عن هيبة الدولة في المرحلة الحرجة

عن هيبة الدولة في المرحلة الحرجة
رومان حداد
رومان حداد
حين نطلق عبارة هيبة الدولة فإننا نقصد مفهوماً يستند إلى عنصرين: أولهما الرهبة والخشية، والعنصر الثاني هو الاحترام. أما الرهبة والخشية فالمقصود منها ما تبثه الدولة في نفوس الناس من شعور بالوجل والتهيب يمنعهم من تحديها أو انتهاك نظامها، وهو ما يثّبته اقتناعهم بأنهم إن فعلوا خطأ أو جريمة سيلقون عقابا رادعا. وقد تسعفهم ذاكرتهم بأمثلة من هذا العقاب في كل مرة تم التعدي على حرمة الدولة، أما الاحترام فالمقصود منه الشعور بالتقدير لأفعال الدولة، وهو شعور ينبعث من التزام هذه الأفعال بمجموعة من القيم والقواعد التي تهدف إلى خدمة هدف عام يتعدى مصالح القائمين عليها.
وإذا تعرض عنصرا الرهبة والاحترام للاهتزاز فإن هيبة الدولة تهتز وتصبح الدولة على المحك، وبالتالي فإن عملية استعادة هيبة الدولة تقوم أساساً على استعادة عنصري الرهبة والاحترام.
لا يمكن البدء باستعادة عنصر الرهبة إلا عبر استعادة دور أكبر جهاز أمني في الأردن وهو جهاز الأمن العام، فهذا الجهاز على احتكاك مستمر مع المواطنين على مدار الساعة، وهو يرسم مظهر الدولة في ذهنية المواطن.
ومن الضروري أن يشعر المواطن بفارق حقيقي بين جهاز أمن وعصابة متوحشة من قطاع الطرق فالأخيرون مخيفون ودليل غياب الدولة وهيبتها، فيما يفترض أن أجهزة الأمن مهابة، هدفها المتضمن في اسمها هو صون الأمن، وعنفها يخضع لمنطق مستقر لأنه عنف دولة وبالتالي تفرض حضور الدولة وفرض هيبتها. غياب هذا المنطق يمحو الفرق بين الدولة وأجهزتها من جهة والعصابات من جهة أخرى.
فالدولة تمارس عنفا منظما، متجردا عن الحيثيات الشخصية، لكنه متصل بما ارتكب من أفعال خارجة على القانون، كما أنه عنف محتكر، لا يسمح لأحد غيرها ممارسته؛ عنف الدولة لكل ذلك عقلاني، مقنن، وبالتالي لا يثير دوافع ثأرية.
وعلى الجانب الآخر لا يمكن للدولة أن تستعيد هيبتها من دون أن تستعيد احترامها. وهو ما يعني تطبيق القانون دون استثناءات ودون تجاوزات ودون مزاجية، وهو ما سيؤدي إلى معاقبة المجرمين مهما بلغت قوتهم وسيقف المجتمع سنداً للدولة في معركتها هذه، وبالتالي يجب استعادة دور القانون ودور القضاء بصفته السلطة الدستورية التي تطبق القانون، وهذا بالطبع يشترط نزاهة القضاء واستقلاله، وأن يحاكم جميع المدنيين أمام المحاكم المدنية.
ولكي تتحقق الغاية من هيبة الدولة وشعور المواطن بعودة الدولة للتماسك، فإن الظهور من بوابة العقاب في هذا المجال أو تطبيق القانون، وإن كان ضرورياً، إلا أنه غير كافٍ على الإطلاق، فعلى مر ما يقارب العقدين من تاريخ الأردن تم العمل ببطء على خلخلة بنية الدولة، وليس فكفكتها كما كان البعض يعتقد، ففي حين أن التفكيك يعني إزالة الأجزاء المكونة للدولة، وهو يتم من خارج بنية الدولة، فإن الخلخلة تعني العكس تماماً، فهي التغلغل داخل بنية الدولة وإحداث إزاحات بسيطة بمسننات. العجلات المحركة للدولة لمرحلة تبدو فيها الدولة موجودة ظاهرياً ولكنها غير قادرة على الحركة فعلياً.
وخطورة عملية الخلخلة أنه لا يمكننا ملاحظة الإزاحات البسيطة بمسننات الدولة ولكن في ذات الوقت يتشكل انطباع لدى العامة بعدم قدرة الدولة على الحركة رغم حضورها الكثيف وغير المبرر أيضاً، مما يخلق حالة من عدم الثقة بالدولة وتراجع هيبتها، هذا العطب الذي يصيب أجهزة الدولة التي تمت خلخلتها ينتقل إلى مؤسسات أخرى لم تتم خلخلتها ولكنها عاجزة عن العمل لوحدها، فالمهم الآن إعادة تركيب مسننات الدولة على بعضها البعض لتعود ماكينة الدولة للحركة.
ومن هنا تبرز أهمية الدولة استعادة الدولة ذاتها، أي كونها مؤسسة عامة تحكم بالقانون وقادرة على الانتاج.
وتبرز أهمية استعادة هيبة الدولة سريعاً حتى تكون الدولة قادرة على التعامل مع الملفات الساخنة داخلياً وإقليمياً، فالدولة ستبقى غير قادرة على التحرك بأي اتجاه بكامل طاقتها، وسيبقى حجم التشكيك بغاياتها إذا استمرت فاقدة للهيبة ولعلاقة الثقة الضرورية مع المواطن.
وبالتالي على الدولة العمل لزيادة منسوب الانتماء، والانتماء المقصود هنا هو الانتماء إلى الدولة وإلى المجتمع معاً، على أن يتم ذلك بصورة عقلانية، وبأدوات إعلامية واتصالية مدروسة.
على الدولة ان تعمل على منع تشكيل الهويات الفرعية كبديل عن الهوية الجمعية أو الكلية للدولة والمجتمع، فاستمرار الجدل حول الدولة والهويات الفرعية المكونة لها يوصل الشك إلى فكرة الدولة نفسها، ليصير السؤال هل نحن أردنيون نبحث عن ذاتنا أم أردنيون يهربون من ذاتهم؟
(الردّة) عن الدولة أصبحت خطيرة وبدأت تضرب شرخاً واضحاً في بنيان الدولة، وعلى الدولة بكل مكوناتها استعادة دورها لوقف هذه (الردّة) ولو تطلب ذلك حرباً على (الردّة)، وبصورة مستعجلة.
ويبدو أن على العقل المركزي للدولة أن يفكر بآلية حقيقية لإنشاء الأجهزة اللازمة والضرورية لتحول الدولة الحيوي من دولة سطحية بمؤسسات واضحة إلى مستوى الدولة العميقة (بحيث يتم إنشاء عدد من الأجهزة والدوائر الجديدة غير العلنية ذات مهام ووظائف محددة ومتداخلة في بعض جوانبها، ولكنها أيضاً ذات مهام متمايزة عن غيرها ومتخصصة في مجالات محددة، بالإضافة إلى مجموعة من مراكز الدراسات والأبحاث المتخصصة والتابعة لكل جهاز أو إدارة بالإضافة إلى عدد من مراكز الدراسات المستقلة قادر على إعطاء قراءات ودراسات مستقلة تساعد على المصادقة على الدراسات التي تصدرها مراكز الدراسات التابعة للأجهزة من عدمها.
فبذلك يصبح صاحب القرار في الدولة قادرا على امتلاك قراءات موضوعية ومن زوايا مختلفة حول معظم القضايا وهو ما يساعد في عملية بناء القرار واتخاذه، ويقوي صورة الدولة ويساعدها على استعادة هيبتها ودورها بسرعة.


عن هيبة الدولة في المرحلة الحرجة

Aucun commentaire: