان حقوق الحدث، خلال البحث التمهيدي، لا يمكن أن يتم بدون المساعدة القانونية من طرف محام يمكنه أن يقف على سلامة تطبيق هذه المقتضيات، إذ أن كلمة الاحتفاظ بالحدث تختلف عن تدبير الوضع تحت الحراسة النظرية التي يكون مكانها الزنازن في حق الرشداء.
إن زيارة أمكنة الاحتفاظ بالأحداث تثبت أن الأمر يتعلق، في أحسن الحالات، بمكاتب ضيقة يمارس داخلها موظفو الشرطة مهامهم ويتلقون مكالماتهم ويمارسون أحيانا شغبهم أو عنفهم اللفظي وحتى المادي على مرأى ومسمع من الحدث.
وبهذا لا يتحقق شرط عدم إيذاء الحدث الذي يتعرض -على الأقل- لعنف معنوي.
إن حق اتصال الحدث بأوليائه ومحاميه في مرحلة البحث التمهيدي تعترضه صعوبات تتمثل في تلك الظروف المادية القاسية التي تدفع أولياء الأحداث إلى التردد والاستغناء عن المساعدة القانونية لمحام، كما أن غياب آليات لتدبير المساعدة القضائية للأب أو الولي العاجز في ظرف زمني سريع يعد بالساعات يجعل هذا الحق شبه نظري فقط.
إن المساندة القانونية في هذه اللحظات تكون على غاية من الأهمية.
أعطت المادة 361 فقرة 3 للنيابة العامة، عند ارتكاب الحدث لجنحة. تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41، شرط الحصول على موافقة الحدث ووليه القانوني وموافقة الضحية، انسجاما مع قواعد بكين بشأن اتخاذ تدابير لمعاملة الأحداث دون اللجوء إلى إجراءات قضائية تفاديا للآثار السلبية على نفسية الحدث. ويمكن للنيابة العامة أن تلتمس وقف سير الدعوى العمومية أثناء سريانها في حالة سحب الشكاية أو تنازل المتضرر عن شكايته. إلا أن طغيان الأسلوب الاتهامي في ممارسة الدعوى العمومية إلى نهايتها يجعل تنفيذ هذه الآلية خجولا ولا يمكن تفعيلها إلا بتحريض من دفاع يمارس المساندة القانونية باحترافية.
لقد حصرت المادة 479 الأشخاص الذين يمكن أن يحضروا مناقشة قضايا الأحداث المتميزة بالسرية. إلا أن الممارسة العملية تظهر أن الهيئات القضائية الملزمة بتطبيق السرية تبقى داخل قاعة الجلسات مجموع المتهمين الأحداث ليحضروا مناقشة قضايا بعضهم البعض، معتبرة أن حضور هذه الفئة لا يخرق السرية. والحال أنه إذا كان المقصود من السرية رفع مشقة المواجهة المعنوية والمادية بين الحدث والتهمة الموجهة إليه، والاقتصار على حضور أشخاص لا تقوم بينهم وبين الحدث مشاعر الحقد والخجل والرغبة في حماية الكرامة التي هي أم الحقوق، فإنه بحضور متهمين آخرين -وإن كانوا قصرا- تصبح كل مشاعر الحدث والاعتبارات الأخرى التي سعى المشرع إلى حمايتها مكشوفة على نحو تنعدم معه الغاية من السرية.
هناك استثناء آخر خرق الالتزام التام بمبدأ السرية هو تطبيق المسطرة الغيابية في قضايا الأحداث، وهي المسطرة التي تتضمن التعليق والإيداع والنشر، وهي الإجراءات التي تسلب المتهم الغائب أهليته القانونية بكاملها (والحدث لا أهلية له)، وتجرده من صفته المدنية عن طريق إشهار الموت المدني كما عرفه القانون الروماني في عصور الاستبداد وهو أمر يحمل انتهاكا صارخا لحقوق الرشداء فكيف بالأحداث؟
إن المساندة القانونية لقضايا الأحداث تقتضي فتح جبهة للمطالبة بتعديل مقتضيات محاكمة الحدث الغائب على نحو يصون حقه في السرية التي هي عماد قضاء الأحداث.
طبقا للمادة 501 من ظهير المسطرة الجنائية، فإن تغيير تدابير المراقبة والحماية وإعادة النظر في التدابير التي تم اتخاذها، طبقا لمقتضيات المادة 481 من نفس القانون، تشكل مجالا للتعامل بمرونة مع حرية الحدث وتطور وضعيته أثناء المسطرة بالشكل الذي تمليه مصلحة الحدث.
لقد وقع تحفيز السادة القضاة على التعامل بمرونة مع هذه المقتضيات. إلا أن الواقع اليومي يؤكد أن هناك شحا في الاستجابة وعنفا في ممارسة الطعون من قبل النيابة العامة.
إن محاكمة الحدث أمام قضاء الأحداث يجب أن تقوم على أسس ترتبط على نحو وثيق بغايات قانون الطفولة الجانحة وبفلسفته والتي تتمثل بدورها في رعاية ومساعدة وإصلاح الحدث، وهذه الغايات لا يمكن بلوغها إلا إذا كانت إجراءات محاكمة الحدث قد وضعت بالشكل الذي يكفل تحقيق تلك الغايات.
إن تبسيط الإجراءات المتبعة أمام قضاء الأحداث يمثل شرطا أساسيا لضمان فعالية التدخل القضائي، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق التحلل من القواعد الصارمة التي يتسم بها القانون المسطري العام مثاله عدم إلزام قاضي الأطفال بارتداء الزي القضائي في الجلسة تجنبا للرهبة والخوف لدى الحدث وعدم تقيده بأي نص إجرائي.
لقد أثبتت التجربة أن المساندة القانونية في بلدنا هي وحدها كفيلة بتحقيق كل الغايات النبيلة التي ينشدها قضاء الأحداث.

الهيئات القضائية المختصة للنظر في قضايا الاحداث


من انجاز :
 سعيد بيرام
 كمال معين
 محمد لطرش
 محمد صالح
 نور الدين الكوحل
 عبد العالي المقوري
 جواد اردوز

إن المغرب كغيره من الدول السائرة في ركب الحداثة واحترام الحق والقانون، سن نصوص قانونية وأحدث أجهزة واليات متخصصة في عدالة الأحداث بهدف السمو بالطفل، حيث انخرط المشرع المغربي في التواجد الدولي بشأن المعاملة القضائية للأحداث متبنيا مبادئ التكريم والعناية ذات الأصل الديني ثم تبنى أحكام الاتفاقيات والصكوك الدولية التي صادق عليها المغرب ، وخصص لقضاء الأحداث ومحاكمتهم المواد من 458 إلى 517 من قانون المسطرة الجنائية.
وإذا كان الهدف الذي توخاه هذا القانون هو حماية الأحداث وتقويم سلوكهم بقصد إعادة إدماجهم في المجتمع، فإنه لم يقصر هذه الحماية على الحدث الجانح أو ضحية الجريمة فقط، وإنما شمل بها كذلك الأحداث في وضعية صعبة، ومن مظاهر هذه الحماية إحداث هيئات قضائية مختصة للنظر في قضايا الأحدث سواء على مستوى المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف.
ومن هذا المنطلق فإنه من الضروري البحث في أهم الضمانات القانونية الخاصة بالأحداث التي تطبع هذا الموضوع، سواء على مستوى تشكيلة الهيئات المختصة في قضايا الأحداث أو على مستوى مسطرة محاكمتهم.
هذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن الهيئات المختصة للنظر في قضايا الأحداث وطبيعة الإجراءات المسطرية المتبعة أمامهم؟
للإجابة عن هذا التساؤل سنقوم بدراسة الموضوع وفق الشكل التالي:
المطلب الأول: تأليف واختصاص الهيئات المنوط بها النظر في قضايا الأحداث.
المطلب الثاني: مسطرة المحاكمة أمام الهيئات المكلفة بقضايا الأحداث

المطلب الأول: تأليف واختصاص الهيئات المنوط بها النظر في قضايا الأحداث.
تحث الفقرة الثالثة من المادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل على تبني مؤسسات وسلطات مختصة للنظر في قضايا الأحداث.
وتؤكد القاعدة رقم 14 من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضايا الأحداث هذا الاختيار. وقد أوصت اللجنة التابعة للأمم المتحدة الحكومة المغربية بإنشاء قضاء متخصص.
ومن ثمة نص قانون المسطرة الجنائية المغربي على هيئات قضائية مكلفة بالأحداث أما كل من المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف. وهذه الهيئات وفق ما حددتها المادة 462 من ق.م.ج هي كالتالي:
- على مستوى المحاكم الابتدائية: قاضي الأحداث وغرفة الاستئنافات للأحداث.
- أما على مستوى محاكم الاستئناف فهي: غرفة الجنح الاستئنافية للأحداث، وغرفة الجنايات للأحداث، وغرفة الجنايات الاستئنافية للأحداث، ثم الغرفة الجنحية للأحداث.
وبالتالي سنقوم بدراسة تأليف الهيئات المختصة بالنظر في قضايا الأحداث على مستوى المحاكم الابتدائية في فقرة أولى، على أن نخصص الفقرة الثانية لدراسة هذه الهيئات على صعيد محاكم الاستئناف.
الفقرة الأولى: قضاء الأحداث على مستوى المحاكم الابتدائية
لقد أحدث قانون المسطرة الجنائية هيئات خاصة لمحاكمة الأحداث تماشيا مع الاتفاقيات التي صادق عليه المغرب في مجال حقوق الطفل، وبناء عليه فإن الهيئات القضائية المكلفة بالنظر في قضايا الأحداث سواء على مستوى المحاكم الابتدائية هي:
أولا: قاضي الأحداث
تنص المادة 467 من ق.م.ج على أنه: " يعين قاضي أو أكثر من قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام قاضي الأحداث لمدة ثلاثة سنوات قابلة للتجديد بموجب قرار لوزير العدل بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية.
في حالة حدوث عائق يمنع قاضي الأحداث للقيام بمهامه، يكلف رئيس المحكمة الابتدائية من يقوم مقامه بصفة مؤقتة بعد استشارة وكيل الملك..."
ويرأس هيئة محاكمة الأحداث أمام المحكمة الابتدائية قاضي الأحداث بحضور ممثل النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط. ويجب تحث طائلة البطلان أن تراعى تشكيلة هذه الهيئة مقتضيات المادة 297 من ق.م.ج. وهذا بخلاف ما ذهب إليه المشرع المصري حيث ألزم في المادة 28 من قانون الأحداث أن تتشكل محكمة الأحداث من قاضي واحد، يساعده خبيران احدهما على الأقل من النساء، ويكون حضورهما إجراءات المحاكمة وجوبيا، ويعين هؤلاء بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الشؤون الاجتماعية .
وتجدر الإشارة أن قاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية يختص بالبت، وفقا لمقتضيات المواد 375 إلى 382 والفقرة السادسة من المادة 384 من ق.م.ج في قضايا المخالفات المنسوبة إلى الحدث البالغ من العمر ما بين 12 و18 سنة كما يختص في قضايا الجنح المنسوبة إليهم.
والملاحظ أن طريقة تعيين قاضي الأحداث على مستوى المحكمة الابتدائية تهيمن عليه وزارة العدل، وهو ما يشكل خرقا لمقتضيات الدستور، الذي أكد على في الفصل 107 من على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، وفي نظرنا يجب أن يتم تعيين قاضي الأحداث من طرف الجمعية بالمحكمة الابتدائية.
ويتضح كذلك من خلال هذه المسطرة أن قاضي الأحداث غير مختص من حيث التكوين، إذ لا يوجد ما يوحي بكونه يعين من صنف معين من القضاة، ويتمتع بخصائص معينة، تؤهل صاحبها للقيام بدوره الاجتماعي، وهذا يدل على إغفال المشرع لما تمليه الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وخاصة المادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل. وهذا بخلاف ما سار عليه المشرع التونسي الذي كان أكثر وضوحا بخصوص شخص قاضي الأحداث، فالفصل 81 من مدونة الإجراءات الجزائية التونسية تؤكد على ضرورة أن يكون القضاة الذين تتألف منهم تلك المحاكم مختصة في شؤون الطفولة، وتنص المادة 82 من نفس القانون إن قاضي الأطفال المختص بالنظر في المخالفات والجنح يعتبر قاضي من الرتبة الثانية.
ثانيا :غرفة الاستئنافات للأحداث
بالرجوع إلى المادة 1-484 يلاحظ أن المشرع الجنائي انسجاما مع الأوفاق الدولية المعنية بحقوق الطفل احدث غرفة الاستئنافات للأحداث لدى المحكمة الابتدائية، حيث تتألف هذه الأخيرة تحت طائلة البطلان من قاضي للأحداث بصفته رئيسا ومن قاضيين اثنين وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط.
وتختص هذه الغرفة بالنظر في الاستئنافات الصادرة عن قاضي الأحداث بنفس المحكمة إذا كانت العقوبة المقررة تعادل أو تقل عن سنتين حبسا وغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.
الفقرة الثانية: قضاء الأحداث على مستوى محاكم الاستئناف
أولا: غرفة الجنح الاستئنافية للأحداث
تختص هذه الغرفة بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة عن قاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية، وهذه الغرفة لا تعتبر من مستحدثات قانون المسطرة الجنائية الجديد، وتتألف هذه الغرفة استنادا للمادة 489 من ق.م.ج تحت طائلة البطلان من مستشار للأحداث بصفته رئيسا ومن مستشارين اثنين وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب للضبط، وتختص بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة عن قاضي الأحداث في قضايا الجنح ماعدا تلك المنصوص عليها في المادة 484 من ق.م.ج.
وبناء عليه فاختصاص هذه الغرفة ينحصر فقط في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن قاضي الأحداث في الجنح التأديبية.
ثانيا: غرفة الجنايات للأحداث وغرفة الجنايات الاستئنافية للأحداث
تعتبر غرفة الجنايات للأحداث من أهم مستجدات قانون المسطرة الجنائية وذلك إقرارا لمبدأ التقاضي على درجتين، وتتألف هذه الغرفة تحت طائلة البطلان من رئيس و من أربعة مستشارين، وتعقد جلساتها بحضور النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط، وتختص بالنظر في الجنايات والجنح المرتبطة بها المنسوبة للأحداث.
أما غرفة الجنايات الاستئنافية للأحداث فتتكون تحت طائلة البطلان من مستشار للأحداث بصفته رئيسا ومن أربعة مستشارين، وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط، وتختص في الطعون المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن غرفة الجنايات للأحداث.

المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية أمام قضاء الأحداث.
تتميز الإجراءات المسطرية المرتبطة بالأحداث عند الإجراءات المسطرية المتعلقة بالرشداء ببعض الخصوصيات. وذلك راجع بالأساس إلى وضعية الحدث وموضوع المتابعة.
هذه الخصوصيات تبرز على مستوى بالجهة التي لها حق تحريك الدعوى العمومية.
الفقرة الأولى: تحريك الدعوى العمومية وخصوصية المسطرة المتبعة
اولا: مسطرة تحريك الدعوى العمومية.
طبقا للمادة 463من ق.م.ج. فإن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية أو الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف المنتصب في دائراتها قاضي الأحداث أو مستشار الأحداث المختص يمارس الدعوى العمومية مند إجراء متابعة في المخالفات و الجنح و الجنايات التي يقترفها الحدث و لا يمكن بأي حال من الأحوال إقامة الدعوى العمومية في حق حدث من قبل الطرف المدني.
و في حالة ارتكاب جريمة يخول القانون فيها لإدارة عمومية الحق في متابعة مرتكبها الحدث فإن النيابة العامة هي وحدها صاحبة الاختصاص لممارسة هذه المتابعة استنادا على شكاية سابقة تقدمها الإدارة التي يهمها الأمر.
كما و أنه في إطار البحث التمهيدي يمكن لممثل النيابة العامة المختص إذا تعذر تسليم الحدث المتابع لمن يتولى رعايته أو كانت ضرورة البحث أو سلامته تقتضي الاحتفاظ به فإن ضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث يحتفظ به لمدة لا يمكن أن تتجاوز مدة الحراسة النظرية يشرط ألا يتم ذلك إلا بموافقة النيابة العامة طبعا، كما لهذا الأخير خلال فترة البحث التمهيدي إخضاع الحدث لنظام الحراسة المراقب المنصوص عليما في المادة 471 من ق.م.ج. إذا كانت ضرورة البحث و سلامة الحدث تقتضي ذلك على ألا تتعدى مدته 15 يوما، و في جميع الأحوال يلزم إشعار ولي الحدث أو كل من له سلطة قانونية عليه، و هؤلاء يمنع عليهم إخبار رأي كان بما راجع خلال الاتصال بالحدث قبل انقضاء البحث التمهيدي.
كما يختص ممثل النيابة طبقا للمادة 460 ق.م.ج. بإعطاء الإذن للمكلفين بالحدث و المحامي المنتصب بالاتصال به عند وضعه رهن الحراسة المؤقتة أو عند إخضاعه لنظام الحراسة المؤقتة و ذلك تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية.
و بالرجوع للمادة 461 فإن النيابة العامة تحيل الحدث المشتبه فيه إلى قاضي الأحداث إذا وجد معه مساهمون أو شركاء رشداء فإنها تقوم بفصل متابعتهم عن متابعة الحدث بحيث تكون ملفا خاصا لهذا الأخير تحبله على قاضي الأحداث.
إذن و من خلال ما سبق فإن النيابة العامة هي وحدها التي تشرف على متابعة الحدث و بالتالي لا يمكن إقامة الدعوى العمومية مطلقا من طرف المطالب بالحق المدني هذا بخلاف القواعد العامة التي يمكن فيها كذالك للطرف المدني الحق في تحريك الدعوى العمومية .
ثانيا: خصوصيات المساطر في قضايا الأحداث.
من خلال اطلاعنا على المقتضيات القانونية الخاصة بقضاء الأحداث في قانون المسطرة الجنائية، نلاحظ أن المشرع أفرد لمسطرة الأحداث مجموعة من الخصوصيات تميزها على المسطرة المتعلقة بمحاكمة الرشداء.
و هذه الخصوصيات يمكن إجمالها في الآتي:
1) سرية الجلسات والإجراءات
يتبين من خلال مقتضيات المادة 478 ق.م.ج ان المشرع اشترط ضرورة أن تكون الجلسات المتعلقة بالأحداث سرية أثناء البحث و المناقشة، كما يجب بجلسة سرية يحضر فيما الحدث شخصيا و مساعدا من محامي و ممثله القانوني ما لم تعفيه المحكمة من الحضور، و إذا تغيب الحدث أو ممثله عن الحضور بعدما استدعى بصفة قانونية و لم يبرر تغيبه بأي عذر مقبول فإنه يتم البحث في القضية و يكون الحكم بمثابة حضوري طبقا للمادة 314 من نفس القانون.
و نطبق أثناء محاكمة الحدث مقتضيات المواد من 297 إلى 372 من ق.م.ج. مع مراعاة المواد الخاصة بالأحداث من المادة 476 إلى 484.
و طبقا لمقتضيات المادة 479 فإنه إذا كان في القضية شهود فإنه لا يقبل الحضور في البحث والمناقشات إلا الشهود في القضية و الولي أو الوصي أو الجهة المكلفة بالحدث أو أعضاء هيئات المحاماة و المتعاونين المكلفون بنظام الحرية المحروسة و القضاة و الحدث الذي قد يتقدم بمطالبه بالجلسة.
و يمكن للقاضي أو الرئيس أن يأمر في كل وقت بانسحاب الحدث من البحث و المناقشات كليا أو جزئيا و يعذر الحكم بحضوره ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك.
و مبدأ السرية هذا يمنع نشر أي بيانات عن الجلسات في أي وسيلة من وسائل الإعلام و النشر أو غيرها .
كما يمنع نشر كل نص أو رسم أو صورة تتعلق بالهوية و شخصية الأحداث الجانحين تحت طائلة الحكم على المخالف بالعقوبات المصورة قانونا .
2) ضرورة مؤازرة الحدث من طرف المحامي.
تتم المادة 478 من ق.م.ج. على أن الحدث يجب أن يحضر شخصيا و مساعدا من طرف محامي و ممثله القانوني.
و حافظ المشرع على مؤازرة المحامي للحدث مرتكب الفعل الجرمي في مراحل الدعوى و المحاكمة تحت طائلة البطلان.
و نشير إلى أنه إذا لم يختار الحدث أو ممثله القانوني محاميا فيعينه له قاضي الأحداث تلقائيا أو يدعوا نقيب هيئة لتعيينه .
3) حفظ البت إلى حين البت في قضايا الرشداء
بالرجوع لمقتضيات المادة 461 من ق.م.ج. فإنه إذا وجد مع الحدث مساهمون أو مشاركون رشداء وجب فصل قضيتهم عن القضية المتعلقة بالحدث و تكون النيابة العامة ملفا خاصا للحدث تحيله على قاضي أو المستشار المكلف بالأحداث كل حسب اختصاصه.
ويمكن تبعا لنص المادة 464 من ق.م.ج. للمتضرر من الجريمة التي اقترفها الحدث أن يطالب بالحق المدني و تقام الدعوى المدنية مع إدخاله لممثله القانوني المسؤول مدنيا أمام قاضي الأحداث أو غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية في قضايا الجنح أو أمام المستشار المكلف بالأحداث أو أمام غرفة الجنايات للأحداث لدى محكمة الاستئناف في قضايا الجنايات و الجنح و المرتبطة.
وإذا اتهم في القضية الواحدة متهمون رشداء وآخرون أحداث وتم فصل المتابعة في حق هؤلاء الآخرين فإن الدعوى المدنية التي يمارسها المتضرر طبقا للمادة 465 من ق.م.ج. إلى الهيئة الزجرية التي يعهد إليها بمحاكمة الرشداء وفي هذه الحالة لا يحضر الحدث في المناقشات و يحضر بالنيابة عنه في الجلسة ممثله القانوني ويمكن أن يؤجل البحث في الدعوى المدنية إلى حين الفصل نهائيا في حق الأحداث.
الفقرة الثانية: الأحكام الصادرة في حق الحدث
نظرا للوضعية الخاصة للحدث فإنه لا يمكن التعامل معه على أنه مجرد شرير عدو للمجتمع ميؤوس منه، بل يجب اعتباره مخطئا فقط وأنه في وضعية يمكن تدارك علاجها ومحتاج إلى رعاية تعيده نحو طريق الرشد، وأنه إنسان لا يحتاج إلى عقاب بقدر ما يحتاج إلى إصلاح و تهذيب كل ذلك بغية الوصول إلى تقويم شخصيته وإعادة تأهيله نفسيا واجتماعيا كي يصبح عنصرا صالحا لدى المجتمع، لهذا الموضوع المشرع مجموعة من التدابير بقصد الإصلاح.
اولا: التدابير الخاصة بالحدث
1: التدابير الخاصة بالأحداث داخل المحيط الأسري
• التنبيه و التوبيخ
المشرع المغربي من بين التشريعات التي تبنت التوبيخ وذلك بمقتضى المادة 468 من ق.م.ج. في فقرتها الثانية على أنه في حالة ثبوت المخالفة يمكن للقاضي أن يقتصر إما على توبيخ الحدث أو الحكم بالغرامة المنصوص عليها قانونا هذا بالنسبة للحدث الذي يتراوح عمره ما بين 12 و18 سنة، أما الأحداث أقل من 12 سنة فقد عوض المشرع مصطلح التوبيخ بتنبيه الحدث طبقا للمادة 480 من ق.م.ج.، وذلك راجع بالأساس لانعدام التمييز لهذه الفئة.
كما أن التنبيه مشروط بارتكاب الحدث جنحة معاقب علما بأكثر من 2 سنوات لأن المادة 480 في فقرتها الثانية تنص على ذلك.
• التسليم:
أعطى المشرع المغربي لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إمكانية تسليم الحدث إلى أبويه أو الوصي أو المقدم عليه أو كافله أو لحاضنه أو للمؤسسة أو للشخص جدير بالثقة أو للشخص المكلف برعايته و هذا الترتيب إلزامي طبقا للمادة 481 وهو الأمر الذي نصت عليه المادة 493 أمام محاكم الاستئناف.
• الحرية المحروسة:
و يعني نظام الحرية المحروسة إخضاع الحدث للإشراف والتتبع التربوي لإعادة تربيته وتجنبه كل عود إلى الجريمة (المادتان 497 و 498 ) وبذلك يتبين أن الطبيعة القانونية لنظام الحرية المحروسة هي أنه تدبير للحماية والتهذيب، أي تدابير احترازي و تربوي محض .
و يكون الدور المنوط للمندوب على اعتباره أنه المشرف على نظام الحرية المحروسة هو محاولة تدارك الصعوبات التي يعيشها الطفل داخل الأسرة وخلف جو من التعاون بين الحدث و أسرته.
2: التدابير الخاصة بالحدث داخل المحيط المؤسساتي:
هناك مجموعة من المراكز الخاصة لحماية الطفولة نذكر منها:
• فرع الملاحظة: يودع به الحدث بصفة مؤقتة لمدة تتراوح ما بين 3 أسابيع و 3 أشهر، حيث يتم تسليمه إما لأسرهم أو إلى مراكز إعادة التربية أو مؤسسة أخرى متخصصة حسب منطوق الحكم الذي يعتمد في غالب الأحيان على بحث اجتماعي.
• مراكز خاصة بالتعليم: و فيما يقوم المربون بالحفاظ على المستوى التعليمي للأحداث المحاليين تعليما إلى أن يصلوا إلى قسم الشهادة الابتدائية و عندئد يعودون إما إلى أسرهم لإتمام دراستهم وإما إلى أندية العمل الاجتماعي، و إما إلى أحد المراكز المهيئة لذلك.
• مراكز الخاصة بالتكوين المهني: وتتراوح مدة التكوين بهذه المراكز ما بين سنة إلى 3 سنوات تخصص السنة الأولى للاستئناس و السنة الثانية للتخصص و السنة الثالثة للإنتاج و التأهيل و يتابع الأحداث دروسهم في الميكانيك و النجارة و الكهرباء، و يحصلون على دبلومات.
• مراكز خاصة بالتكوين الفلاحي: وهي تستقبل الأحداث الذين لا يتوفرون على مستوى دراسي معين و عادة ما يكون من البادية
• أندية العمل الاجتماعي: تشكل الأندية مرحلة انتقالية بين مؤسسة إعادة التربية ووسط الحدث العائلي وهي عبارة عن مؤسسات مفتوحة في وجه الأحداث الذين غادروا مراكز إعادة التربية حيث واصلوا دراستهم و تكوينهم حتى حصلوا على دبلوم و يكونون في أمس الحاجة إلى مرحلة انتقالية بين نظام الحياة داخل المركز و بين الحياة في وسطهم الطبيعي.
وهدف هذه الأندية تمكين الحدث من مواصلة تعليمه الثانوي إذا كان يدرس.
ثانيا: العقوبات الصادرة ضد الحدث
1: العقوبات الحبسية
يقصد بالعقوبات السالبة للحرية الجزاء البدني الذي يوقعه المشرع على مرتكب الفعل الجرمي وتنفيذ داخل المؤسسات السجنية.
وبقراءة لمقتضيات ق.م.ج. يلاحظ أنه يمنع إيداع الحدث الذي لم يبلغ بعد سن 12 سنة بعكس الأمر بخصوص الأحداث الذي يتراوح سنهم ما بين 12 سنة و 18 سنة الذين يمكن أن يطبق في حقهم عقوبات سالبة للحرية بالإضافة إلى التدبير المتخذ.
وقاضي الأحداث في بعض الأحيان يكون مضطرا لاستبدال التدابير التربوية أو إتمامها بعقوبة حبسية خصوصا إذا كان الحدث المنحرف خطيرا مع مراعاة سنه بحيث لابد من تجاوز 12 سنة وإلا تعرض إجراء القاضي للنقض.
2: الغرامات المالية:
الغرامة هي عقوبة تتصل بالذمة المالية للمحكوم عليه و تتمثل في الالتزام بأداء مبلغ مالي معين لفائدة الخزينة العامة.
وقد جاء في مقتضيات المادة 468 من ق.م.ج. أنه في حالة ثبوت المخالفة يمكن للقاضي أن يقتصر إما على توبيخ الحدث أو الحكم بالغرامة المنصوص عليها قانونا .
ويتبين من خلال مقتضيات هذه المادة أن المشرع جعل من التوبيخ و الغرامة هما الأنسب في التطبيق على الحدث مرتكب المخالفة إلا أن ما يثير الانتباه هو عدم تنصيص المشرع على استثنائية الغرامة بالنسبة للحدث المخالف كما فعل بالنسبة للحدث المرتكب للجنحة، حيث تنص المادة 482 من ق.م.ج. "أنه يمكن لغرفة الأحداث بصفة استثنائية أن تعوض أو تكمل التدابير بعقوبة حبسية أو مالية بالنسبة للأحداث يشرط أن تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 سنة بالإضافة إلى تعليل قرار التغيير.
خــاتمة
من خلال رصد الإجراءات المسطرية المتعلقة بالأحداث فإننا سجلنا بعض الخصوصيات التي تميزها عن المسطرة المتعلقة بالرشداء، و هذه الخصوصية راجعة بالأساس إلى أن المشرع في إطار التزاماته الدولية كعضو في هيئة الأمم المتحدة و مصادقته على اتفاقية حقوق الطفل، و أخذا كذلك بما جاء في التوصية رقم 12 الموجهة من لجنة حقوق الطفل للأمم المتحدة إلى المغرب، حاول من خلالها المشرع تكييف قواعد المسطرة الجنائية مع ما اعتمدته المنظومة الدولية في مجال قضاء الأحداث.

ضمانات محاكمة الأحداث الجانحين وإشكالات تطبيقها


لقد اهتم المشرع المغربي بالحدث أثناء محاكمته وذلك من خلال تأطير إجراءات محاكمته بمجموعة من الضمانات تتميز بنوع من الخصوصية والتي تتلاءم مع ما أتت به قواعد بكين الخاصة بالأحداث والاتفاقيات الدولية التي نص عليها المغرب .
وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية سنجد أن المشرع قد نص على عدة ضمانات تحمي حقوق الحدث أثناء المحاكمة ومنها:
ضرورة المساندة من طرف محامي ثم  حضور الحدث مع ممثله القانوني وحضور الشهود والأقارب ،سرية الجلسات ثم منع نشر بيان الجلسات في وسائل الإعلام ثم إلزامية البحث الاجتماعي .
وسنعمل على مناقشة مختلف هذه الضمانات وفقا لقانون المسطرة الجنائية مع الإشارة إلى أهم المستجدات التي أتت بها مسودة مشروع قانون المسطرة الحنائية ومدى تفعيلتها على مستوى الواقع العملي للمحاكم .
أولا : الحق في موازاة الحدث من طرف محامي
إن تعيين محامي لمؤازرة الحدث مسألة إلزامية،فيمكن لولي الحدث أن يختار محاميا،ولكن إذا لم يتمكن فيعينه له قاضي الأحداث تلقائيا أو يدعو نقيب المحامين لتعيينه وهذا ما نصت عليه (المادة 475) من . ق.م .ج والتي تتماشى مع ما نصت عليه المادة 15 من قواعد بكين المتعلقة بالحدث والتي تنص على " أن للحدث الحق في أن يمثله طوال سير الإجراءات القضائية مستشاره القانوني أو أن يطلب أن تنتدب له المحكمة محاميا مجانا حين ينص قانون البلد على جواز ذلك ".
ونفس الشيء سارت عليه مقتضيات المادة 4/1 من قانون 5 –174 الفرنسي التي تنص على أنه  '' يجب أن يساند الحدث المتابع بمحام إذا لم يختره الحدث أو ممثله القانوني يعينه له وكيل الجمهورية أو قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق عن طريق نقيب المحامين".
وفي نظرنا فإن مسألة وجود محامي يؤازر الطفل تكتسي أهمية بالغة،لمساندة الطفل مساندة نفسية عاطفية لأنه في أمس الحاجة إلى الحماية وكذلك تساعد القضاء في التعرف على شخصية الحدث وملابسات القضية .
ثانيا : حضور الحدث شخصيا مع ممثله القانوني
توجب المادة 478 من قانون المسطرة الجنائية بضرورة حضور الحدث شخصيا مع ممثله القانوني حيث جاء فيها " يجري البحث والمناقشات ويصدر الحكم بجلسة سرية ويجب أن يحظر الحدث شخصيا ومساعدا بمحاميه وممثله القانوني ما لم تعف المحكمة الحدث أو ممثله القانوني من الحضور " وبالتالي فإن حضور الحدث لمحاميه فهو إلزامي في الجلسات، أما حضور الحدث فيمكن للرئيس أن يأمر في كل وقت بانسحاب الحدث من البحث والمناقشات كليا أو جزئيا ويصدر الحكم بمحضره ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك.
ثالثا : حضور الشهود والأقارب
لقد حصرت المادة 479 الأشخاص الذين يمكن أن يحضروا مناقشة قضايا الأحداث المتميزة بالسرية في الشهود في القضية والأقارب والوصي أو المقدم أو الكافل أو الحاضن أو الممثل القانوني للحدث أو الشخص أو الهيئة المكلفة برعايته وأعضاء هيئة المحاماة والمندوبون المكلفون بنظام الحرية المحروسة والقضاة والطرف المدني الذي يتقدم بمطالبه بالجلسة .
وبالرجوع إلى مسودة قانون المسطرة الجنائية فإنها أضافت أشخاص آخرين ممثلين في الموظفون المكلفون بمهام المساعدة الاجتماعية بخلايا التكفل بالنساء والأطفال بالمحاكم .
رابعا : سرية الجلسات
من أجل المحافظة على سمعة وكرامة الحدث ومراعاة لسنه وظروفه النفسية والاجتماعية أكد المشرع المغربي على ضمان سرية الجلسات في جميع المراحل وذلك وفقا لما نصت عليه المادة 478  من قانون المسطرة الجنائية، والتي جاء فيها: " يجري البحث والمناقشات ويصدر الحكم بجلسة سرية ويجب أن يحضر الحث شخصيا ومساعدا بمحاميه وممثله القانوني،ما لم تعف المحكمة الحدث أو ممثله القانوني من الحضور ....."
وتعتبر سرية الجلسات من الإجراءات الإلزامية التي تضمن احترام خصوصيات الحدث، وقد أكد عليها المشرع المغربي تماشيا مع مقتضيات المادة 8 من القواعد النموذجية لإدارة شؤون قضاة الأحداث (قواعد بكين)  التي تنص على أنه يحترم حق الحدث في حماية خصوصياته في جميع المراحل تفاديا لأي ضرر قد يناله من جراء دعاية لا لزوم لها أو بسبب الأوصاف الجنائية.
وهذا بالفعل ما سار عليه المشرع المغربي حيث قضى المجلس الأعلى بنقض وإبطال الحكم الصادر من غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرشيدية بتاريخ 31 ماي 1991 في القضية ذات العدد 1/91 وبإحالة القضية وطلب النقض فيها على نفس المحكمة لتحكم فيها طبقا للقانون وهي متركبة من هيئة أخرى وبرد المبلغ المودع لصاحبه.
وبالرجوع إلى تقييم هذا الحق بشأن الممارسة العملية فإنه في غالب الأحيان يتم خرق هذا المبدأ حيث  أن الهيئات القضائية الملزمة بتطبيق السرية تبقي داخل قاعة الجلسات مجموع المتهمين الأحداث ليحضروا مناقشة قضايا بعضهم البعض معتبرة أن حضور هذه الفئة لا يخرق السرية.
 والحال أنه إذا كان المقصود من السرية رفع مشقة المواجهة المعنوية والمادية بين الحدث والتهمة الموجهة إليه، والاقتصار على حضور أشخاص لا تقوم بينهم وبين الحدث مشاعر الحقد والخجل والرغبة في حماية الكرامة التي هي أم الحقوق، فإنه بحضور متهمين آخرين -وإن كانوا قاصرين تصبح كل مشاعر الحدث والاعتبارات الأخرى التي سعى المشرع إلى حمايتها مكشوفة على نحو تنعدم معه الغاية من السرية.
هناك استثناء آخر يخرق الالتزام التام بمبدأ السرية هو تطبيق المسطرة الغيابية في قضايا الأحداث، وهي المسطرة التي تتضمن التعليق والإيداع والنشر، وهي الإجراءات التي تسلب المتهم الغائب أهليته القانونية بكاملها (والحدث لا أهلية له)، وتجرده من صفته المدنية عن طريق إشهار الموت المدني كما عرفه القانون الروماني في عصور الاستبداد وهو أمر يحمل انتهاكا صارخا لحقوق الرشداء فكيف يمكن تصورها بالنسبة للأحداث؟
وبالتالي فإنه يتعين على الهيئات القضائية احترام هذا المبدأ من أجل ضمان احترام سمعة الحدث وتفادي التأثيرات التي يمكن أن تضر بمستقبله في حالة ما إذا تمت علانية الجلسات الشيء الذي لا محالة سيؤثر على تربيته وإعادة تأهيله اجتماعيا.
خامسا : منع نشر بيان الجلسات في وسائل الإعلام
بخصوص هذا المبدأ فإنه تم التنصيص عليه وفقا للمادة 466 من ق.م.ج حيث نصت المادة على انه "يمنع نشر أية بيانات عن جلسات الهيئات القضائية للأحداث في الكتب وأية وسيلة أخرى ويمنع أيضا أن ينشر بنفس الطرق كل نص أو رسم أو صورة أخرى يعاقب عن مخالفة هذه المقتضيات بغرامة يتراوح مبلغها بين 10.000 و 50.000 درهم " .
وقد خص المشرع عقوبات وغرامات مالية على الأشخاص الذين يخالفون هذه المقتضيات ،وكذلك إجراءات وأوامر تصدرها المحكمة لإتلاف ومنع المعروضات والصور والأشرطة والمطبوعات وغيره من وسائل النشر كليا أو جزئيا وأن تمنع تداولها أو إذاعتها أو بتها  .
وهذا ما أكد عليه كذلك المادة 466 من مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية.
حيث أضاف المشرع في هذه المادة وسيلة أخرى يمنع فيها نشر هده البيانات والمتمثلة في وسائل النشر الإلكترونية أو السمعية البصرية كما أضافت أن الأحداث يتمتعون بهذه الضمانة سواء كانوا ضحايا أو في وضعية صعبة أو في نزاع مع  القانون، و بالتنصيص على هذه التعديلات نلاحظ أن هذه المسودة قد وسعت من مجال الضمانات الكفيلة بحماية الأحداث من أي مس أو خرق لحقوق وحريات الحدث .
وإذا كان المشرع المغربي قد منع نشر أية معلومات بشأن الحدث فإنه وضع إستثناء لهذا المنع حيث أجاز نشر الحكم من غير أن يبين فيه اسم الحدث ولو بالأحرف الأولى أو بواسطة صور أو رسوم أو أية إشارات أخرى من شأنها التعريف به، وإلا عوقب على ذلك بغرامة تترواح مبلغا بين 1200 و 3000 درهم كما اجاز للمسؤولين عن مراكز حماية الطفولة استعمال وسائل الإعلام لنشر بعض المعلومات المتعلقة بالحدث الذي انقطعت صلته بأسرته قصد العثور عليه وذلك بعد أخد إذن قاضي الأحداث.
إلا أنه على المستوى  الواقع العملي نلاحظ  أن عدة جرائد ومجلات إعلامية لا تحترم هذا المبدأ وتقوم بنشر الأحكام والمعلومات من الأحداث كما أن هناك بعض القنوات التي تجري استطلاعات تلفزية مع الأحداث سواء قبل صدور الحكم أو بعده وتشير إلى أسمائهم الشخصية والعائلية ففي نظرنا يجب أن يتولى قاضي الأحداث بالمحكمة الإبتدائية تتبع هده الحالات وإشعار النيابة العامة بصفة إلزامية كلما تعلق الأمر بخرق وسائل الإعلام لمبدأ عدم نشر الأحكام وبيانات الجلسات للهيئات القضائية للأحداث بطريقة غير قانونية
سادسا : إلزامية إجراء البحث الاجتماعي على الحدث
تنص المادة 474 من ق.م.ج على أنه إذا كانت الأفعال تكون جنحة فإن قاضي الأحداث يجري نفسه أو يأمر بإجراء بحث لتحديد التدابير الواجب اتخادها لضمان حماية الحدث وإنقاذه حيث يتلقى بواسطة بحث اجتماعي معلومات عن حالة عائلته المادية والمعنوية وعن طبعه وسوابقه وعن مواظبته بالمدرسة وسيرته فيها وعن سلوكه المهني وعن رفقائه وعن ظروف التي عاش فيها وتلقى فيها تربيته،ويأمر كذلك بإجراء فحص طبي أو فحص عقلي ويمكنه عند الاقتضاء إصدار جميع الأوامر المفيدة .
كما أسند المشرع المغربي مهمة القيام بهذا البحث إلى خلية مهمة تتمثل في الإدارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية أو إلى الجمعيات أو الأشخاص أو المساعدات الاجتماعيات المؤهلين لهذه الغاية .
كما أضافت مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية هيئات اخرى تناط بها مهمة القيام بهذا البحث وهم الموظفون المكلفين بمهام المساعدة الاجتماعية بخلايا التكفل بالنساء.
إلا أن واقع العملي  يبين على أن هناك شح واضح في تفعيل هده الضمانة  حيث نجد أن قاضي الأحداث لا يكلف نفسه في تطبيق هذه المقتضيات والتي تأثر بشكل كبير على نوع الحكم أو القرار الذي قد سيتخذه القاضي في مواجهة الحدث وذلك نظرا لكثرة القضايا الواردة عليه بخصوص الأحداث وعدم تخصصه في هذا المجال .
كما أن هناك إشكال آخر يعيق فعالية البحث الاجتماعي وذلك نتيجة  لعدم التخصص الكافي لهذه الهيئات للقيام بهذا البحث، حيث في غالب الأحيان تفتقد هذه المراكز لأشخاص متخصصين في التعامل مع هذه الفئة وبالتالي فإن هذا البحث سيكون مجردا من أي ضمانة للحدث الشيء الذي سيؤثر على محاكمة الحدث الجانح.