أنواع الدساتير

تتجه الكتابات الدستورية عادة الى التمييز بين انواع الدساتير على مستويين اثنين :
اولا : تمييز بين انواع الدساتير بحسب مصدرها،تشريع ام عرف فنكون حينئذ امام دستور مدون او دستور عرفي .
ثانيا : تمييز بين انواع الدساتير بحسب الاسلوب المعتمد لمراجعتها وتعديلها ، فنكون حينئذ امام دستور صلب او دستور مرن .

الدساتير بحسب المصدر :
درج الفقه الدستوري على التمييز بين مصدرين اثنين للدستور بمعناه العام ، وهما التشريع والعرف
فاذا كان المصدر الاساسي للدستور هو التشريع اي تلك القواعد القانونية الصادرة عن سلطة  مختصة في صيغة مكتوبة او قالب مكتوبة فاننا نكون امام دستور مكتوب مع ما ارتبط به من قوانين تكميلية ، ونقصد بذلك القوانين التنظيمية و القانونين الداخلية للبرلمان . واذا كان المصدر الرئيسي للدستور هو العرف فاننا نكون حينئذ امام دستور عرفي حتى مع وجود بعض القواعد المكتوبة التي تنظم الممارسة السياسية الى جانبه والتي لا تؤتر في طبيعته العرفية .

الدستور المكتوب :
الدستور المكتوب هو مجموع القواعد الاساسيةالمهتمة بتنظيم السلطة في الدولة ، وجودا و ممارسة والتي صدرت عن سلطة مختصة وفي صيغة مكتوبة اي مدونة .
و أول الدساتير بهذا المعنى هو دستور فيرجينيا في 12 يونيو 1776 الذي جاء في اعقاب اعلان المستعمرات الشمالية الامريكية استقلالها عن التاج البريطاني و أسس للموجة الاولى من  الدساتير المكتوبة من قبيل الدستور الفيديرالي الامريكي 1787 و الدستور الفرنسي لعام 1971,
و اذا كانت بعض الكتابات الدستورية تذهب الى المفاضلة بين الدساتير المكتوبة والدساتير العرفية ملامسة العديد من الايجابيات والتي تميز الدستور المكتوب عن الدستور العرفي من قبيل الوضوح والدقة ، والقدرة على التجاوب اكثر مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الاسهام بشكل اكبر في نشر الثقافة القانونية والوعي الحقوقي لدى المواطنين فانا نقول بالمقابل بانه يتعين النظر الى كل عنصر من عناصر المفاضلة ليس فقط في علاقة مع نوع الدستور مكتوبا كان او عرفيا ولكن في علاقة مع البيئة السياسية المغذية لهذا الدستور والتي تؤتر سلبا او ايجابيا على الدستور كيفما كانت طبيعته .

الدستور العرفي :
مبدئيا يتعين التمييز بين الدستور العرفي والعرف الدستوري من منطلق كون الدساتير العرفية والاعراف الدستورية كلاهما عبارة عن قواعد عرفية تجسد في الاصل ممارسة سياسية تميزت بالتكرار من طرف الجماعة لمدة طويلة من الزمن حتى اضحت راسخة في وجدانهم ناظمة لسلوكهم ، الا ان العرف  الدستوري وخلافا للدستور العرفي يرتبط في وجوده بوجود دستور مكتوب  ، وهذا ما سنعمد على  توضيحه .

الدستور العرفي :
الدستور العرفي مجموعة من القواعد  و الضوابط و الاليات المتعلقة بنظام الحكم في  الدولة تنظيما وممارسة وغير المكتوبة ولا المسنونة من طرف سلطة مختصة بل وجدت بفعل اطراد  و انتظام العمل بها حتى اضحت ممارسة سياسية دستورية راسخة في ذهن الافراد و المجموعات ، ناظمة لسير المؤسسات .
اذا فالدستور العرفي لا يشترط صدوره في صيغة مكتوبة  ولا يتطلب صدوره او وجوده سلطة مختصة تتولى  ايجاده . ولا يشترط الية ولا سلطة لمراجعته .
والدستور العرفي بهذا المعنى لا يشترط او بالاحرى غير متوقف في وجوده على وجود دستور مكتوب ينشأ الى جانبه بحكم الممارسة السياسية المتواترة كما هو الشأن بالنسبة للعرف الدستوري كما انه لا يتنافى ووجود قواعد دستورية مكتوبة الى جانبه : فهو لا يستأتر بتنظيم كامل جزئيات الممارسة السياسية الدستورية المتعلقة بممارسة السلطة السياسية في اعلى مستوياتها ، بل دلت التجربة خصوصا التجربة البريطانية على تعايش الدستور العرفي مع قواعد دستورية مكتوبة ولكن تبقى هذه الاخيرة من حيت الحضور الكمي والنوعي اضعف من القواعد الدستورية العرفية فالدستور العرفي في بريطانيا ينظم اهم  مجالات ممارسة السلطة من قبيل رئاسة الحكومة من طرف الوزير الاول وعدول الملك عن رئاستها والتزام الملك بتعيين الوزير الاول من الحزب الفائز في انتخابات مجلس العموم والمسؤولية السياسية للحكمومة وميكانيزم حل البرلمان .

العرف الدستوري :
اذا كان الدستور العرفي لا يحتاج في وجوده الى دستور مكتوب وغير متوقف في وجوده على وجود نص دستوري مكتوب فان العرف الدستوري خلافا لذلك لا ينشأ الا في دولة منظمة بدستور مكتوب بحيث يولد ويتطور كممارسة موازية لوجود دستور مكتوب فالعرف الدستوري ممارسة سياسية عرفية موازية في وجودها للدستور المكتوب بحيث تولد وتترعرع في ظله .
اذن فالعرف الدستوري غير الدستور العرفي فهو قاعدة عرفية مختصة بتنظيم السلطة اتسمت بالتكرار لمدة زمنية طويلة حتى اضحت راسخة في ذهن الافراد و المجموعات ، ناظمة لسير مؤسسة من المؤسسات او ممارسة من الممارسات السياسية . ولكن هذه القاعدة العرفية لا يتصور وجودها الا في دولة  منظمة بدستور مكتوب ومن امثلة الاعراف الدستورية مثلا عرف دستوري لبناني يقضي بأن تكون رئاسة الجمهورية  لمسيحي ماروني ، و رئاسة الحكومة لمسلم سني و رئاسة البرلمان لمسلم شيعي فهذه الممارسة العرفية نشأت الى جانب الدستور اللبناني المكتوب .

الدساتير من حيث مسطرة المراجعة و التعديل :
درج الفقه الدستوري على التمييز بين نوعين من الدساتير من حيث مسطرة المراجعة والتعديل : دستور مرن و دستور صلب .

الدستور المرن :
هو الدستور الذي لا يشترط المشرع الدستوري مسطرة خاصة لتعديله و مراجعته  بنفس الطرق والمساطر المتبعة في تعديل القوانين العادية .
وتبعا لذلك فعندما نتحدث عن الدستور المرن فانه لا مجال للحديث عن سلطة تأسيسية فرعية تختص بالمراجعة والتعديل ولا مجال للحديث عن التمييز بين قاعدة دستورية اسمى وقوانين عادية ادنى ، وبالتالي لا مجال للحديث عن شيء اسمه مراقبة دستورية القوانين بحيث يمكن للبرلمان ان يتدخل بمقتضى قانون عادي ويعدل قوانين اساسية دستورية بالمفهوم الوضعي للقاعدة الدستورية الاساسية ، اي تلك القاعدة المختصة بتنظيم الحكم دون ان تثار مسألة لا دستورية القانون .

الدستور الصلب :
هو الدستور الذي لا يمكن على الاطلاق مراجعته و لا تعديله الا بمقتضى سلطة  مختصة بمراجعة الدستور ووفق مسطرة خاصة للمراجعة يتم التنصيص عليهما في نص الدستور نفسه وبالتالي فالحديث عن الدستور الصلب هو حديث عن :
اولا : سلطة تأسيسية فرعية  موكول لها امر المراجعة .
ثانيا : مسطرة مراجعة خاصة تختلف عن تلك المتبعة في تشريع القوانين  العادية .
والاقرار بوجود هذين الشرطين هو الذي يعطي معنى لمبدأ سمو الدستور بالنسبة للقوانين العادية بحيث لا يمكن تعديل مواد الدستور الصلب بمقتضى قوانين عادية كما هو الشأن بالنسبة للدساتير المرنة . وهذا ما يعطي بالتبعية معنى ودلالة لمراقبة دستورية القوانين ، والدستور الصلب ليس معناه الدستور الذي لا يعدل ولا يُراجع بل معناه ببساطة وجود مسطرة خاصة للمراجعة قد تكون من البساطة بحيث يعدل الدستور بسهولة لذا نفضل تسمية هذا الدستور بالدستور الصلب لا الدستور الجامد الذي قد تفيد عدم امكانية التعديل والمراجعة.

Aucun commentaire: