قضاء التحقيق ومستجدات قانون المسطرة الجنائية

ذ. محمد الدراري قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بمراكش

مقدمة : التعريف بالتحقيق الإعدادي والبحث التمهيدي : إن الغاية من اقامة النظام القضائي بصفة عامة هي تحقيق العدل والانصاف، وإنه لتحقيق هذه الغاية، اقتضت الضرورة سن قوانين لفرض ترتيبات أطلق عليها اسم إجراءات، سواء في الميدان المدني او الجنائي . ولعل الميدان الجنائي كان أدعى من غيره لتقرير عدد من الإجراءات الشكلية، وذلك صونا لحرية الأفراد، ودودا عن كرامة الإنسان مما يشيع الطمانينة بين الناس على النفس والمال معا. وبعبارة اخرى، فإن الغاية المتوخاة من تلك الإجراءات هي ان تؤدي تحقيق التهمة تحقيقا عادلا لا يفلت معه جان من العقاب، كما لايقع الحكم ظلما على بريء فيراعى بها إذن احترام حقوق الاتهام وحقوق الدفاع على السواء بحيث يكون لسلطة الاتهام الحرية في إثبات التهمة، وإظهار إدانة المتهم، ويكون للمتهم في نفس الوقت الحرية في نفي التهمة عن نفسه وإبراز براءته . والبحث التمهيدي، والتحقيق الإعدادي هما مجرد ادوات للعمل لتحقيق الغاية النبيلة التي ينشدها المشرع عند سنه للنصوص المنظمة لهذه الادوات والآليات . وهكذا فإن المشرع يسن في الفصل 80 وما يليه إلى 82 من ق.م.ج على البحث التمهيدي الذي اوكل القيام به إلى ضباط الشرطة القضائية إما بتعليمات من وكيل الملك وإما تلقائيا، وترجع هذه العمليات إلى نظر رئيس النيابة العامة . كما أنه خصص الجزء الثالث من الكتاب الاول من قانون المسطرة الجنائية للتحقيق الإعدادي . والتحقيق الإعدادي هو مرحلة من مراحل القضية الجنائية تسبق عملية المحاكمة، والهدف من اللجوء إليه - في الحدود التي يسمح بها - القانون والتي تتسع او تضيق بحسب الاتجاهات القانونية المختلفة هو تمحيص الادلة المقدمة في التهمة، والتي تكون الضابطة القضائية قد مهدت سبل التوصل إليها من خلال البحث التمهيدي، وتقديرها من اجل اتخاذ قرار في ضوء ذلك، إما بإحالة القضية على المحكمة، إن كانت هذه الأدلة كافية، وإما بعدم المتابعة إن وجدت جهة التحقيق أن هذه الادلة غير كافية . ولا تخفى أهمية هذه المرحلة الدقيقة وفائدتها، إذ هي بالنسبة للجهاز القضائي معين لا بد منه في غربلة وتصفية القضايا التي لا حاجة إلى إضاعة وقت قضاء الحكم وجهده فيها، وبذلك فلا تصل إليه منها إلا تلك التي تستأهل ذلك بما ثبت للمحقق بانه في شبه المؤكد على الإدانة، وبالنسبة للمتهم لا تخفى فائدتها أيضا إذ البريء الذي لا توجد ادلة كافية على إدانته يجنب مشقة سوقه إلى ساحة المحاكمة العلنية وما يرتبه ذلك من تشويش كبير على سمعته . والمشرع تعرض للتحقيق الإعدادي في الجزء الثالث من الكتاب الاول من قانون المسطرة الجنائية :(من الفصل:84 حتى الفصل 250 ) وقسمه إلى بابين: الباب الاول : من الفصل 84 إلى 212 من ق.م.ج، والقسم الثاني من ظهير الإجراءات الانتقالية في الفصلين 6 و7 وخصه بالقضاة المكلفين بالتحقيق . الباب الثاني : ( من الفصل 213 إلى 250 من ق.م.ج ) وخصه لغرفة الاتهام : ( الغرفة الجنحية حاليا ) . وسوف نقسم هذا العرض إلى بابين : الباب الاول : خصائص التحقيق الإعدادي، ونطاقه، والإجراءات الخاصة به والأوامر القضائية الصادرة بشأنه، والمراقبة القضائية الواردة عليه، وبطلان إجراءات التحقيق الإعدادي . الباب الثاني : سنخصصه لمستجدات قانون المسطرة الجنائية الجديد . الباب الاول : خصائص التحقيق الإعدادي، ونطاقه، والإجراءات الخاصة به، والاوامر القضائية الصادرة بشأنه، والمراقبة القضائية الواردة عليه، وبطلان إجراءات التحقيق الإعدادي. الفصل الاول : خصائص التحقيق الإعدادي التحقيق الإعدادي هو عبارة عن جملة من التحريات التي تقوم بها الجهة القضائية التي يرجع لها حق إجرائه، وتتمثل أساسا في قاضي التحقيق عندنا حاليا والغاية منه، كما أسلفت ، هي محاولة الوصول إلى الحقيقة التي يترتب عنها إما تاكيد إسناد التهمة لشخص معين فيحال على المحكمة، وإما نفيها عنه فلا يتابع أمام قضاء الحكم ويتم كل ما سبق من خلال تقدير قيمة الحجج التي تكون النيابة العامة قد اعتمدتها عندما حركت الدعوى العمومية بالتماسها إجراء التحقيق. يتميز التحقيق الإعدادي بخصائص عديدة نشير منها لما يأتي : - أولا : التحقيق الإعدادي ذو طبيعة قضائية : وفي هذا يخالف التحقيق الإعدادي البحث التمهيدي الذي تنجزه الضابطة القضائية، بسبب أن الجهة الرئيسية التي تتكلف بإنجازه هي قاضي التحقيق الذي يستقل عن النيابة العامة، وعن المحكمة، وعن الخصوم، مما يفرض عليه الحياد التام في إنجاز إجراءات البحث عن الادلة واتخاذ القرار الذي ينتهي به التحقيق إن لمصلحة المتهم وإن ضده، وبدون أي تحامل عليه، او ترضية للخصم الرئيسي في الدعوى العمومية الذي هو النيابة العامة . والطبيعة القضائية للتحقيق الإعدادي تجعل القائم به ( قاضي التحقيق ) خاضعا من حيث مراقبته في اهم القرارات التي يصدرها بمناسبة التحقيق لجهة قضائية كلفها القانون بإعمال هذه المراقبة وهي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ( غرفة الاتهام سابقا )، عن طريق استئناف النيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني للقرارات الصادرة عن قاضي التحقيق . بل إن لقاضي التحقيق نفسه والغرفة الجنحية تلقائيا عندما يلاحظ بطلان إجراء من إجراءات التحقيق أن يرفعه للغرفة الجنحية من اجل تقرير بطلانه. - ثانيا : غلبة الاسلوب التفتيشي على التحقيق الإعدادي : تبدو مظاهر تغليب المشرع للنظام التفتيشي في إجراءات التحقيق الإعدادي في سمتين : الأولى: سرية التحقيق الإعدادي : ومفادها امتناع إطلاع عموم الناس من غير الخصوم على إجراءاته او على المحاضر المعدة بمناسبة إنجازه، أو نشر أي شيء من ذلك في وسائل الإعلام المختلفة ( الفصل 54 من قانون الصحافة )، وإيصالها إلى الغير، ويبقى هذا الحظر ملازما لعملية التحقيق الإعدادي إلى ان يحال ملف القضية على المحكمة التي تنظرها بصورة علنية، حيث يرتفع حينئذ مبدأ السرية، مالم تر المحكمة نفسها الابقاء عليه اما ان انتهى قاضي التحقيق إلى أمر بعدم المتابعة فإن سرية التحقيق تستمر مع ذلك، فلا يجوز، والحالة هذه إطلاع الغير على التحقيق او نشر شيء منه في وسائل الاعلام إلا في حدود ما يقرره النص السابق . الثانية : وجوب تدوين عمليات التحقيق الإعدادي : إن تدوين عمليات التحقيق في محاضر موقعة من قبل من عددهم القانون يعد ضمانة كبرى لمصداقية التحقيق الابتدائي برمته بسبب انه يرفع كل لبس عن حقيقة الإجراءات التي قام بها قاضي التحقيق، ويسهل إلى حد بعيد إعمال الآثار القانونية الممكن ترتيبها عن كل خرق يأتيه من قبل المحكمة التي تنظر الدعوى العمومية او التي تراقب قاضي التحقيق في ذلك خصوصا وان المحاضر المدونة بسبب إجراءات التحقيق هي اوراق رسمية لا يمكن مناقضة ما تضمنته إلا عن طريق إدعاء الزور فيها، ولهذا حرص المشرع على أن تكون المحاضر سليمة ولا يوحي مظهرها الخارجي بالريبة، إذ منع الكتابة بين سطورها، واوجب المصادقة من قبل قاضي التحقيق والكاتب والترجمان والشاهد، والخبير إن اقتضى الحال : ( الفصل 119 من ق.م.ج ) . ومن أبرز مظاهر سمة التدوين بالنسبة لعمليات التحقيق الإعدادي هو استعانة قاضي التحقيق دائما بكاتب الضبط ( الفصل 100 من ق.م.ج ) والفصل 117 من ق.م.ج بالنسبة للشاهد ). المبحث الاول : تعييـن قاضـي التحقيـق، اختصاصاتــه، والاجراءت المسطرية التي يتعين عليه القيام بها، والضمانات التـي يوفـرها للمشبوه فيهـم . المطلب الاول : تعيين قاضي التحقيق نص المشرع في الفصل 6 من ظهير الإجراءات الانتقالية ( 28 شتنبر 1974 ) على انه : يعين بقرارات لوزير العدل قاضي او عدة قضاة مكلفين بالتحقيق لمدة ثلاث سنوات في كل محكمةاستئنافية من بين قضاة الحكم لهذه المحاكم . ويمكن وضع حد لمهامهم حسب نفس المسطرة . ونص الفصل 54 من ق .م.ج على انه إذا كانت القضايا الواجب بحثها تقتضي نظرا لعددها واهميتها وجود قاضي تحقيق آخر فإنه يجوز لوزير العدل ان يعين بموجب قرار قاضيا أصليا او قاضيا نائبا ليزاول مؤقتا مهام قاضي التحقيق إلى جانب القاضي المنتصب لهذه الوظيفة المطلب الثاني : اختصاصات قاضي التحقيق ونطاقه . اولا : اختصاصات قاضي التحقيق : لقد نص المشرع في الفصل 52 من ق.م.ج على أنه يكلف قاضي التحقيق بإجراء البحث طبق الكيفيات المحددة في الباب الاول من الجزء الثالث من قانون المسطرة الجنائية . ولا يمكنه ان يشارك في إصدار حكم في القضايا الجنائية التي سبق له أن نظر فيها بصفته قاضيا للتحقيق، وإلا فيكون ذلك الحكم باطلا كما نص في الفصل 56 من ق. م . ج بانه "لا يمكن لقاضي التحقيق إجراء بحث إلا بعد إشعاره بطلب من وكيل الدولة أو بشكاية مصحوبة بالادعاء بالحق المدني " . وفي حالة تلبس المجرم بالجناية او الجنحة فإن قاضي التحقيق يقوم بالسلطات المخولة له بمقتضى الفصل 77 وذلك في حالة حضوره بعين المكان . وله ان يطالب بصفة مباشرة حين مزاولة مهامه بتسخير القوة العمومية . كما نص في الفصل 57 من ق.م.ج على انه يرجع النظر من حيث الاختصاص إلى كل من قاضي التحقيق المرتكبة في دائرته الجريمة او إلى قاضي التحقيق الكائن بدائرته محل إقامة أحد الاشخاص المظنون مشاركتهم في هذه الجريمة، او إلى قاضي التحقيق الواقع في دائرته القبض على احد اولائك الاشخاص، ولو كان القبض قد ألقي لسبب آخر . ثانيا : نطاق قاضي التحقيق : نص المشرع في الفصل 84 من ق.م.ج وكذا الفصل 7 من ظهيـر الإجراءات الانتقاليـة ( 28 شتنبر 1974 ) على مايلي : * التحقيق الإعدادي يكون إلزاميا في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام او السجن المؤبد . يكون اختياريا في غيرها من الجنايات . ويمكن إجراء تحقيق في الجنح تطبيقا لنص قانوني خاص ويمكنه طبقا للفصل 84 من ق.م.ج إجراء التحقيق في المخالفات ان التمس ذلك وكيل الدولة تطبيقا للفصل 44 من نفس القانون. المطلب الثالث : إجراءات التحقيق الإعدادي إن هذه الإجراءات تنقسم إلى ثلاثة انواع : أولا : كيف يضع قاضي التحقيق يده على القضية ؟: عملا بقاعدة وجوب الفصل بين السلطة المكلفة بالمتابعة، وتلك المكلفة بالتحقيق لأسباب متعددة لعل أظهرها ضمان حياد المحقق فإنه لايجوز لقاضي التحقيق البدء في إجراءات التحقيق تلقائيا ما لم يطلب منه ذلك ممن خوله القانون هذه الصلاحية. وانه بالرجوع إلى الفصل 56 و85 من ق.م.ج والفقرة 4 و5 من الفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية : ( 28 شتنبر 1974 ) فإن قاضي التحقيق يضع يده على القضية بطريقتين رئيسيتين : الاولى : بالتماس النيابة العامة من قاضي التحقيق إجراء تحقيق في قضية من القضايا إما بصورة إجبارية أو اختيارية الثانية : بشكاية من المتضرر المطالب بالحق المدني طبقا للفقرة 4 من ظهير الاجراءات الانتقالية ( 28 شتنبر 1974 والفصل 93 ومايليه من ق .م .ج ) ثانيا : الإجراءات المتعلقة بجمع الادلة والتنقيب عليها . ينص الفصل 86 من ق .م .ج على ان يقوم قاضي التحقيق وفقا " للقانون بجميع إجراءات البحث التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة والإجراءات التي تستهدف جمع الادلة والتنقيب عنها التي تدخل تحت حكم النص باعتبارها تصلح للكشف عن الحقيقة متعددة، والنص لم يمثل لها بأي إجراء، ومن تم يمكن القول بان قاضي التحقيق حر في اللجوء إلى أي إجراء مفيد في الوصول إلى الحقيقة طالما انه يقوم بذلك محترما للمشروعية التي تفرض عليه التزام نصوص القانون أيا كان محل ورودها، سواء كان قانون المسطرة الجنائية او غيره، إذ المهم هو عدم مساس هذه الإجراءات بحقوق الافراد وحرياتهم، هذا وتجدر الإشارة إلى الاطراف الاخرى كالنيابة العامة، والمطالب بالحق المدني، والمتهم، فإن لهم الحق في تقديم طلباتهم خلال المسطرة الرامية إلى الإجراءات التي يرونها مفيدة في إظهار الحقيقة كندب الخبراء او الاستماع إلى الشهود وان قاضي التحقيق هو وحده الذي يقرر في جدوى الاستجابة لطلباتهم او رفضها بحسب مايراه محققا للفائدة المرجوة في إظهار الحقيقة من عدمه، فإن هو استجاب لهذه الطلبات فذاك، وإن هو رفضها حق لهم - صيانة لحقوقهم في الدفاع- الطعن باستئناف هذه الاوامر بالرفض أمام الغرفة الجنحية . أ : استنطاق المتهم : ماهية الاستنطاق وصوره : يقصد بالاستنطاق الذي يجريه قاضي التحقيق استفسار االمتهم عن وقائع الجريمة، والظروف الملابسة لها من خلال طرح أسئلة عليه، وتلقي اجوبته، والتي قد يتمخض عنها إما رجحان إسناد التهمة إليه فيحال على المحكمة بمقتضى امر بالإحالة او إبعادها عنه ليصدر امر بعدم متابعته عنها من قبل قاضي التحقيق . وان المشرع نظرا لاهمية وخطورة الاستنطاق في مراحل التحقيق نظم شكلياته بكيفية دقيقة في الفصول من 127 إلى 134 من ق .م .ج ضمانا للمستنطق وإلا ترتب عن الإخلال بها البطلان ( الفصلان 190 و129 من ق.م.ج) هذا وان الشكليات التي يخضع لها الاستنطاق في مرحلة التحقيق الإعدادي تختلف بحسب ما إذا كان الامر يتعلق بالاستنطاق الابتدائي ( او الاولي ) او الاستنطاق التفصيلي . * الاستنطاق الابتدائي : وهي المرحلة الاولى التي يمثل فيها المتهم لاول مرة امام قاضي التحقيق بناء على المطالبة بإجراء تحقيق المقدمة من طرف السيد الوكيل العام للملك ( الفصل 56 و85 ق .م . ج ) وتتخلص شكلياته كالتالي : اولا : يقوم قاضي التحقيق بالتثبت بكيفية دقيقة من هوية المتهم : إسمه الشخصي والعائلي ولقبه المعروف به ونسبه وقبيلته الاصلية وحالته العائلية، ومهنته ومحل إقامته وسوابقه القضائيـة، والاستعانة ان اقتضى الحال بمصلحـة قياس الاعضاء والخبرة الطبيـة ( الفصل 127/4 ق . م ج ) . ثانيا : يشعر قاضي التحقيق المتهم بانه ماثل امام قاضي التحقيق وان له الحق في اختيار محام حالا، وإلا فيعين له تلقائيا محاميا إن طلب ذلك في حالة عدم اختياره له ، وينص على ذلك في المحضر ( الفقرة 2 من الفصل 127 من ق.م.ج) ثالثا : يحيط قاضي التحقيق بوجه صريح علم المتهم بالافعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح ، وينص على ذلك في المحضر (الفقرة 4 من الفصل 127 ق.م.ج ). والتنصيص على ذلك في المحضر يكون تحت طائلة البطلان ( الفصل 190 من ق.م.ج ) . رابعا : يتعين على قاضي التحقيق إذا ما طلب منه ذلك، أو عاين بنفسه آثارا تبرر ذلك ان يخضع الشخص المذكور إلى فحص يجريه طبيب خبير (الفقرة 5 من الفصل 127 ق.م .ج ). خامسا : الاستنطاق الابتدائي يجريه قاضي التحقيق بنفسه او بمقتضى انابة قضائية يصدرها لقاضي تحقيق آخر، ولا يجوز فيه الإنابة لضباط الشرطة القضائية :( الفصل 167 ق.م .ج ). ويحضر جلسة الاستنطاق الابتدائي الى جانب قاضي التحقيق دائما كاتب الضبط الذي يدون محضر استنطاق المتهم، ومحامي هذا الاخير ان هو اختاره وطلب حضوره والترجمان المحلف ان كان المتهم لا يعرف اللغة العربية سادسا : طبقا لمقتضيات الفصل 149 من .ق.م.ج فإن المتهم يستنطق خلال الثمانية واربعين ( 48 ) ساعة من اعتقاله وإن لم يستنطق، وتكون قد مضت هاته المدة فتطبق مقتضيات الفصلين : 140 و141 من ق.م .ج المتعلقة بسوق المتهم امام قاضي التحقيق تنفيذا للامر بالاستقدام الصادر عنه، ويجب استنطاقه في الحين، وإذا تعذر استنطاقه فورا، فيساق إلى السجن حيث لا يمكن ان يبقى معتقلا فيه اكثر من اربع وعشرين ساعة، وإذا انتهت هاته الفترة دون أن يستنطق المتهم فيجب على المشرف رئيس السجن ان يقدمه تلقائيا إلى وكيل الدولة الذي يلتمس فيه من قاضي التحقيق استنطاقه او في حالة تغيبه من أي قاض آخر من قضاة المحكمة لاستنطاقه فورا ، وإلا يفرج عنه . وكل متهم ضبط عملا بامر بالاستقدام وبقي في السجن اكثر من اربع وعشرين ساعة دون ان يستنطق يعتبر معتقلا اعتقالا استبداديا طبقا لمقتضيات الفص 141 من ق .م.ج .... سابعا : بعد اجراء الاستنطاق الابتدائي فإن قاضي التحقيق لابد ان ينتهي بشان المتهم إما إلى أمر يقضي باعتقاله احتياطيا وإما إلى قرار يقضي بتركه حرا، ويعلمه قاضي التحقيق بوجوب اشعاره بكل تغيير يحدث في عنوان مقره ويسوغ للمتهم ان يعين محلا للمخابرة معه في دائرة نفوذ المحكمة ( الفقرة الاخيرة من الفصل 127 ق.م.ج ) إجراء بحث اجتماعي حول هوية شخص المتهم، وظروفه الاجتماعية والاقتصادية . ينص الفصل 88 من ق.م.ج على ما يلي : " يجري قاضي التحقيق في القضايا الجنائية تحقيقا عن شخصية المتهمين، وكذا عن حالتهم المادية او العائلية او الاجتماعية وله ان يجري هذا التحقيق بنفسه، او يكلف به إما ضباط الشرطة القضائية طبقا للفصل 87، أو إما إلى شخص آخر يؤهله لذلك وزير العدل ويكون هذا التحقيق اختياريا في القضايا الجنحية " . وتكمن أهمية البحث الاجتماعي في الاطلاع على العناصر التي كان لها دور في الظاهرة الاجرامية في الواقع المادي الخارجي، والتي لولا تظافرها، لم يكن الماثل أمام قاضي التحقيق متهما في جريمة، كما انه يبين الظروف العينية والشخصية التي ادت إلو وقوع الجريمة والتي لها دور كبير في تفريد العقاب : ( الفصل 141 إلى 162 من القانون الجنائي ) . *الاستماع إلى الشهود : خص المشرع الفرع الرابع من الباب الاول من الجزء الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي من قانون المسطرة الجنائية ( من الفصل 109 إلى 126 ). ونص في الفصل في الفصل 109 من ق.م.ج على مايلي : " يستدعي قاضي التحقيق على يد احد اعوان القوة العمومية جميع الاشخاص الذين يظهر من المفيد الاستماع إلى شهادتهم وتسلم لهم نسخة من الاستدعاء . ويمكن ايضا استدعاء الشهود برسالة عادية، او عن الطريق الادارية ولهم كذلك ان يحضروا عن طواعية " . والشهادة من افيد وسائل الإثبات في المادة الجنائية ومنها تستخلص القناعة، وبكيفية مباشرة على ثبوت واقعة مادية او انتفائها لصالح شخص أو ضده، ولذلك كان المبدا العام هو ان لقاضي التحقيق كامل الصلاحية والحق في ان يستمع لكل شخص يرى فائدة في الاستماع إليه وتنوير الطريق امامه من أجل اتخاذ قراره في خصوص القضية التي يحقق فيها لجهة الامر بالمتابعة او لعدمها . ونص المشرع في الفصل 111 وما يليه على كيفية اداء الشهادة، والقسم التي يؤديها الشاهد والأشخاص المعفيين من اداء اليمين . وتجدر الإشارة إلى إتمام القواعد الواردة في الفصل 109 وما يليه من ق.م.ج بالملاحظات الآتية : إن الفقرة الثانية من الفصل 110 التي تعطي الشخص المشتكى ضده والمستدعى بصفة شاهد حق رفض الاستماع إليه إلا بصفته متهما، إن تلك الفقرة تتميز بانها تحول دون ما يؤثر على ضمانات الدفاع . وبالرغم من أن الفصول المذكورة اعلاه لم تشر إلى تطبيق القواعد المنصوص عليها في الفصل 319 وما يليه، إلا انه يقتضي تطبيقها، لان الفصل 319 ومايليه، قد ورد في الكتاب الثاني من قانون المسطرة الجنائية متعلقا بالحكم بالمخالفات . ولكن الصيغات العامة المستعملة من طرف المشرع تدل على ان لها مفعولا عاما وانها تطبق في موضوع التحقيق الإعدادي . ونذكر ان هذه القواعد تتضمن : 1 - تلقي شهادة الوزير الاول واعضاء الحكومة ( الفصل 320 من ق.م.ج ) . 2 - تلقي شهادة الديبلوماسيين الاجانب ( الفصل 321 ) . عند لزوم استماع شهادة احد اصحاب السلطة المذكورة، يقتضي ان يوجه بذلك طلب بطريق التدرج إلى وزير العدل . اما الاستماع إلى موظفي السلطة فهو خاضع إلى التعليمات الواردة في المنشور رقم 162 الصادر في 8 مايو 1962، والمنشور رقم 494 بتاريخ 16 رمضان 1397 (1 شتنبر 1977 ) كما يقتضي من جهة ثانية تطبيق القواعد المنصوص عليها في الفصل 325 من ق.م.ج المتعلقة بعدم إمكانية الاستماع إلى المدافع عن المتهم حول ما علمه بهذه الصفة وإلى رجال الدين حول ما اسر لهم به ضمن مهمتهم . اما ما عداهم من الاشخاص المقيدين بالسر المهني ، فيمكن الاستماع إليهم في دائرة الشروط والحدود المرسومة في هذا القانون . أما بشأن يمين المترجمين، فإن الفصل 114 من ق.م.ج قد الغي بمقتضى ظهير 30/03/1960 ولا يجوز لكاتب الضبط او قاض التحقيق ولا الشهود ان يقوموا بالترجمة . وأخيرا فان وسيلة الإجبار بالنسبة للشاهد المنصوص عليها في الفصل 121 من ق.م.ج ليست امرا بالاستقدام، فهي لا تفضي إلى وضع الشاهد في السجن .
*اللجوء لانتداب الخبراء : تناول المشرع في الفرع التاسع من الباب الاول من الجزء الثالث من ق.م.ج المتعلق بالتحقيق الاعدادي اعمال اهل الخبرة : ( من الفصل 171 إلى الفصل 189 ) . إن غاية قاضي التحقيق هي الوصول إلى الحقيقة باية طريقة مشروعة يراها كفيلة بتحقيق ذلك، ولعل من بين اهمها الخبرة الفنية التي ترجع فيها لذوي الاختصاص من خبراء تقنيين عموما واطباء، ذلك ان غموض أسرار بعض الوقائع التي يحقق فيها قد لا يستطيع بسبب تكوينه القانوني والاجتماعي وحده فك رموزها، لذلك كان لزاما ان يؤتى هذه الإمكانية ويستفيد منها . وانه يجوز لقاضي التحقيق ان يامر إما تلقائيا، وإما بناء على طلب أحد الاطراف بإجراء خبرة ترمي إلى تنويره في المسائل الفنية وله ان يعين في ذلك السبيل خبيرا او عدة خبراء ، ومن الضروري بسبب ما تستلزمه الخبرة من نفقات وما تستهلكه من فترات زمنية، أن لا يامر القاضي بالخبرة إلا إذا كانت المسألة الموجبة لها مستعصية الحل عليه، وكان لا يغني عنها تدقيق الوثائق وإجراءات المقابلات . وتجدر الإشارة إلى أن الفصول 172 و 173 و174 قد الغيت بالظهير المؤرخ في : 30 مارس 1960 الذي عدل في الوقت ذاته الفقرة الاولى من الفصل 178 والفقرة الثانية من الفصل 181 من ق.م.ج. وليس القاضي ملزما بان يستجيب لطلب اجراء الخبرة، ولكن يتوجب عليه في حالة رفضه لها ان يعلل قراره القابل للاستئناف من طرف صاحب الطلب . واما تعيين الخبراء المحلفين فيتم مبدئيا عن طريق انتقائهم من الجدول الذي تنظمه سنويا اللجنة المختصة التي يترأسها السيد وزير العدل، وإذا لم يكن الخبير مسجلا في الجدول، فإنه يتعين عليه ان يؤدي اليمين القانونية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 181 من ق.م.ج المعدل بظهير 30 مارس 1960 . ويتعين على قاضي التحقيق في حالة تعيين احد الخبراء ، ان يحدد المهمة المكلف بها بدقة ، ومراقبة سير اعمال الخبرة وتطور مراحلها والتنقل لعين المكان، والتفتيش والحجز . * التنقــل : يجب التفريق بين تنقل قاضي التحقيق في حالة الجريمة المتلبس بها وبين تنقله الجاري أثناء التحقيق . ففي الحالة الاولى : يتصرف القاضي بصفته ضابطا للشرطة القضائية بدون ان يكون قد تم فتح بحث في القضية . اما في الحالة الثانية : فإنه يتصرف بصفته قاضيا للتحقيق . إن لهذا الموضوع اهمية خاصة، ذلك انه طالما لم يتسلم حسب الاصول ملتمسا في الدعوى العمومية، فإنه وهو الموكول إليه إدارة العمليات ليس له من سلطات سوى تلك العائدة للنيابة العامة ولضباط الشرطة القضائية حسب الفصل 58 وما يليه . فهو لا يملك مثلا ان يصدر امرا بالإيداع في السجن او إلقاء القبض، او ان يقوم بإجراء تفتيش في الليل كما خولته ذلك، بصفته قاضيا محققا، أحكام الفصل 103 ( الفقرة الثانية ) . ومن جهة اخرى يتوجب على قاضي التحقيق في مختلف الحالات ان ينظم محضر تنقل، ولهذه الوثيقة أهمية حاسمة إذ يرد فيها تلقائيا بعض التصريحات الممضاة على الفور، والتي يمكن استعادة حقيقة مدلولها أثناء مراحل التحقيق فيما بعد ، ويقتضي ان تعطى صياغة تلك الوثيقة عناية دقيقة تجنبا من اخطاء قد تسبب البطلان ويجب أن تختم وتؤرخ من قاضي التحقيق وكاتب الضبط، وكذلك ممثل النيابة العامة إذا كان حاضرا طالما ان قاضي التحقيق يملك حق التنقل إلى ضمن الدائرة المجاورة لدائرته ( الفصل 101 ) فيبدو جليا بالرغم من سكوت النص أن ممثل النيابة العامة في دائرة القاضي يملك نفس الإمكانية . * التفتيـش : وتجدر الملاحظة أن لكلمتي : " التفتيش " و" التحري المنزلي " مدلولا واحدا . وفيما يتعلق بالمعاملات الواجبة الاتباع، فإن الفصلين 103 و104 يميزان التفتيش الجاري في مسكن المتهم عن التفتيش الجاري لدى شخص آخر، مع الإشارة إلى ان التفتيش الليلي لم ينص عليه إلا بشأن مسكن المتهم . ومن جهة اخرى فقد نصت الفقرة الثالثة من الفصل 104 على أنه في حالة إجراء التفتيش بأماكن يشغلها شخص ملتزم بسرية المهنة، يجب على قاضي التحقيق ان يتخذ سلفا جميع التدابير لضمان صيانة تلك السرية . والافضل في هذه الحالة ان يتولى قاضي التحقيق بنفسه تلك المهمة او ان يعهد بها لاحد القضاة ، ولا بأس عن التذكير هنا بان التفتيش في مكتب المحامي لا يمكن إجراؤه إلا بحضور نقيب هيئة المحامين او احد اعضائها المنتدب من طرف النقيب . والقصد من هذا القيد هو ضرورة تجنيب السلطة القضائية الاطلاع من خلال التفتيش على وثائق سرية مودعة من طرف المتهم لدى محاميه او هي مستقلة عن موضوع التحقيق الجاري . اما بالنسبة للاطباء فللمسألة وجوه اخرى : إذا كانت الإجراءات تستهدف الطبيب بالذات لجريمة منسوبة إليه ( إجهاض - او تسبيب قتل، او بيانات كاذبة، او احتيال ) فمن البداهة ان لا يستطيع الطبيب معارضة تفتيش منزله متذرعا بالحفاظ على سرية المهنة . على ان للامر دقة خاصة إذا كان التفتيش جاريا لدى طبيب بمناسبة متابعة موجهة ضد احد زبنائه، ففي هذه الحالة لا شأن للقضاء بالمعلومات العائدة لزبناء آخرين . إلا انه يصعب التسليم بإعفاء طائفة من الاشخاص المقيدين بسر المهنة من الالتزام بمفعول القانون، لذلك فإذا فرضنا انه صدف للقاضي او بصورة استثنائية لضابط الشرطة القضائية ان اطلع اثناء التفتيش على وثائق سرية مجردة عن أية صلة بالجريمة التي جرى التفتيش من اجلها فإن ذلك الاطلاع يبقى بدون اية عاقبة او نتيجة طالما أن القاضي نفسه ملتزم هو بدوره بسرية المهنة وفيما يتعلق بالتفتيش المزمع إجراؤه في مؤسسة عسكرية، لقد نص الفصل 41 من قانون القضاء العسكري على وجوب توجيه طلب بشأنه إلى السلطة العسكرية الملزمة بالموافقة عليه . واخيرا، إذا اوجب الحال الحصول على وثائق محررة لدى دائرة رسمية كالخزينة العامة مثلا، فيقتضي توجيه طلب بهذا الخصوص إلى السلطة المختصة، ولا يمكن لقاضي التحقيق بكل حال إجراء تفتيش في تلك الدائرة إلا إذا تبين له ان ذلك ضروري ولا بد منه ولا مفر عنه وتجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الشكلية القانونية ليست مراعاتها ضرورية إلا إذا اعترض الشخص محل التفتيش المنزلي وإلا فيجب في هذه الحالة تضمين محضر التفتيش . عقوبات مخالفة للقانون . علاوة على البطلان الذي يصيب إجراء التفتيش وكذا ما ولاه من إجراءات إذا قررت الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف ذلك، فإن التفتيش خارج الساعات القانونية قابل في حالة التدليس ان يشكل انتهاكا للمسكن وسببا لدعوى مخاصمة القضاء . * الحجــز : الحجز هو كالتفتيش من جملة إجراءات التحقيق التي لا يمكن القيام بها، فيما عدا حالة التلبس، إلا من طرف قاضي التحقيق او بناء على امر منه . ولقد عين الفصل 105 وما يليه القواعد الواجبة الإتباع بشأن الحجز وإعادة المحجوز، وتكاد تلك القواعد ان لا تستدعي تعليقا سوي التذكير بضرورة دقة مراعاتها . والجدير بالملاحظة ان الفصل 105 يفرض على القاضي او على ضابط الشرطة القضائية المكلف من طرفه، أن يطلعا على الوثائق قبل إجراء الحجز إلا في حالتي المس بسلامة الدولة الداخلية او سلامتها الخارجية، وهذا يعني ان القاضي يستطيع في الحالة الاولى الإستعانة بأشخاص لتعداد الوثائق المكتشفة ذلك ان حالة المس بالسلامة الخارجية داخلة حصرا في اختصاص القضاء العسكري . ونضيف اخيرا ان الاحتفاظ بمستندات الادلة هو موضوع المنشورين رقم 151 في 13 نونبر 1961 ورقم 386 في 17 يوليوز 1967 . * إصدار الإنابات القضائية : يعلق المشرع اهمية كبرى على ان يقوم قاضي التحقيق بنفسه بكافة اعمال التحقيق العائدة إليه، وعلى ذلك نص الفصل 87 على أنه لا يستطيع تكليف ضباط الشرطة القضائية إلا في ظرف يستحيل عليه فيه إجراء التحقيق هو بالذات، كما هو الحال عند ضرورة انصرافه لمهام المراقبة والتحري او عندما تحتاج بعض العمليات لوسائل مادية مفقودة لديه . وتجدر الإشارة إلى أن للقاضي ملء الخيار فيمن ينتقيه من ضباط الشرطة القضائية الذين يعينهم، على أن يراعي في هذا الموضوع قاعدة الاختصاص المكاني . لقد فرضت احكام الفصلين 166 و167 من ق.م.ج إجراءات الغاية منها صيانة حرية المواطنين، فيقضي التقيد بها بكل عناية نظرا للخطورة التي تكتنف انتقال السلطة للغير في الإنابة القضائية . عندما يتلقى قاضي التحقيق إنابة قضائية من طرف احد زملائه، يجب ان لايقوم تلقائيا بإنابة ضابط شرطة قضائية عنه في تلك المهمة، بل عليه ان يتفحص وفق الفصل 87 ما إذا كان يتعذر عليه تنفيذها بالذات ام لا ؟ هناك نقطة استفهام حول ما إذا كان يستطيع وهومناب في تلك الحالة إصدار اوامر ام لا ؟ يبدو انه يستطيع ذلك فيما يتعلق باوامر الاستقدام والحضور، لانه ليس لهذه الاوامر سوى الصفة الفرعية لتنفيذ العمل الاصلي الموكول إليه، على انه يمتنع عليه ذلك بالنسبة لاوامر الإيداع بالسجن وإلقاء القبض التي تعود لسلطة القاضي المنيب بالذات . إن الفقرة الأخيرة من الفصل 166 حددت إجراءات التحقيق التي يمكن الإنابة فيها . وليس الطابع الإجمالي للتكليف الوارد في الإنابة ممنوعا، كان يرد فيها عبارة : " إجراء كافة العمليات المقتضية والكشوفات والتحريات في أي مكان عند اللزوم، وإجراء الحجوزات، والقيام بأي عمل يفضي إلى إظهار الحقيقة ." بل الممنوع هو التكليف بتحريات عن جرائم غير مبينة او هي أصلا غير مرتكبة . وبعبارة اخرى لا يمكن ان يؤمر في الإنابة سوى بإجراءات التحقيق الراجعة مباشرة إلى زجر مرتكب الجريمة المشار إليها في المتابعات . على انه يمكن الامر بإجراء التفتيش في أي محل كان، بدون أن يتضمن تحديد امكنة التفتيش . وفيما يتعلق بضباط الشرطة القضائية فليس ما يمنع ان ينيب ضابط ضابطا آخر تابعا لسلطته من اجل التنفيذ . هذا مع الاشارة إلى انه ليس للضباط الاستماع إلى إفـادة الطرف المدني إلا بطلـب منه: ( الفصل 167 الفقرة 2 ) من ق.م.ج . وسوف تتاح لنا الفرصة في معرض بحث حقوق الدفاع، لنبين انه يتوجب على قاضي التحقيق إذا ما توفرت لديه ادلة جديدة ان يتهم - دون أن يستطيع - تحت طائلة البطلان، الاستماع للشخص المدني بصفة شاهد . لهذا فإن ضابط الشرطة القضائية، عندما تجتمع لديه أثناء قيامه بالإنابة القضائية الدلائل القوية الغالبة على الظن ضد شخص غير متهم، فلا يجب عليه ان يستمع لإفادته كشاهد، بل ان يرجع بشأنه لرأي قاضي التحقيق . في الحالة التي يتمنع فيها الشاهد عن الحضور او عن اداء اليمين او عن الادلاء بشهادته امام القاضي او امام ضابط الشرطة القضائية المناب، فإنه يمكن بناء على طلب النيابة إجباره على ذلك، والحكم عليه بالغرامة من طرف القاضي المنيب وفق احكام الفصل 121 من ق.م.ج المعدل بظهير 18/09/62 . * وفيما يتعلق بالوضع تحت الحراسة : فقد أخذ الفصل 169 بالقواعد الواردة في الفصل 82 من ق.م.ج وتجنبا للإبطاء تضمن الفصل 169 من ق.م.ج إمكان قاضي التحقيق تحديد مدة لتنفيذ الإنابة القضائية . وإذا اقتضى إتمام تنفيذها وقتا واسعا تبعا لسعة المهام الموكولة فيها، فمن مصلحة قضاة التحقيق ان ترسل إليهم محاضر التنفيذ اتباعا بحيث يطلعون عن كتب على كافة مراحل ونتائج الإنابة القضائية . ولقد منح الفصل 170 من ق.م.ج قاضي التحقيق تسهيلات عملية للحالات التي تقتضي الإنابة القضائية فيها أعمالا مستعجلة أو واجبة الإجراء بوقت واحد في امكنة متعددة فباستطاعته عند الضرورة القصوى ان يوجه الإنابة برقيا او هاتفيا، ويحسن في الحالة الأخيرة أن يعقب المخابرة التلفونية بتثبيت خطي ضمن أقصر مدة . * الإنابات القضائية الموجهة للخارج : تطبق احكام الفصول 758 إلى 760 من ق.م.ج مجردة عن كل اتفاقية دولية ونذكر بهذه المناسبة ان المغرب قد وقع معاهدات للتعاون القضائي المتبادل مع كل من فرنسا وبلجيكا وليبيا والجزائر وتونس والسنغال .... ففيما يتعلق بالإنابات الواردة من الخارج فإنها تنفذ ضمن ذات الشروط العائدة للإنابات المحليــة . ويجدر التذكير إلى انه عندما يتعلق الامر بالإتهام، لا يجوز في كلتي الحالتين للقاضي المناب ان يباشر الاتهام بل له ان يبلغ الشخص المعني أنه موضع اتهام امام القاضي المنيب . ولا بأس من التذكير بأنه في جميع الحالات لا يمكن ان يصدر الاتهام أو استجواب المتهم إلا من طرف قاضي التحقيق : ( انظر المنشورين رقم : 211 المؤرخ في 29 يناير 1965 ورقم 314 المؤرخ في 8 يوليوز 1966 ) . * إجـراءات المقابــلات : إن الغرض من المقابلة هو بيان ما اختلف فيه الشهود من اقوال قصد تقييم شهادتهم ووضعها في الميزان لتكوين قناعة القاضي في الاخذ بمايراه موافقا للادلة التي بين يديه، وبالتالي عرض هذه الاقوال على المتهم ليقرها او يطعن فيها بما يراه من طعون . والفصل 132 من ق.م.ج في فقرته الاولى نص على انه لا يجوز استنطاق المتهم والاستماع إلى المطالب بالحق المدني أو مقابلتهما إلا بمحضر محاميهما او استدعائهما بوجه قانوني اللهم إلا إذا تنازلا بوجه صريح عن حضور المحامي " . * الاستنطاق التفصيلــي : يمثل المتهم اما قاضي التحقيق بواسطة أمر بالإحضار من السجن إذا كان معتقلا احتياطيا، وإما بمقتضى امر بالحضور يوجه إليه، ويتم استنطاقه بمحضر دفاعه الذي يكون قد اختاره او الذي عينه قاضي التحقيق تلقائيا في إطار المساعدة القضائية، وذلك في الحالة التي يطلب فيها من قاضي التحقيق ان يعين له محاميا ونظرا لكثرة الاشغال المنوطة بالمحامين والتزاماتهم، فقد جرت العادة أن يكاتب قاضي التحقيق السيد نقيب هيئة المحامين ليعين محاميا يقوم بالدفاع عن المتهم وفي بعض الاحيان فإن المتهم يتنازل عن حقه في الدفاع صراحة، وفي هذه الحالة، فإنه يجب تسجيل ذلك في محضر الاستنطاق . وقد نص على ذلك الفصل 132 من ق.م.ج ب : " انه لا يجوز استنطاق المتهم، والاستماع إلى المطالب بالحق المدني، او مقابلتهما إلا بمحضر محاميهما او أستدعائهما بوجه قانوني، اللهم إلا إذا تنازلا بوجه صريح عن حضور المحامي " وفي هذه المرحلة من التحقيق الإعدادي، فإن قاضي التحقيق يذكر المتهم من جديد بالتهمة المنسوبة إليه، والأفضل ألا يتدخل القاضي إلا بعد أن يتوقف المتهم عن الكلام، وغالبا ما ينكر المتهم اعترافاته التمهيدية، وأحيانا تصريحاته خلال الاستنطاق الابتدائي فيجب تذكيره بذلك وبعدها تطرح عليه مجموعة من الأسئلة، وتعرض عليه وسائل الاقتناع التي استعملها في ارتكاب الجريمة او التي ضبطت بحوزته إن اقتضى الحال ذلك ويجب على قاضي التحقيق ألا يصرخ في وجه المتهم، أو يهينه او ينتزع منه اعترافا تحت التهديد او يتصيده بأسئلة ليوقعه في فخ يعتمده كأساس للمتابعة، او يجبره على الإجابة على سؤال رفض الإجابة عنه او يجبره على توقيع محضر الاستنطاق مع الإشهاد بذلك في محضر، ولا يجوز للدفاع ان يتدخل في الحوار الجاري بين قاضي التحقيق والمتهم، وكل سؤال من طرف الدفاع يجب ان يلقى على المتهم بواسطة القاضي ولكي يكون الحوار مثمرا وسليما يجب أن يحتفظ الدفاع بأسئلته التوضيحية والاستفسارية إلى حين انتهاء القاضي من بحثه مع المتهم، ومن حق القاضي ان يرفض الاسئلة التي تتضمن إيحاءات للمتهم، وغيرها من الأسئلة التي يرى انه لا صلة لها بالقضية المعروضة عليه، فإذا تمسك الدفاع بها وطالب بتسجيل هذا الرفض بالمحضر ، وجب على القاضي ان يأمر كاتب الضبط بتسجيلها . وقد نص الفصل 133 من ق.م.ج على مايلي " " لايجوز لمحامي المتهم، ولا لمحامي المطالب بالحق المدني ان يتناولا الكلام موجهين اسئلة اثناء استنطاق المتهم، والاستماع إلى كلام المطالب بالحق المدني ما لم يأذن لهما في ذلك قاضي التحقيق وإن رفض الإذن لهما في الكلام، فيجب تضمين الاسئلة في المحضر او إلحاق نصها به ." إن الغاية من التحقيق هي تقصي الوقائع وكشف الحقيقة، وأن شخصية المتهم لتلعب دورا أساسيا في هذا الاكتشاف، لذا اوجب القانون على قاضي التحقيق ان يتعرف على حياة الشخص الماثل أمامه، ووضعه الاجتماعي والمادي ، وسلوكه بين أفراد المجتمع، وسوابقه العدلية، وله ان يقوم بهذا البحث بنفسه او ينيب عنه من يقوم به، كما ان القانون اعطى لقاضي التحقيق إمكانية التعرف على الحالة النفسية للمتهم بواسطة طبيب مختص، فإن طالب المتهم بذلك او محاميه استجاب قاضي التحقيق لذلك بعد استشارة النيابة العامة، وإلا أصدر امرا معللا بالرفض، وحبذا لو يقوم قاضي التحقيق بالتعرف على الوضع الاجتماعي والمادي والسوابق العدلية للضحية، فقد يكون المتسبب في الجريمة هو المجني عليه نفسه . ثالثا : الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق ضد شخص المتهم : خول القانون لقاضي التحقيق إصدار اوامر تمس شخص المتهمين بدرجات متفاوتة، والهدف من إقرارها يختلف بحسب ما إذا كان اللجوء إليها هو الوصول إلى استنطاق المتهم أو وضعه رهن إشارة قاضي التحقيق ، لحاجيات يقتضيها البحث وذلك باعتقاله احتياطيا لفترة قد تمتد لحين صدور حكم نهائي في القضية . والاوامر التي يتخذها قاضي التحقيق تتنوع إلى خمسة وهي : 1 - الامر بالحضور : ( الفصل 137 من ق.م.ج ) 2 - الامر بالاستقدام : ( ف 139 من ق.م.ج ) 3 - الامر بالإيداع في السجن : ( ف 145 ق.م.ج ) 4 - الامر بإلقاء القبض : ( ف 147 ق.م.ج ) 5 - الامر بالاعتقال الاحتياطي : ( ف 152 وما يليه من ق.م.ج ) اولا : الامر بالحضور : لقد نص الفصل 137 من ق.م.ج على مايلي : " الامر بالحضور يقصد منه إخطار المتهم على المثول أمام القاضي في التاريخ والساعة المبينين في نص الامر . ويبلغ الأمر على يد عون من مكتب التبليغات والتنفيذات أو على يد أحد ضباط الشرطة القضائية، أو احد اعوان القوة العمومية الذي يسلم نسخة منه للمتهم وقت تبليغه إياه " . الفصل 138 : " يجب على قاضي التحقيق ان يستنطق حالا المتهم الذي مثل بين يديه بعدما صدر الامر بحضوره " . وتجدر الملاحظة أن المبلغ لهذا الأمر، لا يجوز له له قانونا إجبار المبلغ له على الرضوخ، بحيث إن هو استجاب لهذا الامر ( الاستدعاء من تلقاء نفسه، وحضر، استنطقه قاضي التحقيق حالا، وإن هو امتنع كان له حق اللجوء لإصدار امر باستقدامه عن طريق القوة العمومية . ثانيا : الامر بالاستقدام او بالإجضار : لقد نص الفصل : 139 من ق.م.ج على ان الامر بالاستقدام هو الامر الذي يعطيه القاضي للقوة العمومية لتسوق المتهم امامه في الحين ويبلغ هذا الأمر على يد احد الضباط، او احد اعوان الشرطة القضائية او على يد عون من القوة العمومية الذي يقدم الامر للمتهم ويسلم له نسخة منه . وإن كان الشخص معتقلا لسبب آخر فإن تبليغ الامر يكون بواسطة المشرف رئيس السجن، وهو الذي يسلم له نسخة منه . ويجوز في حالة الاستعجال استعمال جميع الوسائل لإذاعة الامر بالاستقدام، ويجب في هاته الحالة ان توضع بدقة جميع التضمينات الاساسية المبينة في الاصل، وخصوصا هوية المتهم، ونوع التهمة، واسم القاضي الصادر عنه الامر، والصفة التي يتسم بها، ويوجه في اقرب وقت ممكن أصل الامر إلى العون المكلف بالسهر على تنفيذه " . وبعد تنفيذ الامر بالاستقدام، إن طوعا وإن كرها ومثول المتهم امام قاضي التحقيق، تعين على هذا الاخير استنطاقه في الحين . لكن قد يتعذر الاسنطاق الفوري للمتهم من قبل قاضي التحقيق المصدر للامر لأسباب شتى، وفي هذه الحالة يسمح بسوق المتهم إلى السجن، شريطة ان لايتعدى فترة اعتقاله أكثر من 24 ساعة، بحيث إذا انتهت هذه المدة دون حصول استنطاق المتهم تعين على المشرف رئيس السجن تقديمه إلى السيد الوكيل العام للملك الذي يلتمس من قاضي التحقيق مصدر الامر استنطاقه وفي حالة غيابه يلتمس من أي قاض من قضاة المحكمة مباشرة استنطاق المتهم فورا وإلا أفرج عنه حالا إذا هو تعذر انجاز الاستنطاق عملا بالمقتضيات السابقة ( الفصل 140 من ق.م.ج). ومن خلال ماتقدم يتضح بان الامر بالاستقدام اكثر صرامة من الامر بالحضور . ثالثا : الامر بالإيداع في السجن : نص الفصل 145 من ق.م.ج على ان الامر بالإيداع في السجن هو الامر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى المشرف رئيس السجن كي يتسلم المتهم ويعتقله ويسمح هذا الأمر أيضا بالبحث عن المتهم، او بنقله إذا كان قد بلغه من قبل ذلك ويبلغ قاضي التحقيق إلى المتهم هذا الامر بالإيداع في السجن ويشير إليه في محضر الاستنطاق . كما نص الفصل 146 من ق.م.ج على انه لايمكن لقاضي التحقيق إصدار امر بإيداع المتهم في السجن إلا بعد استنطاق والتاكد من ان المخالفة لها صفة جناية او جنحة يعاقب عليها بالحرمان من الحرية . ويقوم العون المكلف بتنفيذ الامر بالسجن بتسليم المتهم إلى المشرف رئيس السجن الذي يدفع له شهادة الاعتراف بتسليم المتهم " . وهكذا يبدو بان هذا التدبير يصدر عمليا ضد المتهم الحاضر أمام قاضي التحقيق امتثالا للامر الموجه إليه بالحضور او الإحضار، ( ولا مانع من توقيعه، ولو كان الحضور تلقائيا )، كما قد يصدر بقصد البحث عن المتهم لإرجاعه إلى معتقله بعد فراره منه مثلا، او لنقله من السجن الذي سبق إيداعه فيه إلى سجن آخر، حيث يبدو في الحالتين الأخيرتين بان المتهم كان خاضعا فعلا لتنفيذ امر بإيداع سابق في السجن . رابعا : الامر بإلقـاء القبـض : نص الفصل 147 من ق.م.ج على مايلي : " الامر بإلقاء القبض هو الامر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم وسوقه إلى مؤسسة السجن المبينة في الامر حيث يتسلم ويعتقل فيها . ويصدر هذا الامر بعد استشارة وكيل الدولة إذا كان المتهم في حالة فرار، او مقيما خارج تراب المملكة، وكانت للافعال الإجرامية صفة جناية او جنحة يعاقب عليها بالحرمان من الحرية . ويبلغ الإعلام بالأمر وينفذ طبق الكيفيات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 139 . ويمكن في حالة الاستعجال إذاعته حسب التعليمات المضمنة في الفقرة الرابعة من نفس الفصل " . ويظهر من التعريف الآنف الذكر أن الامر بإلقاء القبض لا يختلف من حيث المحصلة فيه عن الامر بالإيداع في السجن إذ هما يتوخيان معا حبس المتهم عن طريق وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي ولكن وجه الخلاف بينهما يتجلى في مسألتين : الأولى : وهي ان الامر بالإيداع في السجن يصدر على المتهم الماثل امام قاضي التحقيق في حين ان الامر بإلقاء القبض يصدر ضد المتهم الذي يكون في حالة فرار، ولكونه مقيما خارج المغرب . والثانية : وهي ان الامر بإلقاء القبض يستوجب استنطاق المتهم من قبل قاضي التحقيق بعد إلقاء القبض عليه ليقرر بعد ذلك إيداعه في السجن وذلك بوضعه رهن الاعتقال الاحتياطي في حين ان الامر بالإيداع في السجن لا يكون إلا بعد استنطاق المتهم مما يسمح بالقول على أن تنفيذ الأمر بالإيداع في السجن هو امر باعتقال المتهم احتياطيا . وعلى أي حال فإن الاوامر الثلاثة ما قبل الاخير إذا كان متاحا إصدارها من قبل القاضي التحقيق، وبدون أية استشارة بصددها مع الوكيل العام للملك، فإن الامر بإلقاء القبض مشروط ابتداء باستشارة الوكيل العام للملك قبل اتخاذه، وزيادة على ذلك، فالملاحظ هو ان الاوامر بإلقاء القبض لا تصدر إلا ضد المتهمين الفارين او المقيمين خارج المغرب من جهة، وان يكونوا متهمين بارتكابهم لجنايات او جنح معاقبة بعقوبات سالبة للحرية دون غيرها من العقوبات المالية بلغت ما بلغت ( الفصل 147/2 ق.م.ج ) من جهة اخرى . خامسا : الاعتقـال الاحتياطـي : لقد نص الفصل 152 من ق.م.ج على ما يلي : "الاعتقال الاحتياطي هو تدبير استثنائي ، فإذا أمر بإجرائه يجب أن تراعى فيه القواعد الآتية: الفصل 153 ( ظهير 18/09/1962 ) : إذا كانت العقوبة القصوى المقررة في القانون تقل عن سنتين حبسا فإن المتهم المستوطن بالمغرب لا يمكن في القضايا الجنحية ان يعتقل أكثر من شهر بعد استنطاق الاول امام قاضي التحقيق، هذا إذا لم يكن قد صدر الحكم عليه إما من اجل جناية وإما من اجل جنحة عادية بسجن تزيد مدته على ثلاثة أشهر مع إيقاف التنفيذ " . الفصل 154 ( ظهير 30/12/1991 ) : " لا يمكن أن يتعدى أمد الاعتقال الاحتياطي شهرين، وإذا ظهرت عند انصرام هذا الاجل ضرورة استرسال الاعتقال الاحتياطي، جاز لقاضي التحقيق تمديد فترة الاعتقال بمقتضى امر قضائي معلل تعليلا خاصا يصدره بناء على طلبات الوكيل العام للملك المدعمة بأسباب، ولا يمكن ان تكون التمديدات إلا في حدود خمس مرات ولنفس المدة . إذا لم يتخذ قاضي التحقيق قرارا بإحالة المتهم إلى غرفة الجنايات أثناء هذه المدة، اطلق سراحه بقوة القانون، واستمر التحقيق ." هذا وتجدر الإشارة إلى ان قاضي التحقيق يجوز له في جميع القضايا ان يامر تلقائيا بعد استشارة وكيل الدولة بالإفراج المؤقت، إذا كان هذا الإفراج غير مقرر بموجب القانون ويشترط ان يتعهد المتهم بحضوره في جميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك، وبإخباره قاضي التحقيق بجميع تنقلاته، ومن الجائز ان يتوقف الإفراج المؤقت على وجوب الالتزام بتقديم كفالة ويسوغ لوكيل الدولة ايضا ان يلتمس في كل وقت وحين الإفراج المؤقت وعلى قاضي التحقيق ان يبت في ذلك خلال اجل خمسة أيام من تاريخ الالتماسات : ( الفصل 155 من.ق.م.ج ) كما يجوز للمتهم او لمحاميه ان يطلب الإفراج المؤقت في كل وقت وآن من قاضي التحقيق وعلى هذا الاخير توجيه الملف حالا إلى الوكيل العام للملك قصد اتخاذ قراراته ويشعر بذلك في نفس الوقت في رسالـة بريدية مضمونة الوصول المطالب بالحق المدني كي يمكنه الادلاء بملاحظاته ويجب على قاضي التحقيق ان يبت في طلب الإفراج المؤقت بموجب أمر قضائي معلل بأسباب يصدره خلال خمسة أيام على اكثر تقدير من يوم توجيه الملف إلى الوكيل العام للملك : ( الفصل 156 من ق.م.ج ) . هذا و تجدر الإشارة إلى ان قاضي التحقيق يمكنه ان يتخذ عدة اوامر اخرى وهي الامر بإجراء تحقيق والامر بعدم إجراء تحقيق والامر بالتوسع في البحث، والامر بعدم التوسع في البحث. الفصل الثاني : الاوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق والمراقبــة الــواردة عليـــه وبطـلان اجـراءات التحقيــق . المبحث الاول : الاوامر القضائية بشان انتهاء التحقيق إن الغاية من التحقيق الإعدادي كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هي قيام القاضي المحقق بكل الأبحاث، واستنفاذ كل الاجراءات التي يراها مفيدة في سبيل إظهار الحقيقة ليتخذ على ضوء ذلك القرار المناسب إن لجهة الإحالة على المحكمة المختصة إذا ظهر له بان الادلة التي تجمعت لديه تسمح باتخاذ هذا القرار، او الامر بعدم المتابعة إذا ظهر له بان ما توصل إليه من خلال تحرياته وابحاثه، وعموما من تحقيقاته لايسمح بذلك . إلا ان قاضي التحقيق عليه قبل اتخاذه لاي قرار مما سبق، إخطار النيابة العامة بانتهاء مرحلة التحقيق الإعدادي حتى تتمكن من تقديم ملتمساتها النهائية في شان التحقيق : ( المطلب الاول )، وبعدما يصدر قاضي التحقيق الاوامر التي يخولها إياه القانون ( المطلب الثاني ) وجب عليه احترام بعض الشكليات في تبليغها ( المطلب الثالث ) . المطلب الاول : وجوب اشعار النيابة العامة بانتهاء تحقيق واطلاعها على الملف . ينص الفصل 195 من ق م ج على مايلي : " بمجرد مايعتبر قاضي التحقيق ان البحث قد انتهى ،يوجه الملف الى وكيل الدولة (الوكيل العام للملك حاليا ) بعدما يقوم بترقيم أوراقه كاتب الضبط، ويجب على وكيل الدولة ان يوجه إلى القاضي التماساته خلال ثمانية ايام على الاكثر " . فهذا النص يعالج شكل العلاقة التي ينبغي ان تكون بين مؤسسة النيابة العامة وقاضي التحقيق من حيث تمكين هذا الاخير للوكيل العام للملك من إبداء وجهة نظره خلال أجل محدد قبل إصداره لقراره إما بالإحالة على المحكمة المختصة او بعدم المتابعة، وذلك بوضع الملف كاملا رهن إشارته لدراسته دراسة معمقة والتي في ضوئها يمكن للوكيل العام للملك إما ان يلجأ إلى التماسات إضافية يطلب بواسطتها من قاضي التحقيق القيام بأبحاث يرى جدواها في سبيل إظهار الحقيقة وذات أثر عموما على مسيرة البحث اما إن وجدت النيابة العامة بان التحقيق قد استوفى أغراضه، وبأن لافائدة من الاستمرار فيه، فإنها توجه الملف لقاضي التحقيق مع ملتمسها النهائي في خصوص القضية والذي يلخص وجهة نظرها بدورها في مسألة إحالة القضية على المحكمة او عدم المتابعة، والتي من الممكن أن تاتي مطابقة لما انتهى إليه قاض التحقيق في صددها او مخالفة له . والملاحظ ان قاضي التحقيق ملزم قانونا باحترام الشكليات المنصوص عليها في الفصل : 195 من ق.م.ج بإطلاع النيابة العامة على انتهاء التحقيق قبل إصداره لامره وذلك تحت طائلة البطلان اما وجهة النظر التي تبديها النيابة العامة في خصوص الإحالة على المحكمة او عدم المتابعة، فهي لا تلزم قاضي التحقيق الذي يصدر اوامره عقب انتهاء التحقيق وفقا للقناعة التي كونها من خلال البحث الذي اجـراه، والإجراءات التي استنفـذها من دون فـرض رأي أي طرف كان - وخصوصا النيابة العامة - عليه . المطلب الثاني : انواع الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بمناسبة انتهاء التحقيق إن الفائدة المرجوة من التحقيق الإعدادي الذي يكلف به قاضي التحقيق هي تقدير مدى إمكانية إسناد تهمة من التهم إلى المتابع بها من عدمه، وذلك من خلال تمحيصه لمختلف الأدلة المقدمة ضده أو التي وقع التوصل إليها عند القيام بإجراءات التحقيق الإعدادي . وطبيعي أن قاضي التحقيق لابد له أن يصل، بعد تقديره للأدلة المتوفرة في النازلة وتمحيصها، إما إلى ترجيح جانب إدانة المتهم ومؤاخذته حيث يصدر، والحالة هذه امرا بإحالة المتهم على المحكمة المختصة لتقول كلمتها في القضية، وإما ان يظهر لديه بان لا جدوى من إحالة المتهم على المحكمة، فيصدر امرا بعدم متابعته . أولا - الأمر بإحالة المتهم على المحكمة المختصة : بعد إنجاز قاضي التحقيق لمسطرة إطلاع النيابة العامة على انتهاء التحقيق، وتلقي ملتمساتها النهائية بشأنه، قد يظهر له بان هنالك دلائل يحتمل معها إدانة المتهم، فإنه يصدر امره باحالة القضية على المحكمة المختصة : ( إذا كانت الأفعال تشكل جناية او جناية مرتبطة بجنحة، فإن قاضي التحقيق يحيل القضية بأمر على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف التابع لها طبقا لمقتضيات الفقرة الخامسة من الفصل 7 من ظهير الاجراءات الانتقالية وكذا الفصل 13 من نفس الظهير . إذا كانت الافعال تشكل جنحة فإنه يامر بإحالة القضية على المحكمة الابتدائية المختصة (ف 8 من ظهير الاجراءات الانتقالية ) أو محكمة الجماعة او المقاطعة إذا كان الامر يتعلق بمخالفة تدخل في اختصاصها، وإما على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف في حدود ما تختص في نظره من جرائم طبقا لقواعد الامتياز القضائي عملا بمقتضيات الفصل 268 و269 من ق.م.ج، والفقرة 6 من الفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية ويبقى للمحكمة التي تجري التحقيق النهائي في القضية الكلمة الفصل في تأكيد التهمة وإصدار حكم بالإدانة، او اعتبار المتهم بريئا لعدم اقتناعها بالأدلة المعروضة عليها . وليس في تقرير هذه النتيجة أي مساس بمصداقية قرار قاضي التحقيق الذي احال على المحكمة نازلة يرى الأدلة فيها كافية تغلب معها الإدانة، مادام مسلما به ان الفصل في موضوع الدعوى العمومية بالإدانة أو البراءة لايرجع إلى قاضي التحقيق ، وإنما هو من صلاحيات قضاء الحكم الذي تحكم أعماله مسطرة تتميز بالعلنية والحضورية والشفوية خلاف المسطرة السائدة في التحقيق التي يسيطر عليها التدوين والسرية وعدم الحضورية مما يستتبع بان الحقيقة قد لا تظهر عند إنجاز التحقيق الإعدادي بنفس الوضوح الذي تتبدى به عند التحقيق النهائي . ثانيا - الأمر بعدم المتابعة : لقد نص الفصل 196 من ق.م.ج على مايلي : " إن رأى قاضي التحقيق ان الافعال ليست لها صفة جناية أو جنحة او مخالفة، او انه ليست هناك دلائل كافية ضد المتهم أو أن المجرم ظل مجهولا، فيصدر أمرا بعدم المتابعة، ويفرج عن المتهمين المعتقلين احتياطيا، وفي نفس الوقت يبت في شان رد الاشياء المحجوزة إلى أربابها ثم يصفي حساب المصاريف، ويحكم بها على المطالب بالحق المدني إن كان هناك مطالب، غير أن المطالب بالحق المدني عن حسن نية، يمكن إعفاؤه من المصاريف كلها او بعضها بمقتضى مقرر خصوصي معلل بأسباب ." وهكذا فإن الامر بعدم المتابعة : ( الكلي او الجزئي ف 201 من ق.م.ج ) هو عبارة عن قرار بواسطته يقرر انعدام الفائدة من عرض النازلة على المحكمة اعتمادا على توافر احد الأسباب التي يمكن تقسيمها إلى طائفتين : الاولى منها تنعت بكونها أسباب قانونية : ( كان تكون الافعال رغم إسنادها إلى المتهم إلا انها لاتشكل لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة ) او انعدام الركن القانوني لجريمة كاستفادة المتابع مثلا من أسباب تبرير الجريمة او من أسباب مانعة من تحريك الدعوى العمومية كتحقق واقعة التقادم عن الأفعال المتابع فيها او صدور عفو شامل بسببها، او إلغاء القانون الجنائي الذي كان يحكمها او موت المتهم بارتكابها، او عدم وجود نص صريح في القانون يعاقب عن محاولة جنحة من الجنح إلخ . . . اما الثانية فإنها تشكل أسبابا واقعية : أي لاتؤسس على القانون مباشرة، وإنما على الواقع فقط، ويدخل في زمرتها عدم كفاية الادلة في النازلة والتي بمقتضاها ترجح إمكانية التبرئة على الإدانة كما تدخل تحت لوائها حالة بقاء فاعل الجريمة - رغم حصولها - مجهولا . وتجدر الملاحظة إلى أن الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق بعدم المتابعة ، ولو أنها قابلة للاستئناف دوما أمام الغرفة الجنحية من قبل النيابة العامة، والمطالب بالحق المدني، فإن تلك المؤسسة منها على أسباب قانونية، فلا تسمح بإعادة التحقيق فيها من جديد خلافا للاوامر المبنية على أسباب واقعية التي لا تمنع من العودة إلى فتح التحقيق مرة اخرى عملا بمقتضيات الفصل 210 من ق.م.ج كلما ظهرت ادلة جديدة تسمح بذلك شريطة ان لا يكون قد ادلي بها أمام قاضي التحقيق من قبل . المطلب الثالث : تبليغ أوامر قاضي التحقيق . جاء في الفصل 202 من ق.م.ج ما يأتي : " إن الاوامر التي تصدرها الهيئات القضائية تبلغ في الاربع والعشرين ساعة إلى كل من محامي المتهم و المطالب بالحق المدني بواسطة رسالة بريدية مضمونة الوصول . ويحاط المتهم علما ضمن نفس الكيفيات والآجال بالأوامر القضائية الصادرة بانهاء البحث، كما يحاط المطالب بالحق المدني علما بالاوامر القضائية الصادرة بإحالة القضية او بإرسال الاوراق إلى النيابة العامة، وإن كان المتهم معتقلا فيخبره بذلك المشرف رئيس السجن . ( ظهير 18/09/1962 ) : أما الأوامر القضائية المنصوص عليها في الفصول 95 و154 و156 و171 و188 و206 و207 والتي يمكن للمتهم او المطالب بالحق المدني ان يستأنفها عملا بالفصلين 206 و207 فإنها تبلغ إليهما بطلب من وكيل الدولة : ( الوكيل العام للملك في ظرف الاربع والعشرين ياعة الموالية لصدورها . ويحيط كاتب الضبط وكيل الدولة ( الوكيل العام للملك ) بكل أمر قضائي مخالف لملتمساته في يوم صدوره " . وكما هو واضح من النص اعلاه فان التبليغ كشكلية مسطرية يهم جميع الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق باعتباره هيئة قضائية مكلفة بالتحقيق في كل أطوار مراحل التحقيق الإعدادي التي كلف بها ، بحيث تنسحب، والحالة هذه إلى الاوامر المنهية للتحقيق وغيرها من الاوامر التي قد تمهد لذلك، والتي على قاضي التحقيق إحاطة النيابة العامة، والمتهم، ومحاميه، والمطالب بالحق المدني، علما بصدورها من قبله في اجل معلوم ومحدد . وبهذا الصدد يلاحظ بان المشرع في الفقرة الأخيرة من النص يحلل قاضي التحقيق من وجوب تبليغ - عن طريق كاتب الضبط - النيابة العامة بالاوامر المطابقة لملمتساتها، في حين أن المصلحة تقتضي ان يحاط علما بكل الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق حتى ما جاء منها موافقا لرغباتها باعتبارها طرفا ليس ككل الاطراف في الخصومة الجنائية يمكنها أن تغير رأيها في كل حين، وتلجأ إلى استئناف كل امر يصدره قاضي التحقيق، إن رأت النيابة العامة بان هذا الطريق يحقق مصلحة العدالة وهو ما لا يكون ممكنا إن هي لم تبلغ بسبب ان الامر قد ورد موافقا لطلبها والفصل 202 من ق.م.ج لا يلزم قاضي التحقيق بتبليغه إليها . لذلك نجد قانون المسطرة الجنائية الجديد ينبد ما قررته الفقرة الأخيرة من الفصل (202 ق.م.ج ) ويقرر في الفصل 220 من قانون المسطرة الجنائية الجديد وجوب تبليغ النيابة العامة بكل امر قضائي يصدره قاضي التحقيق في نفس يوم صدوره سواء صدر موافقا لملتمساتها أم مخالفا لها . المبحث الثاني : مراقبة التحقيق الإعدادي التحقيق الإعدادي مرحلة قضائية - عكس البحث التمهيدي - لها اهمية قصوى على مسيرة القضية الجنائية لا تخفى، ومن الطبيعي ان يوجد المشرع من جهة، هيئة قضائية ينيط بها مهمة مراقبة عمليات التحقيق الإعدادي من بدايته لنهايته، وهذه الجهة هي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ومن جهة أخرى ان يقرر الطرق القانونية التي يرى أنها كفيلة بتحقيق هذه المراقبة بكيفية مرضية . اولا : الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف المكلفة بمراقبة التحقيق الإعدادي . لقد نص الفصل 10 من ظهير الاجراءات الانتقالية على ما يلي : " تحدث في مقار محاكم الاستئناف غرفة جنحية تتألف من رئيس ومستشارين . تنظر هذه الغرفة تطبيقا للظهير المشار إليه في الفصل الاول في الاستئنافات المرفوعة ضد الاحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية في الجنح والمخالفات ، يعهد إليها ايضا بالاختصاصات المخولة سابقا لغرفة الاتهام بمقتضى الظهير المشار إليه مالم تكن منافية لمقتضيات هذا الظهير بمثابة قانون " . وتجدر الإشارة إلى ان نصوص المسطرة ( الفصول 240 إلى 243 ق.م.ج ) تنيط سلطات خاصة برئيس غرفة الاتهام في مراقبة التحقيق الإعدادي لم يتعرض لها بالذكر ظهير الاجراءات الانتقالية لسنة 1974 . ويهمنا من هذه الاختصاصات ما يدخل في نطاق التحقيق الإعدادي، ويتعلق الامر بالصلاحيات الآتية : - مراقبة إجراءات التحقيق الاعدادي عن طريق تقرير بطلانها والتي تتخذها إما بناء على الفصل 171 من ق.م.ج او الفصل 227 من ق.م.ج . - البت في الاستئنافات المرفوعة ضد اوامر قاضي التحقيق طبقا للفصل 7 من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 . - إصدار القرارات بإعادة التحقيق بناء على ظهور أدلة جديدة شريطة ان تكون هي التي أصدرت القرار بعدم المتابعة ( الفصل 218 ق.م.ج ) . - البت في استئناف النيابة العامة او المتهم لقرارات قاضي التحقيق العسكري في مجال السراح المؤقت ( الفصل 68 ق.ع.ع ) . - البت في الطلبات المتعلقة بتنازع الاختصاص في كل حالة ينيطها المشرع بغرفة الاتهام عملا بالفصل 264 من ق.م.ج ثانيا - الطرق القانونية المتاحة لمراقبة عمليات التحقيق الإعدادي : - استئناف اوامر قاضي التحقيق : إن استئناف اوامر قاضي التحقيق امام الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف تملكه الاطراف الآتية : - النيابة العامة . - المتهم . - المطالب بالحق المدني . النيابة العامة - نطـاق الاوامـر المخولـة للنيابـة العامـة استئنافهـا : بإلقاء نظرة على الفصلين : 204 و205 من ق.م.ج يلاحظ ان المشرع قد خول النيابة العامة بكيفية مطلقة حق استئناف كل امر يصدره قاضي التحقيق حتى ذلك الذي يكون صدر موافقا لملتمساتها، غير انه في الواقع العملي، فإن النيابة العامة قلما تلتجئ إلى الطعن بالاستئناف في الاوامر الموافقة لملتمساتها . ويلاحظ ان الفصل 176 من ق.م.ج يمنع استئناف الامر الصادر من قاضي التحقيق بإجراء الخبرة ، وهذا المنع يسري على الجميع بمن فيهم النيابة العامة . وهو موقف مقبول من المشرع على اعتبار ان اللجوء إلى الاستعانة بالخبرة لإظهار الحقيقة لا ينبغي ان تفرض بصدده أية رقابة قضائية على قاضي التحقيق وإلا شلت كل مبادرة منه ترمي إلى تكوين قناعته في القضية التي يحقق فيها . غير ان الامر برفض طلب إجراء الخبرة من طرف قاضي التحقيق فهو قابل للطعن فيه بالاستئناف . * المتهـم : أجاز القانون للمتهم استئناف الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق الضارة بمصالحه، وهذه الاوامر وقع تحديدها حصرا في الفقرتين الاولى والثانية من الفصل : 206 من ق.م.ج ويتعلق الامر بحسب الترتيب بالاوامر التالية : 1- الامر بقبول المتضرر طرفا مدنيا رغم معارضة المتهم في ذلك ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 95 من ق.م.ج . 2- الاوامر القاضية بتجديد فترة الاعتقال الاحتياطي ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 114 من ق.م.ج ) 3- الاوامر برفض طلبات الإفراج المؤقت التي تكون قد قدمت لقاضي التحقيق : (الفصل 206 ويحيل على الفصل 156 من ق.م.ج ) . 4- الاوامر التي يرفض بمقتضاتها طلبات إجراء خبرة فنية ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 171 من ق.م.ج ) . 5- الاوامر الرافضة لإجراء خبرة تكميلية او خبرة مضادة ( الفصل 206 فقرة 1 الذي يحيل على الفصل 188 ق.م.ج . 6 - الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق والمتعلقة بالاختصاص : ( الفصل 206 فقرة 2 ق.م.ج ) * المطالب بالحق المدني : يجوز للمطالب بالحق المدني ان يطعن بالاستئناف في أوامر قاضي التحقيق الآتية : 1 - الاوامر القضائية بعدم إجراء تحقيق بعد تقديم الشكاية المباشرة المرفوقة بالإدعاء المدني إليه : ( الفصل 207/1 ق.م.ج ) . 2 - الاوامر بعدم المتابعة ( الفصل 207/1 ق.م.ج ) 3 - الاوامر التي يبت فيها قاضي التحقيق في شان اختصاصه إما تلقائيا وإما بناء على دفع احد المترافعين بعدم اختصاصه الفصل 207/1 ق.م.ج ) . 4 - الاوامر القضائية الضارة بمصالح المطالب بالحق المدني . المبحث الثالث : بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي : إلى جانب الحق في استئناف الاوامر التي يصدرها قاضي التحقيق الذي خوله المشرع للاطراف من اجل الدفاع عن حقوقهم، فإنه اوجد مسطرة اخرى لا تقل اهمية عن الاولىالهدف منها تعزيز مراقبة شرعية الاوامر التي يتخذها قاضي التحقيق بمناسبة إجراءات التحقيق الإعدادي وتقوم على فسح الطريق لتقرير بطلان كل إجراء وقع خلافا للضمانات العديدة التي حصن بها القانون حقوق الاطراف - خصوصا في الدفاع خلال عملية التحقيق الإعدادي والغاية من كل ذلك هي تطهير المسطرة من كل تجاوز او إهمال او خرق او تعسف ... ولا شك ان بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي كجزاء على عدم احترام نصوص المسطرة الجنائية - والتي هي من النظام كما اشرنا لذلك - يشكل ضمانة ذات فعالية - قصوى في فرض تطبيق نصوص القانون بكيفية سليمة، واحترام حقوق الافراد في الدفاع بكيفية جدية أثناء عملية التحقيق الإعدادي، كما لا يشك احد في مدى ما تضفيه من مصداقية على مؤسسة التحقيق الإعدادي برمتها . وبعد هذا التمهيد يتعين التعرض لأربع نقط على التوالي كما يأتي : 1 - حالات البطلان : من خلال إلقاء نظرة عامة على النصوص الإجرائية التي لها علاقة بالموضوع يتضح بان حالات البطلان تصنف إلى نوعين : النوع الاول : وهو الذي يحتوي أسباب للبطلان منصوصا عليها بكيفية محددة في الفصل 190 من ق.م.ج الذي جاء فيه " يجب مراعاة المقتضيات المقررة في الفصول 127 و128 و132 ويترتب على مخالفتها بطلان الإجراء نفسه، وكذا الإجراءات التي تأتي بعدها " . والملاحظ أن أسباب البطلان التي اتى بها النص السابق والتي تنعت ب " حالات البطلان القانوني " او " أسباب البطلان القانوني " محددة على سبيل الحصر في النص، وتعود بالأساس إلى عدم احترام الضمانات التي قررها المشرع للمتهم او المطالب بالحق المدني خلال سير عملية التحقيق الإعدادي في الفصول 127 ( كعدم إحاطة قاضي التحقيق بوجه صريح علم المتهم بالأفعال المنسوبة إليه، او عدم إشعاره بان من حقه عدم الإدلاء بأي تصريح في المقابلة الاولى، وبعدم النص على هذا الإشعار في المحضر ) و128 ( لجوء قاضي التحقيق إلى الاستنطاق الفوري للمتهم، وعدم ذكر موجبات ذلك الاستعجال في المحضر ...) و132 ( استنطاق المتهم او الاستماع إلى المطالب بالحق المدني او مقابلتهما في غير حضور محاميهما او استدعائهما لذلك، بوجه قانوني، وخلو المحضر من تنازلهما الصريح عن ذلك ...) والخلاصة أن احترام المقتضيات الواردة في الفصول 127 و128 و132 من طرف قاضي التحقيق واجبة تحت طائلة بطلان كل إجراء - وذلك الذي يليه - يتخذ خلافا لها . النوع الثاني : ويضم أسباب البطلان غير المحددة بكيفية حصرية من قبل المشرع، وقد تعرض لهذا النوع الفصل 192 من ق.م.ج بالقول : " يترتب البطلان أيضا عن خرق المقتضيات الجوهرية الاخرى المقررة في هذا الجزء غير المقتضيات المنصوص عليها في الفصول 127 و128 و132 إذا ترتب عن خرقها المس بما لكل فريق في القضية من حق الدفاع " . فهذا النوع من حالات البطلان كما يبدو يضم أسبابا، وإن كان القانون هو الذي يؤطرها فعلا ( الفصل 192 من ق.م.ج ) ، إلا ان القضاء هو الذي يعطيها الحركية ( ولذلك يسميها بعض الفقه أسباب البطلان القضائي ) بسبب انه هو الذي يتعرض لتطبيقاته المختلفة - غير المحددة بالنص - فيقرر بان إجراء ما جوهري وماس بحقوق الدفاع او العكس بان إجراء ما، وإن كان جوهريا، فإنه لايمس بحقوق الدفاع، ويعطي الفقه امثلة لاسباب البطلان المؤسسة على الفصل 192 من ق.م.ج بعدم احترام قاضي التحقيق لاختصاصه المكاني او عدم استنطاقه للمتهم اصلا خلال التحقيق الإعدادي او اتصاله بالتحقيق الإعدادي بملتمس بإجرائه غيرموقع عليه من قبل الوكيل العام للملك او من يمثله، او إصداره لإنابة قضائية عامة يكلف بها غيره - من قضاة او ضباط للشرطة القضائية - بإنجاز عمليات التحقيق برمتها . 2 - من يطلب البطلان ؟ يمكن القول بأن طلب تقرير بطلان إجراء من إجراءات التحقيق يمكن ان يصدر عن قاضي التحقيق أو النيابة العامة، وهكذا فقد خول القانون ( الفصل 191 فقرة 1 من ق.م.ج لقاضي التحقيق عندما يلاحظ ان إجراء من إجراءات التحقيق باطل ان يرفع امره إلى الغرفة الجنحية بقصد إلغائه، وذلك بعد استشارته للوكيل العام للملك وإعلامه كل من المتهم والمطالب بالحق المدني بذلك، وهكذا يظهر بان قاضي التحقيق لا يملك صلاحية إلغاء أي إجراء من الإجراءات التي يكون قد اتخذها ولو تاكد له فيما بعد بطلانها، وإنما الغرفة الجنحية هي التي تملك ذلك، ولكن ومع ما سبق يجب التنبيه إلى ان قاضي التحقيق قد لايلجأ إلى مسطرة طلب إعلان البطلان من الغرفة الجنحية وسواء اكتشف سبب البطلان بنفسه ام نبهه إليه المتهم او المطالب بالحق المدني إذا تنازل عنه من هو مقرر لمصلحته، شريطة ان يكون هذا التنازل صريحا وبحضور محاميه او بعد استدعائه قانونا ( الفصل 190 فقرة 2 ق.م.ج ) حيث تتطهر المسطرة حينئذ من عيب البطلان، وكما ان الفقرة الثانية من الفصل 191 ق.م.ج خولت - خلافا لباقي اطراف الدعوى - للوكيل العام للملك إذا ظهر له ان إجراء من إجراءات التحقيق باطل ان يطلب من قاضي التحقيق ملف الدعوى ليرسله إلى الغرفة الجنحية ( التي حلت محل غرفة الاتهام ) مرفوقا بمطلب يلتمس فيه منها إعلان بطلان الإجراء الذي انجز بكيفية معيبة . 3 - من يقرر البطلان ؟ إن الجهات التي تقرر بطلان إجراء التحقيق الإعدادي هي : الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، ومحكمة الحكم . * الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي حلت محل غرفة الاتهام السابقة عملا بمقتضيات الفصل 10 من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974، وعليه فهذه الغرفة هي التي تعلن بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي إما تلقائيا عملا بالفصل 227 من ق.م.ج الذي اناط بها السهر على صحة إجراءات عمليات التحقيق الإعدادي، وخولها تلقائيا حق تقرير بطلان كل إجراء من الإجرءات التي تراه معيبا، واما بناء على الفصل 191 من ق.م.ج الذي مكن كلا من قاضي التحقيق او الوكيل العام للملك كلما ظهر لهما بان إجراء من إجراءات التحقيق الإعدادي باطل برفعه إلى الغرفة الجنحية مشفوعا بالتماس بطلب إعلان بطلانه . * محكمة الحكم : قاضي التحقيق، كما هو معلوم، عندما ينتهي من البحث قد يصدر اوامره بإحالة القضية على محكمة الحكم التي تكون إما الغرفة الجنائية وإما المحكمة الابتدائية ( اذا انتهى إلى ان الوقائع المحقق فيها تشكل جنحة او مخالفة من اختصاص المحكمة الابتدائية ) وإما محكمة المقاطعة او الجماعة إذا كانت المخالفة من اختصاص هذه الأخيرة ). ولكن ما الحكم فيما لو ان المحكمة المحالة عليها القضية اكتشفت بان عيبا يشوب إجراءات التحقيق هل يجوز لها إعلان بطلان الإجراء المعيب ام لا ؟ يجيبنا على هذا التساؤل جزئيا الفصل 194 من ق.م.ج الذي ينص : " إذا كان الامر يتعلق بالنظر في جنح او مخالفات جاز للمحاكم المرفوعة إليها النازلة ان تصدر بعد الاستماع الى قول النيابة العامة والمترافعين حكما بإبطال الوثائق غير الصحيحة وان تقرر ما إذا كان يجب امتداد البطلان إلى الاجراءات الموالية لها كلا أو بعضا . وإذا اقتصرت المحكمة على إلغاء بعض الوثائق فقط، فيجب أن تحذفها فعل ا من اوراق المرافعات . وإذا أدى بطلان الاجراء إلى بطلان الاجراءات التي تعقبه فتامر المحكمة بإجراء تحقيق إضافي ان امكن تدارك البطلان، او تكلف النيابة العامة عند الاقتضاء ان تلتمس الاجراءات التي ترتئيها، وعلاوة على ذلك فإن المحكمة تبت عند الاقتضاء في شان إبقاء المتهم معتقلا ام لا وللمترافعين ان يتنازلوا عن احتجاجهم ببطلان الإجراءات المقررة لصالحهم وحده . ويجب ان يكون ذلك التنازل صريحا . 4 - آثار البطلان : إن آثار البطلان في القانون المغربي تختلف بحسب فرضين : * الفرض الاول : وفيه يقع الإخلال بالمقتضيات المقررة في الفصول 127 و128 و132 وهي إجراءات أساسية تعرض النص لاثرها وحدده في بطلان الإجراء المعيب وكذا الإجراءات التي تليه وتأتي بعده ( الفصل 190 ق.م.ج ) . * الفرض الثاني : وفيه يقع الإخلال بإجراءات جوهرية من غير ما سبق والتي يترتب عن خرقها المساس بحقوق الدفاع وفي هذه الحالة خول المشرع للغرفة الجنحية ( الفصل 192 ق.م.ج )، او محكمة الحكم ( الفصل 194 م.ق.ج ) تقرير ما إذا كان البطلان يقتصر على الإجراء المقصود لذاته وحده او يشمل كل او بعض الإجراءات الموالية له . وفي الحالتين معا تسحب من ملف التحقيق وثائق الاجراءات التي أبطلت وتودع مرتبة في كتابة الضبط لمحكمة الاستئناف، ويمنع الرجوع إلى ما فيها قصد توجيه اتهامات إلى المترافعين اثناء المرافعة وإلا فتتخذ عقوبات تاديبية في حق القضاة ويتابع المحامون أمام هيئتهم التأديبية ( الفصل 193 ق.م. ج ) . الباب الثاني : مستجدات قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالتحقيق الإعدادي ورد في ديباجة القانون رقم 01/22 المتعلق بالمسطرة الجنائية انه اصبح الاقتناع راسخا بتغيير قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ : 10 فبراير 1959 منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، وقد تدخل المشرع بمقتضى الظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الصادر في 28 شتنبر 1974 ليدخل تعديلات مهمة على ذلك القانون وكرس في فصله الاول قناعته بتغيير قانون 1959 معتبرا ما تضمنه قانون الإجراءات الانتقالية مجرد تغييرات مرحلية يعمل بها إلى حين دخول " القانون الجديد للمسطرة الجنائية في حيز التطبيق " وقد كشفت الممارسة اليومية عن وجود عدة ثغرات ومشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية او بالواقع الاجتماعي ينبغي التصدي لها، و تقديم حلول واجوبة لما تطرحه من إشكاليات . كما ان مصادقة المملكة المغربية على جملة من المواثيق والاتفاقيات الدولية، اصبحت تفرض تدخل المشرع من اجل ملاءمة قانونه مع التوجه العالمي، ويضاف إلى ذلك الطفرة الكبرى التي عرفها مجال حقوق الإنسان ببلادنا، والحرص على صيانة هذه الحقوق، وحماية الحريات الفردية والجماعية، وبناء دولة الحق والقانون . وقد وجدت أسباب اخرى دعت إلى تعديل قانون المسطرة الجنائية والتعجيل بإخراجه على حيز التطبيق من بينها : ان نظام العدالة الجنائية لم يعد مبعث ارتياح لدى مختلف الفعاليات المهتمة على كافة الاصعدة ، واصبح محل انتقاد من المهتمين والمتتبعين نتيجة بطء الاجراءات وعدم فعاليتها بسبب عدم جدوى الاساليب الإجرائية المقررة او عدم كفايتها، او لكون الأجال المسطرية طويلة او غير محددة بالمرة . تصاعـد ظاهرة الجريمة، وظهور انواع جديدة من الجرائم مرتبط بالتقدم العلمي والتكنولوجي وبالظروف الاجتماعية والاقتصادية أبان عن قصور المسطرة الجنائية الحالية في مكافحتها . تضخم عدد القضايا المعروضة على العدالة الجنائية بشكل بات معه البت في قدر هائل منها بواسطة تشكيلات القضاء الجماعي يؤدي إلى زيادة تراكمها رغم بساطة بعضها ، وعلى العموم فقد كان هاجس توفير ظروف المحاكمة العادلة وفقا للنمط المتعارف عليه عالميا واحترام حقوق الافراد وصون حرياتهم من جهة، والحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام من جهة اخرى، عناصر اساسية شكلت نقطة مركزية أثناء إعادة النظر في قانون المسطرة الجنائية الصادر سنة 1959 والظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية الصادر سنة 1974 لجعلهما يواكبان ترسيخ بناء دولة الحق والقانون مع تلافي السلبيات التي افرزتها تجربة الاربعين سنة الأخيرة من الممارسة باستحضار تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقيم المجتمع المغربي مع الحفاظ على الأسس المستقرة في الثرات القضائي ودعم المكتسبات التي حققها التشريع الوطني في مجال حقوق الإنسان بمقتضى التعديلات التي ادخلت على قانون المسطرة الجنائية خلال التسعينات سواء فيما يتعلق بمدة الحراسة النظرية او توفير حق الدفاع للمتهمين أو إشعار عائلات المعتقلين بوضعهم تحت الحراسة النظرية، او حقهم في ان يعرضوا على طبيب لمعاينتهم بطلب منهم او إذا عاين القاضي ما يبرر ذلك ودعم المكتسبات على نحو يتماشى مع المفهوم الكوني لحقوق الإنسان في الوقت الراهن . بالإضافة على ذلك، فقد كان من الضروري تبني المعايير الدولية للمحاكمة العادلة تشريعا" وما يهمنا في هذا العرض، هو المستجدات القانونية التي اتى بها قانون المسطرة الجنائية الجديد في قضاء التحقيق حيث جاء هذا القانون بمقتضيات تخول للنيابة العامة وقاضي التحقيق وسائل جديدة للبحث عن ادلة لإثبات الجرائم وضبط مرتكبيها من اجل محاكمتهم من بينها : أ - سحب جواز السفر وإغلاق الحدود : بمقتضى المادة 182 من ق.م.ج الجديد فإنه إذا ظل المتهم في حالة سراح او إذا أفرج عنه إفراجا مؤقتا أو غبر مقرون بالوضع تحت المراقبة القضائية، فإن هيئة التحقيق او الحكم التي اتخذت القرار تبقى وحدها مختصة في تقرير إغلاق الحدود في حقه وسحب جواز السفر كما يجوز لهيئة التحقيق وهيئة الحكم إذا رأت ذلك ضروريا ان تعين له محل إقامة يحظر عليه الابتعاد عنه دون رخصة قبل اتخاذ امر بعدم المتابعة او صدور قرار اكتسب قوة الشيء المقضي به " ب - التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بواسطة الاتصال عن بعد وتسجيلها وحجزها: ( المادة 108 من ق.م.ج الجديد ) . ان هذه الإمكانية مخولة لقاضي التحقيق كلما اقتضتها ضرورة التحقيق ويمكن كذلك للوكيل العام إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث ان يلتمس من الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف الإذن له كتابة بالتقاط المكالمات وكافة الاتصال المرسلة بواسطة وسائل الاتصال المختلفة وتسجيلها ويتم ذلك تحت سلطته ومراقبته . ونظرا لخطورة الإجراء فإن القانون اعتبره إجراءا اسثتنائيا ووضعه أساسا بيد قاضي التحقيق متى كانت القضية معروضة عليه واستثناء وإذا اقتضت ذلك ضرورة البحث في قضية غير معروضة على التحقيق يمكن للوكيل العام للملك ان يحصل على إذن من الرئيس الاول للقيام بهذا الإجراء في بعض الجرائم شديدة الخطورة على امن المواطن وسلامة الوطن وفي حالة الاستعجال القصوى يمكن للوكيل العام للملك بكيفية استثنائية إذا كانت ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات، ان يبادر إلى القيام بذلك الإجراء وإشعار الرئيس الاول على الفور، والذي عليه ان يقرر بشان قرار الوكيل العام للملك خلال الاربع وعشرين ساعة، وقد حدد القانون مدة وشكليات هذا الإجراء بكل دقة، واحاطه بقيود صارمة تكفل حماية حرمة الاشخاص وعدم استغلال هذه الإمكانية خلافا للقانون، وفرض عقوبات على مخالفتها : المواد من 108 إلى 116 ق.م.ج الجديد ) ج - ثنائية التحقيق : ( المواد من 52 إلى 55 و83 و87 و88 من ق.م.ج الجديد ) بالنظر إلى ان ظهير الاجراءات الانتقالية كان قد حول البت في الجنايات إلى محاكم الاستئناف ونقل قضاة التحقيق إلى هذه المحاكم ، فإن التحقيق في الجنح اصبح رهينا بوجود نص قانوني صريح يجيزه ، وهو ما جعل مجموعة من الجنح التي تكتسي اهمية بالغة كالجرائم الاقتصادية وتزوير الوثائق ، غير مشمولة بمسطرة التحقيق ، وهو ما قد لا يساعد على الكشف عن الحقيقة علما بان تقليص مدة الحراسة النظرية لدى الشرطة القضائية قد اثر بدوره على نتائج الابحاث في الحالات التي لم يكن ممكنا فيها الإفراج عن المشتبه فيهم . وبالنظر إلى خطورة بعض الجنح والتي تصل عقوبتها القصوى إلى خمس سنوات او اكثر . وبالنظر كذلك إلى ان مشروع القانون الجنائي المرتقب قد يتبنى عقوبات تتجاوز خمس سنوات لبعض الجنح ذات الخطورة . فقد اتى القانون بمسطرة التحقيق الاختياري بالنسبة للجنح التي يجيز او يوجب نص خاص التحقيق فيها . ولتحقيق هذه الغاية فقد تم إحداث مؤسسة قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية بالإضافة لاستمرار المؤسسة الموجودة لدى محاكم الاستئناف . ونص المشرع على ذلك في المواد 52 إلى 55 و83 و87 و88 من قانون المسطرة الجنائية . د - بدائل الاعتقال الاحتياطي : ( الوضع تحت المراقبة القضائية المواد 159 إلى 174 من ق.م.ج الجديد ) لا يتضمن قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 أي تدبير بديل للاعتقال الاحتياطي ذي بعد إنساني، ولا يوفر ذلك القانون لقاضي التحقيق إمكانيات بديلة مهمة وفعالة من شانها ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق الجنائي في إطار المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع، ولذلك تم إحداث نظام الوضع تحت المراقبة القضائية ويتوخى القانون الجديد من إقرار هذه التدابير إيجاد آليات تكفل سير تطبيق الإجراءات القضائية دون اللجوء إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي الذي أصبح منتقدا لعدة اعتبارات إنسانية واجتماعية ( المواد 159 إلى 174 من ق.م.ج ) . وقد حدد المشرع شكليات الوضع تحت المراقبة القضائية وشروطه في تلك المواد . * المراجع القانونية : - ندوة قضاء التحقيق الإعدادي ( ندوة تدريبية بوزارة العدل ) . - شرح قانون المسطرة الجنائية للاستاذ عبد الواحد العملي ( الجزء الثاني ) . - قضاء التحقيق للاستاذ طارق السباعي (الجزء الاول) سنة 1982 و(الجزء الثاني) 1983. - مجلة نشرة محكمة الاستئناف بمراكش العدد الاول يوليوز 2001 المتضمنة لندوة التحقيق الإعدادي . - قانون المسطرة الجنائية الجديد . مرسلة بواسطة el mahfoudi في 9:29 AM 5 التعليقات undefined undefined حول تعديل قانون المسطرة الجنائية الفرنسي الوضع رهن حول تعديل قانون المسطرة الجنائية الفرنسي الوضع رهن الاعتقال سيتخذ من طرف قضاء جماعي ترجمة واعداد: عبد الصمد الزعنوني مستشار باستئنافية الرباط " قدم كل من وزير العدل Henri NALLET او الوزير المنتدب لدى وزارة العدل Michel SAPIN بفرنسا مذكرة بحث بخصوص قانون المسطرة الجنائية امام مجلس الوزراء بتاريخ الأربعاء20/11/1991. فبعد اشهر من النقاش الساخن قررت وزارة العدل التخلي عن فكرة قلب مجموع النظام القضائي. لقد اختار ميشال صابان الإبقاء على مهمة قاضي التحقيق واقترح بدل ذلك تقوية حقوق الدفاع و احداث قضاء جماعي خاص بالإيداع رهن الاعتقال. هذه النقطة الآخرة استمدتها المشروع من التعديل الذي اتخذه سنة1985 وزير العدل سابقا Robert BANDINTER.أما حضور المحامي خلال مرحلة الحراسة النظرية الذي يثار في العديد من المناسبات فانه تم استبعاده. ان مشروع قانون يستند على هذه الأسس سيقدم الى البرلمان الفرنسي خلال دورة الربيع المقبلة وستدخل المقتضيات القانونية الجديدة حيز التنفيذ ابتداء من فاتح يناير1993 أي قبل بضعة اشهر عن اصدار القانون الجنائي الجديد. لقد عبرت السيدة MIREILLE DELMASE -MARTYرئيسة لحنة القضاء الجنائي وحقوق الإنسان في الاستجواب الذي خصت به الصحافة الفرنسية عن اسفها لكون المشروع المتخذ من طرف الحكومة يفتقر الى الجرأة والشجاعة. فوزراء العدل الذين تعاقبوا بساحة" فوندوم" طوال السنوات الأخيرة كان لديهم جميعا أمل تحقيق في يوم من الأيام اعادة تكييف و" نموذجة" التحقيق. لقد سبق ان لاحظ Robert BADINTER بان " التحقيق لم يعد يستجيب لمتطلبات هذا العصر" واختار سنة 1985 إعطاء الأفضلية للنظام الجماعي عن طريق خلق" غرف للحقيق" اما Albin CHALANDON فقد اقترح من جهته سنة 1987 احداث " غرف لطلبات منح السراح الموقف" بيد ان الاثنين باءا معا بالفشل: فسبب انعدام الوسائل والقناعة والإرادة السياسية ظلت هذه التعديلات المقترحة لفائدة الحريات ولتضييق الاعتقال الاحتياطي في طي النسيان . Michel SAPIN الذي وعد منذ التحاقه بالوزراء بتعديل " كبير وواسع". انكب منذ الربيع الأخير على التأملات والمشاريع والمقترحات المتراكمة خلال السنوات الاخيرة، وهو يتوفر على مؤهل للنجاح لم يكن متاحا أثناء محاولات التعديلات السابقة كالتقريرين المتمخضين عن لجنة Delmas MARTY - هذه اللجنة التي أحدثها ARPAILLAUGE Pierre سنة 1988 - سبق ان اقترحت قلب قانون المسطرة الجنائية باحداث " قاضي للحريات" ان التعديلات المذكورة كانت طموحة. ان هذه الثورة المقترحة ليست مدرجة اليوم بجدول الأعمال، فبدل اللجوء الى قلب لقانون المسطرة الجنائية، آلام الذي يتطلب تعديلا لقانون النيابة العامة، اختارت الوزارة تكييف وملاءمة البنيات الموجودة مع تطوير الطابع الحضوري للمسطرة. الرهان واضح = يأمل السيد Michel SAPIN تغيير السلوك والذهنيات اثناء كل مرحلة من قانون المسطرة الجنائية، كبيرة ام صغيرة. وفصل وظائف البحث والوظائف القضائية المقترح من طرف لجنة Delmas- MARTY تم إذن التخلي عنه كما تم التخلي أيضا عن إدخال المحامي اثناء مرحلة الحراسة النظرية. عمل جماعي ان قطب ومحور التعديل الحالي المقترح من طرف Michel SAPIN هو اذن النظام الجماعي = بالاستناد على النظام الذي تصوره سنة 1985Robert BADINTER تقترح الوزارة اليوم أحداث بكل محكمة ابتدائية كبرى نظاما وهيئة جماعية تشمل كلا من قاضي التحقيق، ورئيس المحكمة او قاض منتدب من طرفه، وقاض اخر من قضاة الحكم للنظر في الإيداع رهن الاعتقال وتمديده كما ان" العمل الجماعي" لقضاة التحقيق سيتم علاوة على ذلك نهجه بخصوص القضايا المتشعبة، الصعبة، والخطيرة" ان أحداث هذا النظام الجماعي يفترض توفر الوسائل. ان الوزارة التي تمتنع عن اعطاء أرقام بشان المناصب التي سيتم احداثها ترى مع ذلك ان التعديل الحالي اقل تكلفة من حيث عدد المناصب المتطلبة من اقتراح Chalandon الذي كان يتطلب65 منصب قاض او من اقتراح Badinter الذي يتطلب حوالي 150 منصبا. ان التعديل الحالي سيخيب ما محالة ظن كل الذين كانوا يأملون خلال السنوات الاخيرة انقلابا حقيقيا لقانون المسطرة الجنائية، لان الهندسة الحالية للنظام تم الاحتفاظ بها. هذا المشروع يذهب مع ذلك - وبوضوح - اكثر بعدا مما سبق ان اقترحه BadinterوChalandon = انه يضمن في الوقت ذاته حس جديدة يلتف حولها الإجماع والمتمثلة في إلغاء الامتياز القضائي، تعديل البطلان " صحيفة العالم الفرنسية بتاريخ 2 اكتوبر1991". ومقتضيات رمزية، وإلغاء النظام الحالي للاتهام " صحيفة العالم الفرنسية بتاريخ 17 اكتوبر1991" وتعديلين هامين: تعميق حقوق الدفاع واحداث هيئة قضائية جماعية يوجد من ضمنها قاضي التحقيق، كما ان الحراسة النظرية سيطالها بدورها تعديل طفيف بموجب هذا المشروع. إلغاء الامتياز القضائي ان القضاة والولاة " عمال الولايات" والولاة النواب والعمداء " العمدة أي رؤساء البلديات " وضباط الشركة القضائية يتابعون حاليا ويحاكمون من طرف هيئات قضائية تعينها الغرفة الجنائية لدى محكمة النقض [ 704 شكاية سنة 1990]. اما المشروع الحالي فينص على إخضاع " هؤلاء الأشخاص المحميين" لقانون المسطرة الجنائية العام الذي يسمح في جميع الأحوال من اجل التشكك المشروع او لفائدة حسن سير العدالة "هذا المقتضى الأخير سيعدل بكيفية تسمح باللجوء اليه بناء على مبادرة من كل الأطراف). تعديل نظام البطلان ان النظام الحالي الذي يؤدي أحيانا الى بطلان المسطرة من اجل مسائل شكلية بحتة ينجم عنه بطء وتعقيد بعض التحقيقات. لذا يفتح المشروع الباب للأطراف بمنحهم حق اثارة البطلان خلال سريان التحقيق " الدفاع والطرف المدني لا يمكنها حاليا القيام بذلك" وينشر بمجموع نظام المسطرة الجنائية النظام الحالي للملفات الجنائية من حيث تطهير البطلان قبل الجلسة". إلغاء الاتهام ان المشروع يفصل بين الاعلام بالأدلة " القرائن" ومباشرة حقوق الدفاع، وتضمن التنصيص على ثلاثة مراحل: " الوضع تحت الاختبار" الذي يسمح بمزاولة حقوق الدفاع منذ فتح التحقيق." الإدخال في الدعوى" عندما تكون القرائن واضحة ومتسقة " يمكن عندئذ إيداع الشخص رهن الاعتقال" و" الوضع موضوع الاتهام" عند إنهاء التحقيق. اما مصطلح " الوضع خارج الدعوى" فحل محل مصطلح عدم المتابعة. من بين 73649 اتهام صدر بشأنها سنة 1990. 7762 أمر بعدم المتابعة أي نسبة 11,12 %. تقوية حقوق الدفاع يقترح المشروع نشر حقوق الدفاع والطرف المدني خلال إجراءات التحقيق وسيكون بوسعهما معا الحق في ان يطلبا من قاضي التحقيق القيام ببعض التحريات " سيما محاضر الاستماع والخبرات ". والأمر الذي يصدر قاضي التحقيق بهذا الشان يجب ان يكون معللا مع قابلية الطعن فيه بالاستيناف الأمر غير المسموح به حاليا. إحداث هيئة قضائية جماعية للوضع رهن الاعتقال وتمديده هذه الهيئة يؤسسها رئيس المحكمة، وتشكل من رئيس المحكمة او قاض منتدب من طرفه ومن قاضي التحقيق المكلف بالقضية وقاضي من قضاة الحكم. ان حضور قاضي التحقيق ضمن هذه التشكيلية تم تبريره حسب رأي الوزارة بانه " الأكثرية قدرة" على إفادة زملائه حول سير القضية الرائجة. وأوامر هذه الهيئة الجماعية ستكون قابلة للاستيناف امام غرفة الاتهام. العمل الجماعي لقضاة التحقيق هذا العمل سيتخذ بخصوص القضايا " المتشعبة، الصعبة والخطيرة"اذ يمكن اثرها لقضاة التحقيق العمل جماعيا منذ فتح التحقيق ويعين أذاك الرئيس واحدا او اثنين او ثلاثة من قضاة التحقيق وكذا أثناء سريان التحقيق مع استصدار موافقة قاضي التحقيق المكلف بالقضية لتعيين الآخرين. تعديل إجراء الحراسة النظرية يقترح المشروع تحديد معيار شرعي للوضع رهن الحراسة النظرية عند البحث التمهيدي من اجل ملاءمة " تناغم" الشروط الموضوعية الخاصة بتمديد فترة الحراسة النظرية وكذا عند التلبس بالجريمة. والشخص المودع قيد الحراسة سيكون بوسعه ان يطلب إخضاعه لفحص طبي منذ بداية هذا التدبير وقبل الاستماع إليه وسيتم اخبار السلطة القضائية" دون اجل بالوضع تحت الحراسة". le mondeعن du jeudi 21 novembre 1991 page 13 موقف دفاعي خطورة جديدة في ميدان الحريات في مقاله المنشور بصحيفة" العالم" الفرنسية عدد 21/11/91 الموما اليه ركز Michel SAPIN على ان الاتهام يعد اعتداء مشينا على مبدأ البراءة. والمفارقة حسب رأيه انه لكي يستفيد الشخص من حقوق الدفاع يجب ان يكون متهما. 1- ان مكافحة المخدرات تجند من اجلها كل الطاقات لكن يكفي نقصان إمضاء بأسفل وثيقة ليتم الإفراج عن المهربين بالجلسة. 2- يتطلب الامر ثلاثة قضاة للحكم على سارق بطاطس بغرامة قيمتها 500 فرنك. 3- بينما قاضي تحقيق منفرد يمكنه ان يضع ولمدة اشهر شخصا رهن الاعتقال الاحتياطي. 4- يجب توفر شروط وظروف دقيقة ليتسنى لعناصر الشرطة مراقبة تحديد الهوية لكن يكفي التمسك " بضرورة البحث" لإخضاع الشخص للحراسة النظرية لمدة 24 ساعة. أنها أربعة أمثلة قدمها Sapin للتدليل على التناقضات التي تشوب النصوص الفرنسية وعدم كفايتها بالنظر الى حقوق الإنسان وحسن سير العدالة . وبالإمكان في رأيه الاستشهاد بأمثلة اخرى. هذه القواعد هي مع ذلك مضمنة بقانون المسطرة الجنائية الذي يجب ان يكون حسب Sapin " كتاب حماية الحريات". وفي الوقت الذي يتابع فيه البرلمان الفرنسي فحص القانون الجنائي الجديد لتعديل اهم مقتضياته الأساسية فانه يرى ان الوقت حان أيضا للنظر في مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية. والتفكير في هذا المشروع انطلق منذ سنة1988 بمبادرة من الحكومة. ومنذ ذلك الحين بدا النقاش يتطور في جو من الإنصات والحوار وتبادل الرأي واصبح الآن الامر بأيدي المسؤولين السياسيين لاتخاذ القرار. ان كل مشروع يتطلب توفر بوصلة " بوصلتي - يقول Sapin تسمى إعلان حقوق الانسان". ويرى ان المشروع يستهدف ضمان الحريات - احترام المساواة - قرينة البراءة - وحقوق الدفاع، وبخصوص البنيات ذاتها للتحقيق فان التعديل يستلهم القانون الذي هيأه سابقا Bdinter سنة 1985 = الابقاء على قضاء التحقيق- العمل الجماعي لقضاة التحقيق - احداث هيئة قضائية جماعية يناط بها البت في الاعتقال ويوجد من ضمنها قاضي التحقيق. ان الهندسة التي تمت المحافظة عليها تمت بقدر كبير أيضا من الاقتراحات المستخلصة من أشغال أعمال اللجنة التي سبق ان ترأسها السيدة Delmas - Marty = تعديل الحراسة النظرية - الامتياز القضائي - البطلان - التوازن بين الأطراف اثناء سريان التحقيق. ويضيف المشروع إلغاء فعل ولفظ الاتهام ويقترح استبداله بمسطرة اكثر احتراما لمبدأ قرينة البراءة. ان اخر تعديل يتعلق بمجموع مراحل المسطرة الجنائية بدءا من الحراسة النظرية ووصولا الى الجلسة يعود الى سنة1897. منذ هذا التاريخ أصبحت ضرورة اتخاذ خطوة الى الأمام مدرجة بجدول الأعمال. بيد انه بالرغم من العديد من المحاولات فان تعديلات دقيقة هي التي ثم اتخاذها ليس الا. الحقوق الأساسية للشخص كان اذن من اللازم حسب Sapin فعل شيء ما. والمحاولة ذاتها تكتسي أهمية من" حجم كبير" والجدل اتخذ دورا وطابعا لاهوتيا بين أنصار الممارسة الاتهامية الانجلوسكسونية وانصار التقليد التحقيقي على الطريقة الفرنسية. ويتساءل Sapin هل كان بالإمكان قلب النصوص والبنيات رأسا على عقب وتغييرها كلية وحذف مهام قاضي التحقيق ونقل التحقيق القضائي الى الضابطة؟ لقد خاطب في مقاله أولئك الذي يودون وضع التحقيق والمكلف به ( القاضي ) بالحضيض " الأسفل" ودعاهم ان ينكبوا على فحص أمثلة من خارج فرنسا. ان تغييرا من الحجم المطلوب " يقصد أنصار قلب النظام القضائي كلية" يعادل قلب مفاعلات طائرة في أعالي الجو ويرى انه أثناء التعديل يجب ان تواصل العدالة الزجرية سيرها ومهامها. وإذا كان بفرنسا بعض رجال القانون يدافعون عن النموذج الجنائي الانجلوسكسوني فان Sapin يرى انه يكفي تجاوز البحر لسماع أعلى السلطات القضائية البريطانية نفسها تجيب بان خيرة رجالات قانونها هناك ينظرون نظرة احترام الى قضاة التحقيق بفرنسا ومسطرتها التحقيقية كما يرون في المناهج الفرنسية الأجوبة الممكنة والملائمة لما يثار لديهم من التساؤلات. ويختمSapin مقاله بان يجب كل يوم استخلاص نتائج جديدة. وانه يجب استقبالا تحقيق مراحل أخرى بقصد تعميق الحريات والديمقراطية. موقف نقد في الاستجواب الذي خصت به الصحافة الفرنسية [العالم العدد أعلاه] عبرت السيدةMireille Delmas -Marty أستاذة بجامعة باريسI"السوربون" والتي كانت ترأس لجنة العدالة الجنائية وحقوق الانسان المؤسسة سنة 1988 والتي قدمت تقريرين اثنين بخصوص اصلاح القضايا الجنائية لوزير العدل سابق Pierre Arpaillange - أقول عبرت عن راي انتقادي لمشروع التعديل وترى انه يتضمن تدابير يخشى ان لا تتحقق أهدافها لانها مطعمة ببنيات صعبة التكييف والتوافق. ذلك ان المشرع كلما استهدف تعميق ضمانات التحقيق بفرض ضغوط " التزامات" جديدة على القاضي كلما تصاعدت آماد المساطر وكلما اصبح اللجوء الى التحقيق هامشيا وثانويا مما يعد مصدرا أوليا للعدد الضخم للاعتقالات الاحتياطية فنسبة القضايا المحالة على التحقيق بالنسبة لقضايا المتابعة انخفضت منذ 1960 من %20 الى اقل من %10. وبخصوص اكثر من%90 من القضايا الجنائية بوشر فيها البحث من طرف الضابطة والنيابة العامة أحيلت مباشرة على المحكمة من اجل المحاكمة. ان السيدة Mireille تفضل بدل اللجوء الى تعديلات مدققة بخصوص مسائل تقنية ذات حساسية شديدة البدء بتحديد روح التشريع بالرجوع الى المبادئ الأساسية وهي بفرنسا عشرة: الشرعية- المساواة بين المتقاضين - الضمانات القضائية - الكرامة الإنسانية للشخص - حماية الضحية- قرينة براءة المتهم - احترام حقوق الدفاع - التوازن بين الأطراف - التعجيل بالمسطرة -التناسب ( التكافؤ). وترىMireille ان توجيهات السياسة الجنائية حسب مشروع التعديل الجديد تفتقر الى الشفافية باعتباره يغيب بعضا من المبادئ الأساسية السالفة الذكر ومنها على الأخص مبدأ التعجيل بالمسطرة رغم ضرورة هذا المبدأ مما كان في رايها من اسباب ادانة فرنسا من طرف المحكمة الأوربية " استراسبورغ" لاتسام المساطر بمدد طويلة مقارنة مع الاتفاقية الأوربية كما ترى Mireille ان المشروع الحالي خال من النظرة الى الآفاق الاوربية وان فرنسا بوسعها في نظرنا ان تلعب دورا قياديا رائدا باقتراح مبادئ من شانها ان تصبح مشترك بين كل دول أوربا. وتمسكت من جهتها بأهمية التقرير الذي سبق ان اقترحته اللجنة التي ترأستها شخصيا وللتدليل على أهمية أوضحت بان نص التقرير المذكور سينشر بالإيطالية. ويترجم الى الإنجليزية وان اعضاء قدامى من تلك اللجنة تم استدعاؤها من طرف عدة دول لتقديم الخطوط الرئيسية للتقرير. وركزت السيدة Mireille في ختام كلمتها على انه الى جانب المبادئ الأساسية المشارة إليها اعلاه المحددة من طرف اللجنة التي سبق ان ترأستها فانه بزغت بأوربا فكرة تجاوز التعارض القائم بين النظام الاتهامي والنظام التحقيقي بقصد الإبقاء على الأفضل من كلا النظامين. فميزة النظام التحقيقي، أهمية المرحلة الإعدادية للدعوى ( القضية) والقواعد المحكمة الضابطة خلال هذه المرحلة للبحث والمحافظة على الأدلة وهو ما يقدره اليوم الانجليزيون. كما ان الفرنسيين يرون ان ميزة النظام الاتهامي تكمن في جعله القاضي حكما محايدا بفصل الوظائف القضائية عن وظيفة البحث مما يسمح بأعاد التوازن بين الاتهام والدفاع. ان هذا الاتجاه -تضيف Mireille - هو الذي يتنامى منذ حوالي 156 سنة بأوربا. ويجب عدم التفريط في فرصة إحداث تعديل طموح من اجل تجسيد نموذج اوربي للمسطرة الجنائية. هوامش وملاحظات : (1) ان القانون لكي يكون عادلا يجب تطويره باستمرار حتى يكون متلائما وما يطفو على السطح من مستجدات تفرض نفسها بإلحاح، على كل من المشرع والقضاء. (2) ان المشروع الحالي لتعديل بعض نصوص المسطرة الجنائية يستند على مشاريع تعديل سابقة منها مشروع وزير العدل سابقا Robert Badinter وتقريري لجنة السيدة Mireille مع العلم انه سبق ان صدر أيضا بفرنسا قانون تحت رقم 643-70 مؤرخ في 17/7/1990 يستهدف ضمانات الحقوق الفردية للاشخاص باحداث تدابير بديلة يلتجئ إليها قاضي التحقيق سميت بتدابير " المراقبة القضائية" بدل اللجوء الى الاعتقال الاحتياطي وذلك بغية تقليص والحد من حدة وشدة الإكثار من هذا الأخير. (3) ان دولة كفرنسا عندما يصدر بها مشروع قانون ذي أهمية تواكبه تغطية إعلامية واسعة وتبادر الصحافة الى نشره مذيلا بتعاليق من مشارب ومصادر مختلفة دفاعية وانتقادية تتوخى إبراز محاسن وثغرات النص في نقاش قانوني رصين يتخطى النظرة الحزبية الضيقة هو تقليد نرى انه قمين الاقتداء. (4) ان السيد Robert Badinterالمشار اليه في هذا التعليق سبق ان شغل حسب علمنا رئيسا للمجلس الدستوري [اذ فرنسا كما نعلم تتوفر على محاكم عادية على رأسها محكمة النقض ومحاكم ادارية على رأسها مجلس الدولة ثم قضاءا دستوريا هاما يتمثل في المجلس الدستوري] وكذا رئيسا للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري الكائن مقرها بتونس. (5) بخصوص المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان الموما إليها اعلاه نوضح انه سنة 1949 عمدت عشر دول أوربية غريبة الى تأسيس " مجلس أوربا" وفي السنة الموالية اصدر المجلس " اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية" وتقرر في هذه الاتفاقية إنشاء " لجنة أوربية لحقوق الإنسان" و"محكمة أوروبية لحقوق الإنسان" فهل لم يأت بعد الوقت لتأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان؟ (6) اتخذ المغرب مؤخرا بادرة تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تمخضت عنه مقترحات بلور بعضها في نصوص قانونية وتشريعية كما انبثقت منه لجنة للمتابعة تمخض عنها اصدار مناشير تعنى باحترام الحقوق صادرة عن كل من وزارتي الداخلية والعدل فضلا عن عزم المغرب على إحداث قريبا محاكم ادارية لاستكمال دولة القانون ونوقش مؤخرا بلجنة التشريع بالبرلمان المغربي تعديل لمقتضيات الماديتين156 و406 من قانون المسطرة الجنائية يرمي الى الإفراج عن المتهم عند استيناف النيابة العامة لقرار الإفراج المؤقت المتخذ من طرف قاض التحقيق والمحكمة وهو تعديل يقوي من صلاحيات القضاء الجالس على حساب سلطات الاتهام وهو الاتجاه السائد باوربا كما أشير اليه أعلاه كما ان من شانه التخفيف من وطأة الاعتقال. (7) للإحاطة بمبدأ قرينة البراءة وخصوصيات النظام الاتهامي على الطريقة الإنجليزية والنظام التحقيقي على الطريقة الفرنسية المشار إليهم في هذا التعليق نحيل القارئ على المؤلف الهام الذي هو عبارة عن رسالة دكتوراه المعنون " قرينة البراءة" la présomption d'innocence لمؤلفه الدكتور جلال السعيد. (8) نختم هذا التعليق بالقول كل حرية اذا كان بفرنسا من يرون بان هذه الاخيرة بوسعها ان تلعب دورا قياديا على الصعيد الأوربي في مجال قانون المسطرة الجنائية وهو قانون حماية الحريات كما قيل والقانون الجنائي فإننا من جهتنا نرى ان المغرب الذي يشكل صلة وصل بين أوربا وافريقيا يتوفر على المؤهلات التي تخوله القيام بدور ريادي في الميدان القضائي عموما وذلك على صعيد المغرب العربي سيما في حالة متابعة ومواصلة إصلاح وضعية المحاكم العادية والإدارية منها وتعميقه استقبالا صلاحيات القاضي الدستوري" الغرفة الدستورية" ويمكن منذ الآن التنبؤ بان العشر سنوات المقبلة ستعرف مخاضا حيويا في مجالات التشريع وثراءا سيقع على القضاء عبء بلورته في اجتهادات قضائية تواكب وتساير المرحلة المقبلة. * مجلة المحاكم المغربية، عدد 64-65، ص 43. مرسلة بواسطة el mahfoudi في 10:36 AM 0 التعليقات undefined undefined مساطر التبليغ في المادة الجبائية السيد ابراهيم احطاب يهدف القانون الجبائي الى وضع القواعد القانونية الكفيلة بضمان توزيع عادل لتحملات الدولة بين جميع المواطنين في اطار الاحترام التام لمبدا العدالة والمساواة. وقد تم تجسيد مضمون هذه المهمة الصعبة بتضمينها على اعلى مستوى من خلال الفصل 13 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويسود الاعتقاد بان القانون بسعيه الى تحقيق هذه المهمة جد محدود الدور والهدف، فهو في ابعد حدوده ليس الا دورا تقنيا، غير ان ثمة مهام اخرى يطلع بها هذا القانون باعتباره احدى الأدوات العملية لتحقيق السياسة الاجتماعية ووسيلة من وسائل التنمية الاقتصادية، تسمح بتجسيد حقيقي لمفهوم الدولة التدخلية. وعلى الرغم من اهمية هذا الفرع من القانون وارتباطه الوثيق بنشاطات الافراد والجماعات، فانه مع ذلك لم ينل بعد حظه من البحث والدراسة، فكثيرة هي الموضوعات القانونية الجديرة بالتناول تشريعا وفقها وقضاء كالتقادم ومساطر التصحيح والتبليغ والطبيعة القانونية للجزاءات وغيرها كثير. ووقوفا اليوم عند موضوع مساطر التبليغ لم يكن اعتباطيا بقدر ما أملته الرغبة في رصد خصوصيات هذه المسطرة في المادة الجبائية. وهي بطبيعة الحال لن تتطابق مع تلك الموجودة في المسطرة المدنية. لذلك فان هذه المقالة من شانها ان تفي بالغرض في الاحاطة بجميع الجوانب المتعلقة بالتبليغ، لان المكان الطبيعي لذلك هو المؤلفات الفقهية، لكن الى ان يدرك ذلك، لا باس من طرح ارضية للنقاش نثير فيها ما يجب اثارته سواء فيما يتعلق بطرق التبليغ واثباته على مستوى ربط الوعاء الضريبي، او فيما يتعلق بالتبليغ الذي يهم اجراءات التحصيل، لنختم ذلك بايراد وجهة نظر حول الموضوع. المبحث الاول اجراءات التبليغ لربط الوعاء الضريبي ---------------------------------------- ان المتتبع لمختلف النصوص الضريبية، سيلاحظ ان مسطرة التبليغ في المادة الجبائية تاخذ حيزا كبيرا من الاهمية، فهي مرحلة يتم خلالها تبادل العديد من المراسلات في الاتجاهين بين الادارة والملزم صيانة لمبدا الحق في الدفاع من جهة كضمانة رئيسية للملزم، وحماية للتحمل الضريبي كحق اساسي للخزينة لا يجوز التفريط في استخلاصه الا بتحقق اسباب وجيهة لذلك، من جهة اخرى. وهكذا فان رصد مسطرة التبليغ في هذه المادة سيؤدي بنا الى القول بان المشرع لم يشان ان يخضع تبليغ مراسلات الادارة وقراراتها الى الخاضعين للضريبة لنفس طرق التبليغ المعمول بها في الفصول 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية، مبقيا بذلك على طريقة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل المعتمدة سواء بالنسبة للضريبة الثلاثية أي الضريبة العامة على الدخل (1) والضريبة على الشركات (2) والضريبة على القيمة المضافة (3)، او بالنسبة لباقي الضرائب الاخرى كالضريبة على الارباح العقارية (4) والضريبة المستحقة على عوائد الاسهم (5) ورسوم التسجيل (6) وغيرها. -------------------------- 1) المحدثة بقانون رقم 17-89 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-89-116 بتاريخ 21 نونبر1989، الجريدة الرسمية عدد 4023 بتاريخ 6 دجنبر1989. 2) القانون رقم 86-24 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-86-239 بتاريخ 31 دجنبر1986. 3) القانون رقم 30-85 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-85-347 بتاريخ 20 دجنبر1985، ج ر عدد 3818 بتاريخ 1 يناير1986. 4) المحدثة بموجب الفصل الخامس من قانون المالية لسنة 1978 رقم 1-77 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-77-372 بتاريخ 30 دجنبر1977، ج ر عدد 3400 مكرر بتاريخ 31 دجنبر1977. 5) المحدثة بالقانون المالي الانتقالي رقم 47-95 لسنة 1996 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-95-243 بتاريخ 30 دجنبر1995 ج ر عدد 4339 مكرر بتاريخ 31 دجنبر1995. 6) المنظمة بموجب المرسوم رقم 2-58-1151 بتاريخ 12 جمادى الثانية 1378 موافق 24/12/1958 ج ر عدد 2416 بتاريخ 13/2/1958. ----------------------------- الا انه مع دخول قانون المالية لسنة 1995 (7) حيز التنفيذ، تم اعتماد طرق جديدة في التبليغ، ومع ذلك فان هذا المستجد لم يكن ليفي بالغرض لبقاء وسيلة البريد المضمون هي الطاغية على باقي الطرق الاخرى، بل ان الحديث عن هذه الاخيرة يظل مرهونا بتعذر اعتماد الاولى، وهو ما حمل المشرع الى التدخل من جديد بموجب قانون المالية لسنة 2001 (8). اولا : مستجدات قانون المالية لسنة 1995 : ان التدابير الجديدة التي جاء بها قانون المالية لسنة 1995 هي المطبقة بالنسبة لكل الضرائب المباشرة والرسوم المشابهة لها اضافة الى الضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل . ولقد توخى المشرع من هذا التعديل تنويع اجراءات التبليغ المعمول بها مع جعلها اكثر فعالية ومرونة قصد تدارك عنصر الزمن الذي يستغرقه التبليغ بالبريد المضمون، لا سيما اذا رجعت هذه الرسائل بعبارة غير "مطالب بها" او بملاحظة " عنوان ناقص" وغير ذلك، ومن جهة اخرى وضع حد لمراوغات بعض الملزمين ذوي النيات السيئة. ومن المفيد بيانه ان نطاق الاجراءات الجديدة للتبليغ تتعلق اساسا بحالات فرض الضريبة بصورة تلقائية في حالة تقاعس الملزم عن الوفاء بالتزاماته، وكذا حالات تصحيح اساس فرض الضريبة، او عند اعمال الجزاءات المترتبة عن المخالفات المتعلقة بحق المراقبة والاطلاع. كما وقع تمديد هذه المقتضيات الى مسطرة الطعن امام اللجنة الوطنية بمقتضى قانون المالية لسنة 96-97 (9). وهكذا فان القانون المالي لسنة 1995 لم يسمح باللجوء الى الطرق التبليغية الاخرى الا بعد تعذر استعمال وسيلة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل، فلا يسمح التبليغ بواسطة الاعوان المحلفين التابعين لادارة الضرائب او اعوان كتابة الضبط او الاعوان القضائيين او الطريقة الادارية الا بعد تعذر الوصول الى الملزم عبر البريد المضمون. ----------------------------- 7) الجريدة الرسمية عدد 4287 مكرر بتاريخ 28 رجب 1415 بتاريخ 31 دجنبر1958. 8) قانون المالية رقم 55-00 للسنة المالية 2001 ج ر عدد 4861، بتاريخ 2001. 9) ج ر عدد 4391 بتاريخ 1 يوليوز1996. ------------------------------ كما ان تعذر الوصول الى الملزم والمبني على اساس رفض التسلم يقوم مقام التبليغ الصحيح بعد مرور عشرة ايام على هذا الرفض (10) اما رجوع الرسالة بعبارة "غير مطالب به" فهو لا يعتبر تبليغا وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي منذ مدة طويلة (11). وسيرا على هذا المنحى يرى البعض بان على الادارة ان تثبت لجوءها الى مسطرة البريد المضمون اولا، واثبات هذه الوسيلة في تبليغها، والا ترتب عن ذلك بطلان الاجراء المبلغ خلافا لذلك سواء كانت مسطرة تصحيح او غيرها بالنسبة للضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل والضريبة على الارباح العقارية والضريبة المهنية والضريبة الحضرية، ويعتبر تبليغا صحيحا ذلك الذي يتم وفق هاته المسطرة بالنسبة للضرائب، اعلاه، وينتج بالتالي جميع اثاره، لكن على ان تحترم شروط معينة فيما يرجع لمكان التسلم والشخص المسلم له (12). يترتب على ذلك ان منازعة الملزم في طبيعة المسطرة المتبعة قبل فرض الضريبة عليه، يعني ضرورة الادلاء بالرسائل التي وجهت للملزم والتي رجعت بعبارة " عنوان ناقص" او " غير مطالب به" الى القضاء على حالتها دون فتحها . -------------------------- 10) تنص الفقرة الخامسة من الفصل 39 ق م م على انه : " يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر من طرف او الشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء". 11) في بداية الامر كان الاجتهاد القضائي يعتبر ان عدم القيام بسحب الرسالة المضمونة من مركز البريد يعتبر بمثابة رفض التوصل، الا انه سيتراجع عن هذا الاتجاه واعتبر ان عدم سحب الرسالة المضمونة لا يفيد رفض التوصل، قرار عدد 147 صادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 27/3/1974، في حين ان القضاء الاداري الفرنسي اعتبر ان رجوع الرسالة الى المرسل بعبارة " غير مطالب بها" يعتبر بمثابة التوصل القانوني بعد ارسال اشعار للمعني بالامر بوجود الرسالة رهن اشارته، وان عدم سحبها بعد مرور الاجل المحدد له تترتب عنه جميع الاثار القانونية قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 6 دجنبر1972 رقم 82213 وقرار 25 ابريل1984 رقم 41712 واخر بتاريخ 24 يوليوز1987، منشور في " Le contentieux fiscal" Francis le FEBVRE feuillet 22 Juillet 1995 : 12) ذ. محمد السماحي مسطرة المنازعة في الضريبة طبعة 1997- ص 201. ----------------------------- هذا وان التبليغ الذي يتم في المرحلة الاولى عن طريق البريد المضمون يوجه الى الملزم بالعنوان المبين في اقراراته او عقوده او مراسلاته مع المصالح الجبائية المختصة، ويشترط لصحة التبليغ توجيه الوثيقة المراد تبليغها في ظرف مغلق مشفوع بشهادة تسليم تحرر في نظيرين بمطبوع معد من طرف الادارة ويتضمن مجموعة من البيانات كاسم وصفة العون الذي قام بالتبليغ وتاريخه وهوية الشخص المتسلم للوثيقة وتوقيعها. فهذه البيانات تعتبر جوهرية ويترتب على اغفالها بطلان التبليغ المترتب عليه، فاسم وصفة الشخص القائم بالاجراء مثلا بيان جوهري يسمح بمراقبة اهلية هذا الشخص للقيام بهذا الاجراء. وبالتالي فمجرد تخلف هذه الاهلية يمكن ان يؤدي الى بطلان التبليغ وبالتبعية لذلك اسقاط النتائج المترتبة عنه كالضريبة المؤسسة او اسس التصحيح المزمع اعتمادها. عملا بقاعدة ما بني على باطل فهو باطل . كما ان اغفال تضمين تاريخ التبليغ في شهادة التسليم او هوية الشخص المتسلم يعني التجهيل ببيانات جوهرية لا يمكن للتبليغ ان يقوم صحيحا بدونها. ونفس الحكم ينطبق على اغفال التوقيع، فالتوقيع هو وحده الدليل على التسلم، فاذا لم يستطع الملزم او من ينوب عنه توقيع شهادة التسلم او رفض توقيعها، وجب على العون المبلغ ان يشير الى ذلك في الشهادة مع الاشارة الى السبب الذي حال دون التوقيع. وتعد الوثيقة مبلغة بصورة صحيحة اذا تم تبليغها الى الملزم نفسه في محل اقامته او محل عمله او محله المختار او الى اقاربه او خدمه او أي شخص اخر يسكن معه. اما بالنسبة للشركات والاشخاص الاعتبارية العامة، فان التبليغ يعد صحيحا بتسليم المطلوب الى الشريك الرئيسي للشركات والهيئات المنصوص عليها في المادة 8 من القانون المنظم للضريبة العامة، على الدخل، او الممثل القانوني للشركة او للشخص الاعتباري المعني او الى احد المستخدمين او الى أي شخص اخر يعمل مع الشركة المعنية (13). ثانيا : الوضع في قانون المالية لسنة 2001 لا يخفى اذن ان تدخل المشرع بموجب قانون المالية لسنة 1995 باضافة طرق جديدة للتبليغ كان تدخلا محتشما بتركيزه على طريقة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل كمنطلق للتبليغ، في حين ان باقي الطرق لا تعدو ان تكون تكميلية، خلافا للوضع في قانون المسطرة المدنية الذي يسوي بين جميع الطرق المنصوص عليها في الفصل 37 م م (14). ان وجود هذه الثغرة المفتوحة امام الملزمين ذوي النية السيئة للتملص من واجباتهم الضريبية بسبب غيابهم المقصود عن عناوينهم لتفادي تسليم رسائل التبليغ الموجهة اليهم، وبالتالي محاولة عرقلة مسطرة التبليغ قدر المستطاع، هو الذي دفع المشرع الى التدخل مجددا بموجب قانون المالية لسنة 2001 فعدل بين مقتضيات المادة 50 مكررة من قانون 24-86 المنظم للضريبة على الشركات والمادة 112 مكررة من قانون رقم 17-89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل وكذا المادة 56 مكررة من قانون رقم 30-85 المنظم للضريبة على القيمة المضافة والفصل 12 مكرر من مرسوم 24 دجنبر1958 المتعلق بمدونة التسجيل، فنص على ان التبليغ يتم بالعنوان الذي حدده الخاضع للضريبة في إقراراته او عقوده او مراسلاته المدلى بها الى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه اما برسالة مضمونة الوصول مع اشعار بالتسلم او بالتسليم اليه بواسطة المامورين المحلفين ---------------------------- 13) اذا كان الفصل 516 م م ينص على توجبه الاستدعاءات والتبليغات الى الممثل القانوني للشركات والاشخاص الاعتبارية الاخرى بصفته هذه، فان ذلك لا يمنع من ان يقع التبليغ في موطن هذا الاخير او الى اقاربه او خدمه او لكل شخص اخر يسكن معه طبقا لمقتضيات الفصل 38 م م يراجع في هذا الاطار قرار المجلس الاعلى رقم 472 بتاريخ 15 فبراير1993 في الملف المدني عدد 85-3618 منشور : بقرارات المجلس الاعلى في المادة المدنية 1996-1958 منشورات المجلس الاعلى في ذكراه الاربعين 1997 ص 195. 14) ينص ق 37 على انه : " يوجه استدعاء بواسطة احد اعوان كتابة الضبط او عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل او بالطريقة الادارية، اذا كان المرسل اليه يسكن خارج المغرب يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الاداري على الطريقة الدبلوماسية عدا اذا كانت مقتضيات الاتفاقيات الدولية تقضي بغير ذلك". -------------------------- التابعين لادارة الضرائب او اعوان كتابة الضبط او الاعوان القضائيين او بالطريقة الادارية. فبموجب هذا التعديل اصبح الان بمقدور مفتش الضرائب ان يختار الطريقة الملائمة لتبليغ مراسلاته الى الملزم، فيسترسل في طريقة البريد المضمون بالنسبة الى الملزم الحريص على الوفاء بالتزاماته، متجاوزا عن هذه الطريقة الى وسيلة اكثر فعالية ونجاعة أي التسليم المباشر بالنسبة الى ملزم اعتاد التهرب والتملص باجتنابه كل محاولة للتبليغ تتم في مواجهته. والشيء الجديد ايضا في هذا القانون هو ان المشرع الجبائي اعتبر رفض التسلم بمثابة التبليغ الصحيح بعد مرور عشرة ايام على هذا الرفض، مكرسا بذلك نفس القاعدة المنصوص عليها في الفقرة 5 من المادة 39 م م التي اشرنا اليها اعلاه . وعلى الرغم من ان التطبيق العملي هو الذي سيوضح مكامن القوة والضعف في هذا التعديل، فانه يمكن الجزم منذ الان على انه عامل مساعد على التدبير الجيد لعنصر الزمن من خلال تقصير وايجاز المدة الزمنية التي قد تستغرقها سير المسطرة في مواجهة ملزم بالضريبة باستعمال طريقة البريد المضمون التي هي ليست دائما مضمونة النتائج ثم انه مدخل اساسي للارتقاء بعمل المفتش الى الافضل والمردودية بالبحث عن العناصر المشكلة للوعاء الضريبي عوض الاشتغال في نسخ الرسائل تلو الرسائل . المبحث الثاني اجراءات التبليغ في القانون رقم 15-97 المتعلق بمدونة التحصيل ----------------------------------------------------------------- كان تحصيل الضرائب يتم وفقا للاجراءات المنصوص عليها في ظهير 21 غشت 1935 المتعلق بتنظيم المتابعات في ميدان الضرائب المباشرة والرسوم المشابهة والديون الاخرى المستحقة للخزينة. وقد ابانت التجربة عن قصور مقتضيات هذا الظهير بالنظر الى كثرة التقاطع بين احكامه نتيجة التعديلات التي ما فتئ المشرع يتدخل بها وهو ما اثر بشكل سلبي على كيفية تطبيقه، وبالتبعية لذلك تعذر الوصول الى استخلاص افضل لديون الدولة (15). لذلك اضطر المشرع للتدخل مجددا بموجب القانون رقم 97-15 بمثابة تحصيل الديون العمومية (16)، فنص في المادة الرابعة منه على ان الديون العمومية تستوفى اما عن طريق الاداء التلقائي بالنسبة الى الحقوق الواجب دفعها نقدا او بواسطة تصريح الملزمين بالنسبة للضرائب المصرح بها، او بموجب اوامر بالمداخيل فردية او جماعية يتم اصدارها على شكل جداول او قوائم ايرادات او مستخرجات حسب نوع الرسم . ويتعين على الادارة لهذا الغرض اخبار الملزمين بتواريخ الشروع في تحصيل جداول الضرائب والرسوم واستحقاقها بكل وسائل الاخبار بما فيها تعليق الملصقات، وترسل الجداول وقوائم الايرادات الى المحاسب المكلف بالتحصيل خمسة عشر يوما قبل تاريخ الشروع في التحصيل. وحسب المادة 5 من هذا القانون، فان الاعلام بالضريبة يرسل عن طريق البريد العادي في ظرف مغلق الى الملزم المقيد بالجداول او قوائم الايرادات، وعلى ابعد تقدير عند تاريخ الشروع في التحصيل، ويجب ان يبين هذا الاعلام المبلغ الواجب دفعه وتاريخي الشروع في التحصيل والاستحقاق . الملاحظ ان المشرع تفادى الزام الادارة بتبليغ الملزمين باعلامات الضريبة، واكتفى بعبارة " يرسل" عوض " يبلغ" وذلك فقط بالنسبة لهذه المرحلة الرضائية من التحصيل فيكفي ان تبادر الى اخبار الملزمين بتواريخ الشروع في التحصيل بكل وسائل الاخبار الممكنة واقلها تعليق الملصقات . -------------------------- 15) فالخزينة ناذرا ما تفلح في تحصيل اكثر من 50 % من الضرائب المستحقة في موسم مالي واحد، Al Maliya N° 32 Mai 2000 p 10 16) القانون الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-00-75 بتاريخ 3 مايو2000 الجريدة الرسمية بتاريخ 1 يوينو2000. ------------------------ غير ان المشرع بقدر ما اكتفى بالاخبار بكافة الطرق عند المطالبة الرضائية، نجده عند تنظيمه للتحصيل الجبري يتحدث عن التبليغ، فبعد ان نص في المادة 39 من قانون 15-97 على ان تباشر اجراءات التحصيل حسب الترتيب التالي : الانذار فالحجز فالبيع فالاكراه البدني عند الاقتضاء، قرر في المادة 41 على انه " لا يمكن تبليغ الانذار الا بعد مضي اجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ الاستحقاق، وعشرين يوما على الاقل بعد ارسال اخر اشعار". ويباشر هذا التبليغ اما عن طريق ماموري التبليغ والتنفيذ التابعين للخزينة او عن طريق السلطة المحلية او عن طريق البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل . مقارنة بطرق التبليغ على مستوى ربط الضريبة، نجد ان مشرع قانون 15-97 سكت عن اعتماد طريقة التبليغ بالاعوان القضائيين، ولعل السبب في ذلك راجع الى كون مصالح الخزينة تتوفر على جهاز خاص بالمتابعات مما يغنيها عن الاستعانة بالاعوان القضائيين. ويبلغ الانذار للشخص نفسه في ظرف مختوم في موطنه او لاقاربه او مستخدميه او أي شخص اخر يسكن معه، مع توقيعه على شهادة التسليم او يشار فيها الى عجزه عن التوقيع، واذا رفض التسلم ضمن ذلك في الشهادة بحيث يعتبر التبليغ صحيحا في اليوم الثامن للتاريخ الذي تم فيه رفض التسلم. واذا تعذر تسليم الانذار نظرا لعدم العثور عليه، او على أي شخص اخر في موطنه او محل اقامته، اعتبر الانذار مبلغا تبليغا صحيحا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ تعليقه في اخر موطن له. وحسنا فعل المشرع المغربي باعتباره التسليم صحيحا عند انصرام اجل عشرة ايام من تاريخ تعليق الانذار في اخر موطن للمدعي، اذ من شان هذا الاجراء حفظ حقوق الخزينة من السقوط بالتقادم في مواجهة الملزمين الذين تعذر الوصول اليهم لسبب من الاسباب غير الامتناع من التوصل. وعلى الرغم من اهمية هذا المقتضى الجديد في التبليغ، والذي يشكل تجاوزا لما جاء به قانون المالية لسنة 1995 على مستوى اجراءات التبليغ الخاصة بالربط الضريبي، فان ثمة صعوبات تحد من فعاليته ترتبط اساسا باثبات واقعة التعليق باخر موطن، إذ لا يوجد بالنص ما يفيد طريقة وكيفية الاثبات، سيما وان القاعدة تقتضي ان لا يستفيد الخصم من دليل من صنع يده، كما ان هذه الطريقة وان كانت في الحقيقة امتيازا لصالح الخزينة العامة، فانه لا ينبغي اعتمادها كقاعدة في تعاملها مع الملزمين بشكل قد يكشف العجز البين في ملاحقة مدينها، ثم انها مطالبة باثبات سلوكها لباقي الاجراءات قبل اللجوء الى هذه الطريقة كاستثناء لا ينبغي التوسع فيه الا للضرورة، والضرورة باحكامها كما يقال . واخيرا تنبغي الاشارة الى انه بالنظر الى الاثار القانونية المترتبة، فانه يتعين ان يتضمن جميع البيانات والمعلومات التي تفيد المدين في معرفة طبيعة وتفاصيل الدين المطالب به وكذا الضمانات والرخص الممنوحة له، تحت طائلة الحكم بابطاله لهذه الغاية. في هذا السياق جاء في حكم للمحكمة الادارية بالرباط بتاريخ 20/1/2000 ما يلي : " وحيث ان الانذار لا يتضمن نوع الضريبة والرسوم المطلوب استخلاصها، مما يجعله خاليا من البيانات الاساسية …. وحيث والحالة هذه تكون الوسيلة المعتمدة من طرف المدعي مرتكزة على اساس، وبالتالي يتعين اعتمادها، والتصريح لذلك ببطلان الانذار المتعرض عليه" (17). المبحث الثالث بطلان اجراءات التبليغ -------------------------------- البطلان من مشكلات القوانين الاجرائية، فهذه القوانين تعنى برسم شكليات معينة تحقق حماية قانونية للاطراف (18)، فاذا تخلفت هذه الشكليات ------------------------------ 17) اورده عبد الرحمان ابليلا ورحيم طور في مؤلفهما " تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة ( قانون 15-97) طبعة سنة 2000 مطبعة الامنية بالرباط ص 40. 18) ابو الوفاء : " ملامح البطلان في التشريعات الحديثة" محاضرة القيت في عمان في يوليوز1981 منشورة بمؤلفه : " نظرية الدفوع في قانون المرافعات" منشاة المعارف بالاسكندرية ص 917. ------------------------------- تمت التضحية بالحق لفائدة الشكل، نتيجة بطلان الاجراءات. فالبطلان اذن هو الوصف الاجرائي الذي يلحق عملا معينا لمخالفة القانون ويؤدي الى عدم ترتيب الاثار القانونية عنه بسبب ما شاب الاجراء من عيب (19). واذا كانت التشريعات قد اختلفت في معالجتها للبطلان بين اتجاه يجعله بيد المشرع وفقا لمبدا " لا بطلان بدون نص" واخر يجعله معلقا على تحقيق الضرر (20) فانه من ذلك فان التشريعات الحديثة بدات تتخلص من الشكلية الاجرائية العميقة وذلك بربط البطلان بتحقق الغاية من الاجراء، فاذا تحققت الغاية كان الاجراء صحيحا ولو نص القانون على البطلان (21). في القانون الجبائي حيث قواعده من النظام العام، فان عدم سلوك اجراءات التبليغ السابقة على فرض الضريبة والتي تعتبر اجراءات امرة، يترتب عنه البطلان (21). وقد عبر احد الباحثين الفرنسيين (22) على هذا الاتجاه عندما دعا الى ايجاد مسطرة خاصة بالمنازعة الجبائية، تتلاءم والطبيعة القانونية لهذه المنازعات فهي وان كانت تتسم بكونها منازعة فردية فهي مع ذلك ذات طبيعة موضوعية تشترط فيها المساواة الموضوعية وهو ما ينسجم مع كون القانون الجبائي من النظام العام، ما دام ان احداث الضريبة كغاية متميزة يستهدف تحقيق المنفعة العامة، وليس المنفعة الخاصة. وبالتالي فان وضعية الملزم بالضريبة هي وضعية موضوعية ناتجة عن كون الالتزام بادائها ينشا من القانون الجبائي مباشرة وذلك خدمة لمبدا مساواة الافراد في تحملهم للاعباء العامة. ----------------------------- 19) عبد الله العبدوني : " مسطرة بطلان اجراءات التبليغ في ضوء العمل القضائي المغربي" مقال منشور بمجلة الاشعاع عدد 20 سنة 1999- ص 33. 20) ابو الوفاء " نظرية الدفوع" ص 290. 21) والفصل 49 م م لا يخرج عن هذا السياق بقوله في الفقرة الثانية : " يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والاخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي الا اذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا". 22) LOUKAS Théocharopoulos "la juridiction fiscale héllénique" publiée au " juge fiscale" collection finances publique - 1988 page 233 et 234. -------------------------------- ان قراءة متأنية لهذا الاتجاه الفقهي يؤدي بنا الى التساؤل عن حدود صلاحيات القاضي الاداري، وهو يبث في منازعة ضريبية، مناطها طلبات الملزم المدعي المسطرة بمقال الدعوى. بغض النظر عن النقاش الفقهي الذي يمكن ملامسته في هذا الاطار نرى ان الحل المناسب يكمن في وجوب التمييز بين العيوب والاخلالات الموضوعية او الجوهرية وبين الاخلالات القانونية. بالنسبة للاولى فان القاضي ملزم بالبث في حدود الطلبات المسطرة بمقال الطعن دون غيرها، وهي القاعدة المنصوص عليها في الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية (23). اما بالنسبة للثانية حيث القرار المنشا للضريبة يبدو معيبا من الزاوية القانونية، فان قاضي الضرائب يملك من الصلاحيات ما يؤهله لاثارة هذا العيب تلقائيا، حفاظا على المشروعية التي يجب ان تسود الاعمال الادارية بشكل عام (24) ومثال هذه الحالة سوء تطبيق القانون على وقائع معينة، او تطبيق نص ملغى، او حرمان الملزم من مزايا قانونية وغير ذلك، لكن ما الحكم بالنسبة لعيوب مسطرة التبليغ ؟ ان اجراءات التبليغ هي من الوسائل القانونية التي تم اقرارها لفائدة الملزم حفاظا على حقوقه في الدفاع من جهة تم تكريسا للحوار الذي يجب ان يسود بين الملزم والادارة الجبائية في شكل مسطرة تواجهية من جهة اخرى. لذلك فان كل اخلال في تطبيق مساطر التبليغ يترتب عنه البطلان يستوي في ذلك عدم القيام بها اصلا او تطبيقها بشكل معيب لا يسمح للملزم بان يكون على بينة من امره كما لو تم اغفال بعض البيانات الجوهرية فيه، او عدم تضمين وثيقة التبليغ للاسس المزمع اعتمادها في حالة وجود مسطرة تصحيح --------------------------- 23) تنص المادة 7 من قانون 90-41 المنظم للمحاكم الادارية على انه : " تطبق امام المحاكم الادارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك". 24) Thierry AL MBERT-Jean. Jacques NEUER " le droit du contentieux" Edition ECONOMICA page 120. --------------------------- ضريبية او عدم اعطاء الملزم الاجل الكافي لابداء دفاعه قبل فرض الضريبة عليه، وغير ذلك من الاسباب الوجيهة بابطال التبليغ . غير ان هذا الحكم لا ينطبق على اطلاقه، فثمة حالات تتحقق فيها الغاية من التبليغ ولو تم تجاوز بعض الشكليات التي لا تنال من صحته، ومثال هذه الحالة مكان تحقق التبليغ. في هذا الصدد نورد حيثيات من قرار للمحكمة الادارية بالدار البيضاء قضي بعدم كفاية حصول التسليم وحده ما لم يرد هذا التبليغ في شكله القانوني فقرر بان " مفتش الضرائب ملزم في اطار اجراءات التصحيح بتوجيه رسالة ثانية موصى بها مع الاشعار بالتسليم، بعد تلقيه جواب الخاضع للضريبة على الرسالة الاولى، وان تسلم الملزم لنسخة من الرسالة الثانية بمكتب المفتش وجوابه عنها لا تجعل هذا الاخير في حل من سلوك اجراءات التصحيح بصورة قانونية (25). ومن جهة اخرى فان الادارة الجبائية مبدئيا غير ملزمة بسلوك مسطرة التبليغ قبل الفرض التلقائي للضريبة في الحالة التي يقوم فيها الملزم بتغيير محل اقامته او موطنه الجبائي بدون تقديم تصريح بذلك الى الادارة (26) اذ لا فائدة ترجى من سلوك هذه المسطرة في مواجهة ملزم غير حريص على اتخاذ التدابير الكفيلة بتامين توصله بالمراسلات الموجهة اليه، واقل هذه التدابير اشعار الادارة بتغيير محل اقامته او موطنه المختار. المبحث الرابع وجهة نظر --------------------------- لقد حاولنا على امتداد محاور هذا البحث ان نبرز خصوصيات التبليغ في المادة الجبائية سواء فيما يتعلق بربط الضريبة او باستخلاصها متتبعا في ذلك المنحى التشريعي المؤطر لاجراءات التبليغ في القوانين الضريبية ومقارنتها عند ------------------------- 25) حكم المحكمة الادارية بالدار البيضاء رقم 473 بتاريخ 2/12/1994 في الملف رقم 102-98 غ غير منشور 26) François Pillet "Guide pratique de la procédure fiscale", deuxième édition "Litec" - page 49 ------------------------- الاقتضاء بطرق التبليغ الواردة في قانون المسطرة المدنية. الشيء الذي يفضي بنا الى خلاصات نتوخى منها ابراز جوانب القوة والضعف في مساطر التبليغ في القانون الجبائي المغربي . اولا : فيما يتعلق بتاسيس الوعاء الضريبي اذا كان قانون المالية لسنة 2001 قد سمح بتجاوز السلبيات المترتبة عن هيمنة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل على طرق التبليغ الاخرى بحيث حل مبدا المساواة بين هذه الطرق محل مبدا التراتبية التي كان معمولا بها في ظل قانون المالية لسنة 1995. فانه مع ذلك ينبغي ان نقرر ان الحد من مشاكل التبليغ لا تتوقف فقط على خلق مساطر جديدة للتبليغ، بل اساسا باعادة قراءة وتحيين هذا القانون من خلال ادخال بعض المفاهيم التي لا مناص منها وهي : 1- اعتماد مفهوم الموطن الجبائي : فهذا المفهوم هو الذي يميز في الحقيقة طرق التبليغ في القانون الجبائي عن تلك المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، ويجسد خصوصية قانون الشكل في المادة الجبائية. يترتب عن ذلك ان الموطن الجبائي هو الذي يلزم فقط الادارة دون غيره من العناوين، فتعين هذا الموطن عند محام او مكتب للاستشارة القانونية والمحاسبتية، يترتب عنه سريان اثار التبليغ في مواجهة الملزم. وسندنا في هذا القول هو انه بالرجوع الى بعض النصوص الضريبية كالمادة 35 من قانون 30-85 المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة والمادة 26 من قانون 24-86 المنظم للضريبة على الشركات وكذا المادتين 5 و5 مكرر من القانون رقم 17-89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل، نجدها ترتب التزاما على الشركات والمقاولات الفردية بالتصريح بنقل مقراتها او تغيير عنوانها، الا انه يلاحظ عدم التناسق بين هذه المقتضيات والمقتضيات الاخرى المنظمة لمساطر التبليغ . فمن المسلم به ان الشركات التي لا تتقيد بهذا الالتزام يعني انها لن تتوصل بالمراسلات الموجهة اليها، فهل تباشر المسطرة اذن في مواجهة شركة مهملة ؟ 2- انه اذا كان قانون 15-97 المنظم لتحصيل ديون الدولة قد سجل قفزة نوعية على مستوى طرق التبليغ عندما نص في الفقرة الاخيرة من الفصل 43 على انه متى تعذر تسلم الانذار نظرا لعدم العثور على الملزم او من يمثله، اعتبر التسليم صحيحا بعد انصرام عشرة ايام من تاريخ تعليق الانذار في اخر موطن للمدعين فانه بالمقابل لذلك، وقياسا على هذه المسطرة، يناسب ادخال مؤسسة القيم المنصوص عليها في الفصل 39 م م لمباشرة الاجراءات ضده عند تحديد الوعاء الضريبي لملزم لم يظهر له اثر، ولا يتنافى هذا مع وجود مسطرة استعجالية خاصة بحالات التوقف او التخلي او مغادرة البلاد . فاجراء مسطرة التبليغ وغيرها من الاجراءات في حق القيم يستهدف في الحقيقة هدفين اثنين اولهما : الدفاع عن ملزم توجد وضعيته الجبائية قيد التسوية مع انه مختفي عن الانظار: وثانيهما ايجاد جهة تباشر في مواجهتها المسطرة بحيث تكون في منأى عن البطلان مستقبلا متى تم ترتيب الاثار القانونية الواجبة من ربط للضريبة والشروع في اجراءات المطالبة بها، ما لم تكن الاجراءات اللاحقة باطلة بدورها. يترتب على ذلك بالنسبة لهذه الحالات وهي كثيرة نسبيا، الحد من الدفع بعدم سلوك مسطرة التبليغ كمدخل لابطال الضرائب المترتبة عنها. 3- الملاحظة الثالثة التي نود ايرادها في هذا الاطار هي انه بقدر ما يجب البحث عن عناصر جديدة تصلح وعاء للضريبة أي البحث عن الوقائع المنشئة لها، بقدر ما يجب تطوير الاساليب الكفيلة بتحقيق ذلك ومنها - علاقة بموضوع هذا البحث - خلق جهاز خاص بالتبليغ تابع للادارة الجبائية، مهمته الاشراف على التبليغات . ثانيا : على مستوى التحصيل يلاحظ من خلال قراءة متانية للقانون رقم 15-97 انه اولى عناية كبيرة لطرق التبليغ الخاصة بمسطرة التحصيل الجبري في حين تفادى الزام الادارة بتبليغ الملزمين باعلامات الضريبة مكتفيا في المادة 5 منه بارسالها عن طريق البريد العادي، فكل ما هو مطلوب اذن هو ان تبادر مصالح الخزينة العامة الى اخبار الملزمين بتاريخ الشروع في التحصيل بكل وسائل الاخبار الممكنة . وان تعذر اثبات تاريخ التوصل بالاعلام الضريبي، والعلم بتاريخ وضع الامر بالتحصيل موضوع التنفيذ كمنطلق لسريان الاجال في مواجهة الملزم سيترتب عنه حتما ما يلي : 1- ان الادارة لا يمكنها ان تتمسك في مواجهة الملزم بسقوط حقه في تقديم تظلمه الاداري لحجة عدم التقيد باجل تقديمها الوارد مثلا في المادة 47 من قانون 30-85 او المادة 52 من قانون 24-86 او المادة 114 من قانون 17-89 فالتمسك بسقوط الحق يستتبع اثبات بداية سريان الاجل وعلم الملزم به، وهو اثبات يقع على الادارة. ففي فرنسا مثلا حيث اغلبية قواعد القانون الضريبي من صنع القضاء قضي بان المطالبات الموجهة الى الادارة بعد فوات الاجل القانوني لتقديمها معرضة لعدم القبول، وان عدم احترام هذا الاجل يسقط حق الملزم في تقديمها، وهو سقوط من النظام العام للمحكمة ان تثيره من تلقاء نفسها، وان رفع الدعوى الى المحكمة الادارية ليس من شانه تصحيح الوضع واعتبار التظلم مقبولا، بل ان مآل هذه الدعوى بدورها هو عدم القبول (27). غير ان القضاء الفرنسي يشترط لترتيب هذا الاثر توفر العلم لدى الملزم بسريان اجل التظلم في مواجهته وهي نطلق من تاريخ وضع الامر بالتحصيل موضع التنفيذ بالنسبة للضرائب المفروضة عن طريق الجداول، ومن تاريخ القيام باداء ---------------------- 27) C.E 11 Octobre 1965. Cité au " contentieux fiscale" Edition lefebvre 1995 - Al - n° 4100. ---------------------- الضريبة او الدفعات المتعلقة بها بالنسبة لباقي الضرائب الاخرى، فقرر مجلس الدولة الفرنسي على انه لا يسري اجل التظلم في مواجهة الملزم متى اثبت عدم توصله بالاشعار الضريبي (28). ويتعين الاشارة ايضا علاقة بموضوع التظلم ان المشرع لم ينظم مسطرة تبليغ قرارات الادارة جوابا على تظلمات الملزمين، بحيث انه لا شيء يلزمها بسلوك اجراءات التبليغ بالبريد المضمون، وهو ما يؤثر بدوره على بداية احتساب اجل الطعن القضائي . ولعل ما يخفف من حدة هذا القصور التشريعي هو وجود اجل اقصى لممارسة هذا الطعن محددا في سبعة اشهر كاملة من تاريخ تقديم المطالبة الادارية، فسكوت الادارة طيلة الستة اشهر التالية لتقديم هذه المطالبة يحمل على الرفض ويعطي للملزم حق طرق باب القضاء في الشهر الموالي لانصرام الاجل المحدد للجواب، تحت طائلة رد دعواه شكلا لفوات الاجل القانوني، على خلاف ما هو موجود في التشريع الفرنسي حيث يجب تبليغ الادارة لقراراتها الى الملزمين قصد احتساب اجل الطعن القضائي (29). 2- ان غياب التنصيص على الزامية تبليغ الملزمين باعلامات الضريبة يترتب عنه نتائج سلبية فيما يخص امكانية متابعة ملزم مدين للخزينة، بجريمة افتعال العسر المنصوص عليها في المادة 84 من قانون 97-15، هذه المادة اشترطت لثبوت الجريمة على الملزم شرطين اساسين هما التوصل باعلام الضريبة مما يسمح بالتاكد من كون الملزم قد عمد الى الاضرار بحقوق الخزينة بتصرفه في ممتلكاته او اخفاءها بعد التوصل بالاعلام، مما يثبت سوء نيته كشرط ثاني لثبوت هذه الجنحة في حقه (30). ----------------------------- 28) C.E 16 Décembre 1992, op cité Alén 4670. 29) Fronçois pollet, op cité page 88. 30) د. عبد الرحمن ابليلا ورحيم الطور م س ص 58.

Aucun commentaire: