من قضاء المحكمة العليا الأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم
في العام القضائي 2007/2008
إعداد وتعليق المستشار الدكتور /حسام فرحات أبويوسف عضو هيئة المفوضين المحكمة الدستورية العليا
مقدمة وتمهيد :
يمثل قضاء المحكمة العليا الأمريكية واحداً من أهم روافد متابعة الجديد والمتميز في العلم القانوني بشكل عام ، والقانون العام والدستوري منه بشكل خاص . والغاية من عرض هذا القضاء على المشرع والقاضي والمتخصص ، هي تيسير وإتاحة الفرصة وإثارة الاهتمام للاطلاع على بعض ملامح نظام قانوني آخر له أصوله وفنه القانوني والاستفادة منه كلما كان لذلك محل ، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها . وليس هذا بمستغرب أو بجديد على من يشتغل بالقضاء عموماً والقضاء الدستوري على وجه الخصوص ، فما زال الإنسان يُعلم نفسه ويستزيد من العلم في كل مجال له صلة بالتخصص ، وذلك حتى تستمر عجلة الحياة ، ويستمر السعي نحو تطورها والأخذ بأسباب عمارتها ، وهذا من ناموسها الذي تتعطل بدونه .
ونعرض فيما يلي لعشرة من الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا الأمريكية في عامها القضائي المنصرم 2007- 2008 ، وهى أحكام قدرنا أنها تعكس فهماً مشتركاً لبعض المسائل القانونية بين المدرسة القانونية اللاتينية وعائلة القانون العام أو المدرسة القانونية الأنجلوسكسونية. بالإضافة إلى أن البعض منها يلقى الضوء على أصول النظام القانوني الأمريكي . وقد يكون من المفيد في موضوع كهذا ، أن نبدأ بعرض مبسط لطبيعة المحكمة العليا الأمريكية ووظيفتها في النظام القانوني الأمريكي ، وكيفية الوصول بإحدى القضايا إليها كمحكمة نهاية المطاف في التنظيم القضائي .
أولاً: طبيعة المحكمة العليا الأمريكية
تعد المحكمة العليا الأمريكية The American Supreme Court الحكم الأخير الذي تعرض عليه القضايا والمسائل الخلافية في المجتمع الأمريكي ، والتي لم تصل إلي هذه المحكمة إلا لكونها – في الأغلب الأعم – من القضايا المهمة والمثيرة للجدل في المجتمع . فإذا ما حسمت قضية معينة أمام هذه المحكمة , فإن حكمها هذا يعد الكلمة الأخيرة في النزاع ، ولا مجال بعد ذلك لتغيير هذا الموقف القضائي إلا بتدخل السلطة التشريعية الفيدرالية - الكونجرس – في حدود ما له من صلاحيات دستورية ، أو أن تعدل المحكمة عن سابق قضائها سواء لتغير الظروف المحيطة بالموضوع أو لتغير في تشكيل المحكمة .
وتتألف المحكمة العليا التي تستقر على قمة النظام القضائي في الولايات المتحدة من تسعة أعضاء ، هم : رئيس المحكمة المعروف برئيس القضاة Chief Justice , وثمانية قضاة آخرين يرشحون جميعاً من قبل الرئيس الأمريكي وبإقرار مجلس الشيوخ لهذا الترشيح ، وتكتنف عملية تعيينهم جميعاً الكثير من المنازعات السياسية والحزبية . وتعد هذه المحكمة الملاذ الأخير في مسائل القانون الفيدرالي , وذلك بمقتضى سلطتها في الرقابة القضائية التي أرستها بنفسها في سابقة ماربوري ضد ماديسون Marbury v. Madison سنة 1803 .
وقد أهلت هذه المكانة الرفيعة المحكمة العليا - وباعتبارها أعلى محكمة في الفرع القضائي من الحكومة الفيدرالية - أن تتمتع بذلك القدر من الأهمية الذي يتمتع به الرئيس الأمريكي , الذي يقود الفرع التنفيذي من الحكومة ويقوم على إدارة الشؤون العامة , وكذلك الكونجرس الذي يأتي على قمة الفرع التشريعي للولايات الخمسين التي يتشكل من مجموعها الإتحاد . فإذا كان الكونجرس يسن التشريعات , ويقوم الرئيس على تنفيذها , فإن المحكمة العليا تراقب ذلك كله لتتأكد من أنها طبقت وفسرت بشكل يتفق مع أحكام الدستور.
والمحكمة العليا الأمريكية ليست محكمة دستورية على النسق المعروف في النظام الدستوري المصري أو الدول التي تأخذ بنظام المحاكم الدستورية الخالصة , وإن كانت تباشر وظيفة مماثلة تختلف في فنياتها وآلياتها . كما أنها تعمل كمحكمة نقض تستوي على قمة الهرم القضائي في الولايات المتحدة ، لتراقب مدى التزام فروع الحكومة الفيدرالية الأمريكية جميعها ، سواءً القضائي أو التنفيذي أو التشريعي ، وكذلك حكومات الولايات بأحكام القانون الاتحادي وعلى قمتها وثيقة الدستور الأمريكي .
ثانياً: اختصاصات المحكمة
تضطلع المحكمة العليا الأمريكية بوظائف رئيسية ثلاث :
الأولى : هي المحافظة على النظام الدستوري في الولايات المتحدة ، وتعد هذه الوظيفة الأكثر تعقيداً وإثارة للخلاف , فنظام الحكومة الأمريكية يقوم على وجود سلطات واختصاصات محجوزة للحكومة الفيدرالية وأخرى للولايات . وكانت هذه المشكلة وتحديد ما يعد اختصاصاً فيدرالياًَ وآخر محلياً من أكثر الموضوعات إثارة للخلاف، وكذلك حدود العلاقة بين المحكمة العليا من جهة ، وفرعي الحكومة الآخرين وهما : الكونجرس – الفرع التشريعي – والرئيس – الفرع التنفيذي - من جهة أخرى .
الثانية: هي ضمان وحدة تطبيق القانون الاتحادي ، وقد اكتسبت هذه الوظيفة بعداً متزايد الأهمية مع اطراد الزيادة في تشريعات الكونجرس الاجتماعية والاقتصادية , فهذه القوانين تحتاج إلي تفسير موحد لا يختلف من منطقة لأخرى , خاصة إذا علمنا أنه يوجد في كل ولاية من الولايات الخمسين محكمة اتحادية واحدة على الأقل, وهناك إحدى عشرة محكمة اتحادية إقليمية للاستئنافات المرفوعة عن أحكام المحاكم الاتحادية, وتأتي المحكمة العليا لتكون الهيئة الاستئنافية العليا الأخيرة في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف الاتحادية.
الثالثة: هي حسم المنازعات بين الولايات الخمسين المشكلة للاتحاد ، وقد ثار عدد كبير منهما على الحدود ونسب تقسيم المياه بين الولايات. وتتخذ المحكمة عند تسوية هذه الخلافات شكل محكمة دولية إلي حد بعيد, إذ أنها تؤدي دورها كبديل للدبلوماسية والحرب . كما تختص المحكمة العليا اختصاصاً أصلياً بالقضايا التي تمس السفراء والوزراء والقضايا التي تكون إحدى الولايات طرفاً فيها
وتباشر المحكمة الوظيفتين الأولى والثانية من خلال الاختصاص الاستئنافي والذي تنظر بمقتضاه المحكمة الطعون المرفوعة ضد الأحكام الصادرة من المحاكم الأدنى, ويعد هذا الاختصاص هو العام في وصول القضايا إلي المحكمة إذ يبلغ عدد القضايا التي ترفع في شكل طعون استئنافية الآلاف , إلا أن المحكمة لا تقبل منها في المتوسط سوى عدد قليل لا يجاوز بضع مئات .
ثالثاًً: الوصول بإحدى القضايا إلي المحكمة العليا
إن الوصول بإحدى القضايا إلي المحكمة العليا الأمريكية ليس بالأمر اليسير, فهذه المحكمة ذات المكانة الرفيعة , وقضاتها الذين يمثلون – في الأغلب الأعم – صفوه المجتمع الأمريكي ينبغي ألا يتاح الوصول إليها، إلا لتلك القضايا التي تكتنف مسائل علي درجة كبيرة من الأهمية ، سواء لانطوائها علي بعد فيدرالي يمس الاتحاد الأمريكي كله ، أو لصلتها الوثيقة بما يكفله الدستور الأمريكي من حقوق وحريات . ولذلك فإن التقاضي أمام المحكمة العليا الأمريكية يعتبر طريقاً شاقاً يحتاج إلي مهارات وإمكانيات لا تتوافر لدى الكثير من المحامين المحترفين, وفي معظم الأحوال يتوقف الأمر على قناعة المحكمة بأن القضية المثارة تستحق الوصول إلي أعلى محكمة في البلاد .
وتتحدد طرق اتصال المحكمة العليا بالدعوى في واحدة من الطرق الآتية :
الطريقة الأولى : الأمر بالإحالة Writ of Certiorari
وهذه الطريقة هي الأكثر انتشاراً ، وتعد الرافد الأساسي لمباشرة المحكمة العليا لدورها في الرقابة القضائية , وبمقتضاها يتقدم الشخص صاحب المصلحة بالتماس للمحكمة العليا- وعادة ما يكون هو الشخص الذي خسر القضية أمام محكمة الاستئناف - ويسمى هذا الشخص بالملتمس أو المتظلم Petitioner , ويسمى الشخص أو الطرف الآخر المرفوعة عليه الدعوى بالمدعى عليه Respondent . وتمنح المحكمة العليا كل عام عدداً قليلاً من أوامر الإحالة , وعادة ما تحاول قبول القضايا التي تكتنف موضوعات قانونية هامة. وقد استقرت المحكمة على عدة معايير في تقريرها قبول قضية ما وسماعها والفصل فيها بمنح أمر الإحالة ، ومن ذلك:
1- أحوال التناقض بين الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الفيدرالية .
2- صدور أحكام من المحاكم الأدنى تتضمن التعرض لموضوعات دستورية فيدرالية جديدة ومتميزة .
3- صدور حكم من محاكم الولايات في إطار نظامها القضائي الداخلي بشكل يتعارض مع أحكام سابقة للمحكمة العليا .
وتقرر المحكمة قبول أو عدم قبول أوامر الإحالة المرفوعة إليها طبقاً لقاعدة الأربعة (The Rule of Four ) ، بحيث إذا ما قرر أربعة من قضاة المحكمة التسع أن إحدى القضايا جديرة بتصدي المحكمة للفصل فيها , فإن المحكمة تنظرها , وهو نظام أشبه بدائرة فحص الطعون أو غرفة المشورة . ولا تعنى استجابة المحكمة لطلب الإحالة أنها سوف تتصدى حتماً لموضوع القضية ، ذلك أن الأغلبية (خمسة قضاة ) تملك فيما بعد التقرير بأن قرار الاستجابة لأمر الإحالة لم يكن موفقاً . ومن جهة أخرى فإن رفض المحكمة الاستجابة لطلب إصدار أمر الإحالة لا يعنى أن المحكمة تعرضت لموضوع القضية ، ولا أنها أيدت أو رفضت قضاء المحكمة الأدنى في الموضوع.
الطريقة الثانية: نص القانون ذاته
وهذه الطريقة تفترض أن الاستئناف الذي سيرفع إلى المحكمة , إنما ورد النص عليه في القانون الذي شكل محور النزاع , فالقانون ذاته هو مصدر الحق في الاستئناف إلي المحكمة العليا .
الطريقة الثالثة : أوامر الإحضار Write of Habeas Corpus
وهذه الكلمة "Habeas Corpus" ذات أصل لاتيني وتعنى "ها هو الجسد لديك" ، وهو أمر موجه من المحكمة العليا إلي أحد الأفراد أو موظفي الحكومة بإحضار جسم السجين في زمان ومكان محددين ، وذلك حتى تتمكن المحكمة من البت في مسألة قانونية احتجازه ، وما إذا كانت ستأمر بإطلاق سراحه , وينطبق هذا الأمر بشكل رئيسي على الأشخاص الذين تم حبسهم أو احتجازهم بالمخالفة لأحكام الدستور الأمريكي .
هذا ، ويلاحظ على قضاء المحكمة العليا الأمريكية في عامها القضائي المنصرم
2007 – 2008 ، أن المحكمة خلفت ورائها رصيداً مهماً من القضايا بلغت فيه نسبة القضايا التي أصدرت فيها المحكمة أحكامها بخمسة أصوات مقابل أربعة 17% من قضاء المحكمة ، بينما بلغت نسبة الأحكام الصادرة عن المحكمة بهذا الطريق عام 2006- 2007، 30% من إجمالي قضاء المحكمة في ذلك العام ، وهي حال عادة ما تعبر عن الانقسام الحاد في الآراء بين قضاة المحكمة التسعة . وقد تراجعت نسبة الأحكام الصادرة بإجماع الآراء لتبلغ في هذا العام 18% بعد أن كانت 25% في العام القضائي 2006-2007.
ونعرض فيما يلي للقضايا العشر التي تخيرناها من الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا في العام القضائي 2007- 2008 ، وهى أحكام تتنوع في مجالات مختلفة ، وذلك على النحو الآتي :
1- قضية بازى ضد ريز وتحديد مفهوم العقوبة القاسية أو غير المألوفة في طريقة تنفيذ عقوبة الإعدام Method of Execution:
تثير عقوبة الإعدام الكثير من الجدل على المستوى القانوني والإنساني في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم . ويحتدم الجدل بين المؤيدين والمعارضين لهذه العقوبة ولكل منهم أسانيده التي يدعم بها موقفة . وتختلف الولايات الخمسين المشكلة للاتحاد في موقفها من تطبيق عقوبة الإعدام ، فمنها من يأخذ بها ويطبقها عن جرائم محددة ، ومنها من يحظر اللجوء إليها أو الأخذ بها مطلقاً ، ومنها من يأخذ بها من الناحية القانونية ولا يطبقها من الناحية الفعلية . وقد تطور موقف المحكمة العليا من تطبيق عقوبة الإعدام التي لا يحظرها الدستور الاتحادي ، وإن كان يحظر العقوبة القاسية وغير المألوفة ، ومن ذلك موقف المحكمة من حظر إعدام المتخلفين عقلياً في عام 2002 ، وحظر إعدام الصغار أو القاصرين في عام 2005 .
واستمراراً لهذا الجدل المحيط بعقوبة الإعدام وتطور الموقف القضائي من هذه العقوبة ، عرضت المحكمة العليا في عامها القضائي المنصرم لواحدة من أهم مراحل الجدل حول هذه العقوبة ، وهي المتعلقة بطريقة تنفيذ عقوبة الإعدام ذاتها ، إذ بدأت الولايات التي تأخذ بعقوبة الإعدام في تطبيق طريقة الحقن المميت (Injection Lethal) بديلاً عن الإعدام باستخدام الكرسي الكهربائي وذلك منذ العام 1978 . وقد شهد تنفيذ بعض حالات الإعدام بالحقن المميت في ولايتي فلوريدا وكاليفورنيا مشكلات فنية وإنسانية ، إذ أخذت بعض الحالات أكثر من نصف ساعة حتى تقع الوفاة .
إلى أن أجريت دراسة في عام 2005 حول طريقة الحقن المميت أثارت جدلاً كبيراً فيما تناولته من أثر كمية المخدر المستعملة في هذه الطريقة ، إذ خلصت الدراسة إلى أن هذه الكمية ربما لا تكون كافية للحيلولة دون شعور المحكوم عليه أثناء تنفيذ الإعدام بالآلام الناجمة عن استعمال هذه الطريقة ، إذ قد تحول كمية المخدر دون صراخ المحكوم عليه . فما كان من المحكمة العليا إلا أن قررت وقف تنفيذ عقوبة الإعدام باستخدام الحقن المميت إلى أن تنجلي حقيقة ومشروعية أسلوب الحقن المميت ومدى اعتباره عقوبة قاسية وغير مألوفة يحظرها التعديل الثامن للدستور الأمريكي الذي ينص على أنه
" لا يجوز طلب دفع كفالات ولا غرامات باهظة ولا إنزال عقوبات قاسية وغير مألوفة
وفي قضية Baze v. Rees تناولت المحكمة مدى اعتبار طريقة الحقن المميت المعتمدة في ولاية كنتاكي في تنفيذ عقوبة الإعدام ، عقوبة قاسية وغير عادية . وتخلص وقائع هذه القضية في أن السيدين"رالف بازي" و"توماس بولنج" من المدرجين على قائمة الانتظار في تنفيذ عقوبة الإعدام بواسطة الحقن المميت في ولاية كنتاكي . وتتضمن الطريقة المعتمدة في هذه الولاية لتنفيذ الحقن المميت إعطاء المحكوم عليه عند التنفيذ جرعة من تركيبة ثلاثية من العناصر المخدرة التي تنتهي بالوفاة ، وتستخدم ذات الطريقة في (35) ولاية أخرى . وتبدأ هذه الطريقة بإعطاء المحكوم عليه ثلاث مواد كيماوية أولها مخدر ، والثاني يوقف عمل عضلات الجسم إلا القلب ، والثالث يوقف القلب فتحدث الوفاة .
دفع المحكوم عليهما بأنه ينبغي على ولاية كنتاكي أن تستبدل التركيبة الثلاثية المستعملة حالياً في الحقن المميت ، والتي تحتوي على ثلاثة أنواع من العناصر المخدرة ، وأن يحل محلها تركيبة ذات عنصر واحد . وذلك على سند من أن طريقة الحقن المميت تنطوي على خطر التعرض لعقوبة قاسية وغير عادية ، وهو ما يعد انتهاكاً لحقوقهم الدستورية المضمونة بالتعديل الثامن للدستور الأمريكي ، وذلك استناداً على ما خلصت إليه الدراسة المشار إليها من أن المحكوم عليه قد يشعر بالألم الذي لا يطاق ، بيد أنه لا يستطيع الصراخ تحت وطأة التركيبة المستعملة .
وقد انتهت المحكمة في هذه القضية إلى رفض الدعوى بأغلبية سبعة قضاة إلى اثنين ، وكتب رأي الأغلبية فيها عن المحكمة رئيس القضاة "روبرتس" ، حيث ذهب إلى أنه ولئن تسبب تنفيذ عقوبة الإعدام في الشعور بالألم ، إما بمحض الصدفة أو كنتيجة حتمية للموت ، إلا أن ذلك لا يشكل في حد ذاته خطر الإيذاء الذي لا يطاق ، والذي يبقى مجرد احتمال merely a possibility ، ومن ثم فإن الحقن المميت لا يفي ولا يرقى إلى مستوى العقوبة القاسية أو غير العادية المحظورة بموجب التعديل الثامن للدستور الأمريكي . وقد استأنفت الولايات في أعقاب صدور هذا الحكم تنفيذ عقوبة الإعدام في المحكوم عليهم المدرجين على قوائم الانتظار ، بعد أن أوقفتها المحكمة العليا إلى حين الفصل في هذه القضية .
2- قضية بجاى ضد الولايات المتحدة وضوابط التفسير في المجال الجنائي:
تعرضت المحكمة في هذه القضية Begay v. United States لتفسير المقصود
بعبارة (جريمة تتسم بالعنف ) ، Violent Felony"" الواردة في قانون الأعمال المسلحة Armed Career Criminal Act ، إذ يقرر هذا القانون عقوبة السجن لمدة (15) خمسة عشر عاما لمن يدان عن جريمة حيازة سلاح ناري بدون ترخيص ، وذلك إذا ثبت سبق ارتكاب المتهم ثلاثة أو أكثر من الجرائم المتسمة بالعنف Violent Felony . وقد عرفت نصوص هذا القانون الجريمة المتسمة بالعنف بأن أوردت بعض الأمثلة لها ، ومن ذلك جريمة السطو المسلح Burglary ، والحرق العمدى Arson ، والاغتصاب Extortion ، وتلك الجرائم التي تشتمل على استعمال متفجرات involving use of explosives ، وجميعها من الجرائم التي تتضمن سلوكاً إجرامياً يحمل قدراً كبيراً من الخطورة والعنف
وتخلص وقائع هذه القضية في أن النيابة العامة قدمت السيد "لارى بجاى" Larry Begay للمحاكمة عن تهمة الحيازة غير المشروعة لسلاح ناري ، وقد أدانته المحكمة بالسجن بموجب القانون المشار إليه استناداً على سبق إدانته أكثر من ثلاث مرات عن جريمة القيادة أثناء السكرDriving While Intoxicated ، فاستأنف هذا الحكم على سند من عدم جواز اعتبار جريمة القيادة أثناء السكر جريمة تتسم بالعنف بموجب أحكام هذا القانون .
وقد كتب رأي المحكمة عن الأغلبية في هذه القضية القاضي "براير" Breyer ، ذاهباً إلى أن العقوبة الوجوبية Mandatory Sentence التي نص عليها القانون لا تنطبق على الحالة المعروضة ، لأن جريمة القيادة أثناء السكر لا تشكل جريمة متسمة بالعنف . وقد اعتمد القاضي "براير" في تحليله بالأساس على النماذج أو الأمثلة التي عددها النص في مقام اعتبار جريمة ما متسمة بالعنف ، فذهب إلى أن جرائم السطو والحرق والاغتصاب وتلك التي تتضمن استعمال متفجرات ، تختلف اختلافاً كبيراً عن جريمة القيادة أثناء السكر ؛ لأن الأولى تحمل قدراً كبيراً من الدلالة على وجود نتيجة عنيفة وعدوانية مصحوبة بقصد خاص لا يتوافر في الآخرة . وتركز الخلاف بين الأغلبية والأقلية في هذه القضية حول مدرسة التفسير التي يعتمدها كل منهم ، فالأغلبية اعتمدت مدرسة الشرح على المتون أو مدرسة النص Textualism ولم تر في جريمة القيادة أثناء السكر جريمة متسمة بالعنف لأن نص التجريم لم يعددها ضمن النماذج التي أوردها لهذه الجريمة
ولا شك في أن هذا التفسير الضيق هــو الأكثر اتفاقاً مــع طبيعة رقابة النصوص العقابية " إذ يتعين دوماً أن يكون تحديد النصوص العقابية للأفعال التي أدخلها المشرع في مجال التجريم ، جليا قاطعاً، بما مؤداه أن تعريفاً قانونياً بالجريمة محدداً لعناصرها، يكون لازماً، فلا يجوز القياس عليها لإلحاق غيرها بها ، باعتبار أن الشرعية الجنائية مناطها تلك الأفعال التي أثمها المشرع من منظور اجتماعي، فلا تمتد نواهيه لغيرها ، ولو كان إتيانها يثير اضطراباً عاما ً، أو كان مضمونها فجاً عابثاً •
ومن ثم تكون هذه الشرعية - وبالنظر إلى القيود الخطيرة التي تفرضها النصوص العقابية على الحرية الشخصية - مقيدة لتفسير هذه النصوص، ومحددة كذلك مجال إعمالها بما لايلبسها بغيرها، وعلى تقدير أن النصوص العقابية لايجوز أن تكون شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، ولأن العقوبة التي تقارن هذه النصوص، لاتعتبر نتيجة لازمة للجريمة التي تتصل بها، بل جزءاً منها يتكامل معها ويتممها " . ( الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 33 لسنة 16 قضائية "دستورية" بجلسة 6 فبراير سنة 1996).
ومن المقرر كذلك أن "دستورية النصوص الجنائية تحكمها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها، ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها، ولا تزاحمها في تطبيقها ماســـواها من القواعد القانونية، ذلك أن هذه النصوص تتصل مباشرة بالحرية الشخصية التي أعلى الدستور قدرها، وألحقها دون غيرها بالحقوق الطبيعية باعتبارها من جنسها، ليكون صونها إعلاء لقدر النفس البشرية ، متصلا بأعماقها، ومنحها بذلك الرعاية الأولى والأشمل توكيداً لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها، وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على هذه الحرية - بطريق مباشر أو غير مباشر- أخطر القيود وأبلغها أثراً، لتعطل ممارستها، أو ترهقها - دونما ضرورة - بما ينافيها".( الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 2 لسنة 15 قضائية "دستورية" بجلسة 4 يناير 1997).
3- قضية بومدين ضد بوش وعدم دستورية حظر حصول معتقلي جوانتاناموا على أمر قضائي بإحضار جسد السجين Write of Habeas Corpus:
أشرنا من قبل إلى أن أوامر الإحضار Write of Habeas Corpus تعنى "ها هو الجسد لديك" ، وهو أمر موجه من المحكمة إلي أحد الأفراد أو موظفي الحكومة بإحضار جسم السجين في زمان ومكان محددين، حتى تتمكن المحكمة من البت في مسألة قانونية احتجازه ، ومدى أحقيته في إطلاق سراحه .
وفى قضية بومدين ضد بوش Boumediene v. Bush عرضت المحكمة لمدى شرعية احتجاز الأخضر بومدين ، وهو أحد المواطنين الجزائريين المعتقلين بمعتقل خليج جوانتاناموا. وكان بومدين قد أقام دعواه أمام محكمة أول درجة من أجل الحصول على أمر بالإحضار ، بعد أن اعتقلته الولايات المتحدة وصنفته على أنه "عدو مقاتل" Enemy Combatant فى اطار حربها على الارهاب. وقد رفضت هذه المحكمة دعواه على سند من أن الكونجرس أصدر قانون معاملة المعتقلين لسنة 2005 Detainee Treatment Act ، والذي يحظر على أي قاض أو محكمة النظر في دعوى أقيمت من أجل الحصول على أمر بالإحضار من قبل أحد الأجانب المعتقلين بمعتقل خليج جوانتاناموا بكوبا . وهو القانون الذي حجبت بموجبه المحاكم عن نظر دعوى الأمر بالإحضار ، ويتعين من ثم على كل محكمة يرفع إليها هذا الطلب أن تحكم بعدم الاختصاص بنظر الطلب.
نقضت المحكمة العليا هذا الحكم بأغلبية خمسة أصوات لأربعة ، وكتب الرأي عن الأغلبية القاضي " كنيدى" ، حيث ذهب إلى أن حظر منح أوامر الإحضار مخالف للدستور فيما تضمنه من مصادرة اختصاص المحاكم الفيدرالية في منح هذه الأوامر. وأعطت الأغلبية أهمية كبيرة للضمانات الإجرائية غير المناسبة المتاحة للمعتقلين للطعن في قرارات اعتقالهم ، وذلك بالنظر إلى فقدانهم للوسائل المناسبة للحصول على الأدلة وتقديمها بما يساعدهم في إظهار براءتهم ، كما لم تتح لهم فرصة الحصول على محام يتولى الدفاع عنهم ويساعدهم في بيان حقيقة وطبيعة التهم الموجهة إليهم .
وجدير بالذكر أن القاضي "سكاليا" وهو أحد المعارضين لهذا الحكم انتقد الأغلبية بشدة وحمل عليها ، بل وحذر بشدة من أن الأمة الأمريكية سوف تعيش إلى اليوم الذي تندم فيه على ما فعلته المحكمة اليوم ، The Nation will live to regret what the Court has done today
وإذا كان من مجال للتعليق على هذا الحكم ، فهو مجرد الإشارة إلى أن النظامين القانوني والقضائي في الولايات المتحدة ما يزالان يعانيان من تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، والتي أعقبها تراجع فادح في نظام الحقوق والحريات المدنية في الولايات المتحدة لصالح الهواجس والترتيبات الأمنية التي اتخذتها الإدارة الجمهورية الحالية . ويعد حجب المحاكم عن نظر طلبات أوامر الإحضار أحد مظاهر الاعتداء على هذه الحريات ، لاسيما وان الاعتداء يأتي هذه المرة على احد الحقوق الأساسية التي ينهار في غيابها كل الحقوق وهو حق التقاضي .
4- قضية كنيدي ضد لويزيانا وإسقاط عقوبة الإعدام عن جريمة اغتصاب الأطفالChild Rape :
طرح على المحكمة في هذه القضية Kennedy v. United States قانون أصدرته ولاية لويزيانا عام 1995 ، يأخذ بعقوبة الإعدام كإحدى العقوبات المقررة عن جريمة اغتصاب طفل يقل عمره عن اثني عشرة سنة . وتخلص وقائع هذه القضية في أن الشرطة ألقت القبض على "باتريك كنيدي" وقدمته للمحاكمة عن تهمة اغتصاب ابنة زوجته الطفلة ذات السنوات الثمان. حيث أدانه المحلفون بعد أن خلصوا إلى جدارته بعقوبة الإعدام. وقد قررت المحكمة العليا منح أمر إحالة لهذه القضية لرفعها إليها ، وتحددت المسألة الدستورية المطروحة على المحكمة فيما إذا كان للولايات أن تلجأ إلى عقوبة الإعدام كإحدى العقوبات المقررة عن ارتكاب جريمة اغتصاب الأطفال
وقد ذهبت المحكمة بأغلبية خمسة أصوات إلى أربعة إلى عدم دستورية ذلك المسلك التشريعي الجنائي ، وكتب رأى المحكمة عن الأغلبية القاضي "كنيدي" الذي انتهى إلى أن تقرير عقوبة الإعدام عن جريمة بقى المجني عليه فيها حياً لا يعد متناسباً Proportional مع الجرم المرتكب ، وأن مبادئ العدالة تأبى معاقبة الجاني بعقوبة الإعدام عن جريمة لم ترتب وفاة المجني عليه .
ودعمت الأغلبية موقفها هذا بسندين إضافيين هما :
الأول : الاستعانة بتحليل موقف الولايات المختلفة من عقوبة الإعدام ، إذ تبين أن ستاً من الولايات فقط هي التي تسمح بتطبيق عقوبة الإعدام عن جريمة اغتصاب الأطفال ، ولم يتم تطبيق عقوبة الإعدام عن جريمة اغتصاب الأطفال منذ العام 1964. وتلك حقائق توضح أن ثمة إجماعاً قومياً National Consensus على عدم اللجوء إلى عقوبة الإعدام عن هذه الجريمة .
الثاني: أن تقرير عقوبة الإعدام عن تلك الجريمة لن يترك دافعاً حافزاً للجاني لكي يبقى على حياة ضحيته بعد ارتكاب جريمته ، بل على النقيض من ذلك قد يشجع مثل هذا المسلك الجاني على التخلص من ضحيته بقتلها لكي لا يترك وراءه شاهداً على جريمته ، وهو الطفل المغتصب .
5- قضية ميدلين ضد تكساس وضوابط العلاقة بين النظام الفيدرالي الأمريكى Federalism وأحكام القانون الدولي :
تمثل العلاقات الدبلوماسية والقنصلية واحداً من أهم مرتكزات القانون الدولي العام ، وذلك باعتبار هذه العلاقات محوراً لتصريف وتسيير العلاقات بين الدول . وقد عرف القانون الدولي اثنتين من الاتفاقيات الدولية الأشهر فى هذا المجال هما : اتفاقية فيينا لعام 1961 الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية ، واتفاقية فيينا لعام 1963 الخاصة بالعلاقات القنصلية .
وطبقا للمادة (5) من هذه الاتفاقية الخاصة بالعلاقات القنصلية لعام 1963 ، فإن أهم وظائف البعثة القنصلية تتحدد في الدفاع عن مصالح الدولة الموفدة ورعاياها فى الدولة الموفد لديها ، وتقديم العون والمساعدة لرعايا الدولة الموفدة ، وتمثيل رعايا الدولة الموفدة أو اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تمثيلهم أمام المحاكم والسلطات المختصة في الدولة الموفد لديها والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم . وتنص المادة (36) من ذات الاتفاقية - وهي الاتفاقية التي انضمت إليها الولايات المتحدة - على حق رعايا الدول الأجنبية المتهمين بارتكاب جرائم في الدول المنضمة إلى هذه الاتفاقية في الاتصال بقناصل بلادهم .
وكانت محكمة العدل الدولية (International Court Of Justice) قد أصدرت حكمها في عام 2004 في قضية تتعلق ببعض الرعايا المكسيكيين خلصت فيه إلى أن اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية تلزم الولايات الخمسين المشكلة للاتحاد الفيدرالي الأمريكي كل منها على حده ، وعلى هذه الولايات فرادي أن تتقيد بما جاء في نصوص هذه الاتفاقية من أحكام ، ومن ذلك حق الرعايا الأجانب في الاتصال بقنصليات بلادهم . وقد دفع هذا الحكم الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى إصدار مذكرة تقرر إلزام محاكم الولايات بتطبيق نصوص الاتفاقية .
وفي قضية Medellin v. Texas عرضت المحكمة العليا لما إذا كان الرئيس الأمريكي يملك من الصلاحيات الدستورية ما يخوله أن يطلب من الولايات الالتزام بتنفيذ نصوص الاتفاقية ، ودون حاجه إلى موافقة مجلس الشيوخ الفيدرالي(U.S. Sensate) ؟. وقد أيدت المحكمة العليا الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الجنائية بولاية تكساس بأغلبية ستة أصوات إلى ثلاثة ، كتبه عن الأغلبية كبير القضاة "روبرتس" وقد رفض رأي الأغلبية الحجة التي ساقها المدعي بأن الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية في قضية الرعايا المكسيكيين يلزم ولاية تكساس منفردةً بأن تسمح له بالاتصال
بقنصليته ، وذلك على سند من أن الرئيس الأمريكي لا يملك السلطة الدستورية للدخول في معاهدات واجبة التنفيذ تتطلب التزام وموافقة كل ولاية على حده ، فمثل هذه المعاهدات - وحتى يتحقق التزام الولايات بها - تتطلب أولاً موافقة مجلس الشيوخ عليها. وأوضحت الأغلبية في هذا الحكم أن حكومة الولايات المتحدة خضعت لاختصاص محكمة العدل الدولية فيما يخص الالتزامات القانونية الدولية للولايات المتحدة ، لكن لا اختصاص لمحكمة العدل الدولية في تحديد القانون الفيدرالي الداخلي الملزم للولايات .
6- قضية "علي" ضد مكتب السجون الفيدرالي وحقوق السجناء في مواجهة موظفي السجون الفيدراليين:
تخلص وقائع هذه القضية Ali V . Federal Bureau of Prisons في أن السيد"علي" كان قد سلم حقيبتين كانتا في حوزته تحتويان على متعلقاته الشخصية لموظفي السجن أثناء عملية نقله من محبسه إلى سجن جديد . وحينما وصل إلى هذا السجن الجديد تبين له فقد العديد من المتعلقات الخاصة به ذات الطبيعة الدينية . وقد قبلت المحكمة العليا القضية وأمرت بإحالتها إليها لنظرها وتقرير ما إذا كانت الحصانة التي يتمتع بها الموظفون القائمون على تطبيق القانون الفيدرالي ضد الملاحقة القضائية بدعاوى المسئولية تنصرف كذلك إلى إساءة تسليم المتعلقات الخاصة المملوكة لأحد المواطنين .
وبقرار أصدرته المحكمة بأغلبية (خمسة أصوات إلى أربعة) أيدت الأغلبية الحكم الصادر عن الدائرة الفيدرالية الحادية عشر برفض دعوى السيد" علي" ، وذلك على سند من تفسير قانون دعاوى المسئولية الفيدرالية Federal Torts Act ، والذي يقرر الحصانة وعدم المسئولية في مواجهة الأخطاء المرتكبة بواسطة الموظفين الفيدراليين . و كتب رأي الأغلبية في هذه القضية القاضي"كلارنس توماس" معتمداً على تفسير عبارة وردت في نصوص قانون دعاوى المسؤولية الفيدرالي قوامها أن الحصانة ضد الملاحقة بدعاوى المسؤولية تشمل المطالبات الناشئة عن احتجاز الممتلكات بواسطة أي موظف مسئول عن تنفيذ القانون .
"Claims arising from the detention of property by …any other law enforcement officer ." ، ووجدت الأغلبية أن هذه العبارة من السعة بالقدر الكافي لاستغراق وشمول موظفي السجون الذين يسلمون ممتلكات السجناء من المواطنين .
ولا شك أن هذا الحكم يطيح بكثير من الحقوق التي يتمتع بها السجناء في مقابل مبررات مرجوحة تتعلق بحماية الموظفين الفيدراليين وتمكينهم من القيام على واجباتهم على أكمل وجه . فالمؤكد أن هذه المتعلقات مصونة باعتبارها ملكية للمسجون يحميها الدستور ويحمى التعويض عن فقدانها كما يحمى ملكية غيره من المواطنين ، فضلا عن أن المتعلقات المفقودة في هذه القضية ذات طبيعة دينية ، ومن ثم ترتبط بحرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية اللتان يحميهما الدستور الأمريكي ويكفلهما لجميع المواطنين .
7- قضية تايلور ضد ستورجل وحدود الدفع بحجية الأمر المقضي Res Judicata:
وتخلص وقائع هذه القضية Tailor v. Sturgell ، فى أن السيد "جريج إيريك" Greg Herrick يمتلك اثنتين من الطائرات من طراز " إف – 45 " ، وقد تقدم بطلب للحصول على المواصفات الخاصة بهما من إدارة الطيران الفيدرالية Federal Aviation Authority. وذلك بموجب قانون حرية تداول المعلومات Freedom of Information Act ، إلا أن إدارة الطيران الفيدرالية رفضت طلبه، الأمر الذي حدا به إلى إقامة دعواه أمام محكمة أول درجة. حيث انتهت إلى أنه وبموجب قانون حرية تداول المعلومات ذاته، فإن الوثائق المطلوب تقديمها تمثل " أسراراً تجارية يحميها القانون" "Protected Trade Secrets" . ومن ثم فهي تخرج عن نطاق قانون حرية تداول المعلومات.
أقام السيد" برنت تايلور"، وكان شريكاً للسيد"جريج إيريك" فى ملكية الطائرتين وصاحب مصلحة فى الحصول على المواصفات الخاصة بهما دعوى أخرى أصيلاً فيها عن نفسه لتقديم هذه المستندات وفقاً لأحكام قانون حرية تداول المعلومات أمام ذات المحكمة، فدفعت إدارة الطيران الفيدرالية بحجية الأمر المقضي Res judicata ، وعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وهو الدفع الذى يحظر بمقتضاه على طرف ما التقاضي بشأن نزاع فصلت فيه محكمة من قبل. وقد انتهت محكمة أول درجة - وأيدتها فى ذلك محكمة الاستئناف- إلى قبول الدفع المبدى من إدارة الطيران الفيدرالية بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وذلك على سند من أن السيد" تايلور" كان ممثلاً في الدعوى السابقة المحكوم فيها، والتي أقامها شريكه "إيريك".
نقضت المحكمة العليا حكم محكمة الاستئناف، بإجماع الآراء، وكتب رأى المحكمة في هذه القضية القاضية "جينز برج" أقامته على ثلاثة من الأسباب حاصلها:
أولاً: أن صدور حكم سابق غير ملزم ولا حجية له فى مواجهة من لم يكن طرفاً ممثلاً فيه.
ثانياً: أن السماح بهذا النهج سيؤدى إلى تفشى ما يعرف بدعوى الطبقات الواقعية De Facto Class – Action، ولن يتاح لبعض الأطراف الذين يحق لهم التدخل في الدعوى أن يتدخلوا لعدم تلقيهم إخطاراً بذلك.
ثالثاً: أن ضياع الحقوق المكفولة من الناحية القانونية دون تخويل أصحابها فرصة سماعهم وطرح وجهة نظرهم بشأنها أمام القضاء إنما ينتهك الوسائل القانونية السليمة Due Process of Law التي يكفلها التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي.
8- قضية شركة هال ضد ماتل ونطاق الرقابة القضائية على الاتفاق على التحكيم :
عرضت المحكمة العليا في قضية Hall Street Assoc V. Mattel, Inc لمسألة ما إذا كان قانون التحكيم الفيدرالي Federal Arbitration Act يحدد – حصرياً – حالات بسط القضاء الفيدرالي لرقابته على اتفاقات التحكيم Judicial Review of Arbitration Agreements.
وتخلص وقائع هذه القضية في أن شركة Hall Street Associates أقامت دعوى قضائية ضد شركة Mattel Inc ، زاعمة فيها انتهاك الأخيرة لشروط عقد إيجار الأملاك المحرر بينهما . وكان الطرفان قد أقرا في العقد صراحة اختيارهما طريق التحكيم الملزم كطريق لتسوية المنازعات بينهما . إلا أن الطرفين - في ذات الوقت - اتفقا على اختصاص المحكمة الفيدرالية بالنظر في بعض المسائل التي يفصل التحكيم فيها ، بيد أن قانون التحكيم الفيدرالي لم يقر بمبدأ رقابتها ضمن الحالات الحصرية التي أجاز رقابتها من القضاء الفيدرالي ، ومن ثم يكون حكم التحكيم الفاصل فيما عدا هذه المسائل حاسماً وغير قابل للطعن فيه أمام القضاء الفيدرالي
وفي قرار بأغلبية ستة أصوات إلى ثلاثة ذهب القاضي "سوتر" عن الأغلبية إلى أن نصوص قانون التحكيم الفيدرالي استبعدت بعض المسائل التي أخضعها الطرفان باتفاقهما للرقابة القضائية ، ولم يقر قانون التحكيم الفيدرالي بمبدأ خضوعها للرقابة القضائية ، وأنه لا يجوز للأطراف بإرادتهم المنفردة الاتفاق على ذلك ، أي أن تحديد ما يخضع وما لا يخضع لرقابة القضاء الفيدرالي لا يكون رهناً بما يتفق عليه الطرفان ، وإنما بما يقرره القانون .
واتصالاً بموضوع التحكيم هذا ، فصلت المحكمة العليا هذا العام في قضية "بريستون" ضد "فيرير" ، وتناولت مدى سمو قانون التحكيم الفيدرالي على قوانين الولايات ، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة السادسة من الدستور الأمريكي على أن "هذا الدستور، وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر تبعاً له ، وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تعقد تحت سلطة القضاة في جميع الولايات ملزمين به ، ولا يعتد بأي نص في دستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفاً لذل". ويعرف الشرط الوارد في هذه الفقرة بحق الأولوية الفيدرالي ، أو سمو القانون الفيدرالي على قوانين الولايات ، والذي بمقتضاه يتعين أن تأتي جميع القوانين بل والدساتير الخاصة بالولايات الخمسين المشكلة للاتحاد الفيدرالي متفقة مع الدستور الاتحادي والقوانين الفيدرالية الصادرة عن كونجرس الولايات المتحدة الاتحادي .
وتخلص وقائع هذه القضية Preston v. Ferrer في أن كلاً من "أرنو لد بريستون" Arnold Preston و"أليكس فيرير" Alex Ferrer تعاقدا على أن يقوم الأول بالعمل كمدير خاصPersonal Manger لدى الأخير، وذلك في مقابل نسبة محددة مما يكتسبه الأول من عقد تلفزيوني . ونص في العقد على أن أي نزاع ينشأ عن هذا العقد يتم تسويته من خلال التحكيم . وقد أقام Preston دعواه التحكيمية مطالباً بنصيبه فيما يكسبهFerrer من عقده التلفزيوني استناداً إلى شروط العقد المبرم بينهما . وفي الوقت ذاته ، أقام هذا الأخير دعوى قضائية أمام محكمة الولاية ، حيث أصدرت - بموجب قانون ولاية كاليفورنيا – قراراً بوقف التحكيم ، وإحالة القضية إلى أحد الأجهزة الإدارية التابعة للولاية ، وهي لجنة العمل The Labor Commission ، للنظر في تسوية النزاع .
وفي هذه القضية عرضت المحكمة العليا لما إذا كان قانون التحكيم الفيدرالي يعلو وله الأولوية على قانون ولاية كاليفورنيا فيما يقرره من أحكام . فذهبت المحكمة بأغلبية تقارب الإجماع ( 8-1 ) إلى أن قانون التحكيم الفيدرالي يسمو على قانون ولاية كاليفورنيا ، إذ يقرر صحة شرط الاتفاق على التحكيم ، وعدم قابليته للنقض Irrevocable . وأن محاكم الولاية لا تملك صلاحية نقض اتفاق على التحكيم بين طرفيه ، حتى ولو كان ذلك لأغراض عرض النزاع على أحد الأجهزة ذات العلاقة بتسوية الأنزعة العمالية في الولاية ، لأن الدستور الأمريكي يقيم مبدأ سمو القوانين الفيدرالية على قوانين الولايات ، بما مؤداه أنه عند التعارض بين القانون الفيدرالي وقانون للولاية ، فإن القانون الفيدرالي يسود في النهاية ، ويتقرر بطلان قوانين الولاية المتعارضة معه . وخلصت الأغلبية إلى أن قانون ولاية كاليفورنيا وقانون التحكيم الفيدرالي لا يمكن التعايش coexist أو التوفيق بينها ، الأمر الذي يترتب عليه إهدار ما ورد بقانون الولاية.
وإذا كان قانون التحكيم الفيدرالي يعلى من قدر الاتفاق على التحكيم ، ويجعل لهذا الاتفاق سلطاناً لا تنال منه محاكم القضاء العام ، فليس هذا إلا نزولاً على طبيعة التحكيم ذاته وجوهر نظامه ، باعتباره عملاً إرادياً حراً قائم على الاختيار ، وأنه نظام بديل عن القضاء فلا يجتمعان ، إذ أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها الاتفاق على التحكيم استثناء من أصل خضوعها لولايته . وإن كان كل ذلك لا ينبغي أن ينال من الضمانات الأساسية في التقاضي .( حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضيتين رقمي 114 و115 لسنة 24 قضائية "دستورية" بجلسة 2/11/2003 ).
ولقد بلغ المشرع المصري في تنظيمه للتحكيم بالقانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية أن أوجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق على التحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى ( الفقرة الأولى من المادة 13) .
وقد طعن على نص هذه الفقرة بعدم الدستورية ، وخلصت في شأنها المحكمة الدستورية العليا إلى أن التحكيم وباعتباره عملاً إرادياً ركيزته اتفاق خاص ، مبناه اتجاه إرادة المحتكمين إلى ولوج هذا الطريق لفض الخصومات بدلاً من القضاء العادي ، ومقتضاه حجب المحاكم عن نظر المسائل التي يتناولها استثناء من أصل خضوعها لولايتها . وإذا كان النص المطعون فيه يلزم المحكمة التي يرفع إليها نزاع يتضمن اتفاقاً على التحكيم أن تقضى بعدم القبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع ، إنما استهدف تغليب إرادة المحتكمين الذين يقفون إزاءه على قدم المساواة ، وارتضوا بإرادتهم التحكيم طريقاً لفض ما شجر بينهم من خلاف ، فإن هذا النص يكون قد استند إلى أسس موضوعية ، ولم يتبن تمييزاً تحكمياً يخل بمبدأ المساواة أو الحيلولة بين المواطنين واللجوء إلى القضاء العادي .( الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 155 لسنة 20 قضائية دستورية بجلسة 13/11/2002)
9- قضية كراوفورد ضد مجلس الانتخابات في مقاطعة ماريون وحماية الحق في التصويتRight to Vote :
فصلت المحكمة العليا هذا العام في قضية كراوفورد ضد مجلس الانتخابات في مقاطعة ماريونCrawford v. Marion County Election Bd ، وفيها عرضت المحكمة لأحد القوانين الصادرة عن ولاية إنديانا عام 2005 ، وبموجبه يلزم المشرع الناخبين تقديم بطاقات الهوية الشخصية الحكومية الرسمية المزودة بصورة شخصية للناخب ، وذلك عند إدلائه بصوته في الانتخابات ، وقد صدر هذا القانون بغرض الحد من الغش وانتحال الشخصية أثناء عملية التصويت .
وقد أعترض على هذا القانون الحزب الديمقراطي في الولاية على سند من أن القانون يضع عبئاً غير واجب على الحق في التصويت ، وهو أحد الحقوق الأساسية التي حماها الدستور الأمريكي ، فأيدت محكمة أول درجة مسلك المشرع في القانون ولم تر فيه مخالفة للدستور، وكذلك فعلت الدائرة السابعة الفيدرالية ، فما كان من الحزب الديمقراطي إلا أن طعن في الحكم أمام المحكمة العليا .
وفى قضائها برفض الدعوى ذهبت المحكمة إلى أنه ولئن تضمن القانون المشار إليه عبئاً على الحق في التصويت وكان يتعين على ولاية إنديانا أن تظهر أن القانون قصد به تحقيق مصلحة للولاية ، وأن مسلك المشرع على النحو الذي أخذ به القانون كان الوسيلة المناسبة لتحقيق هذه الغاية ، إلا أن المحكمة بأغلبية ستة أصوات إلى ثلاثة لم تجد في هذا العبء الذي فرضه القانون ما يخالف الدستور أو ينتهك الحق في التصويت ، وانتهت المحكمة إلى أن القانون لم يلق عبئاً مفرطاً على الحق في التصويت . وارتأى جانب من القضاة الذين أيدوا رفض الدعوى أن القانون وضع بقصد تحقيق مصلحة تنظيمية مهمة .
أما المخالفون في الرأي فقد انتهوا إلى أنه ، ومع التسليم بأن القانون وضع لتحقيق مصلحة ملحة تتمثل في منع الغش والتزوير في الانتخابات ، إلا أنه يتعين على الولاية أن تؤيد دعواها بسجل من الحالات الواقعية التي تظهر أن هناك مشكلة حقيقية على أرض الواقع ، وهو ما لم توف به الولاية في هذه القضية . وارتأى القاضي "براير" ، أن الوسيلة التي وضعها هذا القانون
- استلزام بطاقة الهوية ذات الصورة الشخصية للناخب – أرهقت بشكل غير متناسب الناخبين الذين ليس لديهم بطاقة الهوية ذات الصورة الشخصية . ويعتقد بعض فقهاء القانون الانتخابي في الولايات المتحدة أن اشتراط حمل الناخب لبطاقة هوية مزودة بالصورة الشخصية يلقى بعبء غير متناسب على الأقليات والناخبين الفقراء ، والذين يفضلون عادة التصويت لصالح الحزب الديمقراطي ، وبالتالي فإن هذا القانون ربما يقدم بعض الفائدة من الناحية الانتخابية للمرشحين المحافظين الذين ينتمون للحزب الجمهوري .
10- قضية ديفيز ضد لجنة الانتخابات الفيدرالية وعدم دستورية وضع سقف للإنفاق في الحملات الانتخابية :
تمثل الحملات الانتخابية للمرشحين لعضوية المجالس النيابية واحداً من أهم جوانب العملية الانتخابية ، فالمرشحون يباشرون الدعاية الانتخابية على اختلاف مظاهرها بهدف الوصول إلى الناخبين وطرح الأفكار والرؤى عليهم ، فهي شكل من أشكال التواصل بين الناخب والمرشح ، وأحد العوامل المؤثرة في نتيجة الانتخابات .
وفى قضية ديفيز ضد لجنة الانتخابات الفيدرالية Davis v. FEC تعرضت المحكمة العليا لدستورية سقف الإنفاق المفروض على المرشحين لعضوية مجلس النواب بموجب قانون إصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية Bi-Partisan Campaign Reform Act ، والذي فرض على المرشحين عدم تجاوز حجم إنفاقهم على حملاتهم الانتخابية (350000 ) ثلاثمائة وخمسون ألف دولار ، وهو القانون المعروف بتعديل المليونير The Millionaire's Amendment . ومن اللافت للنظر أن القانون المذكور قضى بأن المرشح الذي يتجاوز حجم إنفاقه هذا السقف سوف يتاح لخصومه أن ينفقوا ثلاثة أضعاف المبلغ المسموح به ، إلى جانب السماح لهم بقبول المساهمات المقدمة من حزبهم بدون حدود .
وتخلص وقائع هذه القضية في أن "جاك ديفيز" ، وهو أحد المرشحين السابقين لعضوية مجلس النواب أعوام 2004 ، 2006 قرر تمويل حملته الانتخابية من ماله الخاص بمبلغ قيمته مليون دولار ، فأخضعته لجنة الانتخابات الفيدرالية للسقف المشار إليه ، الأمر الذي حمله على إقامة دعواه ضد لجنة الانتخابات على سند من انتهاك موقفها هذا للتعديل الأول للدستور الأمريكي ، والذي ينص على أنه " لا يصدر الكونجرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته ، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة ، أو من حق الناس في الاجتماع سلمياً ، وفى مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف" .
ذهبت المحكمة إلى عدم دستورية وضع سقف على تمويل الحملات الانتخابية من الموارد الخاصة للمرشحين ، وكتب رأى الأغلبية عن المحكمة القاضي "صمويل اليتو"، والذي عاد إلى السابقة التي أرستها المحكمة في قضية "بكلى ضد فاليو" Buckley v. Valeo عام 1976، وانتهت فيها المحكمة إلى أن التعديل الأول يكفل للمرشحين الحق في القيام بحملاتهم الانتخابية بقوة وبلا نصب Vigorously and Tirelessly ، وعدم دستورية فرض سقف على المرشحين في الإنفاق من مواردهم الخاصة على حملاتهم الانتخابية .
ورفضت المحكمة الحجة القائلة بأن وضع سقف إنفاق موحد لجميع المرشحين وهم من مستويات ثراء مختلفة ، يحقق المساواة بينهم ، و يهدف إلى تحقيق مصلحة ضرورية وملحة للحكومة Compelling Interest ، إذ أخفقت الحكومة – التي يقع على عاتقها عبء الإثبات – في إظهار هذه المصلحة لتبرير وضع هذا القيد المرهق للحقوق المقررة بموجب التعديل الأول . وخلصت المحكمة إلى عدم دستورية وضع سقف على تمويل الحملات الانتخابية من الموارد الخاصة للمرشحين ، كما انتهت إلى عدم دستورية ما قرره ذات القانون من إجبار المرشحين على الإفصاح عن مواردهم باعتباره مخالفاً للحق في الخصوصية.

Aucun commentaire: