ظاهرة العنف ليست ظاهرة حديثة وليدة العولمة وإنما يعود تاريخها إلى المجتمع الإنساني الأول... من حكاية قابيل مع أخيه هابيل. ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا شهدت البشرية أصنافاً لا تحصى كمَّاً وكيفاً من مظاهر القسوة والبربرية.. و العنف.. التي سببت سلسلة من الكوارث المأساوية المتعاقبة؛ لأن العنف لا يولِّد إلا العنف.
وهذه الظاهرة الخطيرة تتنافى والفطرة السليمة وطبيعة التكوين البشري كما تتنافى وروح التعاليم الإلهية والشريعة الإسلامية، فهناك العشرات من النصوص القرآنية، وهناك السنة النبوية الشريفة وسيرة أهل البيت (ع)، كلها تثبت بوضوح أن الأصل في الحياة وفي معاملة الإنسان مع أخيه الإنسان، هو مبدأ السلم والعفو والتسامح، أما القسوة والعنف فهو الاستثناء والذي لا يلجأ إليه إلا العاجزون عن التعبير بالوسائل الطبيعية السلمية. من جهة عدم ثقة الفرد أو الجماعة بقوة أو صحة أفكارهم وقناعاتهم فيعمدون إلى فرضها على الآخرين بالقهر والإكراه.
إن الإسلام يرفض جميع أشكال العنف والإرهاب ويدعو إلى السلام والرفق واللين والإخاء كما يتجلى ذلك في قوله تعالى: (وقولوا للناس حسناً) (1) –(أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (2) – (وإن تعفوا أقرب للتقوى) (3) ويقول النبي (ص): (تعافوا تسقط الضغائن بينكم) (4) ويقول(ص): (العفو أحق ما عمل به) (5) وعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: (شر الناس مضن لا يعفو عن الزلة، ولا يستر العورة) (6) ويقول(ع): (بالعفو تستنزل الرحمة) (7) وعنه (ع): (اخلط الشدة بالرفق وأرفق ما كان الرفق أوفق) (8).
ولقد قدم النبي (ص) وأهل بيته (ع) دروساً عملية في العفو والتعامل الحسن والتسامح، حتى مع الأعداء، وقد تجلَّى ذلك في موقف النبي (ص) من الكفار والمشركين حين فتح مكة، قائلاً (ص) لهم: (اذهبوا أنتم الطلقاء) وعلى الرغم مما تسبَّب به أعداء النبي (ص) من الأذى إلا أنه (ص) يكرّر دعاءه لهم بالقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
ولا يخفى على القارئ الكريم أن ظاهرة العنف لا تختص بمجموعة معينة في المجتمع دون أخرى، فكلٌّ من الرجل والمرأة والطفل معرَّضون لشتى مظاهر العنف، فالحروب المدمرة التي يسجل لنا التاريخ أرقاماً خيالية من ضحاياها والنزاعات الدموية المنتشرة اليوم في مختلف بقاع العالم.. إنما يذهب ضحيتها عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال ويلقى الجميع نصيبهم من القتل والأسر والسجن والتعذيب والتشريد والتطهير العرقي.. من دون تمييز بين رجل أو امرأة أو طفل، وما يجري يومياً في فلسطين والعراق وأفغانستان و... خير شاهدٍ على ما نقول.
ولكن حينما نخص في حديثنا عن العنف المرأة بالذات باعتبارها الجنس اللطيف، وللأسف أن هذه الميزة التي حبا الله تعالى بها المرأة، بدلاً من أن تكون حافزاً يحثُّ الجميع على فهم المرأة بشكل أعمق لإتاحة الفرصة
أمامها من أجل تقدمها في سلم الحضارة الإنسانية.. لما للمرأة من تأثير قوي في حركة التغيير والتطوير - أضحى هذا الأمر مبرراً للآخر ليمارس العنف ضد المرأة بمختلف أشكاله.
ما هي مظاهر العنف؟
قبل كل شيء لابد أن نعرف بأن العنف يستبطن في داخله إكراه الغير بالقوة على فعل شيء أو الاعتقاد بشيء دون إرادته لذلك، والعنف هو إيذاء باليد أو باللسان أو بالفعل. وعملية الإيذاء هذه تكون على نحوين:
1- تارة يكون الإيذاء صادراً من فرد واحد باستخدام اليد أو اللسان تجاه الآخر. ويسمى هذا القسم (بالمتسلط الأنوي).
2- وتارة يكون العنف جماعياً إذ تقوم مجموعة بشرية ذات خصائص مشتركة باستخدام العنف والقوة كوسيلة من وسائل تحقيق تطلعاتها الخاصة. ويسمى هذا القسم (بالمتسلط الجماعي).
مظاهر العنف:
وأما مظاهر العنف فتنقسم إلى قسمين:
أولاً: العنف المادي:
وهو إلحاق الضرر بالوجود المادي للمرأة سواء في جسدها أو في حقوقها أو مصالحها أو أمنها. وهذا القسم يمسُّ حق الحياة لدى المرأة(9).
ويندرج تحت هذا العنوان كل من الضرب والصفع والحرق والقتل والطعن والاغتيال والاغتصاب و....
ثانياً: العنف المعنوي:
وهو إلحاق الضرر بالمرأة من الناحية السيكولوجية في الشعور الذاتي بالأمن والطمأنينة والكرامة والاعتبار والتوازن، وهذا القسم من العنف قد يكون مرحلة نحو ممارسة العنف المادي ونعرِّفه بأنه استعمال شتى أنواع الضغوط النفسية على الإنسان للسيطرة على أفكاره وتصرفاته الاجتماعية ومبادئه الإنسانية والحدّ من حرية تفكيره (10). ويندرج تحت هذا العنوان كل ما يسيء إلى المرأة من كلام قبيح كالشتم، والإهانة، والتحقير، والتهديد، وجرح المشاعر، والإساءة العاطفية، وإجبارها على ممارسة أعمال لا ترغب بها أو العكس منعها من ممارسة أعمال مشروعة ترغب بها، والاستبداد، والتعصب أمام آرائها، وعدم السماح لها بالتعبير عن رأيها، وعدم السماح لها بالخروج من البيت من أجل التعليم والعمل أو زيارة أقربائها وصديقاتها، والإصرار على معرفة كل الأماكن التي تذهب إليها، والتمييز في المعاملة بينها وبين الرجل بتفضيل الرجل عليها دون مبرِّر وحرمانها من الميراث، وطلاقها من دون سبب و....
والعنف بشقيه المادي والمعنوي نجده في الجوانب التالية:
1- العنف الأسري:
وهو من أكثر أنواع العنف شيوعاً لما يترتب على العلاقات الأسرية من احتكاك مستمر بين أفراد الأسرة ويؤدي هذا الاحتكاك إلى تعارض المصالح – لعدة أسباب – فتتعرض المرأة للممارسات العنيفة المادية منها والمعنوية، من قبل الرجل أو الطرف الأقوى. وتشير الإحصائيات في بلدان كثيرة من العالم أن 20- 50% من النساء ممن شملهن البحث قد تعرضن للضرب من قبل الزوج، و52% من النساء الفلسطينيات من غزة والضفة الغربية تعرضن للضرب على الأقل مرة واحدة في العام 2000، و23% منهن تعرضن للدفع والركل والإيقاع، 33% للصفع 16% للضرب بعصا أو حزام 9% هوجمن بأداة حادة من قبل أزواجهن وبيَّنت 9% أنهن تعرضن للعنف النفسي و 52% (جميعهن) تعرضن للإهانة والسباب واللغة البذيئة وتسميتهن بأسماء مهينة من قبل أزواجهن.
وتبلغ في بعض الأحيان حالات العنف درجة من الشدة والقسوة تنتهي إلى ضرورة إخضاع المرأة للعلاج الجسدي أو النفسي، كما قالت عينة واسعة من النساء الأمريكيات، 22- 35% منهن قلنَّ بأنهنَّ قد ذهبن لأقسام الطوارئ في المستشفيات نتيجة العنف المنزلي. ويعتقد الباحثون أن تعرض النساء للعنف بشكل من الأشكال قد يكون السبب وراء ارتفاع حالات الاكتئاب بين النساء أكثر من الرجال(11).
2- العنف الاجتماعي:
نظرة المجتمع للمرأة تلك النظرة الدونية وعدم الاعتراف بمكانتها كإنسان له ما للرجل من حقوق ويمكنها المشاركة في شتى ميادين الحياة وضمن الحدود المسموح بها شرعاً، فتعصب المجتمع لبعض التقاليد والعادات التي أشد ما تكون بُعداً عن الواقع الديني، تُعرِض المرأة لأشكال من القهر والاضطهاد، وتارة تتعرض للعنف في مجال عملها من قبل الرئيس أو الزملاء في العمل.. كالإهانة والتحقير وتقليل أجرها أو مصادرته في بعض الأحيان وتارة طردها من العمل.. ومحاولة استغلال أنوثتها و....
3- العنف السياسي:
ينحصر نطاقه في ميدان علاقة الإنسان بالدولة؛ أي سلب حرية المرأة في التعبير عن رأيها السياسي وعدم السماح لها بالمشاركة في صنع القرار ومنعها من حق التصويت والتصدي لمناصب في الدولة قد تكون مؤهلة لها....
4- العنف الديني:
إن الإسلام من جهة الدعوة إليه يرفض كل أساليب القوة والإكراه وقد حذَّر القرآن الكريم من الوقوع في مطب العنف في ميدان الدعوة إلى الإسلام وإلى تعاليمه الساميــة في قوله تعالى: (فذكِـــر إنما أنت مُذَكِر * لست عليهم بمسيطر). لقد أدرك الإسلام بأن العقيدة إنما ترسخ مع تقبل المبادئ المدعو إليها بالأسلوب الهادئ والحوار في جوٍ من المودة والسلام بخلاف ما لو تم ذلك بأسلوب العنف، فيقول تعالى: (لا إكراه في الدين).
الخاتمة:
إن العنف ليس إلا آلة هدم لطاقات المرأة المعطاء ومواهبها التي قُدِّر لها أن تظهر وتنمو وتعطي ثمارها الطيبة، وحينما تُسحق حرية المرأة فقد حُكم على مجتمعٍ كاملٍ بالتعاسة والتخلف لأن سعادة المجتمع نابعة من سلامة نسائه روحاً وفكراً. وكلما تحررت المرأة من الضغوط التي يصطنعها الآ وخطىً ثابتة، يستمد قوته من قوة نسائه (فالتي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها). وهذه المقدرة العالية على التأثير في المحيط لدى المرأة لا تتأتى إلا برفض العنف بكل أشكاله.. وإذا ابتدأت المرأة بالرفض أولاً كان ذلك خطوة كبيرة في سبيل إزالة كابوس العنف الجاثم على صدر المجتمع الإنساني.
تمثل دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال مسعى عالمياً لرسم صورة مفصلة لطبيعة العنف ضد الأطفال ومدى انتشاره وأسبابه، ولاقتراح توصيات واضحة للعمل على منعه والتصدي له. وهذه هي المرة الأولى التي تُبذل فيها محاولة لتوثيق حقيقة العنف ضد الأطفال في مختلف أنحاء العالم، ولرسم خريطة للجهود المبذولة لوقفه. ومنذ عام 2003، ساهم آلاف من الأفراد في هذه الدراسة بالمشاركة في استشارات وفرق عمل ومن خلال الاستبيانات وغيرها. وقد لعب الأطفال والشباب دورا فعالا في مختلف مراحل الدراسة. وستنظر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نتائج وتوصيات هذه الدراسة في تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري.
مشكلة العنف.. الأسباب والعلاج
راشد الغنوشي
ظواهر العنف في العلاقات البشرية متعددة لم يخل منها مجتمع إن في المستوى الفردي أو الجماعي سواء كان بدوافع شخصية من ثأر أو انتقام أو رغبة في إشباع غريزة كسب أو جنس بطريق غير مشروع، أم كان بدوافع جماعية سياسية أو دينية أو اقتصادية...
وكبحا للدوافع الفردية للعنف استحدثت البشرية جهاز الدولة ليزع الناس بعضهم عن بعض، فكانت الشرائع والمحاكم وأجهزة الأمن. وفي المستوى الاجتماعي اصطنعت الجيوش لرد العدوان أو للهجوم.
وفي المستوى الدولي استحدثت مؤسسات أممية حكما بين الدول، مما له دلالة واضحة على أصالة النقص والميل إلى العدوان في طبيعة الإنسان والظلم من شيم النفوس كما يقال. وفي الحديث: "كل ابن آدم خطاء".
الميول العدوانية في طبيعة الإنسان إما أن تصادف تصورات عقدية وثقافية ومناهج تربوية تخفف من وطأتها وتخضعها لضوابط العدل والإحسان، أو تصادف تصورات وأخلاقيات ومناهج تربوية تدفع الناس وتحرضهم على العدوان
غير أن هذه الميول العدوانية في طبيعة الإنسان إما أن تصادف تصورات عقدية وثقافية ومناهج تربوية أو بيئة اجتماعية تخفف من وطأتها وتخضعها لضوابط العدل والإحسان وترتقي بها إلى آفاق عليا، أو أنها تصادف تصورات وقيما وأخلاقيات وثقافة ومناهج تربوية وظروفا اجتماعية قاسية تدفع الناس دفعا وتحرضهم تحريضا على العدوان وتؤجج في نفوسهم نيران الغضب فينحدرون إلى المستنقع الآسن.
والذي يهمنا هنا ليس مطلق العنف الفردي ولا حتى الجماعي المتجه إلى مجرد الإشباع الغريزي وبالخصوص حيث يعشش الفقر والظلم، وإنما ساحة محددة من العنف الذي جرى ويجري في أكثر من بلد إسلامي أو غير إسلامي، أعني ما يسمى بالعنف السياسي وهو نوع خاص من العنف الجماعي الذي كاد يرتبط أيامنا هذه بجماعات تنتسب إلى الإسلام، بينما كان في مراحل سابقة جزءا من تراث الحركات القومية واليسارية والعرقية تحت لافتة مقاومة الأنظمة الرجعية المرتبطة بالإمبريالية.
غير أن أحاديث العنف إذا ذكرت أيامنا هذه فهي ذات اتجاه واحد لا تنحرف ذات اليمين إلى القوى الدولية المهيمنة على البحار والأجواء والمؤسسات الدولية تنهب أرزاق الناس وتُعمل سيف التهديد فيهم ولا تتردد في إغماده في رقابهم، كما تفعل الولايات المتحدة وشركاؤها وربيبتها إسرائيل وعملاؤها.
ولا تنحرف ذات الشمال إلى ما تمارسه الدول من قمع وتعذيب لمعارضيها وتكميم أفواههم وتشويه سمعتهم، وحتى عندما تضطر إلى التحدث بلغة العصر لغة الديمقراطية والدستور والانتخابات والتعددية تفعل ذلك في نفاق مكشوف يعطل هذه الأنظمة والترتيبات التي جعلت لضمان علو سلطان الحق والقانون وإرادة الشعوب فوق إرادة الحكام وتوجه سلاحها صوب كل معارض.
كل ذلك عنف.. لكنه ليس هدفا لسهام الحرب على العنف أيامنا هذه. إن السهام كلها تتجه إلى الجماعات الإسلامية وتصمها بأشنع الأوصاف حتى تلك التي تلتزم منهج السلم والمسالمة.. ناهيك عن التي تستخدم ما تصله يدها من أسلحة ضد خصومها.
فما أسباب ظهور هذه الجماعات الإسلامية المسلحة؟ وما السبيل إلى كف يدها؟
الحقيقة أن تاريخ الإسلام لم يخلُ من جماعات تعتمد السلاح سبيلا لتغيير ما تراه منكرا حتى أن كل الدول التي تأسست في تاريخ العرب والمسلمين –وفي تاريخ غيرهم- إنما كانت ثمرة تمرد مسلح نجح في اقتلاع دولة وإقامة أخرى محلها بذريعة مقاومة الجور وإرساء العدل الذي جاءت الشرائع والنبوات من أجل إقامته.
ورغم أن الفقهاء اضطروا لسد هذا الباب -بسبب ما دخل منه على المسلمين من بلاء وفتن وتمزيق صف فاعتبروه ضربا من الفتنة التي نهى الإسلام عنها مكتفين بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالوسائل السلمية- فإنهم كلما حصل خروج مسلح على ظالم ونجح في الإطاحة به متعهدا بإقامة الشريعة والعدل، بايعوه معترفين بشرعيته داعين الأمة إلى ذلك.
والدول القائمة اليوم في بلاد العرب أقامها العنف أو هي قائمة به فليس إذن غريبا عن تاريخنا وتراثنا ظهور جماعات تعتمد أساليب القوة بالنظر إلى ما في الواقع من مظالم خانقة، وما في الإسلام وتراثه من مبادئ قابلة لأن تحمل لصالح تسويغ إعلان الجهاد ضد حاكم ظالم.
إن تجربة الحكم في أمتنا كانت ولاتزال مشحونة بالتوتر والجور، فكان المقت يتجمع ويتراكم حتى يجد فرصة للانفجار فيندلع، عنفا باسم الإسلام أو باسم الوطنية والثورية عندما كانت تلك هي الثقافة السياسية السائدة، أما اليوم وقد تغلبت الثقافة الإسلامية فقد نطق العنف لغة الإسلام.
واستند إلى مرجعيته في القرآن والسنة وتراث المسلمين وإلى المظالم المتراكمة في الواقع، كبطش الدول القائمة بكل صوت معارض ونهبها للأرزاق بغير حد ونشرها للفواحش واستخذائها أمام ما تتعرض له كرامة الأمة من إهانة واحتقار، وما تتعرض له أراضيها وبالخصوص في فلسطين من عدوان وتدمير منهجيين على يد الصهيونية وحاميتها الأميركية، وإزاء ما تقدمه هذه الأخيرة من دعم غير محدود لأنظمة الجور وخذلان لكل حركة تغيير بينما هي تهب بكل قواها لدعم حركات الانتفاض والتغيير في أي مكان آخر من العالم من جورجيا إلى أوكرانيا.
"
الدول القائمة اليوم في بلاد العرب أقامها العنف أو هي قائمة به، فليس إذن غريبا عن تاريخنا وتراثنا ظهور جماعات تعتمد أساليب القوة بالنظر إلى ما في الواقع من مظالم خانقة
"
إن العنف السياسي أو المعارضة المسلحة مما تقوم به جماعات إسلامية يمكن تناوله من حيث أنواعه:
- فمنه ما هو مقاومة للاحتلال كالذي تقوم به جماعات في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير والفلبين وتركستان وهذا لا اختلاف في أصل مشروعيته الدينية وحتى القانونية، إذ إن مقاومة الاحتلال حق فطري من قبيل دفاع الإنسان عن ملكه وعرضه: "من قتل دون ماله فهو شهيد" (متفق عليه). وإنما الاختلاف حول مدى توفر الشروط الضرورية محليا ودوليا لتنزيله سبيلا لاستعادة الحق السليب.
وعموما فقد كان إعمال الجهاد في هذا الحقل مثمرا، إذ قد أفضى إلى طرد الجيوش المحتلة التي كانت أحكمت قبضتها في القرن التاسع عشر على جل العالم الإسلامي ولم تبق غير بقاع محددة يصطلي فيها المحتل اليوم بنار الجهاد ولن يكون له فيها غير ما كان لأسلافه من مصير. وبالأمس اندحر الجيش الذي لا يقهر هاربا تحت جنح الظلام يتعقبه المجاهدون واليوم يتولى الجيش نفسه سحب قطعان مستوطنيه وهدم وحرق بيوتهم تحت ضربات المقاومة.
- ومنه جهاد ضد حكومات ظالمة معظمها علماني وإن صدر دساتيره بالإسلام وانتسب إليه، وفي كل الأحوال هي -بنسب متفاوتة- ظالمة متمردة على قيم الإسلام في العدل وأساليب العصر في الحكم. ورغم ما بذلت جماعات إسلامية في هذا الحقل فقد كانت الحصيلة هزيلة بل في أكثر الأحيان كارثية، وانتهى عقلاء تلك الجماعات إلى مراجعات جذرية وتقويمات أفضت بهم إلى الاعتراف بضلال طريقهم الذي تأسس على فقه مبتسر بالشريعة وفقه معدوم بالواقع.. وما انبنى على باطل باطل. ولا يعني ذلك الاستسلام لأنظمة الظلم والرهان في انتظار ما تجود به من هبات.
فالحريات والحقوق لا توهب وإنما تنتزع، وذلك ممكن بمنأى عن طرائق العنف التي لم تأت بخير وتلك خبرة عصور طويلة من الفتن والثورات قادت الفقهاء إلى الإعراض صفحا عن هذا الطريق وسده في وجه اندفاعات الشباب الغرّ.
إن نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإشادة بشهداء الكلمة وأنهم سادة الشهداء ناهيك عن الحديث عن الجهاد بالقرآن جهادا كبيرا "فلا تطع
الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا" (سورة الفرقان)، إن تلك النصوص إضافة إلى خبرات أمتنا والأمم الأخرى في مجال ثورات الشعوب السلمية، تفتح الطريق واسعا أمام تطوير معتبر لمناهج التغيير السلمي عبر ضغط الشارع بالمسيرات والاعتصامات والإضرابات.
ومهما كان الموقف من النظام الإيراني فالثابت أن الثورة الإيرانية كانت من أعظم الثورات السلمية في القرن العشرين، أطاحت بأكبر إمبراطورية وأضخم جيش في المنطقة وأحلت محلها نظاما آخر نقل البلاد نقلة جذرية في كل المجالات.
ولا ننس الانتفاضة الفلسطينية المباركة قبل أن تضاف إليها المقاومة المسلحة، فقد أفلحت فيما عجزت عنه الجيوش العربية مجتمعة من طرح قضية فلسطين على العالم، وهزّت عمق الكيان الصهيوني المدجج بالسلاح. ومن أبلغ وأقوى المقالات التأسيسية للجهاد السلمي مقالة المفكر الإسلامي الكبير القاضي طارق البشري للعصيان المدني.
وعلى الصعيد العالمي تبوأت حركة الشارع قيادة أهم التحولات السياسية التي حصلت خلال العشرية الأخيرة من روسيا حيث حملت حركة الشارع يلتسين إلى سدّة الحكم وأطاحت بالدكتاتورية الشيوعية وقبل ذلك حصل مثله في بولونيا ورومانيا وتشيلي وهاييتي، وفي السنوات الأخيرة أطاحت حركة الشارع في يوغسلافيا بالدكتاتور سلوبودان ميلوسيفيتش كما أطاحت في جورجيا بدكتاتور آخر، وهذه الأيام يعيش العالم على إيقاع حركة الشارع في أوكرانيا وقرغيزستان.
يمكن لمن يريد التهوين من هذه الإنجازات الباهرة والحيلولة دون تعميمها على منطقتنا بنوع من الاعتذار عما نعيشه من تكلس ويأس، يمكن أن يدفع هذا النموذج إما بالتلويح بأن تلك الشعوب لأنها غربية فهي بالضرورة وريثة لفكر الأنوار وليست معاقة بالفكر الديني الذي يكبل حركة النساء ويمنعهن من المشاركة في حركة الشارع وأنى للرجال أن يتحركوا دون النساء.. وهي حذلقة بل سفاهة ونفاق.
ويمكن لآخرين أن يعتذروا بما يعيشه العرب من حالة سكون وتخلف ديمقراطي رهيب يجعل أمتنا في مؤخرة المؤخرة، بينما العالم كله يتحرك صوب التحول الديمقراطي بما يلقاه المستبدون بأمرنا من دعم دولي حتى ولو كان تزييفهم للانتخابات سافرا لا تخطئه عين إذ يحصلون على نسبة لا يحظى بها حتى الأنبياء والمرسلون.
فما يكون من الغرب الديمقراطي إلا إسداء الثناء لهم بينما أبسط تزييف في دول خارج منطقتنا يجابه باعتراض غربي صارم وتهديد بالمقاطعة وإرسال المراقبين والضجة الإعلامية.
وما حصل في الجزائر شاهد وكذا في تونس. وهو اعتراض صحيح ولكنه لا يمثل الحقيقة كلها وإنما نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فيتمثل في أن الغرب ليس إلها يصنع الشيء من العدم وإنما يجد عملا قائما له فيه مصلحة فيشجعه. يجد شارعا متحركا تقوده معارضة موحدة وراء زعيم ومطالب ديمقراطية وغالبا ما يقف معها، كما هو حاصل في مصر اليوم.
غير أن معارضاتنا ممزقة غالبا لا تكاد تجتمع على شيء أكثر من البحث عن مد حبال الاتصال مع الدكتاتور سرا أو علنا مقابل كيد بعضها لبعض والبحث الناصب عن تجذير خلافاتها بدل البحث عما يجمعها، فأنى لها أن تجتمع على برنامج مشترك للتغيير وزعامة تقود الشارع بل هي أبعد من أن تثق في حركة الجماهير لأنها أقرب إلى الثقة في الدكتاتور وأنه وحده بيده الأسهم كلها.
ولك أن تلقي نظرة في عدد من أقطارنا على العلاقة بين الطرفين الرئيسيين في المعارضة: الإسلاميين والعلمانيين، فقد باءت بالفشل كل محاولات تشكيل جبهة واحدة للمعارضة يمكن أن تتجمع الجماهير حولها وتفرض على السلطة احترامها وتبعث برسالة إلى الخارج: ها هنا معارضة ديمقراطية موحدة حول برنامج وزعيم وهي تقود حركة الشارع صوب تغيير ديمقراطي.
عندها فقط يمكن أن يوضع الغرب تحت محك الاختبار وتقام عليه الحجة. وقد لا يؤيد ولكن موقف حكوماته سيكون ضعيفا تحت ضغط قوى مجتمعاته المدنية.
- ومن الجهاد المعروض في الساحة الجهاد ضد القوى الدولية وأبرز جماعات هذا الصنف من الجهاد ما أعلن تحت مسمى "الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والنصارى" بزعامة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، والمعروفة بجماعة القاعدة التي تبنت سلسلة من العمليات ضد مصالح غربية وعربية اتسم بعضها بدقة التخطيط وإيقاع أشد الخسائر بالمصالح المستهدفة نسفا لسفارات وفنادق ومجمعات سكنية وقطارات في أنحاء شتى من العالم، من أشهرها استهداف رموز معروفة للعظمة الأميركية مثل البرجين في نيويورك بما هزّ العالم هزا غير مسبوق.
ومثّل هذا الأسلوب محطة تحول في سياسة الدولة الأعظم وما استتبع ذلك من تحول في جملة السياسات الدولية والخطط والمصالح والتحالفات وإعادة فرز للقوى والأفكار والقيم. وكان من النتائج المباشرة لهذه الأحداث:
1- وضع مشاريع الهيمنة الأميركية التي كانت جاهزة، لا ينقصها غير المحفز، موضع التنفيذ.
2- سقوط دولتين من دول المسلمين في يد الأميركان وتهديد دول أخرى كان يمكن أن تكون الآن قد نفذ فيها الوعيد لولا ما اندلع من مقاومة في العراق.
3- تصعيد الضغط الأميركي والغربي وأدواته في العالم ضد الإسلام واستهدافه فكرا ومؤسسات ودولا.
4- محاصرة الأقليات المسلمة في العالم وبالخصوص في الغرب وتمكين الحكومات التي تضطهدها من فرصة إدراج حركات المقاومة ضمن قوائم الإرهاب مثل المقاومة في فلسطين والشيشان وكشمير والفلبين والتركستان.
5- تمدد القواعد الأميركية في العالم بشكل غير مسبوق.
6- استطالة أميركية على كل الدول وفرض التعاون الأمني معها ضد الجماعات الإسلامية تحت شعار الحرب الكونية على الإرهاب بما جعل لغة السلاح وصوت رجل الأمن يسودان العالم.
7- وأهم من ذلك تصاعد نفوذ أشرس قوى التعصب الديني اليميني المسيحي-الصهيوني وهيمنة جماعاته على مراكز القرار في الدولة الأعظم. ولقد كشفت الانتخابات الأميركية ازدياد نفوذ تلك الجماعات شعبيا وفي مراكز القرار بما ينذر بمصائب أخرى
- صدور ترسانات من القوانين واللوائح القُطرية والدولية لاتزال تلتهم مكاسب البشرية في الحقوق والحريات التهاما.
9- توفر الفرصة لكل عدو للإسلام ولكل من له حساب مع طرف إسلامي للانتقام من الإسلام وأهله بعد أن شاهت صورة الإسلام وارتبطت وتراثه وكل منتسب إليه بوصمة الإرهاب، على أنقاض صفاته الأصلية دين العدل والرحمة والإحسان.
كل ذلك يكشف عما في قرار إعلان الجهاد ضد العالم، ضد كل مخالف في الملة من خطأ ديني فادح في تنزيل مبدأ الجهاد، ومن تفكير إستراتيجي عقيم مدمر، إذ إن الجهاد ليس بحال أداة لفرض الإسلام على البشرية، فذلك مخالف لمراد الله تعالى في الخلق "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم".
فالاختلاف سنة إلهية ماضية إلى يوم القيامة وإنما الجهاد جعل لدفع العدوان عن الأمة: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". فليس في الإسلام قتل عشوائي وإنما هناك قتال المقاتلين المعتدين.. ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه واضحة بينة.
قرار إعلان الجهاد على كل مخالف في الدين –رغم تراجعهم بعض الشيء أخيرا- خطأ إستراتيجي فادح ليس من شأنه غير تجميع الخصوم وتعبئة العالم ضد الإسلام والمسلمين، فهل في ذلك غير الحماقة المطلقة والرأي الخطير؟ وبأي مسوغ تستباح دماء أناس آمنين في ديارهم أو قطاراتهم نساء وأطفال وعمال لا شأن لهم بقتالنا، بل إن ملايين منهم خرجوا في مسيرات حاشدة ضد سياسات حكوماتهم بالاشتراك في العدوان علينا؟ وآخرين أعطوا الأمان في بلادنا سياحا وخبراء ودبلوماسيين؟
إنه محض العدوان والإجرام والإساءة للإسلام وتقديم الخدمة المجانية لأعدائه أن يضرموا النار حول قيمه ومؤسساته ودوله وأقلياته، هل من خدمة أكبر من ذلك لأعداء أعداء الإسلام من الصهاينة وحلفائهم وسائر القوى العنصرية في العالم؟
والخلاصة أن العنف ظاهرة اجتماعية سياسية لم يخل منها دين أو أيديولوجية، وأشد العنف الذي تتلظى به البشرية اليوم هو ما تقوم به الدول العظمى والصغرى: عنف ضد البيئة وعنف اقتصادي ضد أرزاق الضعفاء وعنف ثقافي ضد هويات الشعوب وعنف عسكري احتلالا أو دعما للاحتلال وعنف سياسي دعما لأنظمة الفساد والاستبداد، فضلا عن عنف أتباعها تزييفا لإرادة الشعوب جهارا نهارا وتكميما للأفواه وملاحقات ومحاكمات تعسفية وممارسة منهجية للتعذيب ونهبا للأرزاق..
إلا أنه فيما يتعلق بالعنف المنسوب للشعوب يظل الإسلام في أيامنا هو الأيديولوجية الرئيسية التي يمارس باسمها العنف كما كانت الماركسية والقومية بالأمس، باعتباره صوت الشعوب الضعيفة المكبوتة تبحث من ورائه عبر بعض جماعاته المتحمسة عن حل لمشكلاتها يخرجها من حالة الضعف والهوان.
وهذا النوع من العنف ومثله الذي يمارس أداة للتغيير الداخلي ليس بحال دواء ولكنه مفاقمة للداء وهو جواب خاطئ على مشكل صحيح هو الظلم.. وما لم
يقتنع الأميركان وأتباعهم بأن الداء لا يعالج بالداء، وأن ردود أفعال الضعفاء حتى وإن كانت هوجاء على ظلم الكبار الأقوياء لا يمكن الإجهاز عليها إلا بالإجهاز على الأصل، وأن أساليبهم مهما تعددت ودقّت لن تفرض الاستسلام على ضحية لم يبق لديها ما تخسره إذا هي فجرت نفسها في جلادها واستراحت من حياة الذل، فلن تكون للعنف نهاية.
إن الحق أحق أن يتبع وإن الظلم حري أن يرفع عن الشعوب المستضعفة وإن كل الشعوب بما فيها الإسلامية جديرة بالحرية وبحكم نفسها بمن تختارهم وبالقيم التي ترتضيها، وإذا كان لأميركا مصالح في العالم الإسلامي فلا ضمان للوصول إليها بشكل معقول ومستمر إلا من خلال الاعتراف بالشعوب والتعاون مع ممثليها الحقيقيين أيا كانوا وإتاحة الفرصة أمامهم إن لم تكن إعانتهم.
__________________
كاتب تونسي
العنف داخل محيط الأسرة
بالنسبة لأعداد لا حصر لها من النساء والفتيات, لا يُعد البيت سكناً وملاذاً من الهموم, بل مكاناً للرعب والخوف. ففي كل يوم, وفي جميع بلدان العالم, تتعرض نساء وفتيات للضرب والاعتداء الجنسي على أيدي أزواجهن أو آبائهن أو أفراد الأسرة الآخرين.
• ففي روسيا, قُتلت 14 ألف فتاة وامرأة على أيدي رفاقهن أو أقاربهن في عام 1999, حسب تقديرات الحكومة الروسية, ومع ذلك فما زالت البلاد تفتقر إلى قانون يتصدى على وجه الخصوص للعنف في محيط الأسرة.
• وفي جنوب أفريقيا, يزيد عدد النساء اللاتي يُقتلن رمياً بالرصاص في بيوتهن نتيجة أعمال العنف في محيط الأسرة عن عدد من يُقتلن برصاص الغرباء في الشارع أو برصاص لصوص ممن يتعدون على المنازل
وفي كثير من الأحيان, يُعتبر العنف في محيط الأسرة مسألة شخصية, ومن ثم لا تتعامل معها السلطات بوصفها جريمة. ومع ذلك, فإن جميع الحكومات مسؤولة عن حماية مواطنيها من الانتهاكات, سواء ارتكبها موظفون رسميون أو أفراد بصفتهم الشخصية (عناصر غير رسمية). وإذا تقاعست الدولة عن التحرك بدأب لمنع أعمال العنف ضد المرأة, أو تقاعست عن التحقيق في مثل هذا العنف ومعاقبة مرتكبيه بعد وقوعه, فإنها تكون شريكة في المسؤولية عن الانتهاكات.
تتضمن أشكال العنف في محيط الأسرة التعرض للضرب على أيدي الرفقاء الحميمين, والتعدي الجنسي على الإناث من أطفال الأسرة والفتيات, واغتصاب الزوج لزوجته, والممارسات التقليدية المؤذية للمرأة. ويُمكن أيضاً أن يُدرج ضمن هذه الفئة التعدي على خدم المنازل. وكثيراً ما يكون العنف في محيط الأسرة بدنياً ونفسياً وجنسياً.
العنف الأسري
إن العنف الأسري هو أشهر أنواع العنف البشري انتشاراً في زمننا هذا، ورغم أننا لم نحصل بعد على دراسة دقيقة تبين لنا نسبة هذا العنف الأسري في مجتمعنا إلا أن آثاراً له بدأت تظهر بشكل ملموس على السطح مما ينبأ أن نسبته في ارتفاع وتحتاج من كافة أطراف المجتمع التحرك بصفة سريعة وجدية لوقف هذا النمو وإصلاح ما يمكن إصلاحه.
قبل الخوض أكثر في مجال العنف الأسري علينا أولاً أن نعرّف الأسرة ونبين بعض الأمور المهمة في الحياة الأسرية والعلاقات الأسرية والتي ما أن تتحقق أو بعضها حتى نكون قد وضعنا حجراً أساسياً في بناء
سد قوي أمام ظاهرة العنف الأسري.
تعريف الأسرة:
* الأسرة: هي المؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من اقتران رجل وامرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع، وأهم أركانها، الزوج، والزوجة، والأولاد.
أركان الأسرة:
فأركان الأسرة بناءً على ما تقدم هي:
(1) الزوج.
(2) الزوجة.
(3) الأولاد.
وتمثل الأسرة للإنسان «المأوى الدافئ، والملجأ الآمن، والمدرسة الأولى، ومركز الحب والسكينة وساحة الهدوء والطمأنينة
الآن وبعد التحدث عن تعريف الأسرة وتكوينها لننتقل إلى وصف العلاقة الطبيعية المفترضة بين أركان هذه الأسرة.
((الرأفة والإحسان أساس العلاقة الأسرية السليمة))
(1) الحب والمودة: إن هذا النهج وإن كان مشتركاً بين كل أفراد العائلة إلاّ إن مسؤولية هذا الأمر تقع بالدرجة الأولى على المرأة، فهي بحكم التركيبة العاطفية التي خلقها الله تعالى عليها تعد العضو الأسري الأكثر قدرة على شحن الجو العائلي بالحب والمودة.
(2) التعاون: وهذا التعاون يشمل شؤون الحياة المختلفة، وتدبير أمور البيت، وهذا الجانب من جوانب المنهج الذي تقدم به الإسلام للأسرة يتطلب تنازلاً وعطاء أكثر من جانب الزوج.
(3) الاحترام المتبادل: لقد درج الإسلام على تركيز احترام أعضاء الأسرة بعضهم البعض في نفوس أعضاءها.
من الثوابت التي يجب أن يضعها مدير العائلة -الزوج- نصب عينيه هي «أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل له أية سلطة على زوجته إلاّ فيما يتعلق بالاستمتاع الجنسي، وليست له أية سلطة عليها خارج نطاق ذلك إلاّ من خلال بعض التحفظات الشرعية التي يختلف الفقهاء في حدودها، وتتعلق بخروج المرأة من بيتها من دون إذن زوجها».
أمّا ما تقوم به المرأة من الواجبات المنزلية التي من خلالها تخدم الزوج والعائلة فإنه من قبيل التبرع من قبلها لا غير، وإلاّ فهي غير ملزمة شرعاً بتقديم كل ذلك. وإن كان البعض يرقى بهذه الوظائف التي تقدمها المرأة إلى مستوى الواجب الذي يعبر عنه بالواجب الأخلاقي الذي تفرضه الأخلاق الإسلامية.
فإذا عرف الزوج بأن هذه الأمور المنزلية التي تتبرع بها الزوجة لم تكن من صميم واجبها، بل تكون المرأة محسنة في ذلك، حيث أن الإحسان هو التقديم من دون طلب، فماذا يترتب على الزوج إزاء هذه الزوجة المحسنة؟
ألا يحكم العقل هنا بأنه يجب على الإنسان تقديم الشكر للمحسن لا أن يقابله بالجفاف؟
إن هذه الحقيقة التي يفرضها العقل هي عين ما أكد عليه القرآن الكريم في قوله تعالى:
{هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان}.
إن أقل الشكر الذي يمكن أن يقدمه الزوج للزوجة المحسنة هو «أن يعمل بكل ما عنده في سبيل أن يحترم آلام زوجته،وأحاسيسها، وتعبها، وجهدها، ونقاط ضعفه مسؤولية الزوج تجاه زوجته:
1- الموافقة، ليجتلب بها موافقتها، ومحبتها، وهواها.
2- وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة.
3- وتوسعته عليها».
مسؤولية الزوجة في التعامل مع الأبناء وركزنا في هذا الجانب على مسؤولية الزوجة لأنها الجانب الذي يتعامل مع الأبناء أكثر من الزوج:
1- تزيين السلوك الحسن للأولاد وتوجيه أنظارهم بالوسائل المتاحة لديها إلى حسن انتهاج ذلك السلوك، ونتائج ذلك السلوك وآثاره عليهم في الدنيا، وفي الآخرة.
2- تقبيح السلوك الخاطئ والمنحرف لهم، وصرف أنظارهم ما أمكنها ذلك عن ذلك السلوك، واطلاعهم على الآثار السيئة، والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على السلوك المنحرف والخاطئ.
3- تربية البنات على العفة والطهارة، وإرشادهن للاقتداء بالنساء الخالدات، وتحذيرهن من الاقتداء باللاتي يشتهرن بانحرافهن الأخلاقي. كما تحذرهن من الاستهتار، وخلع الحجاب وعدم الاستماع إلى ما يثار ضده من الأباطيل من قبل أعداء الإسلام ومن يحذو حذوهم.
4- الاعتدال في العاطفة وعدم الإسراف في تدليل الأولاد ذلك الذي يقود إلى ضعف شخصية الأولاد، وعدم ارتقائها إلى المرحلة التي تتحمل فيها مسؤولياتها.
5- توجيه أنظار الأولاد إلى المكانة التي يحتلها الأب في الأسرة، وما يجب عليهم من الاحترام تجاهه، والاقتداء به -على فرض كونه رجلاً يستحق الاقتداء به- وذلك كي يتمكن الأب من أداء دوره في توجيه الأولاد، وإصلاح المظاهر الخاطئة في سلوكياتهم.
6- تجنب الاصطدام بالزوج -وخاصة أمام الأولاد- لأنه قد يخلق فجوة بينهما تقود إلى اضطراب الطفل وخوفه وقلقه.
7- وجوب اطلاع الأب على المظاهر المنحرفة في سلوك الأولاد، أو ما قد يبدر منهم من الأخطاء التي تنذر بالانحراف وعدم الانسياق مع العاطفة والخوف من ردة فعل الأب.
8- صيانة الأولاد عن الانخراط في صداقات غير سليمة، وإبعادهم عن مغريات الشارع، ووسائل الأعلام المضللة. من قبيل البرامج المنحرفة، والكتب المضللة.
9- محافظتها على مظاهر اتزانها أمام الأولاد وذلك كي لا يقتدي الأولاد بها، لأنهم على فرض عدم قيامها بذلك سيقعون في تناقض بين اتباع ما تقوله الأم، أو تمارسه.
مسؤولية الزوج -الأب- تجاه الأولاد:
1- ضرورة اختيار الرحم المناسب للولد بأن يختار الزوجة الصالحة التي نشأت في بيئة صالحة.
2- تهيئة الظروف المعيشية المناسبة التي تمكنهم من العيش بهناء.
3- حسن اختيار الاسم وهو من حق الولد على أبيه.
4- أن يحسن تعليم الأولاد وتربيتهم التربية الصحيحة، ويهيئهم التهيئة السليمة ليكونوا أبناء صالحين مهيئين لخدمة المجتمع.
5- أن يزوجهم إذا بلغوا.
الآن وبعد تبيان الأسرة وأهميتها وعلاقاتها وحقوق أفرادها نعود للحديث عن موضوعنا الأساسي وهو العنف الأسري:
ولأننا نعلم يقيناً مما سبق ذكره أعلاه أن الأسرة هي أساس المجتمع ومصدر قوته وتفوقه فإننا نؤكد على حقيقة أن العنف الأسري أكثر فتكاً بالمجتمعات من الحروب والأوبئة الصحية لأنه ينخر أساس المجتمع فيهده أو يضعفه.
ا».
ومن هنا تأتي أهمية الإسراع إلى علاج هذا المرض قبل أن يستفحل.
لنستعرض الآن بعض مسبباته التي نعرفها:
أن ظاهرة العنف الأسري جاءت نتيجة للحياة العصرية، فالضغط النفسي والإحباط، المتولد من طبيعة الحياة العصرية اليومية، تعد من المنابع الأولية والأساسية لمشكلة العنف الأسري.
والعنف سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية. فالأفراد الذين يكونون ضحية له في صغرهم، يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل.
كذلك فإن القيم الثقافية والمعايير الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ومهماً في تبرير العنف، إذ أن قيم الشرف والمكانة الاجتماعية تحددها معايير معينة تستخدم العنف أحياناً كواجب وأمر حتمي. وكذلك يتعلم الأفراد المكانات الاجتماعية وأشكال التبجيل المصاحبة لها والتي تعطي القوي الحقوق والامتيازات التعسفية أكثر من الضعيف في الأسرة،وهذا ينبطق أحياناً بين الإخوة والأخوات.
من هم الأكثر تعرضاً للعنف الأسري:
تبين من جميع الدراسات التي تجريها الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى وأن الزوج بالتالي هو المعتدي الأول.
يأتي بعدها في الترتيب الأبناء والبنات كضحايا إمّا للأب أو للأخ الأكبر أو العم.
فبنسبة 99% يكون مصدر العنف الأسري رجل.
مسببات العنف الأسري:
أثبتت الدراسات على مستوى العالم الغربي والعربي أيضاً وبما فيها السعودي حسب مقال في جريدة الوطن يوم الأربعاء الموافق 5 ربيع الآخر 1427هـ أن ابرز المسببات وأكثرها انتشاراً هو تعاطي الكحول والمخدرات.
يأتي بعده في الترتيب الأمراض النفسية والاجتماعية لدى أحد الزوجين أو كلاهما.
ثم اضطراب العلاقة بين الزوجين لأي سبب آخر غير المذكورين أعلاه.
دوافع العنف الأسري:
1- الدوافع الذاتية:
وهي تلك الدوافع التي تنبع من ذات الإنسان، ونفسه، والتي تقوده نحو العنف الأسري،
2- الدوافع الاقتصادية:
في محيط الأسرة لا يروم الأب الحصول على منافع اقتصادية من وراء استخدامه العنف إزاء أسرته وإنما يكون ذلك تفريغاً لشحنة الخيبة والفقر الذي تنعكس آثاره بعنف من قبل الأب إزاء الأسرة.
- الدوافع الاجتماعية:
العادات والتقاليد التي اعتادها مجتمع ما والتي تتطلب من الرجل -حسب مقتضيات هذه التقاليد- قدراً من الرجولة في قيادة أسرته من خلال العنف، والقوة، وذلك أنهما المقياس الذي يبين مقدار رجولته، وإلاّ فهو ساقط من عداد الرجال.
و هذا النوع من الدوافع يتناسب طردياً مع الثقافة التي يحملها المجتمع، وخصوصاً الثقافة الأسرية فكلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي، كلما تضاءل دور هذه الدوافع حتى ينعدم في المجتمعات الراقية، وعلى العكس من ذلك في المجتمعات ذات الثقافة المحدودة، إذ تختلف درجة تأثير هذه الدوافع باختلاف درجة انحطاط ثقافات المجتمعات.
نتائج العنف الأسري:
1- أثر العنف فيمن مورس بحقه:
هناك آثار كثيرة على من مورس العنف الأسري في حقه منها:
آ- تسبب العنف في نشوء العقد النفسية التي قد تتطور وتتفاقم إلى حالات مرضية أو سلوكيات عدائية أو إجرامية.
ب- زيادة احتمال انتهاج هذا الشخص -الذي عانى من العنف- النهج ذاته الذي مورس في حقه.
2- أثر العنف على الأسرة:
تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة وتلاشي الاحساس بالأمان وربما نصل إلى درجة تلاشي الأسرة.
3- أثر العنف الأسري على المجتمع:
نظراً لكون الأسرة نواة المجتمع فإن أي تهديد سيوجه نحوها -من خلال العنف الأسري- سيقود بالنهاية، إلى تهديد كيان المجتمع بأسره.
الحلول:
1. الوعظ والإرشاد الديني المهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري، إذ أن تعاليم الدين الإسلامي توضح أهمية التراحم والترابط الأسري،
2. تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون إلى الأسر التي ينتشر فيها العنف
3. وجوب تدخل الدولة في أمر نزع الولاية من الشخص المكلف بها في الأسرة إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك وإعطائها إلى قريب آخر مع إلزامه بدفع النفقة، وإذا تعذر ذلك يمكن إيجاد ما يسمى بالأسر البديلة التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري.
4. إيجاد صلة بين الضحايا وبين الجهات الاستشارية المتاحة وذلك عن طريق إيجاد خطوط ساخنة لهذه الجهات يمكنها تقديم الاستشارات والمساعدة إذا لزم الأمر.
الخلاصة:
أننا عندما نريد أن نربي ونثقف كلا من الولد والبنت نربيهما على أساس أن كلا من الرجل والمرأة يكمل أحدهما الآخر.
فأنوثة المرأة إنما هي بعاطفتها، وحنانها، ورقتها.
كما أن رجولة الرجل إنما هي بإرادته، وصلابته، وقدرته على مواجهة الأحداث.
فالرجل يعاني من نقص في العاطفة، والحنان، والرقة، والمرأة -التي تمتلك فائضاً من ذلك- هي التي تعطيه العاطفة، والحنان، والرقة. ولهذا كانت الزوجة سكناً {لتسكنوا إليها}.
والمرأة تعاني من نقص في الإرادة، والحزم، والصلابة، والرجل -الذي يمتلك فائضاً من ذلك- هو الذي يمنحها الإرادة، والحزم، والصلابة. ولهذا كان الزوج قيّماً على الزوجة كما يقول تبارك وتعالى:
{الرجال قوَّامون على النساء}.
فالتربية تكون إذن على أساس أن المرأة والرجلوهناك طرق ممكن انتهاجها لمساعدة الزوجات والأطفال الذين تعرضوا للعنف الأسري، والخطوة الأولى تكمن في دراسة وجمع ما أمكن من معلومات حول ديناميكة أسرهم.
1. توفير أماكن آمنة للنساء والأطفال يمكنهم الذهاب إليها للشعور بالأمان ولو لوقت يسير ويمكن متابعتهم هناك من قبل المختصين.
2. العمل على تعليم النساء والأطفال على تطوير خطط للأمان لهم داخل المنزل وخارج المنزل.
3. التعاون مع الجهات المختصة برعاية الأسر والأطفال لإيجاد حلول تتوافق مع كل أسرة على حدة.
4. تدريب الأطفال على ممارسة ردود أفعال غير عنيفة لتفريغ الشحنات السلبية التي تولدت لديهم نظر العنف الذي مورس عليهم.
5. تعليم الأطفال على سلوكيات إيجابية بحيث نمكنهم من التحكم بموجات الغضب والمشاعر السلبية لنساعدهم على تكوين علاقات مستقبلية آمنة وسليمة.
تم بحمد الله تعالى وآمل أن أكون قد وفقت في تغطية أغلب جوانب الموضوع الذي يحتاج إلى وقت وجهد أكبر من قبل الجميع وما قدمته هنا إلا جهد فرد قابل للصواب وقابل للخطأ وكلي ثقة فيمن يطلع عليه في أن يقوّم نقاط الضعف التي فيه يكمل أحدهما الآخر».
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire