استمرار الجدل حول إقدام رجال الأمن على استعمال السلاح الوظيفي

القانون هو الذي يحدد حالات استخدام السلاح الوظيفي الموضوع رهن إشارة عناصر الشرطة
معايير استعمال السلاح الوظيفي يجب أن تتطور مع  تطور طبيعة المجرمين والتخطيط الإجرامي والأسلحة المستعملة لارتكاب الجريمة

أثارت قضية إطلاق شرطي في بني ملال الرصاص على شاب عشريني بعد أن رفض الامتثال لأوامره، الجدل الدائر حول الدوافع القانونية التي تجعل رجال الأمن يستعملون السلاح الوظيفي للوقف أمام تفشي ظاهرتي ”التشرميل ” و”الكريساج”اللتين أصبحتا تهددان بشكل علني الاستقرار الأمني للمواطنين، وفي ظل استفحال هاتين الظاهرتين دعا مجموعة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي رجال الأمن بالتحلي بالصرامة اللازمة في التعامل مع المعتدين، وإطلاق الرصاص على المخالفين للقانون إن اقتضى الأمر طبقا للقوانين الجاري بها العمل، فيما أقر آخرون أن استعمال السلاح الوظيفي لإيقاف المجرمين لا يمكن أن يساهم بشكل إيجابي في وقف هذه الاعتداءات المتتالية بل سيخلق أزمة اجتماعية كبيرة .
ولم تكن هذه الحالة الأولى التي ينتهي بها التدخل الأمني باستخدام السلاح الوظيفي ووضع نهاية لمواجهة غير متكافئة في أغلب الأحيان ،فقد حدث ذلك في العديد من المدن المغربية، كفاس، والدار البيضاء،و سلا و مراكش، وغالبا ما يبرر ذلك، بالدفاع عن النفس.و يرى بعض المواطنين ممن تعرضوا لاعتداءات بالسلاح الأبيض أن رجال الأمن لا يتعاملون بالصرامة المطلوبة من أجل توقيف المجرمين ،معتبرين أنهم ”متساهلون إلى حد كبير ” معهم خاصة مع أولئك الذين يبدون مقاومة شديدة للشرطة لحظة إلقاء القبض عليه كما توضحه مقاطع فيديو انتشرت بشكل واسع على الفايسبوك في الآونة الأخيرة .

استعمال  السلاح   الوظيفي سببه عدم الإحساس بالأمن
وفي هذا الإطار أوضح الأستاذ محمد أكضيض خبير أمني في تصريح لموقع “استقلال.أنفو”، أن الانتشار الواسع لظاهرة الكريساج، خلق حالة من عدم الإحساس بالأمن، وهذا ما جعل فئة كبيرة من المواطنين يتشبثون بفكرة  استعمال رجل الأمن لسلاحه الوظيفي، خاصة لوقف أي اعتداء كيفما كان، مضيفا أن مقاطع الفيديو التي وثقت حالات عديدة من الاعتداءات التي تعرض لها المواطنون خاصة في واضحة النار، جعلت نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يطالبون رجال الأمن باستعمال كل الوسائل الممكنة لوقف المعتدي وعدم التساهل معه بأي شكل، لأن كل مواطن لديه الحق في التمتع بحياة آمنة ومستقرة .
و أكد الأستاذ أكضيض أن هؤلاء المجرمين فرضوا حالة من ”اللاقانون” خاصة في الأحياء الشعبية الفقيرة التي تعتبر منبعا رئيسيا لولادة المجرمين، مضيفا أن الاعتداءات التي يقومون بها هي رد اعتبار لحالتهم الاجتماعية و الاقتصادية المزرية وبالتالي فعامل الفقر هو المحرك الأساسي لها، فهذه الظاهرة التي هي في انتشار مستمر  تتطلب إيجاد حلول عملية لاستتباب الأمن و القضاء بشكل نهائي عليها لأن المعضلة ستظل موجودة في ظل عدم وجود منظومة قانونية ‘رادعة ‘ تعاقب المعتدي حسب نوع الجرم الذي ارتكبه ، بل وإن العقوبة القانونية يجب أن تساهم في إعادة إدماجه في الحياة الاجتماعية على المدى المتوسط .
و أوضح الأستاذ أكضيض أن في حالة الدفاع الشرعي، فالقانون المغربي منح لحاملي السلاح من رجال الأمن أو الدرك، رخصة استخدام القوة واستخدام السلاح لمواجهة أي نشاط إرهابي أو إجرامي، مؤكدا أن القانون حدد حالات وضوابط استخدام هذا السلاح، حيث تم تقييدها باستنفاذ وسائل ”التهديد والوعيد’، وضرورة التنبيه عن طريق مكبر الصوت واستخدام غازات مسيلة للدموع  أو إطلاق أعيرة في الهواء، وإذا لم يمتثل يتم إطلاق أعيرة على الساقين إلا في المواقف الأمنية الحاسمة .

استعمال السلاح الوظيفي والنقاش المغلوط 
ومن جانبه أوضح عبد اللطيف كيداي أستاذ علم الاجتماع ،في تصريح لموقع “استقلال.أنفو” أن استعمال السلاح الوظيفي يحدده الإطار القانوني في كل الدول والمغرب لا يشكل الاستثناء ، مضيفا أن حالات استعمال السلاح الوظيفي تختلف حسب اختلاف المعايير المحددة للجريمة .
و أكد الأستاذ كيداي أن القانون يخول استعمال السلاح الوظيفي في الحالات القسوة، أي عندما يستعمل الجاني أسلحة تشكل خطورة على حياة الٱخرين، وبالتالي فرجل الأمن يجد نفسه مضطرا لاستعمال سلاحه الوظيفي لإيقاف الجاني في حالة صعوبة التفاوض معه ودعوته للاستسلام .
و أشار الأستاذ كيداي أن النقاش الدائر في المجتمع حول موضوع ضرورة استعمال السلاح الوظيفي لوقف المجرمين، هو نقاش ”مغلوط ” ، لأن سبل معالجة الظاهرة لا يحددها من يؤيد استعمال السلاح الوظيفي أومن هو ضد ذلك، ومعايير الاحتكام لاستعمال المسدس الوظيفي هي معايير مضبوطة قانونيا، وبالتالي لا يجب أن  نأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في الرأي الموجود من أجل اتخاذ قرارات عملية في ما يخص تطوير المنظومة القانونية لمواجهة الظاهرة الإجرامية .
و أردف الأستاذ كيداي أن معاييير استعمال السلاح الوظيفي يجب أن تتطور، خاصة في ظل تطور طبيعة المجرمين والتخطيط الإجرامي، وكذلك الأسلحة المستعملة لارتكاب الجريمة لاحتواء الظاهرة التي أصبحت في انتشار واسع داخل المجمتع، وبالتالي فالمطلب الأساسي لرواد مواقع التواصل الاجتماعي الذي يجب التعامل معه هو المطلب الأمني أم استعمال السلاح الوظيفي تبقى الغاية منه أولا حماية الشرطي أو الدركي و كذلك لحماية المواطنين .
و قال الأستاذ كيداي أن المسؤولية الحقيقية يتحملها أصحاب القرار، حيث إن القرارات المرتبطة بالإستراتيجية الأمنية و القانونية لا يجب أن تؤخذ بناء على انفعالات الناس، مضيفا أن مواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة تعبير فقط، وليست محددا قارا لاتخاذ القرارات الإستراتيجية الدقيقة .
وتجدر الإشارة إلى أن المديرية العامة للأمن الوطني كانت  أصدرت مؤخرا بلاغا، توضح فيه للرأي العام أنها حريصة على الرفع من كفاءة عناصر الشرطة في مجال الرماية، وإخضاعهم لتداريب أساسية وتخصصية مكثفة، لضمان الاستخدام السليم لهذه اللوازم الوظيفية كلما توفرت ضرورات الاستعمال، مبرزة أن القانون هو الذي يحدد حالات استخدام السلاح الوظيفي الموضوع رهن إشارة عناصر الشرطة، وذلك في إطار الدفاع الشرعي عن نفس ومال المواطن، أو عن الشرطي المتدخل نفسه، شريطة توافر ظروف قانونية وواقعية، يخضع تقديرها لمراقبة القضاء، وذلك عندما يكون الاعتداء حالا ووشيكا، وأن يكون هناك تناسب بين الاعتداء والدفاع.

ضوابط استخدام السلاح من قبل رجال الأمن
ومن جهته قال عبد الرزاق بوغنبور رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الظروف الأمنية المختلفة المحيطة بأعمال ووظائف رجال الشرطة قد تستدعى استخدامهم لأسلحتهم وقواتهم من أجل المحافظة على الأمن والنظام العام والتعامل مع الخارجين عن القانون بهدف القبض عليهم أو لرد اعتداء واقع عليهم أو على نفس ومال وعرض المواطنين، مبرزا أن القانون يمنح جهاز الشرطة رخصة استخدام القوة والسلاح لمواجهة أي نشاط إرهابي أو إجرامي، حيث حدد القانون حالات وضوابط استخدام السلاح لذا القوات المكلفة بإنفاذ القانون.
وسجل الناشط الحقوقي أن من المبادئ الأساسية التي تحكم استعمال السلاح أولا اعتبار استخدامه هو الوسيلة النهائية لأداء الواجب الوظيفي، ثانيا أن يكون استخدامه بالقدر المناسب والكافي لأداء الواجب الوظيفي وتحقيق استتباب الأمن، ثالثا وجوب التدرج في استخدام السلاح بما يحقق الأهداف الأمنية أي أن الشرطة يجب تستنفذ جميع طرق التهديد السابقة لاستخدام السلاح، إلا في المواقف الأمنية الحاسمة كحوادث الإرهاب ومقاومة السلطات، معتبرا أن مثل هذه الوضعيات يجب أن يتم بها استخدام السلاح مباشرة دون سابق إنذار .
وأبرز بوغنبور أنه في كل الحالات التي ينبغي عندها استعمال السلاح وإطلاق النيران، يجب أن تتم مراعاة الحيطة التامة والحذر حتى لا يصاب أحد من أفراد قوات الأمن أوأحد المواطنين الأبرياء الذين قد يتواجدوا بمكان العمليات وهو ما يتطلب أن يكون أفراد الشرطة الذين يتعاملون بالأسلحة قد تدربوا التدريب الكافي على كيفية استخدام السلاح بحيث يجب أن يكون التصويب عند إطلاق النيران بهدف الإصابة أولا وليس القتل إلا إذا اقتضى الأمر ذلك.
وأكد رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان  أن حالات استخدام السلاح من طرف قوات الأمن تتمثل في حالة الدفاع الشرعي عن النفس وعن عرض ومال الغير، وفي حالة القبض على محكوم عليه في جناية أو جنحة إذا قاوم وحاول الهرب، بالإضافة إلى حالة القبض على متهم بجناية أو جنحة متلبس بها أو متهم صدر أمر من النيابة العامة بضبطه وإحضاره، وفي حالة الهرب أو لصد أي هجوم أو أية مقاومة مصحوبة باستعمال القوة لتمكين المسجونين للهرب، كما في حالة تنفيذ الأحكام المدنية الواجبة التنفيذ الجبري.
وأوضح بوغنبور أن ما يمكن استخلاصه من حدث مقتل مواطنين بسلاح رجال الأمن هو الخوف من أن يكون الموقف ممنهجا يتوخى رد الاعتبار للقطاع الأمني واسترداد “هيبة الدولة ” وبالمقابل رفض المواطنين لجوء قوات الأمن لاستعمال الأسلحة من اجل ” القتل ” مبررا لإحجام قوات الأمن عن أداء عملها خوفا من المساءلة والمحاسبة على أفعال لم يرتكبوها إلا من أجل الحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم.
ومن أجل ضمان الاستعمال القانوني للأسلحة النارية، أكد عبد الرزاق بوغنبور على ضرورة التقيد بتقدیم المساعدة والإسعافات الطبية إلى جميع المصابين، وإبلاغ أقرباء أو أصدقاء المتضررین بما حدث لهم، بالإضافة إلى إجراء تحقيقات فور انتهاء العملية وتقديم تقریر تفصيلي بالحادث، مسجلا أن أثناء التحقيق في استخدام الأسلحة الوظيفية يجب طرح أسئلة من قبيل هل تم اللجوء أولا إلى الوسائل السلمية؟، وهل كان استخدام القوة ضروریا بصورة صارمة في الحالة ولتحقيق غرض مشروع لإنفاذ القانون ؟ وهل أتيحت مجموعة من وسائل استخدام القوة بدرجات متفاوتة؟، بالإضافة إلى أسئلة حول تدريب الموظفين المعنيين على استعمال الوسائل السلمية واستخدام القوة بدرجات متفاوتة.

Aucun commentaire: