العقوبة ومناسبتها للجريمة

العقوبة لا تسمى عقوبة إلا إذا كانت مناسبة للجريمة نوعاً ومقداراً، بمعنى: تردع المجرم، وتحقق الأمن للمجتمع، ويكون ذلك باحتواء
العقوبة على الألم، والأذى الكافي؛ لإخافة الإنسان ومنعه من الإجرام[1].
وجرائم الشرف لا يوجد فيها عنصر المناسبة، ولا الردع المطلوب شرعاً؛ لما فيها من التسرع، والاندفاع الأعمى الذي يفوق الجريمة
إذا فرضنا وجودها، مع أن الواقع يبين أن الغالب عدم وجود الجريمة، وإنما توجد شبهات وجودها.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ
فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي
الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 178، 179].
جاء في فتح القدير: "أي لكم في هذا الحكم الذي شرعه الله لكم حياة؛ لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصا إذا قتل آخرا كف عن القتل،
وانزجر عن التسرع إليه، والوقوع فيه، فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الإنسانية، وهذا نوع من البلاغة بليغ، وجنس من الفصاحة
رفيع، فإنه جعل القصاص الذي هو موت حياة باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا إبقاء على أنفسهم،
واستدامة لحياتهم، وجعل هذا الخطاب موجها إلى أولي الألباب؛ لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب"[2].
جاء في إعلام الموقعين: "عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم ويجعل الجاني نكالا وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله،
وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر، والصغر، والقلة، والكثرة، ومن المعلوم ببداءة العقول أن التسوية في
العقوبات، مع تفاوت الجرائم غير مستحسن، بل مناف للحكمة، والمصلحة، فإنه إن ساوى بينهم في أدنى العقوبات لم تحصل مصلحة
الزجر، وإن ساوى بينها في أعظمها كان خلاف الرحمة، والحكمة إذ لا يليق أن يقتل بالنظرة، والقبلة، ويقطع بسرقة الحبة، والدينار،
وكذلك التفاوت بين العقوبات مع استواء الجرائم قبيح في الفطرة، والعقول، وكلاهما تأباه حكمة الرب تعالى، وعدله، وإحسانه إلى خلقه"[3].
[1] العقوبة في الشريعة الإسلامية، د. عبدالكريم زيدان، ص 17.
[2] فتح القدير، للشوكاني، ج 1، ص176.
[3] إعلام الموقعين ج2، ص121.

Aucun commentaire: