لقد اهتم المشرع المغربي بالحدث أثناء محاكمته وذلك من خلال تأطير إجراءات محاكمته بمجموعة من الضمانات تتميز بنوع من الخصوصية والتي تتلاءم مع ما أتت به قواعد بكين الخاصة بالأحداث والاتفاقيات الدولية التي نص عليها المغرب .
وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية سنجد أن المشرع قد نص على عدة ضمانات تحمي حقوق الحدث أثناء المحاكمة ومنها:
ضرورة المساندة من طرف محامي ثم حضور الحدث مع ممثله القانوني وحضور الشهود والأقارب ،سرية الجلسات ثم منع نشر بيان الجلسات في وسائل الإعلام ثم إلزامية البحث الاجتماعي .
وسنعمل على مناقشة مختلف هذه الضمانات وفقا لقانون المسطرة الجنائية مع الإشارة إلى أهم المستجدات التي أتت بها مسودة مشروع قانون المسطرة الحنائية ومدى تفعيلتها على مستوى الواقع العملي للمحاكم .
أولا : الحق في موازاة الحدث من طرف محامي
إن تعيين محامي لمؤازرة الحدث مسألة إلزامية،فيمكن لولي الحدث أن يختار محاميا،ولكن إذا لم يتمكن فيعينه له قاضي الأحداث تلقائيا أو يدعو نقيب المحامين لتعيينه وهذا ما نصت عليه (المادة 475) من . ق.م .ج والتي تتماشى مع ما نصت عليه المادة 15 من قواعد بكين المتعلقة بالحدث والتي تنص على " أن للحدث الحق في أن يمثله طوال سير الإجراءات القضائية مستشاره القانوني أو أن يطلب أن تنتدب له المحكمة محاميا مجانا حين ينص قانون البلد على جواز ذلك ".
ونفس الشيء سارت عليه مقتضيات المادة 4/1 من قانون 5 –174 الفرنسي التي تنص على أنه '' يجب أن يساند الحدث المتابع بمحام إذا لم يختره الحدث أو ممثله القانوني يعينه له وكيل الجمهورية أو قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق عن طريق نقيب المحامين".
وفي نظرنا فإن مسألة وجود محامي يؤازر الطفل تكتسي أهمية بالغة،لمساندة الطفل مساندة نفسية عاطفية لأنه في أمس الحاجة إلى الحماية وكذلك تساعد القضاء في التعرف على شخصية الحدث وملابسات القضية .
ثانيا : حضور الحدث شخصيا مع ممثله القانوني
توجب المادة 478 من قانون المسطرة الجنائية بضرورة حضور الحدث شخصيا مع ممثله القانوني حيث جاء فيها " يجري البحث والمناقشات ويصدر الحكم بجلسة سرية ويجب أن يحظر الحدث شخصيا ومساعدا بمحاميه وممثله القانوني ما لم تعف المحكمة الحدث أو ممثله القانوني من الحضور " وبالتالي فإن حضور الحدث لمحاميه فهو إلزامي في الجلسات، أما حضور الحدث فيمكن للرئيس أن يأمر في كل وقت بانسحاب الحدث من البحث والمناقشات كليا أو جزئيا ويصدر الحكم بمحضره ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك.
ثالثا : حضور الشهود والأقارب
لقد حصرت المادة 479 الأشخاص الذين يمكن أن يحضروا مناقشة قضايا الأحداث المتميزة بالسرية في الشهود في القضية والأقارب والوصي أو المقدم أو الكافل أو الحاضن أو الممثل القانوني للحدث أو الشخص أو الهيئة المكلفة برعايته وأعضاء هيئة المحاماة والمندوبون المكلفون بنظام الحرية المحروسة والقضاة والطرف المدني الذي يتقدم بمطالبه بالجلسة .
وبالرجوع إلى مسودة قانون المسطرة الجنائية فإنها أضافت أشخاص آخرين ممثلين في الموظفون المكلفون بمهام المساعدة الاجتماعية بخلايا التكفل بالنساء والأطفال بالمحاكم .
رابعا : سرية الجلسات
من أجل المحافظة على سمعة وكرامة الحدث ومراعاة لسنه وظروفه النفسية والاجتماعية أكد المشرع المغربي على ضمان سرية الجلسات في جميع المراحل وذلك وفقا لما نصت عليه المادة 478 من قانون المسطرة الجنائية، والتي جاء فيها: " يجري البحث والمناقشات ويصدر الحكم بجلسة سرية ويجب أن يحضر الحث شخصيا ومساعدا بمحاميه وممثله القانوني،ما لم تعف المحكمة الحدث أو ممثله القانوني من الحضور ....."
وتعتبر سرية الجلسات من الإجراءات الإلزامية التي تضمن احترام خصوصيات الحدث، وقد أكد عليها المشرع المغربي تماشيا مع مقتضيات المادة 8 من القواعد النموذجية لإدارة شؤون قضاة الأحداث (قواعد بكين) التي تنص على أنه يحترم حق الحدث في حماية خصوصياته في جميع المراحل تفاديا لأي ضرر قد يناله من جراء دعاية لا لزوم لها أو بسبب الأوصاف الجنائية.
وهذا بالفعل ما سار عليه المشرع المغربي حيث قضى المجلس الأعلى بنقض وإبطال الحكم الصادر من غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرشيدية بتاريخ 31 ماي 1991 في القضية ذات العدد 1/91 وبإحالة القضية وطلب النقض فيها على نفس المحكمة لتحكم فيها طبقا للقانون وهي متركبة من هيئة أخرى وبرد المبلغ المودع لصاحبه.
وبالرجوع إلى تقييم هذا الحق بشأن الممارسة العملية فإنه في غالب الأحيان يتم خرق هذا المبدأ حيث أن الهيئات القضائية الملزمة بتطبيق السرية تبقي داخل قاعة الجلسات مجموع المتهمين الأحداث ليحضروا مناقشة قضايا بعضهم البعض معتبرة أن حضور هذه الفئة لا يخرق السرية.
والحال أنه إذا كان المقصود من السرية رفع مشقة المواجهة المعنوية والمادية بين الحدث والتهمة الموجهة إليه، والاقتصار على حضور أشخاص لا تقوم بينهم وبين الحدث مشاعر الحقد والخجل والرغبة في حماية الكرامة التي هي أم الحقوق، فإنه بحضور متهمين آخرين -وإن كانوا قاصرين تصبح كل مشاعر الحدث والاعتبارات الأخرى التي سعى المشرع إلى حمايتها مكشوفة على نحو تنعدم معه الغاية من السرية.
هناك استثناء آخر يخرق الالتزام التام بمبدأ السرية هو تطبيق المسطرة الغيابية في قضايا الأحداث، وهي المسطرة التي تتضمن التعليق والإيداع والنشر، وهي الإجراءات التي تسلب المتهم الغائب أهليته القانونية بكاملها (والحدث لا أهلية له)، وتجرده من صفته المدنية عن طريق إشهار الموت المدني كما عرفه القانون الروماني في عصور الاستبداد وهو أمر يحمل انتهاكا صارخا لحقوق الرشداء فكيف يمكن تصورها بالنسبة للأحداث؟
وبالتالي فإنه يتعين على الهيئات القضائية احترام هذا المبدأ من أجل ضمان احترام سمعة الحدث وتفادي التأثيرات التي يمكن أن تضر بمستقبله في حالة ما إذا تمت علانية الجلسات الشيء الذي لا محالة سيؤثر على تربيته وإعادة تأهيله اجتماعيا.
خامسا : منع نشر بيان الجلسات في وسائل الإعلام
بخصوص هذا المبدأ فإنه تم التنصيص عليه وفقا للمادة 466 من ق.م.ج حيث نصت المادة على انه "يمنع نشر أية بيانات عن جلسات الهيئات القضائية للأحداث في الكتب وأية وسيلة أخرى ويمنع أيضا أن ينشر بنفس الطرق كل نص أو رسم أو صورة أخرى يعاقب عن مخالفة هذه المقتضيات بغرامة يتراوح مبلغها بين 10.000 و 50.000 درهم " .
وقد خص المشرع عقوبات وغرامات مالية على الأشخاص الذين يخالفون هذه المقتضيات ،وكذلك إجراءات وأوامر تصدرها المحكمة لإتلاف ومنع المعروضات والصور والأشرطة والمطبوعات وغيره من وسائل النشر كليا أو جزئيا وأن تمنع تداولها أو إذاعتها أو بتها .
وهذا ما أكد عليه كذلك المادة 466 من مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية.
حيث أضاف المشرع في هذه المادة وسيلة أخرى يمنع فيها نشر هده البيانات والمتمثلة في وسائل النشر الإلكترونية أو السمعية البصرية كما أضافت أن الأحداث يتمتعون بهذه الضمانة سواء كانوا ضحايا أو في وضعية صعبة أو في نزاع مع القانون، و بالتنصيص على هذه التعديلات نلاحظ أن هذه المسودة قد وسعت من مجال الضمانات الكفيلة بحماية الأحداث من أي مس أو خرق لحقوق وحريات الحدث .
وإذا كان المشرع المغربي قد منع نشر أية معلومات بشأن الحدث فإنه وضع إستثناء لهذا المنع حيث أجاز نشر الحكم من غير أن يبين فيه اسم الحدث ولو بالأحرف الأولى أو بواسطة صور أو رسوم أو أية إشارات أخرى من شأنها التعريف به، وإلا عوقب على ذلك بغرامة تترواح مبلغا بين 1200 و 3000 درهم كما اجاز للمسؤولين عن مراكز حماية الطفولة استعمال وسائل الإعلام لنشر بعض المعلومات المتعلقة بالحدث الذي انقطعت صلته بأسرته قصد العثور عليه وذلك بعد أخد إذن قاضي الأحداث.
إلا أنه على المستوى الواقع العملي نلاحظ أن عدة جرائد ومجلات إعلامية لا تحترم هذا المبدأ وتقوم بنشر الأحكام والمعلومات من الأحداث كما أن هناك بعض القنوات التي تجري استطلاعات تلفزية مع الأحداث سواء قبل صدور الحكم أو بعده وتشير إلى أسمائهم الشخصية والعائلية ففي نظرنا يجب أن يتولى قاضي الأحداث بالمحكمة الإبتدائية تتبع هده الحالات وإشعار النيابة العامة بصفة إلزامية كلما تعلق الأمر بخرق وسائل الإعلام لمبدأ عدم نشر الأحكام وبيانات الجلسات للهيئات القضائية للأحداث بطريقة غير قانونية
سادسا : إلزامية إجراء البحث الاجتماعي على الحدث
تنص المادة 474 من ق.م.ج على أنه إذا كانت الأفعال تكون جنحة فإن قاضي الأحداث يجري نفسه أو يأمر بإجراء بحث لتحديد التدابير الواجب اتخادها لضمان حماية الحدث وإنقاذه حيث يتلقى بواسطة بحث اجتماعي معلومات عن حالة عائلته المادية والمعنوية وعن طبعه وسوابقه وعن مواظبته بالمدرسة وسيرته فيها وعن سلوكه المهني وعن رفقائه وعن ظروف التي عاش فيها وتلقى فيها تربيته،ويأمر كذلك بإجراء فحص طبي أو فحص عقلي ويمكنه عند الاقتضاء إصدار جميع الأوامر المفيدة .
كما أسند المشرع المغربي مهمة القيام بهذا البحث إلى خلية مهمة تتمثل في الإدارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية أو إلى الجمعيات أو الأشخاص أو المساعدات الاجتماعيات المؤهلين لهذه الغاية .
كما أضافت مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية هيئات اخرى تناط بها مهمة القيام بهذا البحث وهم الموظفون المكلفين بمهام المساعدة الاجتماعية بخلايا التكفل بالنساء.
إلا أن واقع العملي يبين على أن هناك شح واضح في تفعيل هده الضمانة حيث نجد أن قاضي الأحداث لا يكلف نفسه في تطبيق هذه المقتضيات والتي تأثر بشكل كبير على نوع الحكم أو القرار الذي قد سيتخذه القاضي في مواجهة الحدث وذلك نظرا لكثرة القضايا الواردة عليه بخصوص الأحداث وعدم تخصصه في هذا المجال .
كما أن هناك إشكال آخر يعيق فعالية البحث الاجتماعي وذلك نتيجة لعدم التخصص الكافي لهذه الهيئات للقيام بهذا البحث، حيث في غالب الأحيان تفتقد هذه المراكز لأشخاص متخصصين في التعامل مع هذه الفئة وبالتالي فإن هذا البحث سيكون مجردا من أي ضمانة للحدث الشيء الذي سيؤثر على محاكمة الحدث الجانح.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire