ملخص مفيد حول موضوع الدعوى العمومية


مقدمة:
الجريمة كظاهرة اجتماعية، حتى وإن لم تكن قدرا محتوما في حياة الأفراد إلا أنها قدر محتوم في حياة الشعوب والأمم، وإن كان اعتبار مكافحة الجريمة واجبا مقدسا ملقا على عاتق السلطات المختصة التي تسهر على دعم الأمن في الجماعة فإن أنجع وسيلة لمعاقبة الجاني تكمن في الدعوى العمومية التي تباشر باسم المجتمع بواسطة النيابة العامة باعتبار الجريمة تلحق ضررا بالمجتمع المدني ككل. وهذا لا يعني إقصاء المتضرر ومنعه من مباشرة حقه في التعويض، حيث يمكنه مقاضاة الجاني ومطالبته بالتعويض في الضرر الحاصل من جراء فعله الإجرامي، ومن المبادئ السائدة في التشريعات الجنائية المعاصرة ” لا عقوبة بدون محاكمة” ومعنى ذلك أنه ليس للدولة أن تقتضي حقها بالتنفيذ المباشر وإنما عليها أن تتصدر حكما قضائيا يكشف حقها ويقضي بنفاذه بعد ثبوته. وحق الدولة في العقاب يمر بعدة مراحل إجرائية تبتدئ بالبحث في الجرائم وجمع الأدلة وتنتهي بإصدار حكم إما بالبراءة أو بالإدانة وتنفيذ الحكم. وهذه الإجراءات هي التي تشكل موضوع قانون المسطرة الجنائية والتي تتولى تحديد النطاق الإجرائي للإدعاء الجنائي وتنظم مختلف المراحل التي يجتازها حق الدولة في العقاب وهي ما يصطلح عليها ” بالعقوبة الجنائية” وهي تستهدف بالأساس حماية مصلحة الفرد بقدر ما يتيسر لها وحماية مصلحة الجماعة بالأساس. وحماية الجماعة يتطلب بالضرورة ممثل أو ناطق باسم هذه الجماعة ومدافع عنها وهو ما يعرف بحماية الحق العام والذي تتولاه النيابة العامة عن طريق الدعوى العمومية.
فالدعوى العمومية هي وسيلة للمجتمع لتوقيع العقاب على الجاني طرفاها هما النيابة العامة بوصفها ممثلة للمجتمع والجانب باعتباره مرتكبا للجريمة. وباعتماد المبادئ العامة في نظرية الدعوى عموما ونصوص قانون المسطرة الجنائية بوجه أخص، يمكن القول بأن الوسائل التي ينبغي معالجتها بمناسبة البحث في مؤسسة الدعوى العمومية تقتضي الجواب الوافي على التساؤلات الآتية:
من هي الجهة التي تثبت لها حق إقامة أو تحريك الدعوى العمومية باعتبارها الطرف المدعي أو ما يعرف بالطرف الإيجابي في الدعوى؟.
ضد من تقام الدعوى العمومية أو في مواجهة من باعتباره الطرف المدعي عليه فيها أو ما يعرف بالطرف السلبي في الدعوى؟.
ما هي الموانع التي يحتمل أن تقف عائقا في إثارة الدعوى العمومية؟.
ما هي الحالات التي تنقضي فيها الدعوى العمومية لتسقط إن هي أقيمت؟
وكمحاولة منا للإجابة عن هذه التساؤلات ، ارتأينا تقسيم الموضوع إلى فصلين نخصص الأول لتحديد أطراف الدعوى العمومية والفصل الثاني لموانع إقامة الدعوى العمومية وأسباب سقوطها.
الفصل الأول: أطراف الدعوى العمومية
الفصل الثاني: موانع تحريك الدعوى العمومية وانقضاؤها.
الفصل الأول: أطراف الدعوى العمومية
لدراسة هذا الفصل لا بد من الإشارة إلى أن أطراف الدعوى العمومية يمكن تصورها من جهتين، أو بعبارة أخرى أن للدعوى العمومية طرفان رئيسيان: طرف المدعى عليه كصرف سلبي في الدعوى العمومية، بالإضافة إلى طرف المدعي كطرف إيجابي في الخصومة الجنائية.
ومن خلال كل ما سبق يقتضي منا التساؤل حول الجهات التي يعهد إليها بحق إقامة أو تحريك الدعوى العمومية باعتبار أحد هذه الجهات كطرف مدعي؟ كما أننا نتساءل أيضا عن الجهة التي تقام ضدها أو في مواجهتها الدعوى العمومية باعتبارها الطرف المدعى عليه فيها؟.
وهذا ما سيتم معالجته من خلال بحثنا هذا عن أطراف الدعوى العمومية، حيث سنخصص (المبحث الأول) لدراسة الطرف المدعي في الخصومة الجنائية، ونخصص( المبحث الثاني) لدراسة طرف المدعى عليه.
المبحث الأول: الطرف المدعي في الدعوى العمومية
إن الدعوى العمومية ملك للمجتمع ككل، لذلك فإن المشرع منح في قانون المسطرة الجنائية لجهاز النيابة العامة حق إثارة الدعوى العمومية باسم المجتمع ، كما منح هدا الحق لبعض الجهات في حدود معينة وكاستثناء.
لذلك سيتم دراسة هذا المبحث من خلال تقسيمه إلى مطلبين نتناول النيابة العامة بوصفها الجهاز المعهود إليه تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها بصفة أصلية ( المطلب الأول) ثم بعد ذلك نتعرض للأشخاص والهيئات التي سمح لها المشرع بتحريك الدعوى العمومية كاستثناء ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: النيابة العامة
إذا كانت الدعوى العمومية أو الجنائية الوسيلة القانونية التي جاء بها المشرع المغربي لاقتضاء الحق العام والدفاع عن مصالح مجتمعه، فإنه لا يمكن تحريكها بصفة أصلية إلا من طرف جهاز أناط به المشرع هذه المهمة، ويتعلق الأمر بجهاز النيابة العامة. فما هو مركزها القانوني؟ ( الفقرة الأولى). وما هي صلاحياتها المتعلقة بتحريك الدعوى العمومية؟ (فقرة ثانية).
فقرة أولى: المركز القانوني للنيابة العامة
تشكل النيابة العامة جهاز قضائيا يحرك الدعوى العمومية ويسيرها، ويسهر على مراقبتها، وينفذ قرارات المحكمة وكذا القرارات النهائية كما يمتاز هذا الجهاز بمركز قانوني يختلف عن ما يتمتع به قضاة الحكم.
فما هي تمثيلية جهاز النيابة العامة أمام المحاكم بمختلف درجاتها؟ وما هي الخصائص التي تمتاز بها؟ وما هي أنواع مسؤولية أعضائها؟
أورد المشرع المغربي تمثيلية للنيابة العامة أمام مختلف محاكم المملكة، فظهير 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي المغربي في فصله التاني وقانون المسطرة الجنائية لسنة 2002، لم يوجبا تمثيلية للنيابة العامة أمام محاكم الجماعات والمقاطعات والتي تشكل استثناء من التوجه الذي يتبناه المشرع المغربي بتواجد تمثيلية إجبارية أمام مختلف محاكم المملكة. فعلى مستوى محاكم الدرجة الأولى، تتكون النيابة العامة من وكيل للملك ونائبه أو نوابه يخضعون لإشرافه ومراقبته طبقا لمقتضيات المادة 39 من ق.م.ج.، فهؤلاء الأشخاص منح لهم القانون حق تحريك الدعوى العمومية وممارستها .
أما أمام المحاكم الاستئناف، فطبقا لمقتضيات المادة 48 من ق.م.ج. والفصل 6 من ظهير التنظيم القضائي ،يمثل النيابة العامة الوكيل العام للملك بوصفه رئيسا لها ونوابه يخلفونه إذا عاقه عائق، ويخضعون لإشرافه وتوجيهاته ومراقبته، وقد أسند المشرع المغربي للوكيل العام للملك اختصاص إثارة الدعوى العمومية وممارستها ( المادة 49 من ق.م.ج).
أما بالنسبة للنيابة العامة أمام المجلس الأعلى، فتمثل بواسطة الوكيل العام للملك ونوابه المحامون العامون. هذا ما يتعلق بالمحاكم غير الاستثنائية، أما بخصوص المحاكم الاستثنائية، فيعتبر مندوب الحكومة ممثلا للنيابة العامة أمام المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية ( ف 23 و 24 من قانون العدل العسكري)، أما أمام محكمة العدل العليا فتمثل النيابة العامة بالوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى ويساعده المحامي العام الأول لدى نفس المجلس وعضوين من أعضاء البرلمان ينتخب كل واحد منهما من طرف مجلس النواب ومجلس المستشارين وذلك عملا بالمادة 5 من القانون رقم 63.00.
كما سبق القول اعتبار النيابة العامة هيئة قضائية وممثلة للجهاز التنفيذي، يترتب عن فروق أساسية بينها وبين قضاة الحكم، فالنيابة العامة تمتاز بعدة خصائص من بينها خضوع المرؤوسين لأوامر وتعليمات رؤسائهم المتسلسلون وطاعتهم، وعدم تحمل مسؤوليتهم بأداء تعويض للمتهم في حالة صدور حكم أو قرار يبرؤه بخصوص الأفعال المنسوبة إليه، كما أكد المشرع المغربي على عدم إمكانية تجريح أعضاء النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا وخصما والخصم غير قابل للتجريح المادة 274))، كما منحها صفة الاستقلالية عن كل من قضاء التحقيق وقضاء الحكم والمطالب بالحق المدني بحكم وظيفتها وأمانة الدعوى التي في عنقها حرمة، إضافة إلى حق النيابة العامة بتغيير مواقفها وتدارك أخطائها واعتبارها وحدة غير قابلة للتجزئة.
وإذا كان المشرع المغربي أسند لجهاز النيابة العامة اختصاص إقامة الدعوى العمومية والإشراف على تسييرها والسهر على تنفيذ مقررات المحكمة، فإنه عند الإخلال بهذه المهام تثار مسؤوليته، فأعضاء النيابة العامة يتحملون مسؤوليتهم الجنائية عند ارتكابهم لجريمة تعاقب عليها نصوص القانون الجنائي أو النصوص الخاصة بمناسبة أدائهم للمهام التي أسندها لهم المشرع والأمثلة على ذلك كثيرة ومن بينها المواد 225-229-230-248-250 من القانون الجنائي. وتثار المسؤولية المدنية عندما تثبت سوء نية ممثل الحق العام حيث يلزم بالتعويض عن الاضرار التي لحقت بالمتضرر بمناسبة ممارسته لمهامه طبقا لأحكام المادة 391و400 من قانون المسطرة المدنية.
كما تثار مسؤولية أعضاء النيابة العامة التأديبية عند عدم احترامهم للضوابط القانونية التي يفرضها عليهم واجبهم المهني أو ما يفرضه القانون عن طريق اعتبار الإخلال بإحدى هذه القواعد خطأ معاقب عليه قانونا، ويتعلق الأمرب:
مراقبة سير الدعوى العمومية وتقديم مختلف أوجه المساعدة لهيئات الحكم والتحقيق.
السهر على تنفيذ أوامر وتعليمات ممثلي للنيابة العامة
السلطة التقديرية في إثارة الدعوى العمومية
فقرة ثانية: صلاحيات النيابة العامة بإثارة الدعوى العمومية
تنص المادة 3 في فقرتها الثانية من ق.م.ج على أن ” الدعوى العمومية يقيمها قضاة النيابة العامة ويمارسونها، كما يقيمها الموظفون المكلفون بذلك”. وتنص مقتضيات المادة 36 من ق.م.ج على تولي النيابة العامة إقامة الدعوى العمومية وممارستها ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون.
فما هي الطرق القانونية التي سمح المشرع المغربي للنيابة العامة بنهجها من أجل تحريك الدعوى العمومية وممارستها؟.
بالنسبة للمخالفات: جاء قانون المسطرة الجنائية لـ 2002 بمهام جديدة للنيابة العامة والتي كانت من اختصاص قضاة الحكم وتتمثل في إصدار السند التنفيذي في المخالفات. وطبقا لمقتضيات المادة 375 من ق.م.ج. ” يجوز للنيابة العامة في حالة ارتكاب مخالفة غير معاقب عليها بعقوبة حبسية شريطة أن تكون مثبتة في محضر أو تقرير مع عدم وجود متضرر أو ضحية من تلك المخالفة المرتكبة، أن تقترح على المخالف أداء غرامة جزافية تبلغ نصف الحد الأقصى لغرامة المنصوص عليها قانونا.
ويبدو أن المشرع توفق في اختياره لتعبير ” السند التنفيذي” بدل استعمال عبارة أمر أو حكم أو قرار، لأن السند التنفيذي لا يعتبر إلا مجرد اقتراح، قد ينقلب إلى سند تنفيذي إجباري في حالة اتخاذ موقف سلبي من طرف المخالف.
ويتأرجح موقف المخالف بين موقف قابل لمقترح النيابة العامة، حيث يبادر بمجرد توصله بالسند بتسديد ما بذمته إلى صندوق كتابة الضبط بأية محكمة ابتدائية بعد الإدلاء بالسند داخل أجل 10 أيام، وتقوم هذه الأخيرة بإشعار النيابة العامة مصدرة السند داخل أجل أسبوع يحسب من تاريخ الأداء ( المادة 379 من ق.م.ج) . وبين موقف رافض لهذا المقترح، حيث يتحول السند إلى استدعاء لجلسة الحكم متضمن لتاريخ انعقادها (المادة 377 من ق.م.ج) حيث يقوم وكيل الملك بإحالة القضية على المحكمة للبث فيها وفقا للقواعد العامة وتترتب عنها الآثار المضمنة في الفصلين 381 و 382 من ق.م.ج.
إلا أنه تثار مجموعة من الإشكاليات بهذا الخصوص، فهل يتم التبليغ طبقا لمقتضيات المادة 308 من ق.م.ج. التي تحيل بدورها لمقتضيات الفصول 37-38-39 من ق.م.م.؟ وما هو الجزاء في حالة تخلف أحد البيانات الأساسية الواجب تضمينها في السند التنفيذي طبقا لمقتضيات المادة 376 من ق.م.ج؟ ومتى يبتدئ آجال التعبير عن عدم الرغبة في الأداء في حالة رفض توصل وما هي طبيعة هذا الأجل؟ وما هو الحكم إذا لم تتوصل النيابة العامة بموقف رفض الأداء من المعني بالأمر إلا بعد الإحالة على التنفيذ؟ .
وإضافة إلى السند التنفيذي في المخالفات الذي يشكل طريقة من طرق إقامة الدعوى العمومية، يمكن لوكيل الملك استدعاء المخالف لحضور الجلسة العلنية وذلك في الحالات الأخرى التي لا تتوفر فيها شروط مسطرة السند القابل للتنفيذ، مع إمكانية تطبيقها حتى بالنسبة للمخالفات التي يمكن اللجوء فيها إلى إجراء السند التنفيذي.
بالنسبة للجنح: يملك وكيل الملك أربعة طرق لإقامة الدعوى العمومية وممارستها.
فبالنسبة للحالة الأولى وتتعلق بالأمر القضائي في الجنح، فطبقا لمقتضيات المادة 383 من ق.م.ج، يمكن لوكيل الملك أن يتقدم بملتمس كتابي إلى قاضي الحكم عندما يتعلق الأمر بجنحة يعاقب عليها القانون فقط بغرامة لا تتجاوز 5000 درهم، ولا وجود للمتضرر فيها مع ضرورة إثباتها في محضر أو تقرير من أجل إصدار أمر قضائي في غيبة المتهم ودون استدعاءه بالأداء، يتضمن مبلغ الغرامة التي ينبغي ألا تتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر قانونا كما يتضمن إضافة إلى ذلك المصاريف وأية عقوبة إضافية يمكن الحكم بها ورد ما يلزم رده، ويتم التبليغ استنادا لمقتضيات المادة 308 من ق.م.م.
أما بالنسبة للحالة الثانية فتتعلق بالمطالبة بإجراء التحقيق حيث يلتمس وكيل الملك من قاضي التحقيق بإجرائه بصفة إجبارية في الجنح إذا ورد نص خاص في القانون، أو بصفة اختيارية في الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر (المادة 40و 83 من ق.م.ج).
وتتمثل الحالة الثالثة في استدعاء الجلسة أو الاستدعاء المباشر، وبمقتضاه يتم توجيه وثيقة رسمية وموقعة إلى المتهم حيث يتم إشعاره بأن قضيته ستحال على جلسة الأحكام بتاريخ معين في الاستدعاء ( المادتان 311-312 من ق.م.ج).
وتتمثل الحالة الرابعة في عرض المتهم مباشرة على الجلسة دون اللجوء إلى استدعاءه في حالة ضبطه متلبسا بجنحة ( المادة 56 من ق.م.ج)، أو بسبب انعدام ضمانات الحضور، حيث يتم استنطاقه من قبل وكيل الملك أو نائبه وإشعاره بحقه في تنصيب محام ثم يتم التوقيع على محضر الاستنطاق، وبعدها يتم عرض المتهم في حالة اعتقال على جلسة الأحكام إذا ما كانت منعقدة أثناء ذلك، أو يتم إيداعه في السجن في حالة ما إذا كانت الجلسة غير منعقدة ولكن شريطة عرض المتهم وإحالته على الجلسة داخل أجل ثلاثة أيام ( المادة 385 من ق.م.ج) إضافة لذلك يمكن تقديم المتهم وهو في حالة سراح مؤقت إلى الجلسة إذا قدم كفالة مالية أو شخصية ( المادة 74 من ق.م.ج).
بالنسبة للجنايات والجرائم المرتبطة بها أو غير القابلة للتجزئة حيث مكن المشرع جهاز النيابة العامة من وسيلتين لتحريك الدعوى العمومية وممارستها. تتمثل الأولى في ضبط المتهم في حالة تلبس بجناية لا يكون التحقيق الإعدادي فيها إجباريا، حيث يحال المتهم بعد استنطاقه من طرف الوكيل العام للملك أو نوابه وبوجود محام له رهن الاعتقال على غرفة الجنايات داخل أجل 15 يوما إذا كانت القضية جاهزة، أما إذا لم تكن جاهزة فيتم تقديم ملتمس إلى قاضي التحقيق لإجراء تحقيق إعدادي (م 75 من ق.م.ج). ويستشف من هذه الوسيلة مساس كبير بحرية المتهم خاصة الإبقاء عليه إلى حين استنفاد إجراءات التحقيق المتصفة بطولها.
بينما تتمثل الوسيلة الثانية بقيام الوكيل العام للملك بواسطة التماس بإجراء تحقيق إعدادي في القضية سواء كان التحقيق إجباريا أو اختياريا، احتراما لمقتضيات المادتين 83 و 84 من ق.م.ج، وتجدر الإشارة إلى أنه حتى في حالة وجود إمكانية لتطبيق الإحالة المباشرة فلا مجال لسلوكها إذا تعلق الأمر بإجراء تحقيق إجباري.
المطلب الثاني: الأشخاص والهيئات المرخص لهم استثناء بإثارة الدعوى العمومية
بالرجوع إلى نصوص المسطرة الجنائية، نجد أن المشرع أوكل حق إقامة الدعوى العمومية كحق أصلي لجهاز النيابة العامة، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الحق لا يبقى محتكرا من طرف النيابة العامة دائما، بل إن المشرع أوكل حق إقامتها لجهات أخرى إلى جانب جهاز النيابة العامة.
الفقرة الأولى: إقامة الدعوى العمومية من طرف المتضرر
إن أهم طرف خول له القانون حق تحريك الدعوى العمومية مباشرة بعد جهاز النيابة العامة هو المتضرر أو المطالب بالحق المدني وذلك راجع للعلاقة التي تربطه بالوقائع الإجرامية.
مبدئيا يبقى حق المتضرر في إقامة الدعوى العمومية حقا عاما وشاملا لكافة الجرائم إلا ما تم استثنائه من قبل القانون كالمساطر الخاصة لمتابعة بعض القضاة وأصناف من الموظفين، المواد من 264 إلى 268 من ق.م.ج. فهذا الحق الممنوح للمتضرر محصور في الحق في إقامة الدعوى العمومية دون ممارستها وهو ما أكده المجلس الأعلى في إحدى قراراته، حيث جاء فيه ” أن حق المتضرر في إقامة الدعوى العمومية ينحصر أثره في تحريك الدعوى ووضعها في المحكمة، في حين أن النيابة العامة تملك سلطة مباشرتها، ويبقى للمتضرر حق الادعاء فقط”.
ويرجع السبب من منح المشرع للمتضرر حق تحريك الدعوى العمومية، هو بلا شك تفادي الوقوع في أخطاء قد ترتكب من قبل جهاز النيابة العامة، يترتب على إثرها عدم متابعة المتهم، وهو ما يؤدي إلى عدم حصول المتضرر عن التعويضات المستحقة على الأضرار اللاحقة به، إضافة إلى عدم إنزال العقاب الجنائي على المتهم كما يتعين علينا أن نشير بأن المشرع أعطى هذا الحق للمتضرر إذا تقاعست النيابة العامة عن ذلك-أي عن تحريك الدعوى العمومية-بالإضافة إلى كونه قد ينتج عنه تخفيف عبء التحقيق في الجرائم التي تمثل جنحا أو مخالفات عن النيابة العامة التي تشكل الحيز الأكبر.
بالإضافة إلى ما سبق يجب أن لا نعتقد بأن المشرع وضع المتضرر على قدم المساواة مع النيابة العامة، لذلك فإن هذا الحق في تحريك الدعوى العمومية يجب ألا يستعمله المتضرر كما يشاء، ومتى شاء، بل إن المشرع تولى تحديد مجاله ونطاق ممارسته من خلال إخضاعه لبعض الشروط التي لابد من توافرها وهي :
-أن يكون الفعل المسبب في الضرر المطلوب تعويضه مشكلا لجريمة
-أن تكون الجريمة مستوجبة العقاب
-أن تكون المحكمة الجنائية المختصة بالبث في الدعوى العمومية تملك قانونيا صلاحية البث في الدعوى العمومية
-منع المطالب بالحق المدني من تحريك الدعوى العمومية، إذا كان ذلك المنع قد تم صراحة بموجب نص خاص كما هو عليه في الفصل 352 من ق.م.ج
كما يتوجب على المتضرر تقديم شكايته يتعين عليه أن ينصب نفسه مطالبا بالحق المدني، وهو ما أكده المجلس الأعلى في إحدى قراراته حيث جاء فيه”يمكن للمتضرر ان يحرك الدعوى العمومية طبقا للشروط المبنية في قانون المسطرة الجنائية(الفصل 2 منه).
لا يكفي لتحريك الدعوى العمومية أن يقدم المتضرر شكاية يبين فيها وقائع الفعل الإجرامي بل يجب أن يعبر عن رغبته في المطالبة بالحق المدني ويحدد مبلغ التعويض عن الضرر الذي حصل له، كما يتوجب على المتضرر أن يختار موطنا بدائرة المحكمة المرفوع إليها الطلب إذا كان مقيما خارج نفوذها (حسب المادة 96 من ق.م.ج) .
كما يستلزم عليه أن يضع بكتابة الضبط المبلغ الذي يعتبر ضروري لمصاريف الدعوى داخل الأجل الذي يحدده له قاضي التحقيق أو المحكمة.
كما لا يمكن للمتضرر أن يقيم الدعوى العمومية في مواجهة حدث طبقا للمادة 463 من ق.م.ج) وذلك عن طريق الإدعاء المباشر إلا أنه يمكن له أن ينظم إلى الدعوى التي تقيمها النيابة العامة، وذلك للمطالبة بالحق المدني في مواجهة الحدث بإدخال المسؤول عنه مدنيا.
الفقرة الثانية : الجهات الأخرى التي يحق لها رفع الدعوى العمومية:
كما تمت الإشارة فيما سبق بأن تحريك الدعوى العمومية كحق أصلي مخول لجهاز النيابة العامة، وللمتضرر كحق استثنائي إلى جانب هذا الجهاز الأخير، فإن المشرع أوكل حق تحريك الدعوى العمومية إلى جانب النيابة العامة والمتضرر لجهات أخرى وذلك لاعتبارات معينة يراها المشرع جديرة بالحماية فمن هي هذه الجهات الأخرى التي أوكل لها المشرع حق تحريك الدعوى العمومية؟
–قضاء الحكم:بالرجوع إلى قانون م.ج نجدها خولت للقضاء الجالس الحق في تحريك الدعوى العمومية إلى جانب النيابة العامة، ومن بين الحالات التي يتم فيها تحريك الدعوى من قبل قضاة الأحكام هي تلك الجرائم التي ترتكب أثناء جلسات المحاكم والمنصوص عليها في المواد 269 و357 إلى 362 من ق.م.ج.
بالإضافة إلى دلك، يمكن للغرفة الجنائية بالمجلس الاعلى، بناءا على ملتمسات الوكيل العام للملك بنفس المجلس أن تحرك الدعوى العمومية في مواجهة قضاة المجلس الأعلى والرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين بنفس المحكمة، وعمال الأقاليم، والولاة وأشخاص أخرين طبقا لما هو منصوص عليه في المواد من 264 إلى 268 من ق.م.ج .
–الإدارات العمومية:خول القانون لبعض الإدارات العمومية إثارة الدعوى العمومية، حيث نصت المادة الثالثة من ق.م.ج على ان “يقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة، كما يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانونا”، وعليه فان القانون هو الذي منح لبعض الموظفين خارج أسلاك قضاة النيابة العامة حق إثارة الدعوى العمومية.
ومن بين الموظفين الذين أعطى لهم القانون حق إقامة الدعوى العمومية نجد:
*موظفي إدارة الجمارك بحيث نجد أن الفصل 249 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ينص على أن “الدعوى العمومية يمكن تحريكها من قبل النيابة العامة والوزير المكلف بالمالية أو مدير إدارة الجمارك أو أحد ممثليه المؤهلين.
*موظفي إدارة المياه و الغابات ،فبالرجوع إلى الظهير المتعلق بحفظ الغابات و استغلالها الصادر ب 10 /10/1917 و التي حلت محلها المندوبية السامية للمياه و الغابات خول لهؤلاء حق متابعة مرتكبي المخالفات الغابوية و توجيه الاستدعاء إليهم إلى جانب حق ممارستها و استعمال الطعن .و قد جاء في قرار للمجلس الأعلى “أن ضابط مصلحة المياه و الغابات هو محرك الدعوى العمومية في موضوع المخالفات الغابوية و أن النيابة العامة تملك فقط تبني تلك التابعة”
*السلطة التشريعية:بالاطلاع على نصوص الدستور، نجدها تخول للسلطة التشريعية حق تحريك الدعوى العمومية ،و ذلك فيما يخص الجرائم التي ترتكب من قبل أعضاء الحكومة في إطار مزاولتهم مهامهم الحكومية .
المبحث الثاني:الطرف المدعى عليه في الدعوى العمومية
عند ارتكاب فعل معين يعد جريمة طبقا للنموذج المنصوص عليه في القانون الجنائي ،يعتبر مرتكب الفعل مجرما . ومصطلح مجرم له معنيان معنى علمي يندرج في مجال علم الإجرام و يقصد به” الشخص الذي ارتكب جريمة أو أسند إليه ارتكاب جريمة بشكل جدي سواء أدانه القضاء بصفة نهائية أم لا”.
و معنى قانوني، ففي القانون الجنائي مصطلح مجرم يستعمل للدلالة على كل شخص ارتكب فعلا يعد جريمة، وتجب مساءلته مبدئيا عن إرتكابه لهذا الفعل متى ثبتت مسؤوليته الجنائية .
و تجدر الملاحظة إلى أن مفهوم المسؤولية الجنائية أو بمعنى آخر الطرف المدعى عليه لا ينحصر في الشخص مرتكب الجريمة لوحده و الذي يسمى بالفاعل الأصلي “مطلب أول “و إنما يتوسع نطاق المسؤولية الجنائية ليشمل المشارك و المساهم “مطلب ثاني” و هو ما تنص عليه المادة 3 من ق.م ج. ” أن الدعوى العمومية تمارس ضد الفاعل الأصلي للجريمة و المساهمين و المشاركين في إرتكابها “
المطلب الأول: الفاعل في الدعوى العمومية
على خلاف بعض التشريعات لم يقم المشرع المغربي بتعريف الفاعل الأصلي لتمييزه عن المساهم و المشارك و إنما يمكن استنتاج مفهوم الفاعل الأصلي بمفهوم المخالفة من الفصول المحددة للقواعد الخاصة للمساهمة و المشاركة في الجريمة (الفصول من 128 إلى (131من القانون الجنائي الذي ينص على أن” كل شخص سليم العقل وقادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا على الجرائم التي يرتكبها “يفهم من هذا النص أنه يعتبر فاعلا أصليا الشخص الذي ارتكب الجريمة لوحده من غير أن يشاركه أحد في ارتكابها ،و إذا كان الفاعل الأصلي هو المرتكب الفعلي للجريمة و بمعنى أدق المرتكب الأصلي للركن المادي للجريمة فانه ولتحقيق العدالة ومعاقبة كل المجرمين وسع المشرع الجنائي من مفهوم الفاعل ليتعدى الفاعل الأصلي )فقرة أولى( ويشمل أيضا الفاعل المعنوي )فقرة ثانية( .
فقرة أولى: الفاعل الأصلي
من المبادئ السائدة المتفق عليها في القانون الجنائي أن الدعوى العمومية لا تقام إلا ضد الجاني سواء كان فاعلا أصليا أو شريكا، حيث لا يمكن أن تقام الدعوى العمومية ضد غير الجاني تطبيقا لمبدأ شخصية العقوبة، والذي يقضي بعدم مؤاخذة أحد يجرم غيره، لأن الهدف من إقامة الدعوى العمومية هو توقيع العقوبة على الجاني. لذلك لا يمكن تصور رفع الدعوى العمومية على أبناء أو أصول الجاني وهو ما قضت به الفقرة الأولى من المادة الثالثة من ق.م.ج. وهو ما يقود قانونا إلى استبعاد ورثة الجاني والمسؤول المدني ،كشركات التأمين من دائرة المتابعة الجنائية.
وتجدر الإشارة إلى أن شخص أو هوية الجانب يمكن أن تكون مجهولة وغير معروفة وذلك طيلة فترة البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي نظرا لكونها يعدان مرحلة أولية تهدف أساسا إلى جمع الأدلة والبحث عن الفاعل الأصلي للفعل الإجرامي، إلا أنه وخلافا لهذا، فإنه يتعين أن يكون المتهم في مرحلة المحاكمة معروفا وهويته محددة على وجه دقيق.
والفاعل في الدعوى العمومية يقصد به تبعا لمصطلحات عدة إما المشتكى به أو المتابع أو الظنين أو المتهم أو المجرم، وهو على العموم مرتكب الفعل الإجرامي والذي يكون عادة إما شخصا طبيعيا أو شخصا اعتباريا. وفي الحالة الأولى فإننا نميز تبعا لحالة المجرم بين كمال المسؤولية الجنائية والتي تعني خضوع الفاعل للعقاب ونقصان المسؤولية أو انعدامها والتي يتابع فيها الفاعل بشكل عادي كما لو كان كامل المسؤولية، وإنما الخلاف يكون بخصوص معاقبته حيث ترعى ظروف نقصان مسؤولية في العقاب بينما يعفى نسبيا من العقاب في حالة انعدام مسؤوليته ليعوض السجن بمؤسسة العلاج.
وكما سبقت الإشارة إذا كان الأصل في الدعوى العمومية أن تقام ضد الأشخاص الذاتيين فإنه من المعقول قانونا أن تقام هذه الدعوى ضد الأشخاص المعنوية قصد إثارة مسؤوليتهم الجنائية وهو ما تأكده المادة 9 من ق.م.ج. في فقرتها الثانية والتي تفيد أن الدعوى العمومية يمكن أن تقام ضد كل مسؤول سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا، فإن المشرع المغربي قد سوى بين الشخص الطبيعي والشخص المعنوي ويكون بذلك قد خالف الكثير من التشريعات التي لا تسمح بإقامة الدعوى العمومية ضد الأشخاص المعنوية كالتشريع الفرنسي والتشريع المصري.
و مسؤولية الشخص المعنوي تثار طبعا ضد ممثل هذه الأخيرة إلا أنه وفي حالة ثبوت الفعل الإجرامي في حق الشخص المعنوي، فإن القاضي الجنائي يقوم بتوقيع العقاب عليه والذي يختلف عن عقاب الشخص الطبيعي، حيث تتمثل في عقوبة أصلية كالغرامات وأخرى إضافية كحل الشخص المعنوي أو مصادرته أو إغلاقه.
وعموما فإن عقوبة الشخص المعنوي تم التنصيص عليها في فصول القانون الجنائي ( 36-62 ق.ج).
الفقرة الثانية: الفاعل المعنوي
يطلق مصطلح الفاعل المعنوي على الشخص الذي يكون راغبا في ارتكاب الجريمة بسبب وجود قصد إجرامي لديه، إلا أنه بدل أن يقوم بتنفيذها بنفسه يدفع شخصا آخر إلى ارتكابها دون أن تكون له نية القيام بها وهو الذي يطلق عليه اسم الفاعل المادي ما دام قد نفذ الركن المادي للجريمة.
وقد تظهر لأول وهلة الصعوبة في تمييز الفاعل المعنوي عن المشارك والمساهم، إلا أنه وبالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي فإن المشرع أفرز فصلا مستقلا وحدد فيه مفهوم الفاعل المعنوي والعقوبة الواجب تطبيقها عليهن ونقصد هنا الفصل 131 من ق.ج. وبما أن الفاعل المعنوي يختلف عن المساهم والمشارك فإن الأساس الذي اعتمده المشرع للمعاقبة يختلف أيضا عن نظيره لدى المساهم والمشارك.
فالمشرع أراد بمعاقبة الفاعل المعنوي التصدي لكل الحالات التي يمكن أن تتحقق فيها المشاركة والمساهمة لانعدام إمكانية وجود مجرم يعتبر فاعلا أصليا يستعير منه الفاعل المعنوي الإجرام.
وإذا كان الأساس الذي اعتمده المشرع المغربي لإدانة الفاعل المعنوي يختلف عي دلك الذي اعتمده لإدانة المشارك والمساهمين فإنه وعلى العكس من ذلك يعاقب الفاعل المعنوي مثله مثل المشارك والمساهم بنفس العقوبة المقررة للجريمة التي ارتكبها الفاعل المادي، وهو ما جاء في نص الفصل 131 من ق.ج. ومن هنا يتبين أن المشرع المغربي تبنى في تحديده للعقوبة الخاصة بالفاعل المعنوي نظرية استعارة التجريم.
المطلب الثاني: المشارك والمساهم
من خلال استقراء نص الفصل 129 من القانون الجنائي، يتبين أن المشرع المغربي ميز بين المساهم والمشارك، فإذا كان المساهم كل شخص يقوم بعمل من أعمال تنفيذ الجريمة فإن المشارك هو ذلك الشخص الذي يساعد الفاعل الأصلي بعمل من الأعمال التحضيرية لارتكاب الجريمة أو يشجعه على ارتكابها، وبهذا التمييز بين المشارك والمساهم يكون المشرع المغربي قد سلك نفس النهج الذي تبناه المشرع الفرنسي إلا أن السؤال المطروح يبقى هو هل احتفظ المشرع المغربي بنفس النهج في التمييز بين المساهم والمشارك بشأن المتابعة القضائية وتوقيع العقاب؟ أم أنه سلك طريقا آخر؟.
ثم ما مدى إمكانية متابعة المشارك والمساهم وإقحامهم كأطراف مدعى عليهم في الدعوى العمومية؟ الإجابة عن هذه التساؤلات نستشفها من خلال الحديث عن المشارك (فقرة أولى) والمساهم (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: المشارك
لقد نهج المشرع المغربي نفس النهج الذي تبناه المشرع الفرنسي حيث قام بتحديد حالات وصور المشاركة وذلك من خلال التنصيص عليها في الفصل 129 في القانون الجنائي.
وبالاعتماد على هذا الفصل فإن الأمر بارتكاب الجريمة أو التحريض على ارتكابها،فان هدا الأخير يمكن أن يتم بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى في الفصل 129، والمتمثلة في إعطاء هبة أو وعد، القيام بالتهديد، استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامي، ويعتبر تسليم وسيلة ارتكاب الجريمة صورة من صور المشاركة.فالمشرع المغربي وسع من مفهوم الوسيلة المسلمة لارتكاب الجريمة حيث حددها إما في السلاح أو في الأدوات أو أي وسيلة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصورة من صور المشاركة لا تكون كاملة إلا بتحقيق شرطين: استعمال الفاعل الأصلي للوسيلة المقدمة له من طرف المشارك وعلم هدا الأخير بأن تلك الأدوات ستستعمل لارتكاب الجريمة.
ويضاف إلى صور المشاركة تقديم المساعدة أو الإعانة لإنجاز الأعمال التحضرية أو المسهلة لإرتكاب الجريمة والتي تتحقق بأعمال مادية من شأنها تحقيق الركن المادي للجريمة.
كما اعتبر المشرع الجنائي التعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع لفائدة المجرم ضمن صور المشاركة الجنائية، ولاشك أن هذا الشرط يثير صعوبات من الناحية العملية وهو ما جعل المشرع الفرنسي يقدم على الاستغناء عنها في القانون الجنائي الفرنسي الجديد الصادر سنة 1993 والذي دخل حيز التنفيذ ابتداء في فاتح مارس 1994 واعتبرها جريمة مستقلة، وهو الموقف الذي نتوخاه من المشرع المغربي الذي اعتاد السير على نهج نظيره الفرنسي.
ونظرا لاختلاف طبيعة نشاط المشارك عن نشاط الفاعل الأصلي، فقد عرف الفقه تباينا في الرأي بخصوص الأساس الذي يقوم عليه عقاب المشارك حيث ذهب فريق منهم للقول أنه يجب اعتماد نظرية استعارة التجريم وذهب فريق آخر لإعمال نظرية استقلال التجريم لينادي فريق ثالث بتطبيق نظرية استعارة العقاب.
إلا أنه وبالرجوع إلى الفصل 130 من ق.م نجد المشرع المغربي قد تبنى نظرية استعارة التجريم من الفاعل الأصلي، وهذا يعني ضرورة خضوعه لنفس العقوبة المقررة قانونا للفاعل الأصلي كلما تعلق الأمر بارتكاب جناية أو جنحة، أما في مجال المخالفة فلا عقاب على المشاركة.
وللعقاب على المشاركة اشترط المشرع توفر شرطين أساسيين، يتمثل الشرط الأول في وجوب علم المشارك بنية الفاعل الأصلي المتجهة نحو ارتكاب فعل جرمه المشرع ، وهو ما أكده قرار المجلس الأعلى القاضي بأن “عنصر العلم ركن ضروري، في اعتبار وجود المشاركة في الجنحة أو الجناية، والمحكمة بعدم إبرازها عنصر العلم في قيام جريمة المشاركة جعلت قضاءها ناقص التعليل الموازي لانعدامه.
أما الشرط الثاني فيتمثل في وجوب كون الفعل المرتكب من طرف الفاعل الأصلي فعلا مجرما من طرف المشرع ومعاقب عليه بسبب تلك الصفة، وهذا الشرط يرتبط ارتباطا وثيقا بنظرية استعارة التجريم التي أخذ بها المشرع المغربي. ويترتب عن هذا الشرط الأخير عدة نتائج تكمن أهمها في عدم معاقبة المشارك إذا ما عدل الفاعل الأصلي عن ارتكاب الجريمة المرتكبة من طرفه بسبب التقادم أو العفو الشامل أو صدور قانون يلغي صفة الجريمة عن الفعل المرتكب.
– معاقبة المشارك الذي تبتت مسؤوليته الجنائية ولو في حالة عدم متابعة الفاعل الأصلي بسبب تمتعه بعذر من الأعذار القانونية أو عدم تقديم شكاية ضده، وهذه الحالة نلمسها جليا في جنحة المشاركة في الخيانة الزوجية حيث أن عدم تقديم شكاية ضد طرف من أطراف جنحة الخيانة لا يمنع النيابة العامة من متابعة الطرف الثاني الذي تعتبره مشاركا في جنحة الخيانة الزوجية، وهو ما أكدته محكمة الاستئناف بمكناس في قرارها الصادر بتاريخ 18/12/2007 حيث قضت بمتابعة الطرف الثاني في جنحة الخيانة الزوجية رغم عدم تقديم شكاية بالنسبة للطرف الأول.
الفقرة الثانية: المساهم
سيرا منه على النهج الذي تبناه المشرع الفرنسي فقد ميز المشرع المغربي بين المساهم والمشارك، فإذا كان المشارك هو ذلك الشخص الذي يساعد الفاعل الأصلي بعمل من الأعمال التحضيرية لارتكاب الجريمة أو يشجعه على ارتكابها فإن المساهم هو كل شخص يقوم بعمل من أعمال تنفيذ الجريمة، ولا شك في الصعوبة التي يطرحها التميز بين مفهومي المساهم والمشارك مما جعل بعض القوانين تلجأ إلى إلغاء هده التفرقة بين المفهومين، وحددت نفس العقوبة للمساهم والمشارك التي حكم بها على الفاعل الأصلي، وهو ما ذهب إليه المشرع الدانمركي والنرويجي.
بالاعتماد على الفصل 128 من ق.ج فإن المشرع اعتبر المساهم بمثابة الفاعل الأصلي الذي يقوم بارتكاب الأعمال المادية المكونة للركن المادي للجريمة.
والمساهمة في المفهوم الجنائي تعني قيام المجرمين بإعانة بعضهم البعض الأخر في تنفيذ الركن المادي للجريمة، وبهذا المنظور يعتبر المساهمون في نفس مرتبة الفاعل الأصلي ويعاقبون بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي، كما يتابعون من طرف النيابة العامة في الدعوى العمومية طبقا لنص المادة 3 من ق.م.ج.
ومما تجب الإشارة إليه أن توفر صفة المساهم في العمل الإجرامي يستلزم توفر العنصر المعنوي، إلى جانب العنصر المادي، وهذا لا يعني ضرورة وجود اتفاق مسبق بين مرتكبي الجريمة، بل يكفي أن يوجد أثناء تنفيذ الركن المادي للجريمة حتى ولو تم ذلك صدفة.
وتتحقق المساهمة بإحدى الصور التالية:
-قيام الشخص بعمل من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة، ويعتبر العمل مساهمة كلما تدخل المشرع بنص قانوني ليعتبر القيام ببعض الأعمال مساهمة في الجريمة حتى وإن لم تكن تلك الأعمال داخلة ضمن الركن المادي للجريمة، كما هو الحال مثلا بالنسبة للفصل304 من ق.م.ج بخصوص جريمة العصيان.
ويعتد بالمساهمة كلما تبت وجود الاتفاق والتصميم بين الفاعلين على تنفيذ الركن المادي للجريمة.
وتتحقق المساهمة كذلك في حالة وجود اتفاق بين الفاعلين ويكون تحديد فعل كل واحد منهم عسيرا، وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى في قراره الصادر بتاريخ 1977 حيث جاء في حيثياته ” لما استنتجت المحكمة بأن الموت الذي تسبب فيه المتهمان معا وأنهما كانا عالمان بالنتيجة وأن نية العمد كانت متوفرة لديهما فلا ضرر في عدم تبيان الفعل الذي قام به كل واحد من المتهمين”.
وهو ما يفيد أن النيابة العامة بإمكانها متابعة كلا الطرفين دون التفرقة بينهما على أساس أن طرف منهما فاعلا أصلي و الأخر مساهما.
إن ما يمكن استخلاصه من صور المساهمة هو أن مفهوم المساهمة الذي جاء به الفصل 128 من ق.ج يبقى مجرد مبدأ عام لا يمكن تطبيقه في كل الحالات، حيث ينبغي الرجوع في كثير من الأحيان إلى النصوص المتعلقة بكل جريمة على حدة لتحديد المساهم الذي قد يؤثر على تحديد العقوبة ،ومثال ذلك الفصل 306 من ق.ج.

Aucun commentaire: