سناء محمد طوط
شاءت حكمة الباري أن نوجد في هذه الدنيا، وأن نُمنح كل وسيلة نسمو بها بنفوسنا وقيمنا وذواتنا عن طريق التجربة والخطأ، كما يُفهم من وحي النصوص.
فالخطأ طبيعة حال ووروده ليس شيئاً شاذاً. وليس الخطأ مشكلة بذاته، بل المشكلة هي الإصرار عليه، وهو ما ينتفي معه الهدف الأصل من الإيجاد في هذه الدار، وهو السمو بالنفس والقيم لأقصى مرتبة من الكمال يمكن أن تصل إليها البشرية. والله يدعونا لما يحيينا.
لذا دلت جملة النصوص على أن النقطة التي يتراجع فيها الفرد عن الخطأ أنها نقطة استئناف لايحسب ما قبلها من شطط وانحراف، ذلك أنها تحققت فاعلية الهدف المراد، والعبرة أصلاً في تحقيق الهدف الذي هو تزكية البشر وصناعتهم على أرقى وأتم صورة، على ضوء مبادئ ومُثل وقيم خطها لهم الشارع الحكيم..
نقطة التصحيح تلك تتمثل بالإقرار بالخطأ ومعرفته وتجنبه، وتتمثل أيضاً بالاستمساك بالصواب وتفعيله والثبات عليه، وتتمثل أيضاً بمواجهة الخطأ بالصواب ودفعه به، وتتمثل أخيراً في استثمار الأخطاء لاكتساب الخبرة والعبرة في تخطيطنا للمستقبل.
ودلّت النصوص أيضاً أنه مهما كان الخطأ فإنه قابل للتصحيح والمراجعة .
ثم إن الخطأ ليس ذنباً بالضرورة، وإنما بعضه ما جانب الصواب عفواً من غير قصد.
يقول ربنا جلّ وعلا: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا). ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
ووضع الخطأ أي التجاوز عنه من غير حساب.
وإذا كان ربنا -عزّ وجل- يتجاوز عن الخطأ، ويكفّر بعض الذنوب ويبدلها حسنات، فيجدر بنا أن نتعامل مع الخطأ تعاملاً رشيداً، مستوحين هذا المعنى العظيم، من منطلق الاعتراف ببشريتنا ونقصنا وعجزنا عن التمام. وأن مبلغ كمالنا هو محاولة بلوغ الكمال بالتصحيح والإنابة.
وليس المقصود هنا أن نسعى إلى الخطأ باعتباره قيمة لذاته، بل المقصود الاعتراف بجملة من القيم الإنسانية في تعاملنا مع الخطأ وفي استثماره.
المقصود إشاعة مبدأ التسامح، والتجاوز عن كثير من الأخطاء من غير معاتبة أو مكاشفة، ولا سيما في حضرة الإنجازات الضخمة. ولنا في قصة حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى سر المسلمين، وأرسل إلى قريش بمسير النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم. خطأ لو ارتكبه غير حاطب لعُدّ من الخيانة العظمى، لكن نبينا -صلى الله عليه- وسلم يقول: "وما يدريك يا عمر؟ لعلّ الله اطّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم إني قد غفرت لكم".
وما أبعدنا عن هذا المقصد العظيم! ونحن نسقط علماء وكبراء لخطأ واحد، ونحاسب الأبناء إن هم نالوا تسع عشرة علامة لا عشرين، ونتخلى عن صداقات لمجرد خطأ واحد.
إذا كنتَ في كلِّ الأمورِ معاتبــاً أخاك لم تلقَ الذي لا تـــعاتبُهْ
فعشْ واحداً أو صلْ أخاك فإنــه مقارفُ ذنب مرّةً ومجانبُــــهْ
إذا أنت لم تشربْ مراراً على القذى ظمئت وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُهْ؟!
والحق في الخطأ هو حقنا في العمل والاجتهاد.
فالخطأ ملازم حتميّ للعمل، ولا تكثر الأخطاء إلاّ حيث تكثر الأعمال وتتزايد. ذلك أن العمل البشري قاصر عن رتبة الكمال. ومن أجل أن الخطأ، بل الذنب نفسه، ملازم للعمل، فقد ربطه الله به (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
وأنت لا تجد مسلماً عاقلاً يقول: إذاً لا أعمل حتى لا يحاسبني الله؛ فترك العمل هو الذنب الذي لا يُرجى أن يغفره الله، وفي الآية دلالة على أن العمل حق لمّا أمر الله به.
ويقودنا ذلك إلى حق آخر: هو حق المراجعة والتصحيح؛ فالخطأ مدعاة إلى التصحيح وتحسين الأداء .
والحق في الخطأ مكفول في النص على الاجتهاد وإعمال الفكر، والمجتهد مأجور إن هو استوفى شروط الاجتهاد، ولو أخطأ؛ لأنه عامل ولا يضيع عند الله عمل.
أن نخطئ معناه أننا نحاول؛ والمحاولة فضيلة بحدّ ذاتها. وحرص المربين الشديد على التوجيه إلى ما يعتقدونه صواباً ليس حكيماً طوال الوقت؛ فالتوجيه ليس شحنات نفرّغها، أو تسجيلاً لموقف، بل تلزم الأناة والروية والاقتصاد في الوعظ لئلاً يُحرم المتلقي من فرصة المحاولة والمراجعة والتعديل.
ببساطة متناهية: النصّ على حق الإنسان في الخطأ هو نصّ على الاعتراف بإنسانية الإنسان، وبحقه في التقدّم والتطوّر والسعي إلى الكمال.
شاءت حكمة الباري أن نوجد في هذه الدنيا، وأن نُمنح كل وسيلة نسمو بها بنفوسنا وقيمنا وذواتنا عن طريق التجربة والخطأ، كما يُفهم من وحي النصوص.
فالخطأ طبيعة حال ووروده ليس شيئاً شاذاً. وليس الخطأ مشكلة بذاته، بل المشكلة هي الإصرار عليه، وهو ما ينتفي معه الهدف الأصل من الإيجاد في هذه الدار، وهو السمو بالنفس والقيم لأقصى مرتبة من الكمال يمكن أن تصل إليها البشرية. والله يدعونا لما يحيينا.
لذا دلت جملة النصوص على أن النقطة التي يتراجع فيها الفرد عن الخطأ أنها نقطة استئناف لايحسب ما قبلها من شطط وانحراف، ذلك أنها تحققت فاعلية الهدف المراد، والعبرة أصلاً في تحقيق الهدف الذي هو تزكية البشر وصناعتهم على أرقى وأتم صورة، على ضوء مبادئ ومُثل وقيم خطها لهم الشارع الحكيم..
نقطة التصحيح تلك تتمثل بالإقرار بالخطأ ومعرفته وتجنبه، وتتمثل أيضاً بالاستمساك بالصواب وتفعيله والثبات عليه، وتتمثل أيضاً بمواجهة الخطأ بالصواب ودفعه به، وتتمثل أخيراً في استثمار الأخطاء لاكتساب الخبرة والعبرة في تخطيطنا للمستقبل.
ودلّت النصوص أيضاً أنه مهما كان الخطأ فإنه قابل للتصحيح والمراجعة .
ثم إن الخطأ ليس ذنباً بالضرورة، وإنما بعضه ما جانب الصواب عفواً من غير قصد.
يقول ربنا جلّ وعلا: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا). ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
ووضع الخطأ أي التجاوز عنه من غير حساب.
وإذا كان ربنا -عزّ وجل- يتجاوز عن الخطأ، ويكفّر بعض الذنوب ويبدلها حسنات، فيجدر بنا أن نتعامل مع الخطأ تعاملاً رشيداً، مستوحين هذا المعنى العظيم، من منطلق الاعتراف ببشريتنا ونقصنا وعجزنا عن التمام. وأن مبلغ كمالنا هو محاولة بلوغ الكمال بالتصحيح والإنابة.
وليس المقصود هنا أن نسعى إلى الخطأ باعتباره قيمة لذاته، بل المقصود الاعتراف بجملة من القيم الإنسانية في تعاملنا مع الخطأ وفي استثماره.
المقصود إشاعة مبدأ التسامح، والتجاوز عن كثير من الأخطاء من غير معاتبة أو مكاشفة، ولا سيما في حضرة الإنجازات الضخمة. ولنا في قصة حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى سر المسلمين، وأرسل إلى قريش بمسير النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم. خطأ لو ارتكبه غير حاطب لعُدّ من الخيانة العظمى، لكن نبينا -صلى الله عليه- وسلم يقول: "وما يدريك يا عمر؟ لعلّ الله اطّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم إني قد غفرت لكم".
وما أبعدنا عن هذا المقصد العظيم! ونحن نسقط علماء وكبراء لخطأ واحد، ونحاسب الأبناء إن هم نالوا تسع عشرة علامة لا عشرين، ونتخلى عن صداقات لمجرد خطأ واحد.
إذا كنتَ في كلِّ الأمورِ معاتبــاً أخاك لم تلقَ الذي لا تـــعاتبُهْ
فعشْ واحداً أو صلْ أخاك فإنــه مقارفُ ذنب مرّةً ومجانبُــــهْ
إذا أنت لم تشربْ مراراً على القذى ظمئت وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُهْ؟!
والحق في الخطأ هو حقنا في العمل والاجتهاد.
فالخطأ ملازم حتميّ للعمل، ولا تكثر الأخطاء إلاّ حيث تكثر الأعمال وتتزايد. ذلك أن العمل البشري قاصر عن رتبة الكمال. ومن أجل أن الخطأ، بل الذنب نفسه، ملازم للعمل، فقد ربطه الله به (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
وأنت لا تجد مسلماً عاقلاً يقول: إذاً لا أعمل حتى لا يحاسبني الله؛ فترك العمل هو الذنب الذي لا يُرجى أن يغفره الله، وفي الآية دلالة على أن العمل حق لمّا أمر الله به.
ويقودنا ذلك إلى حق آخر: هو حق المراجعة والتصحيح؛ فالخطأ مدعاة إلى التصحيح وتحسين الأداء .
والحق في الخطأ مكفول في النص على الاجتهاد وإعمال الفكر، والمجتهد مأجور إن هو استوفى شروط الاجتهاد، ولو أخطأ؛ لأنه عامل ولا يضيع عند الله عمل.
أن نخطئ معناه أننا نحاول؛ والمحاولة فضيلة بحدّ ذاتها. وحرص المربين الشديد على التوجيه إلى ما يعتقدونه صواباً ليس حكيماً طوال الوقت؛ فالتوجيه ليس شحنات نفرّغها، أو تسجيلاً لموقف، بل تلزم الأناة والروية والاقتصاد في الوعظ لئلاً يُحرم المتلقي من فرصة المحاولة والمراجعة والتعديل.
ببساطة متناهية: النصّ على حق الإنسان في الخطأ هو نصّ على الاعتراف بإنسانية الإنسان، وبحقه في التقدّم والتطوّر والسعي إلى الكمال.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire