إعداد الطالب: هشام خلفادير
تحت إشراف: د.المصطفى قاسمي
لجنة المناقشة:
د.المصطفى قاسمي......................................رئيسا ومشرفا.
د.محمد أطالب............................................عضوا.
د.محمد عزيز خمريش...................................عضوا.
السنة الجامعية 2012/2013
تقديم:
يشير مصطلح حقوق الإنسان إلى جملة من الاحتياجات التي يلزم توفرها لعموم الناس دون أي تمييز من جنس أو نوع أو لون أو أي اعتبار أخر. وقد مرت قضية حقوق الإنسان بمراحل مختلفة منذ القدم، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، إذ منها ما يعود إلى الجانب العقائدي الديني كما جاء في الدين الإسلامي الذي يعد رسالة من الله سبحانه وتعالى إلى الناس جميعا، ومنها ما يفسر بأنه نتاج جهود مفكرين، ومنها ما يرجعه بعض الباحثين إلى الثورات الكبرى التي عرفها العالم[1].
بصفة عامة، لم يلق موضوع حقوق الإنسان التطور الذي يعرفه اليوم، إلا بعد سلسلة من الحلقات التي بدأت بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[2] في العاشر من ديسمبر 1949، والذي بدوره لم يلق اهتماما كبيرا إلا بعد إحداث لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي بموجب المادة 68[3]. وقد تميزت هذه المرحلة بتعزيز وتشجيع الدول على احترام الحقوق الإنسانية، إلى حين صدور العهدان[4]الدوليان المتعلقان بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية 1966. اللذان دخلا حيز التنفيذ سنة 1976. بحيث تميزت مرحلة هذين العهدين بالحماية والإلزام الدولي لحقوق الإنسان، مما جعل هذه الحقوق شأنا دوليا[5].
وعلى غرار دول العالم، عملت المملكة المغربية على الالتزام الدولي بحقوق الإنسان، من خلال المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية[6]، و من خلال إحداث مجموعة من المؤسسات التي شكلت لبنة أساسية لتكريس ثقافة حقوق الإنسان ببلادنا.
من هنا، تبرز لنا أهمية رغبة المملكة في تدعيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، من خلال إحداث مجموعة من المؤسسات تشكل آليات لاحترام حقوق الإنسان[7]، والتي شكلت بداية انتقال ديمقراطي، فرض تغييرا جذريا بالضبط في فترة تسعينات القرن الماضي.
فبمناسبة الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، بالدارالبيضاء بتاريخ 12 أكتوبر1999 أمام مسؤولي الجماعات الترابية وأمام رجال الإدارة وممثلي المواطنين، حول اعتماد مفهوم جديد للسلطة " إن مسؤولية السلطة في مختلف مجالاتها هي أن تقوم على حفظ الحريات وصيانة الحقوق وأداء الواجبات وإتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون في ضوء الاختيارات التي نسير على هديها من ملكية دستورية وتعددية حزبية وليبرالية اقتصادية وواجبات اجتماعية بما كرسه الدستور وبلورته الممارسة.
ونريد في هذه المناسبة أن نعرض لمفهوم جديد للسلطة وما يرتبط بها مبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية وتدبير الشأن المحلي والمحافظة على السلم الاجتماعي. وهي مسؤولية لا يمكن النهوض بها داخل المكاتب الإدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين، ولكن تتطلب احتكاكا مباشرا بهم وملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد الحلول الملائمة "[8].
والذي تلته توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي دعت إلى ترشيد واقع وآفاق الحكامة الأمنية عقب الأحداث التي عرفها المغرب[9].
هذا، ويعرف المغرب طفرة من التحولات المتلاحقة، في ظل السيرورة العالمية المتصارعة والمفضية إلى إشاعة الديمقراطية وتوسيع فضاء الحريات العامة، وتكريس الحماية المتنامية لحقوق الإنسان سواء بشقها السياسي والمدني أو الاقتصادي والاجتماعي[10].
وقبل الدخول في صلب الموضوع، وجب قبل كل شيء التطرق لمسألة المفاهيم والمصطلحات التي تشكل المفاتيح العلمية لمعالجة وتحليل الأفكار المطروحة للتداول، فهي قطب نافذ في مسار البحث العلمي الموضوعي والجاد، فإيضاح المفاهيم من قبل الباحث هو مدخل أساسي للتواصل مع المحيط.
من هذا المنطلق نجد أن أدبيات البحث العلمي تبدأ بتعريف مصطلحات الدراسة، لأن ذلك يشكل خطوة عريضة أساسية لعرض الأفكار، وهذا ما يجد سنده في قول الفيلسوف الفرنسي فولتر : " إذا أردت أن أفهمك فلا بد من توضيح مفاهيمك أو مصطلحاتك ".
وعليه، سأعمل على تعريف كل من مفهوم الأمن والحكامة كما يلي:
أولا: مفهوم الأمن.
بصفة عامة، يبحث الإنسان دائما عن إشباع حاجاته الغريزية للتأمين على حياته ومعيشته، ثم يسعى بحثا عن رفاهيته وحاجات أسرته، ثم يلجأ إلى جماعة تحقق له مزيدا من الرغبات التي تشبع أماله وأحلامه ورفاهية أسرته وحاجات مجتمعه، ويتعاون مع غيره ليحققا معا مطالبهما في الحياة...، وعليه، إن أمن الفرد هو أساس أمن أسرته التي أمنها الأساسي هو أمن المجتمع وبالتالي أمن الدولة، وبالتالي فتحقيق أدنى درجات الأمن هو أساس لتحقيق أمن الدرجات العليا، مما يعني أن تحقيق أمن الدرجات العليا رهين بتحقيق أمن الدرجات الدنيا.
وبالتالي فالأمن الفردي لا يتحقق بانصهار الفرد داخل مجتمع يضمن له الأمن والاستقرار، فظهرت الأسرة والعشيرة والقبيلة ثم الدولة، انطلاقا من حاجة الإنسان للشعور بالطمأنينة والحماية بكل ما تعنيه كلمة حماية من معنى.
في هذا الإطار، جاء في حديث النبي صل الله عليه وسلم أنه " من بات أمنا في سربه، معافا في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافرها ".
من هنا يظهر أن الحديث الشريف قد رتب الحاجيات كما يلي:
الأمن أولا.
الصحة ثانيا.
الطعام والشراب ثالثا.
وهذه العناصر هي حاجيات الأفراد والمجتمعات. وهذا يؤكد أن مسألة الأمن هي قديمة قدم الإنسان. لقد ظهر مفهوم الأمن الوطني، الذي يطلق عليه أحيانا تسمية الأمن القومي(كفكر) في تعبيرات مختلفة منذ القدم، خاصة البلدان التي ظهرت فيها حضارات عريقة كمصر وبلاد الرافدين وفي عصور قوة الدولة الإسلامية، إلا أن البداية الحقيقة لاستخدام هذا المصطلح كانت بعد معاهدة وستفاليا التي وضعت حدا لحرب استمرت ثلاثين عاما من سنة 1719-1749 بين الدول الموالية للكنيسة والمدافعة عن بقاء الدول تحت لوائها، والدول الأخرى التي تنادي بالحرية الدينية والاستقلال عن نفوذ الكنيسة[11].
كما ورد مصطلح الأمن القومي في فرنسا في أواخر عهد الملك لويس الرابع عشر الذي حكم من 1738-1815 واستهدف في ابسط معانيه منع الجار من أن يكون قويا جدا لا لإتقاء شره فحسب وإنما صيانة للنفس وصيانة للجيران الآخرين، كما أن ملكة إمبراطورية روسيا لأربعة وثلاثين عاما (كأثرين الثانية) وضعت مبدأ عدم قبول دولة قوية على حدود روسيا الجنوبية، ولا يزال هذا المبدأ احد عناصر الإدراك المباشر للأمن القومي الروسي حتى الوقت الحاضر. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ظهر مفهوم الأمن كمصطلح سياسي له تنظيمه المؤسساتي، ولقد ارتبط بصدور قانون الأمن الأمريكي لعام 1948، ومنذ ذلك التاريخ بدأ تداول المصطلح في أدبيات مختلف الأمم[12].
إن الأمن الوطني كأي مفهوم أخر لا يمكن اختزاله في تعريف دقيق، بحكم أنه يختلف من حيث الزمان والمكان ويخضع باستمرار للتطور والتعديل، انسجاما مع المتغيرات والعوامل.
في هذا الإطار يقول الأكاديمي الأمريكي باري بوزان المهتم بشؤون الأمن الأمريكي " يبقى هذا المفهوم عصيبا على الصياغة الدقيقة، بحيث يكتنفه الغموض لدى تعريفه، لكنه يبقى بالغ الدلالة لأن غياب التحديد الدقيق، يوفر للنخبة السياسية والعسكرية هامشا واسعا للتنظير الاستراتيجي ولاستخدام القوة. ويعرف الأمن بأنه " العمل على التحرر من التهديد، وفي سياق النظام الدولي فهي قدرة الدولة والمجتمعات على الحفاظ كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية، أما الأمن القومي فهو قدرة الدولة على الحفاظ على هويتها المستقلة ووحدتها الوظيفية"[13].
في حين تعرف دائرة المعارف البريطانية، الأمن القومي بأنه حماية الأمن من خطر القهر، على يد قوة أجنبية.
وتعرفه دائرة معارف العلوم الاجتماعية بأنه قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية.
وبالرجوع إلى تعريف والتر ليبمان Wilter Lippmann إن الدولة تكون عندما لا تضطر للتضحية بمصالحها المشروعة لكي تتجنب الحرب، وتكون قادرة على حماية تلك المصالح، وإن أمن الدولة يجب أن يكون مساويا للقوة العسكرية و الأمن العسكري إضافة إلى إمكانية الهجوم المسلح المشروعة (من وجهة نظر الدولة بالطبع)، ويدور تعريفه حول الإطار العسكري والقوة[14].
أما تعريف أرنولد ولفيرز Wolfers فيقول بأن الأمن الوطني يعني حماية القيم، التي سبق اكتسابها، وهو يزيد وينقص حسب قدرة الدولة على ردع هجوم، أو التغلب عليه. في حين يرى لورنس كروز Lorenz Cruzأن الأمن هو غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية.
أما تعريف مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية : " الأمن القومي هو عملية محلية مركبة، تحدد قدرة الدولة على تنمية إمكانياتها وحماية قدراتها على كافة المستويات وفي شتى المجالات من الأخطار الداخلية والخارجية، وذلك من خلال كافة الوسائل المتاحة والسياسات الموضوعة بهدف تطوير نواحي القوة وتطويق جوانب الضعف في الكيان السياسي والاجتماعي للدولة، في إطار فلسفة قومية شاملة تأخذ في اعتبارها كل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية "[15].
من خلال مجموع هذه التعاريف المقدمة، يظهر أن للأمن مجموعة من الخصائص كما يلي.
أ- خصائص الأمن الوطني:
النسبية: فالأمن الوطني نسبي بشكل عام و لا يوجد أمن وطني كامل لأي دولة. فالشعور بالأمن المطلق هو بداية التهديد.
المرونة: فتحقيق الأمن الوطني عملية مستمرة تبعا للظروف المحلية والإقليمية والدولية.
الشمولية: فالأمن الوطني ليس هو الأمن الداخلي والنظام العام فقط، بل هو أمن الدولة بجميع مكوناتها الجغرافية والسكانية ونظامها السياسي بما في ذلك أمن المجتمع وثقافته واقتصاده.
الوضوح: بحيث يجب أن تكون هناك إستراتيجية وطنية محددة ومفهومة لكل القائمين على الأمن الوطني في مفاصل الدولة، مما يعني أنها ليست حكرا على الأجهزة الأمنية والعسكرية، كما أن هذه الإستراتيجية يجب أن تكون متوافقة مع تطلعات الشعب ومطالبه الوطنية.
ب- مقومات الأمن الوطني:
إن هوية الإنسان تتحدد بثلاثة عناصر أساسية هي الولاء، الانتماء ثم الاعتزاز بالأمة فكرا وتراثا وحضارة، وهذه العناصر لن تتحقق إلا بتوفر ركائزها الأساسية وهي[16]:
الحرية: باتت الحرية على مستوى الفرد والدولة محور الاهتمام في هذا العصر، لذا تستقطب مشكلة الحرية كل الأحداث الاقتصادية والسياسية. ومن حيث المبدأ فالحرية غير محدودة.
يقول المنفلوطي: يعيش الإنسان رهين المحبسين محبس نفسه ومحبس حكومته من المهد إلى اللحد، وإن الإنسان الذي يمد يديه لطلب الحرية ليس بمتسول ولا مستجد، وإنما هو يطلب حقا من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشرية فإن ظفر بها فلا منَة لمخلوق عليه، ولا يدا لأحد عنده.
أشار المنفلوطي هنا إلى ثلاث معوقات: النفس والحكومة والمطامع البشرية، ومن وجهة نظر بعض الباحثين فالحكومة من أشد أعداء الحرية. ولكن في الحقيقة هناك مجموعة من معوقات الحرية من قبيل الظروف الصحية والاقتصادية، وكذا أن حرية الفرد مقيدة بحرية الآخرين والحل لذلك هو أن تنسجم حريات الأفراد بعضها البعض.
العدالة: تعتبر من أهم المواضع قدسية وشيوعا في السلوك الاجتماعي. ويمكن أن تتخذ وجوها متضاربة جدا حتى في المجتمع الواحد. فأينما كان هناك أناس يريدون شيئا، ومتى ما كانت هناك موارد يراد توزيعها، فإن العامل الجوهري المحرك لعملية اتخاذ القرار سيكون أحد وجوه العدالة التي من شأنها ضمان الاستقرار الاقتصادي الذي بدوره يضمن استقرار النظام العام والأمن العام. وبالتالي فالعدالة جزء مهم لا يمكن فصله عن الأمن الوطني لبلادنا.
المساواة: تعرف المساواة في الاصطلاح بأنها " تماثل كامل أمام القانون وتكافؤ كامل إزاء الفرص، وتوازن بين الذين تفاوتت حظوظهم من الفرص المتاحة للجميع.
وتعني المساواة في صورتها المجردة عدم التمييز بين الأفراد بسبب الأصل أو اللغة أو العقيدة أو الجنس لأن البشر كلهم متساوون في التكاليف والأعباء العامة والحقوق والحريات العامة. ويعتبر مبدأ المساواة من المبادئ العامة للقانون ويرتكز على أساس من الفلسفة السياسية للديمقراطية باعتبار أن الحرية لا توجد ما لم تكن متاحة للجميع. إن هذه العناصر الثلاثة هي الضامن الأبرز لحصول الأفراد على حقوقهم، وفي نفس الوقت تلزم الفرد أن يمتثل لما هو مطلوب منه من واجبات خلقية، اجتماعية، عائلية، وطنية التي تعتبر واجبات المواطن اتجاه وطنه.فإذا تحققت وأمنت للمواطن فإنه سيقابل ذلك مواطن صالحا، تنعكس بشكل مباشر نتائجها على الأمن والاستقرار بشكل إيجابي، أما إذا سلبت ولم تتحقق فسيسعى الأفراد والمجتمع إلى تحقيقها باستخدام كافة الطرق سواء السلمية منها أو غير السلمية مما سيؤثر بشكل سلبي كبير على أمن المواطن والوطن، ويقود بالتالي إلى تهديد النظام العام والأمن العام.
ثانيا: مفهوم الحكامة.
يرجع أصل مصطلح الحكامة إلى الأصل اللاتيني Gubernance الذي يعني قيادة السفينة وهو المعنى الذي يبين لفظ الحكامة كحسن تدبير وتسيير، إدارة الحكم، الإدارة المجتمعية، الحكم، إدارة شؤون الدولة والمجتمع[17]...
ولقد اختلف استعمال هذا المصطلح بين الهيئات والمنظمات الدولية، بحيث أن كل جهة قدمت تعريفا من منطلق الزاوية التي نظرت إليه منها، كما يلي[18]:
- البنك الدولي:" أسلوب ممارسة السلطة، في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية".
- برنامج الأمم المتحدة للتنمية:" ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية في إطار تدبير شؤون بلد ما على جميع المستويات، من خلال آليات وعمليات ومؤسسات تتيح للأفراد والجماعات تحقيق مصالحها".
- منظمة اليونسكو:" الحكامة تفيد بالمعنى الضيق السلطة السياسية، فهي ليست فن التسيير على مستوى سلطة معينة، إنما هي فن تمظهر مستويات مختلفة في تسيير إقليم معين".
- صندوق النقد الدولي:ينظر للحكامة من الزاوية الاقتصادية من خلال إعمال مبدأ الشفافية وفعالية التسيير وإدارة الموارد البشرية واستقرار البيئة التنظيمية لنشاطات القطاع الخاص.
من خلال هذه التعاريف يمكن تعريف للحكامة الأمنية بأنها:
يعرف Serge Bardeau[19] الحكامة الأمنية على أنها " ذلك المسلسل الديمقراطي في اتخاذ القرار والتنسيق والمساءلة الجماعية والذي يتم إقراره من قبل الشرطة والمؤسسات السياسية والمجتمع المدني، بهدف تدبير فعال للأمن العمومي "[20].
كما يعرف الأستاذ عبد اللطيف حاتمي بأنها التخلي عن عقدة مركزية القرار الأمني داخل الدولة وذلك لإحداث تشارك في التدبير السليم للمرفق الأمني[21].
أهمية الموضوع:
إن مجموع الخدمات المرفقية التي يستفيد منها المواطنون تكون مؤدى عنها، وعلى غرار هذه الخدمات تظهر خدمة الأمن التي بدورها تعتبر خدمة يؤدي عنها المواطن من خلال دفعه للضرائب.
ولكن مشكلة أو إشكالية هذه الخدمة أنها في مجموعة من الأحيان تصبح قوة لردع المواطن، خاصة عندما تتعارض وبعض حقوقه السياسية من قبيل التظاهر والتجمهر على وجه الخصوص. في هذا الإطار، وكنتيجة لتراكمات سنوات ماضية تميزت بمجموعة من الانتهاكات الحقوقية التي شهدها المغرب، عزمت بلادنا على طي صفحات الماضي من خلال تبني نهج وأسلوب جديد اجتاح مرفق الأمن يوفق بين الضرورات الأمنية وبين الحقوق الإنسانية. ألا هو الحكامة الأمنية.
من هذا المنطلق تبلور لدينا تناول موضوع هذه الرسالة والذي تدفعني إليه الرغبة العلمية رغم ما يثيره من عراقيل تتمثل فيما يلي:
قلة الكتابات والمراجع المتخصصة في المجال الأمني.
تحفظ السلطات الأمنية عن تقديم الوثائق.
تشتت النصوص القانونية وصعوبة تجميعها.
حداثة الموضوع.
صعوبة منح الإذن للحصول على الوثائق الرسمية.
إشكالية البحث:
يثير موضوع هذه الرسالة، إشكالية تتعلق بكيفية تدبير الأزمات الأمنية من خلال اعتماد حكامة أمنية بالمغرب.
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات:
هل هنالك حكامة أمنية بالمغرب؟
إلى أي حد يمكن أن تساهم وزارة الداخلية - بحكم احتوائها لمعظم الأجهزة الأمنية – في تعزيز مسألة الحكامة الأمنية؟
من هي السلطات الأمنية الموكول إليها المحافظة على النظام؟ وما هو الإطار القانوني المنظم لها؟
أي دور للنيابة العامة في تكريس مبادئ الحكامة الأمنية؟
أي إطار سوسيولوجي وقانوني للحركات الاجتماعية؟
ما موقع ظهير الحريات العامة من نظريات علم الحركات الاجتماعية؟
ما طبيعة العلاقة بين المتظاهرين ورجال الأمن؟
أية حكامة أمنية في ظل دستور 2011 المغربي؟
أي دور للمجلس الأعلى للأمن في اعتماد الحكامة الأمنية؟
ما هي الأزمة؟ ما طبيعتها؟ ما هي خصائصها؟ كيف يمكن تدبيرها؟
خطة البحث:
ولمقاربة هذا الموضوع ارتأيت الاستناد على أكثر من منهج علمي نظرا لطبيعة الموضوع، والإشكالية التي يقدمها حيث تبقى أطروحة المنهج الوحيد غير كافية.
بحيث عملت على توظيف المنهج التاريخي للإحاطة بمجموعة من التطورات التي عرفها المغرب خاصة في مجال حقوق الإنسان وممارسة حرياته، وكذا اعتمدت المنهج التحليلي الوصفي للإحاطة بالجوانب المحيطة بالأجهزة الأمنية.
وكذا المنهج النسقي والوظيفي باعتبار أن المظاهرات (الحركات الاجتماعية) تشكل نسقا داخل النسق المغربي، وتؤدي وظيفة معينة داخل هذا النسق.
ثم المنهج البنيوي، باعتبار أنه سيمكننا من دراسة مجموعة من الظواهر الاجتماعية وكذا بعض المؤسسات الأمنية، باعتبار أنها تشكل بنية داخل بنية النسق المغربي.
وعليه، ارتأيت تقسيم هذا الموضوع إلى فصلين:
الفصل الأول: الإطار العام للأجهزة الأمنية والحريات العامة بالمغرب.
الفصل الثاني: أفاق الحكامة الأمنية بالمغرب على ضوء التعديلات الدستورية لسنة 2011 .
[1] معجب بن معدي الحويقل، " حقوق الإنسان والإجراءات الأمنية دراسة مقارنة "، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض الطيعة الأولى، 2006، ص 3.
[2] الإعلان: هو مجموعة أفكار ومبادئ عامة، لا تتمتع بالصفة الإلزامية، وله قيمة معنوية، ويتمتع بالثقل السياسي والأخلاقي إذا ما صدرت عن هيئة دولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة. والإعلان يعد من قبيل العرف الدولي. والإعلان غالباً ما يصدر في ظروف نادرة حينما ينص على مبادئ ذات أهمية كبرى وقيمة دائمة كما هو الحال بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
[3] المادة 68 من ميثاق الأمم المتحدة " ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجانا للشؤون الاقتصادية و الاجتماعية لتعزيز حقوق الإنسان، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه ".
[4] العهد: اتفاق دولي مرادف لاصطلاح اتفاقية، ورد مرتين في سياق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966) .
[5] الفقرة الأولى من المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية و المدنية:" ﺗﺘﻌﻬﺪ كل دوﻟﺔ ﻃﺮف ﻓﻲ هذا اﻟﻌﻬﺪ ﺑﺎﺣﺘﺮام اﻟﺤﻘﻮق اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ ﻓﻴﻪ، وﺑﻜﻔﺎﻟﺔ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻮق ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻓﺮاد اﻟﻤﻮﺟﻮدﻳﻦ ﻓﻲ إﻗﻠﻴﻤﻬﺎ واﻟﺪاﺧﻠﻴﻦ ﻓﻲ وﻻﻳﺘﻬﺎ، دون أي ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻌﺮق، أو اﻟﻠﻮن، أو اﻟﺠﻨﺲ، أو اﻟﻠﻐﺔ، أو اﻟﺪﻳﻦ، أو اﻟﺮأي ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ أو ﻏﻴﺮ ﺳﻴﺎﺳﻲ، أو اﻷﺻﻞ اﻟﻘﻮﻣﻲ أو اﻻﺟﺘﻤﺎعي ، أو اﻟﺜﺮوة، أو اﻟﻨﺴﺐ، أو ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب".
الفقرة الثالثة من نفس المادة: " ﺗﺘﻌﻬﺪ كل دوﻟﺔ ﻃﺮف ﻓﻲ هذا اﻟﻌﻬﺪ:
(أ) ﺑﺄن ﺗﻜﻔﻞ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺳﺒﻴﻞ ﻓﻌﺎل ﻟﻠﺘﻈﻠﻢ ﻷي ﺷﺨﺺ اﻧﺘﻬﻜﺖ ﺣﻘﻮﻗﻪ أو ﺣﺮﻳﺎﺗﻪ اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻌﻬﺪ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺻﺪر اﻻﻧﺘﻬﺎك ﻋﻦ أﺷﺨﺎص ﻳﺘﺼﺮﻓﻮن ﺑﺼﻔﺘﻬﻢ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ...".
[6] اتفاقيات المصادق عليها من غير تحفظ:
الاتفاقية الدولية بإبطال تجارة الرقيق الموقعة بباريس في 4 ماي 1910.
الاتفاقية حول عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في 18/12/70.
الاتفاقية الدولية لحظر جريمة الميز العنصري 17/08/1973
اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير في 17/08/1973
العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية في 03/05/1979.
الاتفاقية الدولية لمناهضة الميز العنصري في الألعاب الرياضية.
الاتفاقية الخاصة بالرق.
اتفاقية تحريم السخرة
اتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة في الأجور
اتفاقية المساواة في الأجور
اتفاقية عدم التمييز في مجال التعليم
بروتوكول إنشاء لجنة التوفيق والمساعي الحميدة.
بعض الاتفاقيات المصادق عليها بتحفظ
اتفاقية منع الإبادة الجماعية في 24/1/1951، تم التحفظ على المادة 6 إذ اعتبرت الحكومة المغربية المحاكم الوطنية وحدها ذات الاختصاص في النظر في جرائم الإبادة المرتكبة داخل التراب المغربي، ولا تقبل اختصاص المحاكم الدولية إلا بموافقة صريحة من الحكومة المغربية.
الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري في 18/12/1970 اعتبر المغرب أنه ليس مقيدا بمقتضيات المادة 2 التي تنص على عرض كل خلاف بين دولتين أو عدة دول يتعلق بتأويل أو تنفيذ الاتفاقية على محكمة العدل الدولية، فالحكومة المغربية ترى أن ذلك ينبغي أن يكون بقبول مسبق لأطراف الخلاف.
اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في 21/6/1993، و قد تحفظ المغرب كما يلي:
أ المغرب لا يعترف باختصاص اللجنة الوارد في المادة 20.
ب المغرب لا يعتبر نفسه مقيدا بعرض الخلافات الناشئة بين أطراف الاتفاقية على محكمة العدل الدولية طبقا للمادة 30.
لمزيد من العلومات راجع : المملكة المغربية، وزارة حقوق الإنسان و وزارة التربية الوطنية، " دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان "، اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ برنامج للتربية على حقوق الإنسان.( لا تتوفر لا السنة و لا الطبعة).
[7] الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان: أحدثت سنة 1993.
الوزارة المكلفة بأوضاع المرأة والطفولة وإدماج المعاقين
وزارة إعداد التراب الوطني والسكنى والتعمير والبيئة.
[8] - مقتطف من الخطاب الملكي الموجه إلى مسؤولين عن الجهات والولايات والعمالات و الأقاليم من رجال الإدارة وممثلي المواطنين.
[9] - مثال سنوات الجمر والرصاص التي عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
[10] - البشير دخيل، " مشروع الإدارة الإقليمية بالمغرب الأقصى كنموذج للحوكمة الجيدة "، المؤتمر الثالث والثلاثون لمنتدى الفكر المعاصر حول:" الحكم الرشيد رهانات وتحديات المغرب العربي "، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي، عدد 21، يوليو 2011، ص 137.
[11] - فايز محمد الدويري، " الأمن الوطني "، دار وائل للنشر، الطبعة 2013، ص65.
[12] - نفس المرجع، الصفحة 66.
[13] - فايز محمد الدويري، مرجع سابق، الصفحة 68.
[14] - راجع أماني غازي جرار، " حقوق الإنسان وحرية السلام "، الطبعة الأُولى 2012، دار وائل للنشر، الأُردن، ص 267.
[15] - نفس المرجع، الصفحة 268.
[16] - راجع فايز محمد الدويري، مرجع سابق، الصفحة 80 وما بعدها.
[17] - راجع سعيد جفري، " الحكامة وأخواتها مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي "، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 2010، ص13.
[18] - راجع سعيد جفري، نفس المرجع، ص 29 وما بعدها.
[19] - عالم اجتماع فرنسي
[20] - رضوان المجدقي، " الحكامة الجيدة بالمغرب "، طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى، 2013، ص 161.
[21] - نف المرجع، نفس الصفحة.
خاتمة:
لقد كفلت الدول رغم اختلافها مسألة حقوق الإنسان من خلال قوانينها التي حاولت من خلالها التوفيق بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة، وكذا التوفيق بين حقوق الإنسان وممارسة السلطة.
وبحكم أن مسألة التوفيق هذه تبقى من اختصاص الأجهزة الأمنية، وبحكم أن هذه الأخيرة تمارس مهامها بمواجهة الجمهور، فإن الأمر هنا رهين بكلا الطرفين وعليه أسوق مجموعة من المقترحات تخص مسألة إعمال الحكامة الأمنية كما يلي:
تجميع النصوص القانونية المنظمة للأجهزة الأمنية.
وضع مدونة قواعد سلوك للأجهزة الأمنية تتضمن كيفية تنفيذ رجال الأمن للقانون.
إحداث وزارة أو مؤسسة مختصة بالأجهزة الأمنية، وتكون مستقلة عن باقي الوزارات بحيث تضع السياسات العامة وتكون مسؤولة أمام البرلمان عن اتخاذ القرارات الأمنية.
التنزيل الصحيح والسليم لدستور2011.
التسريع بملائمة قانون الحريات العامة لدستور 2011.
تعديل المادة 54 من دستور2011، بحيث وجب التنصيص على ضرورة أن يقدم المجلس الأعلى للأمن تقريرا سنويا إلى البرلمان قصد مناقشته، غلى غرار هيئات ومؤسسات الحكامة الجيدة المشار إليها في الفصول 161 إلى 170.
الارتقاء بجودة الخدمات الأمنية المقدمة من خلال الاستثمار في العنصر البشري.
إعمال المشاركة بحيث أنها تزرع الثقة بين رجال الأمن والمواطنين.
القيام بحملات إعلامية تعرف برجل الشرطة وتبين أدواره، بحيث أن سلوك رجال الأمن يؤثر في قبول أو رفض المواطن للشرطة وأعمالها.
10-اعتماد شراكة مجتمعية بين الأجهزة الأمنية والمواطنين.
11- التشارك في مناقشات عمومية وندوات من خلال الجامعات والجماعات الترابية.
12-تكريس قيم المواطنة وثقافة الحق والواجب من خلال خطبة الجمعة.
ويبقى أساس كل هذه المقترحات هو الرغبة الجدية في إعمال الحكامة الأمنية.
تحت إشراف: د.المصطفى قاسمي
لجنة المناقشة:
د.المصطفى قاسمي......................................رئيسا ومشرفا.
د.محمد أطالب............................................عضوا.
د.محمد عزيز خمريش...................................عضوا.
السنة الجامعية 2012/2013
تقديم:
يشير مصطلح حقوق الإنسان إلى جملة من الاحتياجات التي يلزم توفرها لعموم الناس دون أي تمييز من جنس أو نوع أو لون أو أي اعتبار أخر. وقد مرت قضية حقوق الإنسان بمراحل مختلفة منذ القدم، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، إذ منها ما يعود إلى الجانب العقائدي الديني كما جاء في الدين الإسلامي الذي يعد رسالة من الله سبحانه وتعالى إلى الناس جميعا، ومنها ما يفسر بأنه نتاج جهود مفكرين، ومنها ما يرجعه بعض الباحثين إلى الثورات الكبرى التي عرفها العالم[1].
بصفة عامة، لم يلق موضوع حقوق الإنسان التطور الذي يعرفه اليوم، إلا بعد سلسلة من الحلقات التي بدأت بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[2] في العاشر من ديسمبر 1949، والذي بدوره لم يلق اهتماما كبيرا إلا بعد إحداث لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي بموجب المادة 68[3]. وقد تميزت هذه المرحلة بتعزيز وتشجيع الدول على احترام الحقوق الإنسانية، إلى حين صدور العهدان[4]الدوليان المتعلقان بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية 1966. اللذان دخلا حيز التنفيذ سنة 1976. بحيث تميزت مرحلة هذين العهدين بالحماية والإلزام الدولي لحقوق الإنسان، مما جعل هذه الحقوق شأنا دوليا[5].
وعلى غرار دول العالم، عملت المملكة المغربية على الالتزام الدولي بحقوق الإنسان، من خلال المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية[6]، و من خلال إحداث مجموعة من المؤسسات التي شكلت لبنة أساسية لتكريس ثقافة حقوق الإنسان ببلادنا.
من هنا، تبرز لنا أهمية رغبة المملكة في تدعيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، من خلال إحداث مجموعة من المؤسسات تشكل آليات لاحترام حقوق الإنسان[7]، والتي شكلت بداية انتقال ديمقراطي، فرض تغييرا جذريا بالضبط في فترة تسعينات القرن الماضي.
فبمناسبة الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، بالدارالبيضاء بتاريخ 12 أكتوبر1999 أمام مسؤولي الجماعات الترابية وأمام رجال الإدارة وممثلي المواطنين، حول اعتماد مفهوم جديد للسلطة " إن مسؤولية السلطة في مختلف مجالاتها هي أن تقوم على حفظ الحريات وصيانة الحقوق وأداء الواجبات وإتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون في ضوء الاختيارات التي نسير على هديها من ملكية دستورية وتعددية حزبية وليبرالية اقتصادية وواجبات اجتماعية بما كرسه الدستور وبلورته الممارسة.
ونريد في هذه المناسبة أن نعرض لمفهوم جديد للسلطة وما يرتبط بها مبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية وتدبير الشأن المحلي والمحافظة على السلم الاجتماعي. وهي مسؤولية لا يمكن النهوض بها داخل المكاتب الإدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين، ولكن تتطلب احتكاكا مباشرا بهم وملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد الحلول الملائمة "[8].
والذي تلته توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي دعت إلى ترشيد واقع وآفاق الحكامة الأمنية عقب الأحداث التي عرفها المغرب[9].
هذا، ويعرف المغرب طفرة من التحولات المتلاحقة، في ظل السيرورة العالمية المتصارعة والمفضية إلى إشاعة الديمقراطية وتوسيع فضاء الحريات العامة، وتكريس الحماية المتنامية لحقوق الإنسان سواء بشقها السياسي والمدني أو الاقتصادي والاجتماعي[10].
وقبل الدخول في صلب الموضوع، وجب قبل كل شيء التطرق لمسألة المفاهيم والمصطلحات التي تشكل المفاتيح العلمية لمعالجة وتحليل الأفكار المطروحة للتداول، فهي قطب نافذ في مسار البحث العلمي الموضوعي والجاد، فإيضاح المفاهيم من قبل الباحث هو مدخل أساسي للتواصل مع المحيط.
من هذا المنطلق نجد أن أدبيات البحث العلمي تبدأ بتعريف مصطلحات الدراسة، لأن ذلك يشكل خطوة عريضة أساسية لعرض الأفكار، وهذا ما يجد سنده في قول الفيلسوف الفرنسي فولتر : " إذا أردت أن أفهمك فلا بد من توضيح مفاهيمك أو مصطلحاتك ".
وعليه، سأعمل على تعريف كل من مفهوم الأمن والحكامة كما يلي:
أولا: مفهوم الأمن.
بصفة عامة، يبحث الإنسان دائما عن إشباع حاجاته الغريزية للتأمين على حياته ومعيشته، ثم يسعى بحثا عن رفاهيته وحاجات أسرته، ثم يلجأ إلى جماعة تحقق له مزيدا من الرغبات التي تشبع أماله وأحلامه ورفاهية أسرته وحاجات مجتمعه، ويتعاون مع غيره ليحققا معا مطالبهما في الحياة...، وعليه، إن أمن الفرد هو أساس أمن أسرته التي أمنها الأساسي هو أمن المجتمع وبالتالي أمن الدولة، وبالتالي فتحقيق أدنى درجات الأمن هو أساس لتحقيق أمن الدرجات العليا، مما يعني أن تحقيق أمن الدرجات العليا رهين بتحقيق أمن الدرجات الدنيا.
وبالتالي فالأمن الفردي لا يتحقق بانصهار الفرد داخل مجتمع يضمن له الأمن والاستقرار، فظهرت الأسرة والعشيرة والقبيلة ثم الدولة، انطلاقا من حاجة الإنسان للشعور بالطمأنينة والحماية بكل ما تعنيه كلمة حماية من معنى.
في هذا الإطار، جاء في حديث النبي صل الله عليه وسلم أنه " من بات أمنا في سربه، معافا في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافرها ".
من هنا يظهر أن الحديث الشريف قد رتب الحاجيات كما يلي:
الأمن أولا.
الصحة ثانيا.
الطعام والشراب ثالثا.
وهذه العناصر هي حاجيات الأفراد والمجتمعات. وهذا يؤكد أن مسألة الأمن هي قديمة قدم الإنسان. لقد ظهر مفهوم الأمن الوطني، الذي يطلق عليه أحيانا تسمية الأمن القومي(كفكر) في تعبيرات مختلفة منذ القدم، خاصة البلدان التي ظهرت فيها حضارات عريقة كمصر وبلاد الرافدين وفي عصور قوة الدولة الإسلامية، إلا أن البداية الحقيقة لاستخدام هذا المصطلح كانت بعد معاهدة وستفاليا التي وضعت حدا لحرب استمرت ثلاثين عاما من سنة 1719-1749 بين الدول الموالية للكنيسة والمدافعة عن بقاء الدول تحت لوائها، والدول الأخرى التي تنادي بالحرية الدينية والاستقلال عن نفوذ الكنيسة[11].
كما ورد مصطلح الأمن القومي في فرنسا في أواخر عهد الملك لويس الرابع عشر الذي حكم من 1738-1815 واستهدف في ابسط معانيه منع الجار من أن يكون قويا جدا لا لإتقاء شره فحسب وإنما صيانة للنفس وصيانة للجيران الآخرين، كما أن ملكة إمبراطورية روسيا لأربعة وثلاثين عاما (كأثرين الثانية) وضعت مبدأ عدم قبول دولة قوية على حدود روسيا الجنوبية، ولا يزال هذا المبدأ احد عناصر الإدراك المباشر للأمن القومي الروسي حتى الوقت الحاضر. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ظهر مفهوم الأمن كمصطلح سياسي له تنظيمه المؤسساتي، ولقد ارتبط بصدور قانون الأمن الأمريكي لعام 1948، ومنذ ذلك التاريخ بدأ تداول المصطلح في أدبيات مختلف الأمم[12].
إن الأمن الوطني كأي مفهوم أخر لا يمكن اختزاله في تعريف دقيق، بحكم أنه يختلف من حيث الزمان والمكان ويخضع باستمرار للتطور والتعديل، انسجاما مع المتغيرات والعوامل.
في هذا الإطار يقول الأكاديمي الأمريكي باري بوزان المهتم بشؤون الأمن الأمريكي " يبقى هذا المفهوم عصيبا على الصياغة الدقيقة، بحيث يكتنفه الغموض لدى تعريفه، لكنه يبقى بالغ الدلالة لأن غياب التحديد الدقيق، يوفر للنخبة السياسية والعسكرية هامشا واسعا للتنظير الاستراتيجي ولاستخدام القوة. ويعرف الأمن بأنه " العمل على التحرر من التهديد، وفي سياق النظام الدولي فهي قدرة الدولة والمجتمعات على الحفاظ كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية، أما الأمن القومي فهو قدرة الدولة على الحفاظ على هويتها المستقلة ووحدتها الوظيفية"[13].
في حين تعرف دائرة المعارف البريطانية، الأمن القومي بأنه حماية الأمن من خطر القهر، على يد قوة أجنبية.
وتعرفه دائرة معارف العلوم الاجتماعية بأنه قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية.
وبالرجوع إلى تعريف والتر ليبمان Wilter Lippmann إن الدولة تكون عندما لا تضطر للتضحية بمصالحها المشروعة لكي تتجنب الحرب، وتكون قادرة على حماية تلك المصالح، وإن أمن الدولة يجب أن يكون مساويا للقوة العسكرية و الأمن العسكري إضافة إلى إمكانية الهجوم المسلح المشروعة (من وجهة نظر الدولة بالطبع)، ويدور تعريفه حول الإطار العسكري والقوة[14].
أما تعريف أرنولد ولفيرز Wolfers فيقول بأن الأمن الوطني يعني حماية القيم، التي سبق اكتسابها، وهو يزيد وينقص حسب قدرة الدولة على ردع هجوم، أو التغلب عليه. في حين يرى لورنس كروز Lorenz Cruzأن الأمن هو غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية.
أما تعريف مركز الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية : " الأمن القومي هو عملية محلية مركبة، تحدد قدرة الدولة على تنمية إمكانياتها وحماية قدراتها على كافة المستويات وفي شتى المجالات من الأخطار الداخلية والخارجية، وذلك من خلال كافة الوسائل المتاحة والسياسات الموضوعة بهدف تطوير نواحي القوة وتطويق جوانب الضعف في الكيان السياسي والاجتماعي للدولة، في إطار فلسفة قومية شاملة تأخذ في اعتبارها كل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية "[15].
من خلال مجموع هذه التعاريف المقدمة، يظهر أن للأمن مجموعة من الخصائص كما يلي.
أ- خصائص الأمن الوطني:
النسبية: فالأمن الوطني نسبي بشكل عام و لا يوجد أمن وطني كامل لأي دولة. فالشعور بالأمن المطلق هو بداية التهديد.
المرونة: فتحقيق الأمن الوطني عملية مستمرة تبعا للظروف المحلية والإقليمية والدولية.
الشمولية: فالأمن الوطني ليس هو الأمن الداخلي والنظام العام فقط، بل هو أمن الدولة بجميع مكوناتها الجغرافية والسكانية ونظامها السياسي بما في ذلك أمن المجتمع وثقافته واقتصاده.
الوضوح: بحيث يجب أن تكون هناك إستراتيجية وطنية محددة ومفهومة لكل القائمين على الأمن الوطني في مفاصل الدولة، مما يعني أنها ليست حكرا على الأجهزة الأمنية والعسكرية، كما أن هذه الإستراتيجية يجب أن تكون متوافقة مع تطلعات الشعب ومطالبه الوطنية.
ب- مقومات الأمن الوطني:
إن هوية الإنسان تتحدد بثلاثة عناصر أساسية هي الولاء، الانتماء ثم الاعتزاز بالأمة فكرا وتراثا وحضارة، وهذه العناصر لن تتحقق إلا بتوفر ركائزها الأساسية وهي[16]:
الحرية: باتت الحرية على مستوى الفرد والدولة محور الاهتمام في هذا العصر، لذا تستقطب مشكلة الحرية كل الأحداث الاقتصادية والسياسية. ومن حيث المبدأ فالحرية غير محدودة.
يقول المنفلوطي: يعيش الإنسان رهين المحبسين محبس نفسه ومحبس حكومته من المهد إلى اللحد، وإن الإنسان الذي يمد يديه لطلب الحرية ليس بمتسول ولا مستجد، وإنما هو يطلب حقا من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشرية فإن ظفر بها فلا منَة لمخلوق عليه، ولا يدا لأحد عنده.
أشار المنفلوطي هنا إلى ثلاث معوقات: النفس والحكومة والمطامع البشرية، ومن وجهة نظر بعض الباحثين فالحكومة من أشد أعداء الحرية. ولكن في الحقيقة هناك مجموعة من معوقات الحرية من قبيل الظروف الصحية والاقتصادية، وكذا أن حرية الفرد مقيدة بحرية الآخرين والحل لذلك هو أن تنسجم حريات الأفراد بعضها البعض.
العدالة: تعتبر من أهم المواضع قدسية وشيوعا في السلوك الاجتماعي. ويمكن أن تتخذ وجوها متضاربة جدا حتى في المجتمع الواحد. فأينما كان هناك أناس يريدون شيئا، ومتى ما كانت هناك موارد يراد توزيعها، فإن العامل الجوهري المحرك لعملية اتخاذ القرار سيكون أحد وجوه العدالة التي من شأنها ضمان الاستقرار الاقتصادي الذي بدوره يضمن استقرار النظام العام والأمن العام. وبالتالي فالعدالة جزء مهم لا يمكن فصله عن الأمن الوطني لبلادنا.
المساواة: تعرف المساواة في الاصطلاح بأنها " تماثل كامل أمام القانون وتكافؤ كامل إزاء الفرص، وتوازن بين الذين تفاوتت حظوظهم من الفرص المتاحة للجميع.
وتعني المساواة في صورتها المجردة عدم التمييز بين الأفراد بسبب الأصل أو اللغة أو العقيدة أو الجنس لأن البشر كلهم متساوون في التكاليف والأعباء العامة والحقوق والحريات العامة. ويعتبر مبدأ المساواة من المبادئ العامة للقانون ويرتكز على أساس من الفلسفة السياسية للديمقراطية باعتبار أن الحرية لا توجد ما لم تكن متاحة للجميع. إن هذه العناصر الثلاثة هي الضامن الأبرز لحصول الأفراد على حقوقهم، وفي نفس الوقت تلزم الفرد أن يمتثل لما هو مطلوب منه من واجبات خلقية، اجتماعية، عائلية، وطنية التي تعتبر واجبات المواطن اتجاه وطنه.فإذا تحققت وأمنت للمواطن فإنه سيقابل ذلك مواطن صالحا، تنعكس بشكل مباشر نتائجها على الأمن والاستقرار بشكل إيجابي، أما إذا سلبت ولم تتحقق فسيسعى الأفراد والمجتمع إلى تحقيقها باستخدام كافة الطرق سواء السلمية منها أو غير السلمية مما سيؤثر بشكل سلبي كبير على أمن المواطن والوطن، ويقود بالتالي إلى تهديد النظام العام والأمن العام.
ثانيا: مفهوم الحكامة.
يرجع أصل مصطلح الحكامة إلى الأصل اللاتيني Gubernance الذي يعني قيادة السفينة وهو المعنى الذي يبين لفظ الحكامة كحسن تدبير وتسيير، إدارة الحكم، الإدارة المجتمعية، الحكم، إدارة شؤون الدولة والمجتمع[17]...
ولقد اختلف استعمال هذا المصطلح بين الهيئات والمنظمات الدولية، بحيث أن كل جهة قدمت تعريفا من منطلق الزاوية التي نظرت إليه منها، كما يلي[18]:
- البنك الدولي:" أسلوب ممارسة السلطة، في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية".
- برنامج الأمم المتحدة للتنمية:" ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية في إطار تدبير شؤون بلد ما على جميع المستويات، من خلال آليات وعمليات ومؤسسات تتيح للأفراد والجماعات تحقيق مصالحها".
- منظمة اليونسكو:" الحكامة تفيد بالمعنى الضيق السلطة السياسية، فهي ليست فن التسيير على مستوى سلطة معينة، إنما هي فن تمظهر مستويات مختلفة في تسيير إقليم معين".
- صندوق النقد الدولي:ينظر للحكامة من الزاوية الاقتصادية من خلال إعمال مبدأ الشفافية وفعالية التسيير وإدارة الموارد البشرية واستقرار البيئة التنظيمية لنشاطات القطاع الخاص.
من خلال هذه التعاريف يمكن تعريف للحكامة الأمنية بأنها:
يعرف Serge Bardeau[19] الحكامة الأمنية على أنها " ذلك المسلسل الديمقراطي في اتخاذ القرار والتنسيق والمساءلة الجماعية والذي يتم إقراره من قبل الشرطة والمؤسسات السياسية والمجتمع المدني، بهدف تدبير فعال للأمن العمومي "[20].
كما يعرف الأستاذ عبد اللطيف حاتمي بأنها التخلي عن عقدة مركزية القرار الأمني داخل الدولة وذلك لإحداث تشارك في التدبير السليم للمرفق الأمني[21].
أهمية الموضوع:
إن مجموع الخدمات المرفقية التي يستفيد منها المواطنون تكون مؤدى عنها، وعلى غرار هذه الخدمات تظهر خدمة الأمن التي بدورها تعتبر خدمة يؤدي عنها المواطن من خلال دفعه للضرائب.
ولكن مشكلة أو إشكالية هذه الخدمة أنها في مجموعة من الأحيان تصبح قوة لردع المواطن، خاصة عندما تتعارض وبعض حقوقه السياسية من قبيل التظاهر والتجمهر على وجه الخصوص. في هذا الإطار، وكنتيجة لتراكمات سنوات ماضية تميزت بمجموعة من الانتهاكات الحقوقية التي شهدها المغرب، عزمت بلادنا على طي صفحات الماضي من خلال تبني نهج وأسلوب جديد اجتاح مرفق الأمن يوفق بين الضرورات الأمنية وبين الحقوق الإنسانية. ألا هو الحكامة الأمنية.
من هذا المنطلق تبلور لدينا تناول موضوع هذه الرسالة والذي تدفعني إليه الرغبة العلمية رغم ما يثيره من عراقيل تتمثل فيما يلي:
قلة الكتابات والمراجع المتخصصة في المجال الأمني.
تحفظ السلطات الأمنية عن تقديم الوثائق.
تشتت النصوص القانونية وصعوبة تجميعها.
حداثة الموضوع.
صعوبة منح الإذن للحصول على الوثائق الرسمية.
إشكالية البحث:
يثير موضوع هذه الرسالة، إشكالية تتعلق بكيفية تدبير الأزمات الأمنية من خلال اعتماد حكامة أمنية بالمغرب.
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات:
هل هنالك حكامة أمنية بالمغرب؟
إلى أي حد يمكن أن تساهم وزارة الداخلية - بحكم احتوائها لمعظم الأجهزة الأمنية – في تعزيز مسألة الحكامة الأمنية؟
من هي السلطات الأمنية الموكول إليها المحافظة على النظام؟ وما هو الإطار القانوني المنظم لها؟
أي دور للنيابة العامة في تكريس مبادئ الحكامة الأمنية؟
أي إطار سوسيولوجي وقانوني للحركات الاجتماعية؟
ما موقع ظهير الحريات العامة من نظريات علم الحركات الاجتماعية؟
ما طبيعة العلاقة بين المتظاهرين ورجال الأمن؟
أية حكامة أمنية في ظل دستور 2011 المغربي؟
أي دور للمجلس الأعلى للأمن في اعتماد الحكامة الأمنية؟
ما هي الأزمة؟ ما طبيعتها؟ ما هي خصائصها؟ كيف يمكن تدبيرها؟
خطة البحث:
ولمقاربة هذا الموضوع ارتأيت الاستناد على أكثر من منهج علمي نظرا لطبيعة الموضوع، والإشكالية التي يقدمها حيث تبقى أطروحة المنهج الوحيد غير كافية.
بحيث عملت على توظيف المنهج التاريخي للإحاطة بمجموعة من التطورات التي عرفها المغرب خاصة في مجال حقوق الإنسان وممارسة حرياته، وكذا اعتمدت المنهج التحليلي الوصفي للإحاطة بالجوانب المحيطة بالأجهزة الأمنية.
وكذا المنهج النسقي والوظيفي باعتبار أن المظاهرات (الحركات الاجتماعية) تشكل نسقا داخل النسق المغربي، وتؤدي وظيفة معينة داخل هذا النسق.
ثم المنهج البنيوي، باعتبار أنه سيمكننا من دراسة مجموعة من الظواهر الاجتماعية وكذا بعض المؤسسات الأمنية، باعتبار أنها تشكل بنية داخل بنية النسق المغربي.
وعليه، ارتأيت تقسيم هذا الموضوع إلى فصلين:
الفصل الأول: الإطار العام للأجهزة الأمنية والحريات العامة بالمغرب.
الفصل الثاني: أفاق الحكامة الأمنية بالمغرب على ضوء التعديلات الدستورية لسنة 2011 .
[1] معجب بن معدي الحويقل، " حقوق الإنسان والإجراءات الأمنية دراسة مقارنة "، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض الطيعة الأولى، 2006، ص 3.
[2] الإعلان: هو مجموعة أفكار ومبادئ عامة، لا تتمتع بالصفة الإلزامية، وله قيمة معنوية، ويتمتع بالثقل السياسي والأخلاقي إذا ما صدرت عن هيئة دولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة. والإعلان يعد من قبيل العرف الدولي. والإعلان غالباً ما يصدر في ظروف نادرة حينما ينص على مبادئ ذات أهمية كبرى وقيمة دائمة كما هو الحال بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
[3] المادة 68 من ميثاق الأمم المتحدة " ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجانا للشؤون الاقتصادية و الاجتماعية لتعزيز حقوق الإنسان، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه ".
[4] العهد: اتفاق دولي مرادف لاصطلاح اتفاقية، ورد مرتين في سياق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966) .
[5] الفقرة الأولى من المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية و المدنية:" ﺗﺘﻌﻬﺪ كل دوﻟﺔ ﻃﺮف ﻓﻲ هذا اﻟﻌﻬﺪ ﺑﺎﺣﺘﺮام اﻟﺤﻘﻮق اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ ﻓﻴﻪ، وﺑﻜﻔﺎﻟﺔ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻮق ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻓﺮاد اﻟﻤﻮﺟﻮدﻳﻦ ﻓﻲ إﻗﻠﻴﻤﻬﺎ واﻟﺪاﺧﻠﻴﻦ ﻓﻲ وﻻﻳﺘﻬﺎ، دون أي ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻌﺮق، أو اﻟﻠﻮن، أو اﻟﺠﻨﺲ، أو اﻟﻠﻐﺔ، أو اﻟﺪﻳﻦ، أو اﻟﺮأي ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ أو ﻏﻴﺮ ﺳﻴﺎﺳﻲ، أو اﻷﺻﻞ اﻟﻘﻮﻣﻲ أو اﻻﺟﺘﻤﺎعي ، أو اﻟﺜﺮوة، أو اﻟﻨﺴﺐ، أو ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب".
الفقرة الثالثة من نفس المادة: " ﺗﺘﻌﻬﺪ كل دوﻟﺔ ﻃﺮف ﻓﻲ هذا اﻟﻌﻬﺪ:
(أ) ﺑﺄن ﺗﻜﻔﻞ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺳﺒﻴﻞ ﻓﻌﺎل ﻟﻠﺘﻈﻠﻢ ﻷي ﺷﺨﺺ اﻧﺘﻬﻜﺖ ﺣﻘﻮﻗﻪ أو ﺣﺮﻳﺎﺗﻪ اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻌﻬﺪ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺻﺪر اﻻﻧﺘﻬﺎك ﻋﻦ أﺷﺨﺎص ﻳﺘﺼﺮﻓﻮن ﺑﺼﻔﺘﻬﻢ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ...".
[6] اتفاقيات المصادق عليها من غير تحفظ:
الاتفاقية الدولية بإبطال تجارة الرقيق الموقعة بباريس في 4 ماي 1910.
الاتفاقية حول عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في 18/12/70.
الاتفاقية الدولية لحظر جريمة الميز العنصري 17/08/1973
اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير في 17/08/1973
العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية في 03/05/1979.
الاتفاقية الدولية لمناهضة الميز العنصري في الألعاب الرياضية.
الاتفاقية الخاصة بالرق.
اتفاقية تحريم السخرة
اتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة في الأجور
اتفاقية المساواة في الأجور
اتفاقية عدم التمييز في مجال التعليم
بروتوكول إنشاء لجنة التوفيق والمساعي الحميدة.
بعض الاتفاقيات المصادق عليها بتحفظ
اتفاقية منع الإبادة الجماعية في 24/1/1951، تم التحفظ على المادة 6 إذ اعتبرت الحكومة المغربية المحاكم الوطنية وحدها ذات الاختصاص في النظر في جرائم الإبادة المرتكبة داخل التراب المغربي، ولا تقبل اختصاص المحاكم الدولية إلا بموافقة صريحة من الحكومة المغربية.
الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري في 18/12/1970 اعتبر المغرب أنه ليس مقيدا بمقتضيات المادة 2 التي تنص على عرض كل خلاف بين دولتين أو عدة دول يتعلق بتأويل أو تنفيذ الاتفاقية على محكمة العدل الدولية، فالحكومة المغربية ترى أن ذلك ينبغي أن يكون بقبول مسبق لأطراف الخلاف.
اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في 21/6/1993، و قد تحفظ المغرب كما يلي:
أ المغرب لا يعترف باختصاص اللجنة الوارد في المادة 20.
ب المغرب لا يعتبر نفسه مقيدا بعرض الخلافات الناشئة بين أطراف الاتفاقية على محكمة العدل الدولية طبقا للمادة 30.
لمزيد من العلومات راجع : المملكة المغربية، وزارة حقوق الإنسان و وزارة التربية الوطنية، " دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان "، اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ برنامج للتربية على حقوق الإنسان.( لا تتوفر لا السنة و لا الطبعة).
[7] الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان: أحدثت سنة 1993.
الوزارة المكلفة بأوضاع المرأة والطفولة وإدماج المعاقين
وزارة إعداد التراب الوطني والسكنى والتعمير والبيئة.
[8] - مقتطف من الخطاب الملكي الموجه إلى مسؤولين عن الجهات والولايات والعمالات و الأقاليم من رجال الإدارة وممثلي المواطنين.
[9] - مثال سنوات الجمر والرصاص التي عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
[10] - البشير دخيل، " مشروع الإدارة الإقليمية بالمغرب الأقصى كنموذج للحوكمة الجيدة "، المؤتمر الثالث والثلاثون لمنتدى الفكر المعاصر حول:" الحكم الرشيد رهانات وتحديات المغرب العربي "، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي، عدد 21، يوليو 2011، ص 137.
[11] - فايز محمد الدويري، " الأمن الوطني "، دار وائل للنشر، الطبعة 2013، ص65.
[12] - نفس المرجع، الصفحة 66.
[13] - فايز محمد الدويري، مرجع سابق، الصفحة 68.
[14] - راجع أماني غازي جرار، " حقوق الإنسان وحرية السلام "، الطبعة الأُولى 2012، دار وائل للنشر، الأُردن، ص 267.
[15] - نفس المرجع، الصفحة 268.
[16] - راجع فايز محمد الدويري، مرجع سابق، الصفحة 80 وما بعدها.
[17] - راجع سعيد جفري، " الحكامة وأخواتها مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي "، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 2010، ص13.
[18] - راجع سعيد جفري، نفس المرجع، ص 29 وما بعدها.
[19] - عالم اجتماع فرنسي
[20] - رضوان المجدقي، " الحكامة الجيدة بالمغرب "، طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى، 2013، ص 161.
[21] - نف المرجع، نفس الصفحة.
خاتمة:
لقد كفلت الدول رغم اختلافها مسألة حقوق الإنسان من خلال قوانينها التي حاولت من خلالها التوفيق بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة، وكذا التوفيق بين حقوق الإنسان وممارسة السلطة.
وبحكم أن مسألة التوفيق هذه تبقى من اختصاص الأجهزة الأمنية، وبحكم أن هذه الأخيرة تمارس مهامها بمواجهة الجمهور، فإن الأمر هنا رهين بكلا الطرفين وعليه أسوق مجموعة من المقترحات تخص مسألة إعمال الحكامة الأمنية كما يلي:
تجميع النصوص القانونية المنظمة للأجهزة الأمنية.
وضع مدونة قواعد سلوك للأجهزة الأمنية تتضمن كيفية تنفيذ رجال الأمن للقانون.
إحداث وزارة أو مؤسسة مختصة بالأجهزة الأمنية، وتكون مستقلة عن باقي الوزارات بحيث تضع السياسات العامة وتكون مسؤولة أمام البرلمان عن اتخاذ القرارات الأمنية.
التنزيل الصحيح والسليم لدستور2011.
التسريع بملائمة قانون الحريات العامة لدستور 2011.
تعديل المادة 54 من دستور2011، بحيث وجب التنصيص على ضرورة أن يقدم المجلس الأعلى للأمن تقريرا سنويا إلى البرلمان قصد مناقشته، غلى غرار هيئات ومؤسسات الحكامة الجيدة المشار إليها في الفصول 161 إلى 170.
الارتقاء بجودة الخدمات الأمنية المقدمة من خلال الاستثمار في العنصر البشري.
إعمال المشاركة بحيث أنها تزرع الثقة بين رجال الأمن والمواطنين.
القيام بحملات إعلامية تعرف برجل الشرطة وتبين أدواره، بحيث أن سلوك رجال الأمن يؤثر في قبول أو رفض المواطن للشرطة وأعمالها.
10-اعتماد شراكة مجتمعية بين الأجهزة الأمنية والمواطنين.
11- التشارك في مناقشات عمومية وندوات من خلال الجامعات والجماعات الترابية.
12-تكريس قيم المواطنة وثقافة الحق والواجب من خلال خطبة الجمعة.
ويبقى أساس كل هذه المقترحات هو الرغبة الجدية في إعمال الحكامة الأمنية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire