دكتور / خالد إدريس عبد الرحمن أستاذ مساعد جراحة عظام جامعة الزقازيق
دكتورة / هدي رجب السيد أستاذ مساعد طب شرعي و سموم جامعة الزقازيق
كانت قصة النبي يوسف عليه السلام و ما زالت مصدراً لاستخلاص العبر و فهم أطوارالنفوس و إلهاما للمفكرين و المربين و تعليماً للآباء خطر التفرقة بين الأبناء فيإظهار الحب و التعلق و قد وصف ربنا سبحانه هذه القصة بأنها ( أحسن القصص ) و هيمليئة بالأحداث و فيها تفوق غير مسبوق و رقي ليس له مثيل كل عناصر القصة من الناحيةالأدبية ( 1 ) و فيها أيضاً ذكر لقميص سيدنا يوسف في ثلاثة مواضع هامة من سياقالقصة و كلها فيها إشارات بليغة و موحية و في مجملها تضع قميص يوسف الصديق عليهالسلام رمزاً واضحاً للصدق الناصع في مواجهة الكذب و الباطل و يعنينا في هذا البحثقوله تعالي في وصف المكيدة التي دبرها أخوة يوسف لإقصائه من طريقهم إلي قلب أبيهم :و جاءوا علي قميصه بدم كذب . ( يوسف 18)
و سوف نتناول في هذا البحث محاولة لفهم هذه الآية في ضوء العلوم الحديثة مرتكزينعلي المحاور الآتية :
1-أقوال المفسرين2-ما جاء في العهد القديم ( التوراة ) في نفس السياق .3-إيضاح أبرز المعارف العلمية الحديثة المتعلقة بالآية .4-استجلاء وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة .
أولاً : أقوال المفسرين
جاء في تفسير القرطبي ( 2 ) في قوله تعالي) : و جاءوا علي قميصه بدم كذب . ( يوسف 18فيه ثلاث مسائل : الأولي : بدم كذب أي بدم مكذوب فيه فصار تقديره : بدم ذي كذب . الثانية : لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة علي صدقهم قرن الله بهذهالعلامة علامة أخري تعارضها و هي سلامة القميص من التنييب إذ لا يمكن افتراس الذئبليوسف و هو لابس القميص و يسلم القميص من تانخريق ، و لما تأمل يعقوب عليه السلامالقميص فلم يجد فيه خرقاً و لا أثراً استدل بذلك علي كذبهم و لذا جاء رده عليهم فينفس الموضع) بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل و الله المستعان علي ما تصفون ) ( يوسف 18)الثالثة : استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائلمن الفقه و أجمعوا علي أن يعقوب عليه السلام استدل علي كذبهم بصحة القميص و هكذايجب علي الناظر أن يلحظ الأمارات و العلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضي بجانبالترجيح ، و هي قوة التهمة ، و لا خلاف بالحكم بها .و جاء في تفسير الطبري ( 3 ) أن رد يعقوب عليه السلام(و الله المستعان عليما تصفون)أي علي ما تكذبون .
ثانياً : ما جاء في التوراة في نفس السياق
ورد في سفر التكوين ( 4 ) أن يعقوب عليه السلام عندما رأي القميص قال ( وحش رديءأكله . افترس يوسف افتراساً . فمزق يعقوب ثيابه و وضع مسحاً علي حقويه و ناح عليابنه أياماً كثيرة . فقام جميع بنيه و جميع بناته ليعزوه . فأبي أن يتعزى و قال إنيأنزل إلي ابني نائحاً إلي الهاوية . و بكي عليه أبوه . و يظهر في ذلك العرض للموضوعأنه قد انخدع بهذه الحيلة الساذجة التي لا تنطلي علي أحد فضلاً عن الجزع الشديدالذي لا يتفق مع مقام النبوة مما هو شائع في التوراة من اتهام الأنبياء بأنواعالكبائر و النقائص التي يترفع عنها عامة الناس .
ثالثاً : إيضاح أبرز المعارف العلمية الحديثة المتعلقة بالآية الكريمة
يتوافر اليوم للخبراء في الطب الشرعي حوالي عشرون نظاماً لتصنيف الدماء البشريةفي فئات محددة و عندما تتواجد في مسرح الجريمة أي سوائل تشبه الدماء فمن خلال بعضالاختبارات البسيطة يمكن ابتداء القطع بكونها دماء من عدمه و يتبع ذلك تحديد ما إذاكانت دماء بشرية أو دماء حيوان و كذلك جنس الإنسان ( ذكر أو أنثي ) و أن يحصر الشخصالذي تنتمي إليه هذه الدماء ضمن نطاق ضيق من الأشخاص قد يصل إلي حفنة قليلة منهمبين كل ألف شخص ، و قد بدأ هذا الأمر فقط في نهاية القرن التاسع عشر مع اكتشاف عالمالوظائف الجسدية النمساوي كارل لاندشتينر لوجود أربع مجموعات من الدماء البشرية وهي المعروفة بنظام ABO و تبع ذلك اكتشاف نظام MN عام 1927 و نظام Rhesus عام 1940 وتتابعت أنظمة تصنيف الدماء البشرية إلي أن أصبحت عشرين نظاماً ( 5 ) و من المعروفأن جسم الإنسان البالغ يحتوي علي حوالي ستة لترات من الدم و لقد أدرك الإنسان منذباكر الزمان الصلة بين الدم و الحياة وفي أوائل القرن السابع عشر بدأ الأطباء يتساءلون عما إذا كان بالإمكان تجديد الدورة الدموية عند الشخص الضعيف أو الشخصالذي يعاني سكرات الموت بنقل الدم إليه و لكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل فيماعدا حالات قليلة جداً و نحن نعرف اليوم سبب فشل هذه التجارب و لكن لم يتم اكتشافالحقيقة العلمية إلا في نهاية القرن التاسع عشر علي يد كارل لانشتينر ، و من الواضحبالطبع أن تحديد فئة الدم مهم جداً من الناحية التطبيقية في علوم الطب الشرعي فعليسبيل المثال و إذا تم العثور علي دم من الفئة A و المطابق لفئة دم الضحية علي ثيابشخص مشتبه به في قضية إجرامية و الذي تكون غئة دمه مثلاً من نوع O عندها تصبحالشبهة أقوي بأن تلك الدماء تخص الضحية التي قتلها هذا الشخص المشتبه به و يمكنزيادة نسبة الاحتمال في حصول ذلك باستخدام الأنظمة الأخري لفئات الدم . و قد أصبحاليوم من الممكن القطع بنسبة 100 % بنسبة أو عدم نسبة الدماء البشرية إلي شخص بعينهبما يعرف ببصمات الحامض النووي و قد ترسخ هذا الأسلوب منذ عام 1984 و في تحديد هويةالشخص بثبات متواصل و غير قابل للجدل ، و الحامض النووي DNA وهو المادة الجوهرالمكون للمادة الو راثية لجميع خلايا الجسد التي تحتوي علي نواة مثل كرات الدمالبيضاء و خلايا الأنسجة و نخاع العظام و جذور الشعر و لب الأسنان و السائل المنوي، و لنفترض مثلاً أن المحققين الأمنيين حصلوا علي عينة لتحليل الحامض النووي مأخوذةمن خلايا الدم البيضاء من مكان حصول الجريمة و حصلوا أيضاً علي عينة أخري ( قد لاتكون بالضرورة من مكونات العينة الأولي ) و التي قد تكون عبارة عن كشط لخلايا سطحيةرخوة من داخل الفم من الشخص المشتبه به ، و لنفترض أيضاً أن الصور الإشعاعية الآليةللحامض النووي ( بصمات الحامض النووي ) في العينتين جاءت متطابقة فهل يشكل هذا برهاناً بأن الشخص المشتبه به هو ذاته الشخص الذي ارتكب الجريمة أو علي الأقل كانمتواجداً في مكان حصول الجريمة ؟ طبقاً لطريقة العالم الإنجليزي البروفيسور ألكسجيفريز و هي القاعدة المتبعة قانونياً في بريطانيا فإن فرصة التطابق في بصمة الحامضالنووي عند شخصين مختلفين هي : أقل من واحد 000 000 000 000 000 000 000 000 000 000 1 و الذي هو أكثر من عدد سكان العالم ببلايين المرات !!!!!!!!!( 5 ) . و سبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم !!!!
رابعاً : وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة
دعونا الآن نتصور لو أن إخوة سيدنا يوسف عليه السلام كانوا أكثر دقة في تلفيق كذبهم فقاموا بتمزيق القميص حتى يبدو مطابقاً لروايتهم عن افتراس الذئب لأخيهم ،كانت هذه الحيلة لتنطلي علي سيدنا يعقوب عليه السلام و علي أي إنسان في عصره أو عصرالنبي العظيم
دكتورة / هدي رجب السيد أستاذ مساعد طب شرعي و سموم جامعة الزقازيق
كانت قصة النبي يوسف عليه السلام و ما زالت مصدراً لاستخلاص العبر و فهم أطوارالنفوس و إلهاما للمفكرين و المربين و تعليماً للآباء خطر التفرقة بين الأبناء فيإظهار الحب و التعلق و قد وصف ربنا سبحانه هذه القصة بأنها ( أحسن القصص ) و هيمليئة بالأحداث و فيها تفوق غير مسبوق و رقي ليس له مثيل كل عناصر القصة من الناحيةالأدبية ( 1 ) و فيها أيضاً ذكر لقميص سيدنا يوسف في ثلاثة مواضع هامة من سياقالقصة و كلها فيها إشارات بليغة و موحية و في مجملها تضع قميص يوسف الصديق عليهالسلام رمزاً واضحاً للصدق الناصع في مواجهة الكذب و الباطل و يعنينا في هذا البحثقوله تعالي في وصف المكيدة التي دبرها أخوة يوسف لإقصائه من طريقهم إلي قلب أبيهم :و جاءوا علي قميصه بدم كذب . ( يوسف 18)
و سوف نتناول في هذا البحث محاولة لفهم هذه الآية في ضوء العلوم الحديثة مرتكزينعلي المحاور الآتية :
1-أقوال المفسرين2-ما جاء في العهد القديم ( التوراة ) في نفس السياق .3-إيضاح أبرز المعارف العلمية الحديثة المتعلقة بالآية .4-استجلاء وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة .
أولاً : أقوال المفسرين
جاء في تفسير القرطبي ( 2 ) في قوله تعالي) : و جاءوا علي قميصه بدم كذب . ( يوسف 18فيه ثلاث مسائل : الأولي : بدم كذب أي بدم مكذوب فيه فصار تقديره : بدم ذي كذب . الثانية : لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة علي صدقهم قرن الله بهذهالعلامة علامة أخري تعارضها و هي سلامة القميص من التنييب إذ لا يمكن افتراس الذئبليوسف و هو لابس القميص و يسلم القميص من تانخريق ، و لما تأمل يعقوب عليه السلامالقميص فلم يجد فيه خرقاً و لا أثراً استدل بذلك علي كذبهم و لذا جاء رده عليهم فينفس الموضع) بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل و الله المستعان علي ما تصفون ) ( يوسف 18)الثالثة : استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائلمن الفقه و أجمعوا علي أن يعقوب عليه السلام استدل علي كذبهم بصحة القميص و هكذايجب علي الناظر أن يلحظ الأمارات و العلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضي بجانبالترجيح ، و هي قوة التهمة ، و لا خلاف بالحكم بها .و جاء في تفسير الطبري ( 3 ) أن رد يعقوب عليه السلام(و الله المستعان عليما تصفون)أي علي ما تكذبون .
ثانياً : ما جاء في التوراة في نفس السياق
ورد في سفر التكوين ( 4 ) أن يعقوب عليه السلام عندما رأي القميص قال ( وحش رديءأكله . افترس يوسف افتراساً . فمزق يعقوب ثيابه و وضع مسحاً علي حقويه و ناح عليابنه أياماً كثيرة . فقام جميع بنيه و جميع بناته ليعزوه . فأبي أن يتعزى و قال إنيأنزل إلي ابني نائحاً إلي الهاوية . و بكي عليه أبوه . و يظهر في ذلك العرض للموضوعأنه قد انخدع بهذه الحيلة الساذجة التي لا تنطلي علي أحد فضلاً عن الجزع الشديدالذي لا يتفق مع مقام النبوة مما هو شائع في التوراة من اتهام الأنبياء بأنواعالكبائر و النقائص التي يترفع عنها عامة الناس .
ثالثاً : إيضاح أبرز المعارف العلمية الحديثة المتعلقة بالآية الكريمة
يتوافر اليوم للخبراء في الطب الشرعي حوالي عشرون نظاماً لتصنيف الدماء البشريةفي فئات محددة و عندما تتواجد في مسرح الجريمة أي سوائل تشبه الدماء فمن خلال بعضالاختبارات البسيطة يمكن ابتداء القطع بكونها دماء من عدمه و يتبع ذلك تحديد ما إذاكانت دماء بشرية أو دماء حيوان و كذلك جنس الإنسان ( ذكر أو أنثي ) و أن يحصر الشخصالذي تنتمي إليه هذه الدماء ضمن نطاق ضيق من الأشخاص قد يصل إلي حفنة قليلة منهمبين كل ألف شخص ، و قد بدأ هذا الأمر فقط في نهاية القرن التاسع عشر مع اكتشاف عالمالوظائف الجسدية النمساوي كارل لاندشتينر لوجود أربع مجموعات من الدماء البشرية وهي المعروفة بنظام ABO و تبع ذلك اكتشاف نظام MN عام 1927 و نظام Rhesus عام 1940 وتتابعت أنظمة تصنيف الدماء البشرية إلي أن أصبحت عشرين نظاماً ( 5 ) و من المعروفأن جسم الإنسان البالغ يحتوي علي حوالي ستة لترات من الدم و لقد أدرك الإنسان منذباكر الزمان الصلة بين الدم و الحياة وفي أوائل القرن السابع عشر بدأ الأطباء يتساءلون عما إذا كان بالإمكان تجديد الدورة الدموية عند الشخص الضعيف أو الشخصالذي يعاني سكرات الموت بنقل الدم إليه و لكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل فيماعدا حالات قليلة جداً و نحن نعرف اليوم سبب فشل هذه التجارب و لكن لم يتم اكتشافالحقيقة العلمية إلا في نهاية القرن التاسع عشر علي يد كارل لانشتينر ، و من الواضحبالطبع أن تحديد فئة الدم مهم جداً من الناحية التطبيقية في علوم الطب الشرعي فعليسبيل المثال و إذا تم العثور علي دم من الفئة A و المطابق لفئة دم الضحية علي ثيابشخص مشتبه به في قضية إجرامية و الذي تكون غئة دمه مثلاً من نوع O عندها تصبحالشبهة أقوي بأن تلك الدماء تخص الضحية التي قتلها هذا الشخص المشتبه به و يمكنزيادة نسبة الاحتمال في حصول ذلك باستخدام الأنظمة الأخري لفئات الدم . و قد أصبحاليوم من الممكن القطع بنسبة 100 % بنسبة أو عدم نسبة الدماء البشرية إلي شخص بعينهبما يعرف ببصمات الحامض النووي و قد ترسخ هذا الأسلوب منذ عام 1984 و في تحديد هويةالشخص بثبات متواصل و غير قابل للجدل ، و الحامض النووي DNA وهو المادة الجوهرالمكون للمادة الو راثية لجميع خلايا الجسد التي تحتوي علي نواة مثل كرات الدمالبيضاء و خلايا الأنسجة و نخاع العظام و جذور الشعر و لب الأسنان و السائل المنوي، و لنفترض مثلاً أن المحققين الأمنيين حصلوا علي عينة لتحليل الحامض النووي مأخوذةمن خلايا الدم البيضاء من مكان حصول الجريمة و حصلوا أيضاً علي عينة أخري ( قد لاتكون بالضرورة من مكونات العينة الأولي ) و التي قد تكون عبارة عن كشط لخلايا سطحيةرخوة من داخل الفم من الشخص المشتبه به ، و لنفترض أيضاً أن الصور الإشعاعية الآليةللحامض النووي ( بصمات الحامض النووي ) في العينتين جاءت متطابقة فهل يشكل هذا برهاناً بأن الشخص المشتبه به هو ذاته الشخص الذي ارتكب الجريمة أو علي الأقل كانمتواجداً في مكان حصول الجريمة ؟ طبقاً لطريقة العالم الإنجليزي البروفيسور ألكسجيفريز و هي القاعدة المتبعة قانونياً في بريطانيا فإن فرصة التطابق في بصمة الحامضالنووي عند شخصين مختلفين هي : أقل من واحد 000 000 000 000 000 000 000 000 000 000 1 و الذي هو أكثر من عدد سكان العالم ببلايين المرات !!!!!!!!!( 5 ) . و سبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم !!!!
رابعاً : وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة
دعونا الآن نتصور لو أن إخوة سيدنا يوسف عليه السلام كانوا أكثر دقة في تلفيق كذبهم فقاموا بتمزيق القميص حتى يبدو مطابقاً لروايتهم عن افتراس الذئب لأخيهم ،كانت هذه الحيلة لتنطلي علي سيدنا يعقوب عليه السلام و علي أي إنسان في عصره أو عصرالنبي العظيم
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire