تمهيد وتقسيم:
للشرطة فى العصر الحديث دور هام يتضمن المحافظة على النظام، وصيانة الأمن الداخلى وبخاصة الوقاية من الجريمة قبل وقوعها وضبطها والتحقيق فيها بعد ارتكابها، وتعقب مرتكبيها لتقديمهم للعدالة. ودور الشرطة وقائى قبل وقوع الجريمة، وقضائى بعد ارتكابها، وتنفيذى بعد الحكم، ويعد الدور الوقائى هو جوهر العمل الشرطى، حيث إنها تقوم بدور الحارس الأمين الذى يتخذ من الإجراءات والتدابير ما يحول دون وقوع الجريمة، وعلى ضوء ذلك تتحرك الشرطة لمنع الجريمة قبل حدوثها وتحجيمها والسيطرة عليها. ومنع الجريمة واجب أصيل تقوم به الشرطة، وسيظل يحتل المرتبة الأولى من مجموعة واجباتها رغم أى تعديلات تطرأ على قوانين الشرطة بصفة خاصة أو القوانين الجنائية بصفة عامة.
وهذا هو الواجب الأول والأصيل من واجبات جهاز الشرطة والذى يشير لأهمية خاصة ظلت ملازمة لها لأنه المرتكز الذى تؤسس عليه الشرطة بقية الواجبات المتصلة بالأمن الداخلى، كاختصاص أصيل مسئولة عنه( ).
فإذا فشلت الشرطة فى دورها الوقائى ووقعت الجريمة لجأت الشرطة فى دورها القضائى إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتعرف على أسباب وقوع الجريمة، التعرف على مرتكبيها، وسلطة الضبط القضائى التى تمارسها الشرطة تساعد القضاء فى استقصاء المعلومات الصحيحة عن الجريمة، بقصد إقامة الأدلة ضد الجانى لتطبيق القانون عليه، وجمع الأدلة الدامغة التى تدينه حتى لا يفلت من العقاب، وحتى يطمئن القاضى أثناء النطق بالحكم.
وإذا كان دور الشرطة القضائى يتجلى فى البحث عن الفاعل، فإن الإجراءات التى تتخذ فى هذه المرحلة أكبر خطورة من حيث مساسها بحقوق الإنسان، وحرياته سواء فيما يتعلق بحريته الشخصية، أو حرمة مسكنه( ).
وعموماً يمكننا أن نقول بأن وظائف الشرطة الثلاث (الإدارية والقضائية والاجتماعية) تتداخل بهدف تحقيق النظام العام بمشتملاته الثلاث.
وسوف نستعرض من خلال هذا المطلب وظيفة الشرطة الإدارية والقضائية بصورة موجزة على أن يكون جل اهتمامنا دراسة الوظيفة الاجتماعية للشرطة وهى موضوع دراستنا.
وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين:
المطلب الأول: الوظيفة الإدارية للشرطة.
المطلب الثاني: الوظيفة القضائية للشرطة.
المطلب الأول
الوظيفة الإدارية للشرطة
أولا: ماهية الوظيفة الإدارية للشرطة:
تسعى الجهات الإدارية من وراء نشاطها بصفة عامة إلى إشباع رغبات الأفراد داخل المجتمع وتحقيق المصلحة العامة للجماعة.
وكأصل عام فإن إشباع الحاجات العامة للأفراد، وتقديم الخدمات العامة لهم لا يستوجب أن تقوم الدولة به دائماً بنفسها، فمن الحاجات العامة ما يترك إلى النشاط الفردى لأنه يقوم بإشباعه بصورة مرضية، وقد تتولى الإدارة بنفسها إشباع الحاجات العامة للأفراد فتنشئ لذلك المرافق العامة تقديراً منها بأنه ليس من المصلحة العامة أن يترك ذلك للأفراد( ).
وأياً كان قدر ونوعية التدخل الذى تأخذ به الدول فإن هناك وظيفتين أساسيتين تقوم بهما الإدارة فى كل الدول:
1– الوظيفة الأولى:
تقتصر الوظيفة الأولى للشرطة الإدارية على مراقبة وتنظيم النشاط الفردى باستخدام ما تتمتع به الإدارة من سلطات فى المجال الشرطى (البوليس) وهو ما يطلق عليه مصطلح الضبط الإدارى.
2– الوظيفة الثانية:
لا مراء أن تدخل الإدارة أمر يستوجبه الواقع لإمكان الوفاء بحاجات الأفراد وإشباع رغباتهم عن طريق المرافق العامة، نظراً لأن الأفراد قد لا يكون لديهم القدر الكافى لإمكان القيام بهذه الأنشطة أو تحقيق المصلحة العامة التى تستوجب تدخل الإدارة فى هذا المجال( ).
ويتبين مما تقدم أن نشاط الإدارة فى سبيل إشباع الحاجات العامة للأفراد وتحقيق المصلحة العامة للجماعة يتخذ أحد مظهرين:
الأول: الضبط الإدارى.
الثانى: المرفق العام( ).
ونظراً لأننا فى هذه الدراسة نتناول الوظيفة الإدارية للشرطة والتى يطلق عليها الضبط الإدارى وتعتبر هى الوظيفة التقليدية الأساسية لهيئة الشرطة وتتمثل فى كل الأعمال الوقائية التى تهدف إلى منع وقوع الجريمة والمحافظة على النظام العام وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين، فإن الأمر يستوجب ايضاح بعض المفاهيم.
ثانيا: مفهوم الضبط الإدارى:
إن مصطلح الضبط الإدارى له معنيان أساسيان، حيث يستخدم المعنى الأول للدلالة على الجهاز الذى يتولى مسئولية المحافظة على النظام العام داخل الدولة، ولقد درجت القوانين الحديثة فى مصر على تسميته بهيئة الشرطة.
أما المعنى الثانى فينصرف إلى الوظيفة الإدارية التى تباشرها هيئة الشرطة بجانب وظائفها الأخرى (الوظيفة القضائية، والوظيفة الاجتماعية) وهى وظيفة ذات طابع منعى أى وقائى تهدف إلى منع وقوع الجرائم والحيلولة دون وقوع ما من شأنه الإخلال بالنظام العام بمشتملاته الثلاث (الأمن العام و السكينة العامة والصحة العامة)( )، وبمعنى أوضح تسعى إلى منع الخطر السبّاق الداهم واكتشافه من كواليس المجهول قبل بدايته أو استفحاله.
1- ماهية الضبط لغة واصـطـلاحاً:
نعنى بكلمة ضبط فى اللغة العربية عدة معان ولكن ما يعنينا منها فى هذا المقام معنيين هما:
الضبط؛ ونعنى به الحفظ فيقال ضبط ضبطاً، بمعنى حفظ بالحزم حفظاً بليغاً، كما نعنى أيضاً بكلمة ضبط الإحكام والإتقان، ويقال ضبط البلاد أى قام بأمرها قياماً ليس فيه نقص، بمعنى حفظها بحزم من أى خلل أو مخاطر قد تلم بها.
ويقال رجل ضابط، أى رجل حازم ويشتق من كلمة ضابط كلمة الضابطية ومفردها ضابطى وتعنى فى الأصل جند الوالى الذين كانوا يستخدمون لجمع الأموال والمحافظة على الأمن، وإحضار المجرمين وغيرهم إلى باب الحكومة كما تعنى أيضاً مهنة الضابطية.
وكلمة ضبط ترادف فى لغات العالم التى اشتقت من اللغة اللاتينية كلمة Police ومعناها عند قدماء الإغريق المدينة وليس المقصود بالمدينة مبانيها وتخطيطها بقدر ما كان المقصود هو المدنية أو الحضارة لا تنمو ولا تزدهر إلا فى مناخ يسوده الأمن.
ثم تطور هذا المعنى حتى أصبحت كلمة Police تعنى الأمن كما تعنى أيضاً الجهاز الذى يحافظ على أمن المدينة( ).
2- ماهية الضبط فقهاً:
يعرف الضبط الإدارى بصفة عامة بأنه حق الإدارة فى أن تفرض على الأفراد قيوداً تحد بها من حريتهم يقصد حماية النظام العام، فالضبط الإدارى شديد الارتباط بالإدارة ولصيق بها. وينصرف تعبير الضبط مجرداً إلى الضبط الإدارى الذى يتميز عن أنواع أخرى من الضبط كالضبط القضائى، والضبط التشريعى...الخ.
ويتفق الأخير مع الضبط الإدارى فى تقييد الحرية الوارد فى التعريف السابق حيث إصدار القوانين المقيدة لحريات الأفراد.
وتتحد وظيفة الضبط الإدارى فى منع الجريمة قبل وقوعها من خلال الإجراءات والوسائل التى تؤدى إلى صعوبة ارتكابها، وحيث يعد الغرض الوقائى للضبط، وقد يتخذ الضبط من أسلوب الجزاء الإدارى وسيلة للردع والمنع.
ولقد تطور مفهوم الضبط الإدارى شأنه فى ذلك شأن كافة الأفكار والنظم القانونية نتيجة تطور الدولة وتدخلها فى كافة الأنشطة والمجالات فى المجتمع( )، ولقد اقتصرت وظيفة الضبط الإدارى فى مراحله الأولى على تأمين النظام القائم من حيث أهدافه وغايته، وتطورت هذه الوظيفة بتطور وظيفة الدولة.
وأصبح هدفه بالإضافة إلى ذلك تجنب كل إخلال بالنظام العام أو بأحد محاوره (الأمن العام – الصحة العامة – السكينة) ويتم ذلك بفرض القيود على حريات الأفراد.
ومن هنا يتضح تعدد التعريفات الفقهية للضبط الإدارى طبقاً للمعنى الوظيفى أو الشكلى، فأصبح تحديد أهداف الضبط معياراً للتعريف وهو صيانة النظام العام وعليه فقد عرفه البعض بأن الضبط الإدارى مهمته وقائية تنحصر فى المحافظة على النظام العام والحيلولة دون وقوع الجرائم، ومن ثم يعرف بأنه حق الإدارة فى أن تفرض على الأفراد قيوداً تحد بها من حرياتهم بقصد حماية النظام العام( ).
بينما يعرفه البعض( ) بأنه مجموع النشاط الإدارى المتمثل فى إصدار القواعد العامة والتدابير الفردية الضرورية للحفاظ على النظام العام، بما يعنى الأمن والصحة والسكينة، وطبقاً للمعيار الشكلى فيقصد به "مجموع الهيئات الإدارية التابعة للسلطة التنفيذية التى يعهد إليها بممارسة الضبط الإدارى وقد انتقد هذا التعريف من جانب من الفقه لكونه لا يعد تعريفاً للضبط الإدارى ولكن تعريف للهيئات التى تباشر وظيفة الضبط الإدارى.
وكما سبق الإشارة فإن مفهوم الضبط الإدارى له معنيان:
المعنى الأول: وهو الجهاز الذى يتولى مسئولية المحافظة على النظام العام داخل الدولة.
المعنى الثانى: ينصرف إلى الوظيفة الإدارية التى تباشرها هيئة الشرطة بجانب الوظيفة القضائية، والاجتماعية.
ويقصد بالوظيفة الإدارية كما عرفها البعض مجموعة الإجراءات التى تباشرها الشرطة لتنفيذ واجباتها حسب ما فصلتها لها القوانين أو اللوائح أو الأوامر لحفظ الأمن والنظام، العام بإنشاء حالة يسود الجميع فيها شعور بالطمأنينة، بالقدر الكافى لإزالة مخاوفة من أى أخطار تهدده أو تمنعه من مباشرة نشاطاته فى يسر وسهولة، وحالة الإحساس بالطمأنينة لا تتوافر لدى الأفراد إلا إذا ترسخ لديها اعتقاد بقدره الشرطة على منع الجريمة( )، والدوريات هى من أهم وظائف الشرطة الإدارية تمنع بها الجريمة، ويتحقق بها الأمن والنظام العام.
ونجد تعريف الضبط الإدارى فى الفقه الفرنسى كذلك قد جاء فى إطار المعنى الوظيفى لسلطة الضبط الإدارى، ومن ذلك تعريف الفقيه L’auladere والذى عرفه من زاوية الأهداف التى من أجلها يمارس الضبط حيث يتميز بطبيعته الوقائية ووفقاً لذلك نجد تعريفه للضبط الإدارى بأنه شكل من أشكال عمل الإدارة، والذى يتمثل فى تنظيم نشاط الأفراد من أجل المحافظة على النظام العام( ).
خلاصة القول؛ إن التشريع فى كل من مصر وفرنسا لم يأت بتعريف محدد للضبط الإدارى حيث إن النصوص التشريعية لم تتعرض لتعريفه، وإنما تناولت فقط أغراضه وإزاء ذلك كان لزاماً على الفقه أن يستكمل هذا النقص، وأن يزيل هذا الغموض على النحو الذى سبق بيانه.
ويلاحظ أن الضبط الإدارى يجد أساسه فى الشريعة الإسلامية فى أن الشريعة تهدف إلى تحقيق المقاصد الشرعية والتى تبتغى المحافظة على الضروريات الخمس والتى تشمل (الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال) فهى مقاصد الشريعة وهى شاملة لكل نظم الحياة الدينية والدنيوية فقد جمعت فأوعت.
ثالثا: أغراض الضبط الإدارى:
الضبط الإدارى غاية وقائية، ترمى إلى منع أى إخلال بالأمن والسكينة والصحة العامة، وهى المهام الأساسية الملقاة على عاتق جهاز الشرطة فى الوقت الحاضر، ولتحقيق ذلك يخول لجهاز الشرطة سلطة إصدار أوامر أو نواه وصولاً إلى منع الجريمة قبل أن تقع. فعلى سبيل المثال يمكن لجهاز الأمن إصدار أمر بمنع اجتماع عام، أو قرار بإيقاف عرض فيلم، أو مسرحية مخلة بالآداب العامة، أو غلق أحد المحال العامة إدارياً، أو إلغاء ترخيص بحمل السلاح لدواعى الأمن.
يضاف إلى ذلك سلطة التنفيذ المباشر باستخدام القوة المادية لحمل الأفراد على تنفيذ القانون ويستهدف الضبط الإدارى على نحو ما سبق المحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاث وقد جاء ذلك فى المادة 3 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971( )، حيث تتولى الشرطة العبء الأكبر فى المحافظة على النظام العام، كغرض للضبط الإدارى، وهى لا تنفرد وحدودها بهذه السلطة حيث تشاركها جهات إدارية أخرى غير شرطية.
ويظهر ذلك واضحاً فى نص المادة (145) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971، والتى منحت رئيس الجمهورية سلطة إصدار لوائح الضبط كذلك فقد خولت المادة رقم (26) من القانون رقم 43 لسنة 1979 بشأن الإدارة المحلية، حق المحافظين اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن والقيم العامة فى المحافظة. كما يجوز أن تصدر هذه اللوائح من مجلس الوزراء استناداً للفقرة الأخيرة من المادة (156) من الدستور، والتى تنص على اختصاصات مجلس الوزراء، ومن بينها "المحافظة على أمن الدولة وحماية حقوق المواطنين، ومصالح الدولة وهى أمور تدخل كلها فى نطاق مدلولات حماية النظام العام( ).
وفكرة النظام العام ذات مدلول مرن يختلف من دولة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر بل وقد يختلف داخل الدولة الواحدة فهى عبارة فضفاضة شاملة تحتوى على كافة الأنشطة ولذلك من الصعب تحديد النظام العام تجديداً دقيقاً، وسوف نتناول مضمون النظام العام.
رابعا: مفهوم النظام العام:
ذكرنا أن فكرة النظام العام هى فكرة مرنة، فليس لها تعريف محدد إذ إنها تصعب على التحديد الدقيق وذلك يرجع إلى نسبية هذه الفكرة، لاختلافها من مجتمع لآخر، ومن وقت لآخر فهى فكرة نسبية، ونلاحظ على الرغم من صعوبة وضع تعريف محدد لهذه الفكرة فإن لها مضمون فى نطاق مفهوم القانون الإدارى فقد اصطلح فقهاء القانون الإدارى على أن النظام العام، يشمل الأمن العام والسكينة العامة، والصحة العامة.
ومما لا شك فيه أن استقرار الأمن، وصيانة النظام، وتوفير الصحة والسكينة للمواطنين تعتبر من المصالح العامة التى تشرف الإدارة على رعايتها، لذلك كان من الضرورى حتى تصون الإدارة هذه المصالح أن تنفرد بتقرير بعض القواعد والأحكام التى تنظم بها طرق مباشرة الأفراد لأوجه نشاطهم المختلفة، وأن يكون لها الحق فى أن تفرض عليهم قيوداً تحد بها من حرياتهم كلما رأت أن المصلحة العامة تقتضى ذلك( ).
والشرطة الإدارية ضرورة اجتماعية لا غنى عنها لكفالة النظام العام، ذلك لأنه من الأمور المسلم بها أنه إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصالح الخاصة للأفراد فإن المصلحة العامة تكون مفضلة على المصالح الخاصة.
ويتفاوت نطاق الوظيفة الإدارية من دولة إلى أخرى، فمن الدول ما تقتصر الوظيفة الإدارية للشرطة لديها على الأنشطة المتصلة بصون الأمن العام بمفهومه الضيق كانجلترا، ومنها ما يتسع فيها نطاق هذه الوظيفة لمهام قد لا تكون وثيقة الصلة بالأمن كالصين.
وقد أخذت مصر فى هذا الشأن بنظام وسط فلم تقف عند الحدود الضيقة لمفهوم الأمن العام إنما تجاوزت هذه الحدود بالقدر الذى تمليه اعتبارات الأمن العام.
وقد حددت المادة الثالثة من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 وتعديلاته الوظيفة الإدارية للشرطة في ثلاث عناصر هى: (الأمن العام، السكينة العامة، الصحة العامة). وهو ما سوف نتناوله تفصيلاً فيما يلى:
1- المحافظة على الأمن العام:
الأمن من أجل نعم المولى التى امتن بها على عبادة وجعله أجرا على الإخلاص فى الإيمان قال تعالى: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ"( ).
وقال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"( ).
ويعتبر الأمن والشعور بالطمأنينة دعامة أساسية لممارسة الحريات والاستمرار فى تنمية المجتمع وتسعى الدول لتوفير المناخ الأمنى والاستقرار اللازم للانطلاق إلى أفاق التنمية.
والأمن معناه التنمية لدى بعض رجل الفقه ففى رأى أن أي مجتمع يمر بمرحلة التحول إلى مجتمع عصرى يعد الأمن بالنسبة له هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التى لا تنمو لا يمكن أن تظل آمنة.
تلك كلمة حق إن الأمن فى زمننا المعاصر هو التنمية وذلك أصدق تصور لبيان أهمية الأمن وخطورته بالنسبة للفرد والمجتمع والدولة( ).
فلم يعد مفهوم الأمن يرتبط بتلك الحدود التقليدية المتعارف عليها، والتى تقتصر على حماية الأرواح، والأعراض، والأموال، والصحة العامة، والسكنية العامة ومنع الجريمة وضبطها فحسب، بل امتدت إلى آفاق رحبة جديدة أكثر اتساعاً وشمولا ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، وسياسية، وتنموية، غيرها.
فالأمن بهذا المفهوم يمتد من الفرد ويشيع فى المجتمع مروراً بجميع المؤسسات الحكومية والأهلية ذات العلاقة، ومن ناحية أخرى يمتد الأمن إلى حماية الأخلاق ورعاية السلوك الاجتماعى والحفاظ على المكاسب الاقتصادية والقومية.
ومن جانب آخر فقد اتسع وتداخل العمل الأمنى فى الدول النامية نتيجة امتداد نشاط الدولة وحرصها على توفير مستوى مناسب للمعيشة للفرد وقد شمل هذا التداخل الصناعة، والزراعة، والتجارة، والإسكان، والاقتصاد وغيرها من المجالات( ).
والأمن لا يتحقق إلا بالممارسة التى تستهدف وتركز على الاستقرار النفسى للأفراد والتوازن الاجتماعى، والنماء الاقتصادى المتوازن مع التمسك بالقيم لتحقيق الرخاء وتعميق الانتماء للوطن واستقراره.
كما يقوم الأمن على ركائز أساسية تبدو فى حرية العقيدة التى تحث على الخير وتدفع الشر، مما ينعكس على تقوية الروابط الاجتماعية والاستقرار فى المجتمع والشعور بالانتماء للوطن في ظل استقرار سياسى، واقتصادى، وعدالة اجتماعية تحقق المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، ولهذا فإن حاجة الفرد والمجتمع إلى الأمن تبدو من الحاجات الأساسية التى لا غنى عنها، وعلى هذا فيجب أن توجه لها كافة الإمكانات وتتضافر فيها قوى الدولة للحفاظ على المجتمع( ).
خلاصة القول: إن المقصود بالأمن العام بوصفه عنصراً من عناصر النظام العام فى مفهوم القانون الإدارى هو المحافظة على السلامة العامة، بمنع قيام الأسباب التى من شأنها بث الخوف والقلق والاضطراب فى نفوس أفراد المجتمع، أو شعورهم بعدم الاطمئنان على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وعقيدتهم.
فالأمن العام ضرورة من الضروريات الحتمية لكل من المجتمع والفرد. وهنا تتجلى أهداف الضبط الإدارى التى تحمى أمن المجتمع بمنع كل نشاط من شأنه أن يسبب أضراراً بأمن الدولة، ويؤثر فى توفير الأمن والأمان لأفراد المجتمع.
فالأمن العام بالمعنى الحديث أصبح أكثر اتساعاً فلم يقف عند المفهوم التقليدى للأمن بل تدرج إلى الشمولية لكافة جوانب الحياة.
2- السكينة العامـة:
السكينة فى اللغة هى الهدوء والطمأنينة وهى الثبات والبعض يراها تقوم على اعتراف متبادل من كل فرد بوجود الآخرين ذلك الاعتراف الذى يعنى وضع الحدود لما لكل فرد من حقوق وما عليه من واجبات.
ومن هنا تكون السكينة تجسيداً لفكرة تبادل اشباع الرغبات والحاجات والدوافع المشتركة، وعلامة على أن هذا المجتمع يسود فيه الأخذ والعطاء المتبادل أى أداء الواجبات والحصول على الحقوق للجميع وهى هنا تبدو ترجمة للمفهوم العام للأمن( ).
وقد وردت كلمة السكينة فى كتاب الله عز وجل فى أكثر من سورة منها قوله عز وجل: " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً" ( ).
وقوله تعالى" ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ" ( ).
والسكينة هنا هى الطمأنينة والثبات( )، ويتسع مفهوم السكينة هدوء النفس وراحة البال.
ويقصد بالسكينة المحافظة على الهدوء والسكون بالطرق والأماكن العامة وذلك عن طريق منع كل ما من شأنه أن يؤدى إلى إقلاق راحة المواطنين، كالجلبة والضوضاء أو إساءة استخدام أجهزة المذياع، والتلفاز، ومكبرات الصوت، وآلات التنبيه فى السيارات، وكذلك الضوضاء التى تنبعث من ورش إصلاح السيارات فى المناطق السكنية، والدراجات البخارية، وتجمعات الأطفال والشباب فى الشوارع وأصوات المناقشات والمشاجرات فى الطرق العامة، وأصوات الباعة الجائلين والمظاهرات والمواكب والأفراح وأيضا الأصوات التى تصدر عن الحيوانات الضالة فضلاً عن المضايقات التى تقع من المتسولين فى الطرق العامة.
والإخلال بالسكينة العامة فى القانون البريطانى لا يقتصر على ما يكدر حاسة السمع فقط وإنما يتسع أيضا ليشمل ما يكدر حاسة الشم أو اللمس أو البصر أو التذوق( )، وهناك صلة بين السكينة العامة والأمن العام ذلك أن الضوضاء تصيب المواطن بخلل نفسى وجسدى مما يزيد من توتره وقد يفقد أعصابه ويميل إلى التعدى على الآخرين مما ينعكس سلبا على الأمن العام.
كذلك فهناك صلة بين السكينة العامة والصحة العامة أليست السكينة هى منع الضوضاء والإزعاج والهدوء كذا فإن الضوضاء هى شكل من أشكال تلوث البيئة (التلوث السمعى) أنها تؤدى إلى فقدان السمع وهذا يؤثر تأثيراً شديداً على الصحة العامة ومن ثم نستطيع أن نؤكد أن السكينة العامة هى مظهر من مظاهر الأمن العام.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه فى دراسة لمنظمة الصحة العالمية أكدت فيها أن الضوضاء تصيب الإنسان بالإرهاق النفسى والجسدى، وتجعله عرضة للضغط والتوتر والقلق العصبى، بل إن الضوضاء تؤثر على الصغار بنهج السلوك العدوانى تجاه بعضهم البعض.
ولذلك وكما سبق أن أوضحنا تتلاقى فكرة محاربة الضوضاء وفكرة السكينة العامة مع أوجه العناية بالصحة العامة والأمن العام( ).
3- الصحة العامـة:
يعتبر هذا العنصر أحد مكونات النظام العام فى أى مجتمع ومن ثم فإن فقدان الرعاية الصحية فى المجتمع يؤثر سلبياً على النظام الاجتماعى والاقتصادى ويكون سبباً غير مباشر للإخلال بالأمن، والاعتناء بالصحة العامة من واجبات الدولة الأساسية.
ويقصد بالصحة العامة كأحد أهداف الضبط الإدارى وقاية المجتمع من الأخطار التى تهدد صحة الأفراد وقوتهم كالأمراض والأوبئة الفتاكة، أو هى كل ما من شأنه أن يحفظ صحة الجمهور ويقيهم أخطار المرض.. أو هى الإجراءات التى يقصد منها الحفاظ على صحة المواطنين ووقايتهم من أضرار الأمراض.
والصحة العامة تشمل صحة الأفراد والحيوانات وسلامة العقارات والأسواق والطرق العامة، والتى تؤدى حالتها غير السليمة إلى الإضرار بالأفراد وهنا يتدخل الضبط الإدارى فى مجال الإسكان من قبيل تحديد التجهيزات الصحية وتوافر الشروط الصحية فى أماكن الإقامة والمتاجر والمطاعم وتحقيق كفالة صحة البيئة مثل رعاية الأماكن العامة والطرق والإجراءات الوقائية من الأمراض مثل التطعيم، وإبادة الحشرات، وقتل الحيوانات الموبوءة، أو المسعورة، وقد تنصرف الوقاية الصحية إلى مراعاة الشروط الصحية للمنشأة الصناعية والتجارية بما لا يضر بالعاملين أو المقيمين بجوارها( ).
وقد تزايدت أهمية الصحة العامة بسبب الازدحام السكاني وتعقد الحياة الحديثة، ولسهولة التقارب بين الناس وصارت الأمراض تأخذ شكل الكوارث الاجتماعية الحقيقية التى تكون قابلة لأن تحدث اضطراباً جسيماً فى النظام العام يتطلب حماية المواطنين من كل ما يهدد صحتهم من أوبئة ومخاطر العدوى( ). وفى إطار تحقيق ذلك يقع على عاتق سلطة الضبط الإدارى القيام بما يلى:
توجيه الاهتمام بمراقبة الأغذية وتنظيم تداولها ووضع اشتراطات النظافة الصحية الواجب توافرها سواء فى أماكن تداولها أم فى الأشخاص القائمين عليها، والإشراف الصحى على المطاعم والمقاهى وما يماثلها من المحال المعدة لبيع وتقديم المأكولات والمشروبات، كما أزداد الاهتمام بمياه الشرب النقية وحماية مصادرها من التلوث، وتشديد الرقابة على المجازر وطريقة التخلص من الفضلات، والقضاء على الحيوانات الضالة، وإبادة الحشرات الضارة والناقلة للأمراض، وكذا اتخاذ إجراءات الحجر الصحى بالنسبة للمسافرين لاسيما القادمين من مناطق تفشى الأوبئة وكذلك اتخاذ الإجراءات الوقائية لتطعيم الأفراد( ).
ويقع عبء القيام بأعمال الوقاية الصحية على وزارة الصحة فى الدولة وتقوم بمساعدته منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر، وذلك لتطهير المناطق المنكوبة أو الموبوءة وتطعيم السكان، وفرض الحجر الصحى على المنطقة وسكانها لمنع انتقال العدوى ونظراً لأن جهاز الصحة يعجز عن تنفيذ هذه الإجراءات بدون مساعدة جهاز الشرطة فإن الجهاز الأخير هو الذى يشرف على تطبيق نظام الحجر الصحى ومنع خروج السكان من المناطق المنكوبة إلا بعد التطعيم وموافقة جهاز الصحة بموجب شهادة خلو من الأمراض المعدية.
وأيضاً يتمثل دور الشرطة المساعد لجهاز الصحة من أجل تحقيق الغرض السابق بأن يتخذ الإجراءات الصحية فى الموانى المختلفة للدولة لمنع دخول المصابين بأمراض معدية إلى إقليم الدولة.
ومما سبق يتضح؛ أن الصحة العامة هى أحد العناصر الهامة من مكونات النظام العام( ) الأمر الذى يعد من المهام الرئيسية لجهاز الشرطة طبقا لما جاء بالدستور والقانون على اعتبار أن وزارة الصحة قد تعجز عن تنفيذ هذه الإجراءات دون مساعدة جهاز الشرطة.
رابعا: الجانب المعنوى للنظام العام:
أوضحت التطبيقات العملية أن العناصر التقليدية للنظام العام بمشتملاته الثلاثة (الأمن العام - السكينة العامة - الصحة العامة) لم تعد كافية وحدها لمواجهة كافة صور الإخلال بالنظام، ولهذا تندرج عناصر جديدة بصفة مستمرة إلى إطار النظام العام، وهو ما يبين أن غايات النظام العام يصعب حصرها، وذلك بالنظر إلى الاتساع المستمر لعمل الضبط الإدارى وغاياته مع تطور مهام الدولة وواجباتها.
وهذا ما جرى عليه الفقه والقضاء بحيث أصبح النظام غير مقصور على العناصر الثلاثة السابقة بل أمتد ليشمل جُلّ ميادين النشاط البشرى والاقتصادى والخلقى والسياسى( ).
وهناك رأى يعارض إضافة مهام جديدة إلى وظائف الشرطة، ويرى أن مهمة الشرطة ينبغى أن تكون قاصرة على الوظائف التقليدية، وأن التوسع فى الاختصاصات يمكن أن ينعكس بصورة سلبية على مهمة الشرطة الأساسية، وأن جهاز الشرطة مثقل بأعباء كثيرة لا تحتمل المزيد.
يرى الباحث؛ أن الرأى الأول والذى مفاده اتساع مفهوم وظائف الشرطة هو الأصوب بل والأجدر حيث تطورت مهمة الدولة الحديثة عن مفهوم الدولة التقليدية، وبالتبعية أصبح جهاز الشرطة يحتاج إلى تطور فى مفهوم وظائفه وإلا أدى ذلك إلى عرقلة نظام الدولة.
1- النظام العام الأخلاقى( ):
اختلفت آراء الفقهاء حول ما إذا كانت حماية الآداب العامة تشكل عنصرا مستقلا من العناصر التقليدية للنظام العام أم أنها تندرج في النظام العام بين مؤيد ومعارض.
أ- القضاء الإداري الفرنسي والآداب العامة:
جرى القضاء الإدارى الفرنسى فى أول الأمر على النظر إلى الآداب العام كجزء من عنصر حسن النظام، فلم يكن يجيز تدخل سلطة الضبط الإدارى لحماية الآداب العامة، والأخلاق ما لم يتخذ الإخلال بها مظهراً خارجياً يهدد النظام العام المادى أو التقليدى.
وفى تطور لأحكام القضاء الفرنسى بعد ذلك أقر مجلس الدولة فى سلسلة من الأحكام سلطة الضبط الإدارى العام فى أن تحظر عرض أفلام سينمائية من شأن عرضها احتمال إثارة اضطرابات جسيمة أو أن تكون بسبب صفتها غير الخلقية والظروف المحلية ضارة بالنظام العام.
ولقد فسر بعض الفقهاء هذه الأحكام على أنها تأكيد لوجود نظام عام خلقى مستقل عن النظام العام التقليدى( ).
ب- الوضع فى مصر إزاء الآداب العامـة:
أما فى مصر فإن الوضع مختلف عن مثيله فى فرنسا فكما سبق أن بينا فإن نص المادة 184 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية، وكذا نص المادة الثالثة من قانون هيئة الشرطة قد حسمتا الأمر بما لا يدع مجالاً للشك بالنص على أن حماية الآداب تدخل في مكونات النظام العام وتصبح عنصراً مستقلاً عن النظام العام المادى، وغرضا من أغراض الضبط الإدارى، وذلك ما استقر عليه غالبية الفقه فى مصر.
ونود أن توضح أن الآداب لا تتطابق مع الأخلاق، فالأخلاق أوسع مدى وأكثر شمولاً ولا تمثل الآداب سوى الحد الأدنى من الأخلاق الذى تعارف عليه مجتمع معين فى زمن معين، والقول بتطابق الآداب على الأخلاق ينطوى على خطورة، نظراً لأن من شأن هذه المطابقة فرض رقابة خلقية على النوايا والسلوك الشخصى وليس إقامة ضبط حقيقى( ).
ولا يفوتنا أن ننوه أن اختيار فئة الشرطة المعنية بالعمل فى مجال حماية الآداب العامة يجب أن يخضع لمواصفات معينة من حيث الخبرة الشرطية الكبيرة وأن يكون أعضاؤها على دراسة بعلم النفس، وعلم الإجرام، وعلم الاجتماع إلى جانب علوم القانون والشرطة، وبأحكام الشريعة الإسلامية بشأن جرائم الآداب العامة لأن هذه المواصفات تنأى برجل شرطة الآداب عن التأثر بالدسائس التى تحاك ضد الأبرياء( ).
جـ- حماية جمال الرونق والرواء:
يقصد بجمال الرونق والرواء جمال الشوارع، والميادين والأبنية الذى يبعث على الهدوء والراحة، ويشمل ذلك تجميل الشوارع، أو وضع مواصفات معينة للمبانى بحيث تؤدى إلى تناسقها حتى يظهر منظر المدينة، والشوارع فى صورة جمالية( )، ويؤدى النظام إلى إشاعة الرونق والرواء فى الشارع، ولا شك أن توفير ذلك يؤدى إلى تحقيق السكينة النفسية لأن الإنسان بحاجة إلى حماية مشاعره الخاصة.
فالرواء لازم لتحقيق السكينة النفسية لتذوق الجمال الفنى، لأن شيوع الفوضى يؤدى إلى الشعور بالضيق والاضطراب النفسى مما يخلق توتراً عصبياً لدى المواطنين وبدلاً من أن يصبح الشارع مكان للتنزه والتمتع بجمال الطبيعة، ورونق المعمار يتحول الشارع إلى مكان ينفر منه الجميع( ).
والرونق والرواء هو مفهوم عام لعدة أمور أو أشياء في الحياة إذا ما توافرت في أي بيئة أو مجتمع كانت كفيلة أن تجعل الإنسان أو الفرد يستشعر ويستمتع بجمال وبهجة الطبيعة.
إن جمال الرونق والرواء لكي يتحقق لابد من توافر عدة أشياء أو أمور هي في حقيقتها متداخلة فيما بينها، لا يمكن الفصل بينها بأي حال من الأحوال، وينبغي أن ننبه أن جهاز الشرطة وإن كان يقع عليه العبء الأكبر في المحافظة على جمال الرونق والرواء إلا أنه ليس هو المسئول الأوحد لتحقيق تلك المنظومة التي تعد على قدر كبير من الأهمية.
إن جمال الرونق والرواء يعد جزءا أصيلا من النظام العام والتي تساهم فيه الشرطة بدور فعال يتحقق من خلال مرفق الأمن بالمشاركة الفعالة من خلال سلطة الضبط الإداري المخولة له في تحقيق عدة الأشياء سنذكر بعض منها وهي في حقيقتها تنبع من تأصيل ودعم حقوق الإنسان من خلال أعمال الضبط الإداري وهي:
- تحقيق التواجد الأمني الفعال في الشارع حيث يؤدي إلى إحساس الناس بالأمن الأمر الذي يزيد تحقيرهم على العمل والعطاء والذي ينعكس بدوره على دوران عجلة التنمية على كافة المحاور في شتى المجالات.
- المحافظة على الأشجار والمناطق الخضراء والحدائق والمنتزهات العامة والمشاتل ومحلات بيع الورود والزهور والتي تضفي البهجة والسرور على نفوس الأفراد.
- القضاء على مشكلة الزحام والتكدس المروري واتخاذ الإجراءات قبل المركبات المخالفة لشروط الأمن والمتانة وخاصة تلك التي تلوث الهواء من خلال زيادة نسبة العادم في الجو الذي يسبب الأمراض الفتاكة ناهيك عن الأضرار الأخرى التي تسببها مشكلة الزحام.
- المحافظة على نظافة الطرق والشوارع الرئيسية والفرعية والميادين العامة وأماكن التجمعات.
- المحافظة على بيئة نظيفة من كل مسببات التلوث السمعي والبصري والقضاء على كافة مظاهر الضوضاء من دوى المصانع والمحلات العامة والملاهي الليلية وآلات تنبيه السيارات والمركبات بصفة عامة.
- إن هناك العديد من المشاكل والظواهر التي ينبغي القضاء عليها والتي إن تركت فإنها تؤثر في جمال الرونق والرواء والأمثلة على ذلك كثيرة وظاهرة أطفال الشوارع وانتشار هؤلاء الأطفال بملابسهم الرثة وأشكالهم وقد ارتسمت عليها ملامح غبار الطريق وعوادم السيارات يؤدي إلى تشويه جمال الرونق والرواء هذا فضلا على أنها مشكلة خطيرة بل إنها من أخطر الظواهر التي يواجهها المجتمع.
كذا فهناك من يقومون بتشويه جمال الطبيعة وتلويثها بحرق قش الأرز وكذا مداخل المصانع وضجيجها وكذا الأسمدة المغشوشة والكيماويات وكل هذا مما ينبغي أن تتصدى له أجهزة الشرطة.
وجيز القول؛ إن وجود بيئة نظيفة خالية من مسببات الزحام والضوضاء، والملوثات والأوبئة، والأمراض بالإضافة إلى المحافظة على ما بها من مساحات خضراء لاشك أن ذلك يحقق الاستمتاع بجمال الرونق والرواء.
وإن الشرطة وهي تقوم بتحقيق كل هذا تتخذ من إنقاذ القوانين الوضعية وما لها من سلطة الضبط الإداري ما يمكنها من إصدار اللوائح الفردية والتنظيمية هذا بالإضافة إلى القرارات الإدارية، والتعليمات، والكتب الدورية وكل ذلك في إطار وظيفتها الاجتماعية التي تؤكد في المقام الأول على الجوانب الاجتماعية والإنسانية وحرصها على مد جذور الثقة بينها وبين أفراد المجتمع مما ينعكس بطبيعة الحال على زيادة ثقة الجمهور في الشرطة الحارث الأمين للقانون هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تحافظ على مكاسب الجمهور، الأمر الذي يتحقق معه الصالح العام للأفراد والمجتمع ككل.
* موقف الفقه والقضاء الفرنسي من الرونق والرواء:
يرى غالبية الفقه الفرنسي أن الحفاظ على جمال الرواء (جمال الشوارع والميادين، والأبنية الذي يبعث على الهدوء والراحة)، يعتبر من عناصر النظام العام وعلى هذا الأساس فإن ذلك يعتبر مبرراً لسلطات الضبط الإداري أن تتخذ إجراءات ضابطة وقاية للنظام العام بل إن المشرع نفسه منذ بداية القرن العشرين أكد في نصوص متعددة على حماية الرواء معتبراً أن الإخلال به بمثابة جرم معاقب عليه.
جرى قضاء مجلس الدولة الفرنسى فى بادئ الأمر على اعتبار تزيين الطرق يعد غاية ذات صفة عامة، إلا أنه ما لبث أن عدل عن هذا الرأى معتبراً أن حماية جمال الرواء عنصراً من عناصر النظام العام، يبرر لسلطة الضبط الإدارى اتخاذ إجراءات ضابطة بغية المحافظة عليه ووقايته( ).
* أما فى مصر:
فالمستفاد من نصوص بعض القوانين لهيئات الضبط أن تستخدم سلطتها لتنسيق المدن والمحافظة على مظهرها وروائها، وقد شايع مجلس الدولة هذا الاتجاه حيث أقرت محكمة القضاء الإدارى شرعية قرار رفض الترخيص فى فتح محل تجارى فى ومنطقة معينة لمخالفته لمشروع تنسيق أعدته الإدارة وأشارت المحكمة فى حكمها إلى أن الإدارة بما لها من وظيفة البوليس الإدارى مكلفة بمراعاة هدوء الأحياء السكنية وصيانتها من حيث الأمن والصحة والمظهر.
وبهذا الحكم اعتبر القضاء الإدارى بمجلس الدولة المصرى أن حماية جمال الرونق والرواء أحد أغراض الضبط الإدارى ويحمد للقضاء حمايته لجمال الرونق والرواء جنباً إلى جنب مع حماية الأمن والصحة والسكينة والآداب العامة. لأن التلوث البصرى فى مدننا وصل إلى درجة من السوء يعجز الوصف عنها مما يحتاج لجهود ضخمة للقضاء عليه، ولا خشية من توسع القضاء فى هذا الشأن طالما أن القضاء يحدد مجاله بحدود تنظيم الحريات الاختيارية دون الحريات المحددة( ).
المطلب الثاني
الوظيفة القضائية للشرطة
* ماهية الوظيفة القضائية للشرطة:
لا مراء أن من المهام الرئيسية الملقاة على عاتق جهاز الشرطة فى الوقت الحاضر مهمة منع الجريمة قبل وقوعها وضبط مرتكبيها والكشف عن أبعادها إذا قدر لها أن تقع لأسباب خارجة عن إرادة الشرطة.
ونظراً لأن طبيعة عمل الشرطة ذات طابع مزدوج فقد أضفى القانون على أفرادها صفة الضبطية الإدارية، بالإضافة إلى صفة الضبطية القضائية.
ونظام الضبط بصفة عامة يقصد به تنظيم المجتمع تنظيماً وقائياً يكفل أمنه وسلامته من الأخطار، التى يمكن أن تتأتى من الأفراد والتى يكون من شأنها أن تؤدى إلى الإخلال بالنظام العام فيه.
والضبط الذى يعنينا هنا نوعان هما:
1- الضبط الإدارى.
2- الضبط القضائى.
فالضبط الإدارى – وكما سبق أن أوضحنا– غايته وقائية ترمى إلى منع أى إخلال بالأمن والسكينة والصحة العامة وهى المهام الأساسية الملقاة على عاتق هيئة الشرطة، ولتحقيق ذلك يخول لهيئة الشرطة سلطة إصدار أوامر أو نواه وصولاً إلى منع الجريمة قبل أن تقع، فعلى سبيل المثال يمكن لجهاز الأمن إصدار أمر بمنع اجتماع عام أو إصدار قرار بإيقاف عرض فيلم أو مسرحية مخلة بالآداب العامة أو غلق أحد المحال العامة إدارياً أو الغاء ترخيص بحمل السلاح لدواعى الأمن العام.
يضاف إلى ذلك أن لهيئة الشرطة سلطة التنفيذ المباشر باستخدام القوة المادية لحمل الأفراد على تنفيذ القانون.
أما الضبط القضائى فهو يهدف إلى البحث عن الجرائم المرتكبة والتحرى عن فاعليها، وجمع الاستدلالات اللازمة لإثبات الاتهام وكافة المعلومات والاستقصاءات اللازمة لكشف أبعاد الجريمة، وهو لا يبدأ إلا حينما تكون هناك جريمة قد ارتكبت، وبصفة عامة فإن وظيفتى الضبط القضائى والضبط الإدارى يتمتع بها أساساً جهاز الشرطة من واقع المهام الرئيسية المكلف بها والتى تتمثل كما سبق أن ذكرنا فى منع الجرائم قبل أن تُرتكب وضبط فاعليها فى حالة ارتكابها( ).
والوظيفة القضائية للشرطة؛ هى الوظيفة التى تمارسها مساعدة للسلطة القضائية ولمصلحتها وتتمثل فى الإجراءات التى تقوم بها الشرطة عقب وقوع الجريمة بقصد معرفة الفاعل والبحث عن الأدلة، وما يستتبعه ذلك من إجراءات الضبط والتفتيش لضبط الفاعل وتقديمه لجهة القضاء.
ومأمورى الضبط القضائى فى مباشرتهم لهذه الأعمال يكونون تابعين للسلطة القضائية- وإن كانت تبعيتهم تلك تبعية فنية لا تبعية إدارية- ويخضعون لإشرافها، كما وأن تخويل مباشرة هذه الإجراءات لا يكون إلا بقانون ذلك لأنهم فى مباشرتهم لهذه السلطة يتعرضون للأفراد فى حرياتهم العامة.
فالقانون هو الوحيد الذى يمنح رجال الشرطة سلطة الضبط القضائى فلا تمنحهم هذه السلطة مثلاً قواعد العرف أو قواعد الأخلاق أو قواعد الدين، فليس لهم أن يتصدوا لحريات الأفراد باسم هذه القواعد مهما بلغت جسامة مخالفتها لتلك القواعد.
والوظيفة القضائية للشرطة؛ تسير مع الأطوار التى تمر بها التهمة فى الدعوى الجنائية جنباً إلى جنب، فهى تقوم فى كل طور منها بدور يحدده لها القانون سواء أكان ذلك فى طور الضبط وجمع الاستدلالات، أم فى طور التحقيق أو طور الاتهام.
وقد منح قانون الإجراءات الجنائية فى المادة (23) منه لبعض رجال هيئة الشرطة على سبيل الحصر سلطة الضبط القضائى، وتختلف الأنظمة القضائية من دولة لأخرى من حيث مدى ما تخوله كل منها من اختصاصات لمأمور الضبط القضائى ومن هنا يزيد أو ينقص حجم الأعمال التى تقوم بها الشرطة فى النظام القضائى.
ومهما كان حجم تلك الأعمال القضائية فهى تندرج تحت اسم الأعمال الضبطية فهى لا تبدأ إلا من وقت وقوع الجريمة بعد انتهاء أعمال المنع "الوظيفية الإدارية" والغرض من هذه الأعمال الضبطية هى تتبع المجرم، ورصد الأدلة وكشف غموض الجريمة وتقديم مرتكبيها للعدالة لتوقيع العقوبة عليهم، وفى هذه الأعمال القضائية يتبع مأمور الضبط القضائى السلطة القضائية فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم.
وتنحصر واجبات الشرطة فى ضبط الجريمة وجمع الاستدلالات إعمالاً لما نصت عليه المادة (21) من قانون الإجراءات الجنائية.
إذ يقوم مأمور الضبط القضائى بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها، ثم جمع الاستدلالات التى تلزم للتحقيق والدعوى.
والواجب الأول: يقتضى من مأمورى الضبط القضائى أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التى ترد إليهم بشأن الجرائم (م24 من قانون الإجراءات الجنائية).
أما الواجب الثانى: فهو قيام الشرطة بجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى، فقد أجملته المادة (24) من قانون الإجراءات الجنائية .
والتي قضت: "يجب على مأمورى الضبط القضائى أن يحصلوا على جميع الإيضاحات الخاصة بما يقع من جرائم ويجروا المعاينات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التى تبلغ إليهم أو التى يعلنون بها بالوسائل المشروعة، وعليهم أن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة"( ).
وحرصاً على مصلحة المجتمع فى مكافحة الإجرام، وتمكينا لمأموري الضبط القضائي من أداء واجبهم على الوجه الأكمل فقد خولهم القانون قسطاً من السلطة إذ أجاز لهم فى الحدود التى رسمها ممارسة بعض سلطات التحقيق الابتدائى وهى فى حالة التلبس (القبض – التفتيش).
1– فى أحوال التلبس بالجنايات أو بالجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه (م34 قانون الإجراءات الجنائية).
2- وإن لم يكن المتهم حاضراً فى الأحوال السابقة جاز لمأمور الضبط القضائى أن يصدر أمر بضبطه وإحضاره ويذكر ذلك فى المحضر.
3- إذا لم تتوافر شروط أو حالات التلبس ووجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب جناية سرقة أو نصب أو تعد شديد أو مقاومة لرجال السلطة العامة بالقوة والعنف جاز لمأمور الضبط القضائى أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة، وأن يطلب فوراً من النيابة العامة أن تصدر أمراً بالقبض عليه (م35 من قانون الإجراءات الجنائية).
4- يجب ألا تتجاوز مدة الحجز المسموح بها لرجل الشرطة عن 24 ساعة من تاريخ القبض على المتهم ويجب أن يرسله إلى النيابة وإلا اعتبر ذلك حبس بدون وجه حق.
5- يستتبع القبض على المتهم فى حالة التلبس تفتيش شخصه، وملابسه، وما معه من منقولات، ولا يتبع تفتيش مسكن المتهم الذى ألغته المحكمة الدستورية لتعارضه مع الدستور الذى ينص على أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها أو بمعرفة سلطة التحقيق، أو بمعرفة مأمور الضبط فى حالة ندبه بمعرفة سلطة التحقيق (م 44 من الدستور).
ويخول القانون لمأمورى الضبط القضائى تفتيش الأشخاص فى جميع الأحوال التى يجوز لهم فيها القبض عليهم، أما تفتيش المساكن فهو عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بإذن قضائى مسبب( ).
فالمادة 41 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية لسنة 1971 قضت بأن: "الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد، أو منعه من العمل، إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، من هذا النص يتضح أن المشرع الدستورى استخدم اصطلاح ضرورة التحقيق التى تبرر اتخاذ إجراء التحريات التى تكشف عن مبلغ الاتصال بجريمة ما"( ).
الاستيقاف:
هو مجرد استيقاف مأمور الضبط القضائى شخصاً اشتبه فى أمره بغرض التحرى عن شخصه فهو ليس قبضاً لكن مجرد استيقاف لتوافر حالة الريبة والشك، والاشتباه فى شخصه ويجب ألا يتعدى الغرض منه وإلا اعتبر حجزاً بدون وجه حق.
التمييز بين القبض والاستيقاف:
يختلف القبض عن الاستيقاف؛ فالاستيقاف من إجراءات الاستدلال أم القبض فهو إجراء تحقيق. والاستيقاف يعنى ايقاف الشخص الذى وضع نفسه موضع الريبة والشك أمام رجل السلطة العامة، وذلك للتحقق من شخصيته فهو عمل من أعمال التحرى، واستكشاف الشخصية، أما القبض فهو إمساك الشخص من جسمه وتقييد حركته وحرمانه من حرية الذهاب والإياب، فهو إجراء ماس بالحرية وبالكيان الجسدى للإنسان؛ ويبطل القبض إذا انتفت شروط صحته ومشروعيته كما لو انتفت مثلاً حالة التلبس.
1– تفتيش المتهم:
الأصل أن تفتيش شخص المتهم من إجراءات التحقيق، ويقصد بهذا تفتيش جسد المتهم وملابسه، وأمتعته الشخصية، والأشياء التى يحملها التى تستمد حرمتها من حرمة كيانه وجسده وتبيح حالة التلبس تفتيش شخص المتهم وفقاً لنص المادة 46 إجراءات جنائية التى تنص على أنه: "فى الأحوال التى يجوز القبض قانوناً على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائى تفتيشه وإذا كان المتهم أنثى، وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يندبها لذلك مأمور الضبط".
2– حظر تفتيش المساكن فى حالة التلبس:
الأصل أن التفتيش من إجراءات التحقيق وقد كانت المادة 47 إجراءات تنص على أن لمأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم، ويضبط فيه الأشياء والأوراق التى تفيد كشف الحقيقة إذا اتضح له من أمارات قوية أنها موجودة فيه.
ولكن أصدرت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 2 يونيه 1984 حكمها بعدم دستورية نص هذه المادة وعدم جواز تفتيش مسكن المتهم فى حالة التلبس لأن المادة 44 من الدستور تنص على: "أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون"( ).
ولكن رضا صاحب الشأن بتفتيش شخصه، أو مسكنه يعتبر تنازلاً منه عن هذه الحصانة التى قررها الدستور، وإذا أسفر التفتيش عن حيازة المتهم لشيء تعد حيازته جريمة تتحقق بها حالة التلبس.
التمييز بين الضبط الإدارى والضبط القضائى:
لا شك أن الضبط الإدارى يتميز عن الضبط القضائى فالأول مهمته وقائية تتمثل فى منع الجريمة قبل ارتكابها.
والثاني مهمته قضائية تتمثل فى الكشف عن الجرائم وتعقب مرتكبيها وجمع الأدلة التى يستلزمها التحقيق تمهيداً لمحاكمتهم وتنفيذ العقوبة عليهم.
وقد يصعب التمييز بين الضبط الإدارى والقضائى ولعل مرجع صعوبة التمييز بين الضبط الإدارى والضبط القضائي تتمثل في الاعتبارات التالية:
أ– جمع رجال الضبط الإدارى أى رجال الإدارة فى كثير من الأحيان بين وظيفة الضبط القضائى ووظيفة الضبط الإدارى فشرطى المرور مثلاً يجمع فى العديد من الحالات بين الصفتين فهو حين ينظم المرور فى منطقة معينة يباشر وظيفة الضبط الإدارى، وحين يحرر مخالفات للأفراد الذين لا يخضعون للوائح وتعليمات المرور يتحول إلى وظيفة الضبط القضائى.
ب– إن إجراءات الضبط الإدارى والضبط القضائى متداخلة فالوظيفتان متداخلتان إلى حد كبير لدرجة أنه قد يصعب الفصل بينهما كما أنه قد يحدث خلط كبير بين الوظيفتين نظراً لأن القانون يجمعهما فى غالب الأحوال فى يد واحدة.
جـ– إن كلا منهما يهدف إلى المحافظة على النظام العام داخل الدولة فإذا كان الضبط القضائى يساعد على صيانة النظام العام عن طريق الردع الذى تحدثه العقوبة فى النفوس نجد أن الضبط الإدارى له آثار جمة فى التقليل من وقوع الجرائم التى يتعقبها الضبط القضائى( ).
أهمية التمييز بين الضبط الإدارى والقضائى:
توجد ثمة مصلحة عملية للتمييز بين الضبط الإدارى والضبط القضائى ذلك لأن التمييز بينهما قائم على مبدأ الفصل بين ولايتى القضاءين الإداري والعادي، فالضبط الإداري في غالبية صوره يتعلق نشاطه بالسلطة التنفيذية، ومن ثم فإن جميع المنازعات التى تثار بسببه تخضع للقانون الإدارى وتراقب مشروعيته المحاكم الإدارية على اختلاف أنواعها، وأساس ذلك أن نشاط الضبط الإدارى فى أغلبية صوره يمس الحريات العامة للأفراد، والقاضي الإداري هو حامى حمى الحريات العامة باعتباره قاضى المشروعية.
أما بالنسبة لنشاط الضبط القضائى فتختص به السلطات القضائية ومن ثم فإن منازعاته تخضع لقانون الإجراءات الجنائية وتختص بنظرها المحاكم الجنائية ويترتب على ذلك النتائج التالية:
1– إن أعمال الضبط الإدارى تخضع لرقابة الإدارة أما أعمل الضبط القضائى فتخضع لإشراف النيابة العامة.
2– إن نشاط رجال الضبط القضائى لا يقبل الطعن بالإلغاء ولا يخضع لإجراء وقف التنفيذ، كما هو الحال بالنسبة لنشاط الضبط الإدارى.
3– إن نشاط الضبط الإدارى يثير مسئولية الإدارة إذا ما توافرت أركان المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، أما تلك الناجمة عن أعمال الضبط القضائى فلا تزال مسئولية الدولة عنها مثار خلاف لأن الدولة غير مسئولة عن أخطاء سلطة الضبط القضائى، إلا إذا نص المشرع على ذلك صراحة.
وأوجه الاختلاف هذه أثارت جدلاً فى الفقه فيرى البعض ضرورة قيام المشرع بالفصل بين الوظيفة الإدارية والقضائية، بحيث يصبح للضبطية القضائية هيئة خاصة ومتميزة، عن الضبطية الإدارية لأن كلاً من الوظيفتين يحتاج إعداد القائم عليها إعداداً خاصاً، وكفاءة معينة من حيث المواهب والمعلومات والتدريب.
كما أن الجمع بين الوظيفتين فى يد مأمور ضبط واحد يجعله مثقل بمهام كثيرة قد تنقص من كفاءته وجهده.
أما الفصل بين وظيفة الضبط القضائى ووظيفة الضبط الإدارى فيجعل مأمور الضبط متقناً لعمله ويؤديه بكفاءة.
ويذهب البعض الآخر إلى عكس الرأى السابق ويرى جواز الجمع بين الوظيفتين فى يد شخص واحد بسبب أن الوظيفتين متداخلتين كما هو عليه العمل في الوقت الحالي.
ويرى الباحث؛ الإبقاء على وظيفة الضبط الإداري والضبط القضائي في يد رجال الشرطة مع ضرورة الفصل بين الوظيفتين وتخصيص بعض رجال الشرطة للوظيفة الأولى والبعض الأخر للوظيفة الثانية أسوة بما تم من تخصيص مساعدا للمدير للأمن العام وكذا مساعدا للتدريب وأيضا مساعدا للشئون الإدارية والمالية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) محجوب حسن سعد: الشرطة ومنع الجريمة، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض 2001، ص ص68، 69.
( ) د. معجب معدى الجويقل: الشرطة وحقوق الإنسان، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، 2001، ص86، 87.
( ) د. عماد حسين، د. السيد الوزان: الضبط الإدارى، الوظيفة الإدارية للشرطة، أكاديمية الشرطة، 20005، ص9.
( ) د. محمد أبو زيد محمد: دروس فى مبادئ القانون الإدارى، شركة مطابع الطويحى، 2002، ص46.
( ) يجدر الإشارة إلى أن المظهر الثانى، المرفق العام، يخرج عن مجال البحث ومن ثم يمكن الرجوع إلى المؤلفات المتخصصة فى هذا المجال.
( ) د. مصطفى ممدوح محمد: الضبط الإدارى، الوظيفة الإدارية للشرطة وزارة الداخلية، أكاديمية الشرطة، مطبعة كلية الشرطة، 1995ـ ص7.
( ) د. مصطفى ممدوح: مرجع سابق، ص14، 15.
( ) د/ محمد على قطب: حق الإنسان فى الاستمتاع بالهدوء والسكينة وجمال الرونق والرواء ورقة عمل مقدمة إلى ندوة دور وزارة الداخلية فى تدعيم حقوق الإنسان، مركز بحوث الشرطة، أكاديمية الشرطة، الأربعاء 27 فبراير 2008، ص1.
( ) أنظر د. سليمان الطحاوى: الوجيز فى القانون الإدارى، دراسة مقارنة، القاهرة، دار الفكر العربى، 1979، ص57.
( ) انظر د. محمد أبو زيد: دروس فى مبادئ القانون الإدارى، مرجع سابق، ص50.
( ) انظر محجوب حسن سعد: الشرطة ومنع الجريمة، أكاديمية نايف للعلوم العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض، 2001م، ص69.
( ) د. عادل أبو الخير: الضبط الإدارى وحدوده، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995، ص83.
( ) نصت المادة 3 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 على تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام العام، والأمن العام، والآداب، وبحماية الأرواح والأعراض والأموال وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها كما تختص بكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين فى كافة المجالات وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات يراجع قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971، وقراراته التنفيذية – جمهورية مصر العربية، الهيئة العامة لمطابع الأميرية، الطبعة السابعة، 1999، ص4.
( ) راجع نص المادة 145، والمادة 156 من دستور جمهورية مصر العربية والقوانين الأساسية المكملة له، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، الطبعة الثانية 1999، ص27، 30.
( ) د. محمد مدحت المراسى: تنظيم إدارة الشرطة، مرجع سابق، ص111.
( ) سورة قريش الآيتان: 3-4.
( ) سورة الأنعام الآية: 82.
( ) مستشار/سمير ناجى وآخرون: بحث حق المواطن فى الأمن، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ص5، نقلاً عن كتاب جوهر الأمن، لروبرت مكنمارا الرئيس الأسبق للبنك الدولى، والذى يقول ما نصه "أى مجتمع يمر بمرحلة التحول إلى مجتمع عصرى فإن الأمن بالنسبة له يكون معناه التنمية أن الأمن هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التى لا تنمو لا يمكن أن تطل آمنة".
( ) د. محمد الشربينى: بحث حق المواطن فى الأمن، مرجع سابق، ص 25.
( ) د. محمد عنب:الشرطة ومختلف أدوارها فى كفالة أمن المواطن- بحث حق المواطن فى الأمن، مرجع سابق، ص83.
( ) د/عماد حسين، د/ سيد الوزان: الضبط الإدارى، الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص92.
( ) سورة الفتح الآية 4
( ) سورة التوبة الآية 26
( ) انظر تفسير القرآن الكريم، للإمام الجليل ابن كثير، الجزء الثانى، مكتبة دار التراث، القاهرة، ص345.
( ) د. مصطفى ممدوح: الضبط الإدارى، الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص ص94،95.
( ) د. محمد على قطب: حق الإنسان بالاستمتاع بالهدوء والسكينة وحماية الرونق والرواء، مرجع سابق، ص13.
( ) د. عماد حسين، د. السيد الوزان: الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص94-95.
( ) حلمى خيرى الحريرى: وظيفة البوليس فى النظم الديمقراطية، مرجع سابق، ص67.
( ) د. ممدوح مصطفى: الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص97.
( ) يراجع: د. على على صالح المصرى: وظيفة الشرطة فى الجمهورية اليمنية، دراسة مقارنة، مرجع سابق، ص193.
( ) حلمى خيرى الحريرى: وظيفة البوليس فى النظم الديمقراطية، مرجع سابق، ص68.
( ) الآداب: لفظ يعنى ذلك السلوك الطيب الذى يجب أن يتحلى به الخلق جميعا، مما ينبثق من وحى ضمائرهم وفطرتهم، والآداب العامة بهذا المفهوم تتسع لتشمل كافة أوجه السلوك الشخصى للإنسان والجماعة على وجه سواء وتتسع ايضا لتشمل أوجه نشاطهم المختلفة من معاملات وما إلى ذلك إلا أن للآداب العامة معنى آخر ضيق يترادف مع عبارة حسن الأخلاق ويرتبط بالعلاقات الجنسية وجودا وعدما، وإذا ما سايرنا المفهوم الضيق لعبارة الآداب العامة فإننا نجد أن كل أمر منافى لحسن الأخلاق، وكل فعل فيه تشويه لأصول الروابط الحسية هو فى الوقت ذاته انتهاكا لحرية الآداب (السيد حسن البغال – القاضى – الجرائم المخلة بالآداب، دار الفكر العربى 1962، ص417.
( ) د. مصطفى ممدوح: الوظيفة الادارية للشرطة، مرجع سابق، ص103-104.
( ) د. عماد حسين، د. السيد الوزان: الوظيفة الادارية للشرطة، مرجع سابق، ص97.
( ) وينبغى أن ننوه هنا أن الآداب التي نص المشرع على حمايتها ليست كل الآداب إذ لا ينصرف هذا اللفظ إلى الآداب العامة إنما هو فقط قاصراً على الآداب التى تشكل خطراً أو انتهاكاً بالنظام العام وتهدده، فليست كل الآداب تعرض الأمن العام للخطر.
( ) د. مصطفى ممدوح: الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص106.
( ) د. حلمى خيرى الحرير: وظيفة البوليس فى النظم الديمقراطية، مرجع سابق، ص70.
( ) د. عماد حسين، د. السيد الوزان: الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص97.
( ) يراجع د. مصطفى ممدوح: الضبط الإدارى (الوظيفة الإدارية للشرطة)، مرجع سابق، ص109.
( ) عقيد دكتور/ عادل محمد الفقى: الشرطة بين الضبطية الإدارية والضبطية القضائية، مجلة الأمن العام، العدد 133، أبريل 1991، ص8، 9.
- راجع قانون الإجراءات الجنائية- المواد رقم 35،24،23،21
( ) د. قدرى عبد الفتاح الشهاوى: مناط التحريات والاستدلالات والاستخبارات، الناشر منشأة المعارف، الإسكندرية 1998، ص ص144، 145.
( ) راجع أيضا: المواد أرقام 7، 9، 10 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والحريات الأساسية 1950، والمواد 11، 12، 15، 16 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية 1966.
( ) قضت المادة 44/2 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية 1971 بأن: للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون".
( ) راجع فى تفصيلات ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا 2 يونيه 1984 مجموعة أحكام الدستورية العليا رقم 12 ص67.
( ) د. عبد الرؤوف هاشم بسيونى: نظرية الضبط الإدارى فى النظم الوضعية والمعاصرة والشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، 1995، ص42، 43.
للشرطة فى العصر الحديث دور هام يتضمن المحافظة على النظام، وصيانة الأمن الداخلى وبخاصة الوقاية من الجريمة قبل وقوعها وضبطها والتحقيق فيها بعد ارتكابها، وتعقب مرتكبيها لتقديمهم للعدالة. ودور الشرطة وقائى قبل وقوع الجريمة، وقضائى بعد ارتكابها، وتنفيذى بعد الحكم، ويعد الدور الوقائى هو جوهر العمل الشرطى، حيث إنها تقوم بدور الحارس الأمين الذى يتخذ من الإجراءات والتدابير ما يحول دون وقوع الجريمة، وعلى ضوء ذلك تتحرك الشرطة لمنع الجريمة قبل حدوثها وتحجيمها والسيطرة عليها. ومنع الجريمة واجب أصيل تقوم به الشرطة، وسيظل يحتل المرتبة الأولى من مجموعة واجباتها رغم أى تعديلات تطرأ على قوانين الشرطة بصفة خاصة أو القوانين الجنائية بصفة عامة.
وهذا هو الواجب الأول والأصيل من واجبات جهاز الشرطة والذى يشير لأهمية خاصة ظلت ملازمة لها لأنه المرتكز الذى تؤسس عليه الشرطة بقية الواجبات المتصلة بالأمن الداخلى، كاختصاص أصيل مسئولة عنه( ).
فإذا فشلت الشرطة فى دورها الوقائى ووقعت الجريمة لجأت الشرطة فى دورها القضائى إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتعرف على أسباب وقوع الجريمة، التعرف على مرتكبيها، وسلطة الضبط القضائى التى تمارسها الشرطة تساعد القضاء فى استقصاء المعلومات الصحيحة عن الجريمة، بقصد إقامة الأدلة ضد الجانى لتطبيق القانون عليه، وجمع الأدلة الدامغة التى تدينه حتى لا يفلت من العقاب، وحتى يطمئن القاضى أثناء النطق بالحكم.
وإذا كان دور الشرطة القضائى يتجلى فى البحث عن الفاعل، فإن الإجراءات التى تتخذ فى هذه المرحلة أكبر خطورة من حيث مساسها بحقوق الإنسان، وحرياته سواء فيما يتعلق بحريته الشخصية، أو حرمة مسكنه( ).
وعموماً يمكننا أن نقول بأن وظائف الشرطة الثلاث (الإدارية والقضائية والاجتماعية) تتداخل بهدف تحقيق النظام العام بمشتملاته الثلاث.
وسوف نستعرض من خلال هذا المطلب وظيفة الشرطة الإدارية والقضائية بصورة موجزة على أن يكون جل اهتمامنا دراسة الوظيفة الاجتماعية للشرطة وهى موضوع دراستنا.
وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين:
المطلب الأول: الوظيفة الإدارية للشرطة.
المطلب الثاني: الوظيفة القضائية للشرطة.
المطلب الأول
الوظيفة الإدارية للشرطة
أولا: ماهية الوظيفة الإدارية للشرطة:
تسعى الجهات الإدارية من وراء نشاطها بصفة عامة إلى إشباع رغبات الأفراد داخل المجتمع وتحقيق المصلحة العامة للجماعة.
وكأصل عام فإن إشباع الحاجات العامة للأفراد، وتقديم الخدمات العامة لهم لا يستوجب أن تقوم الدولة به دائماً بنفسها، فمن الحاجات العامة ما يترك إلى النشاط الفردى لأنه يقوم بإشباعه بصورة مرضية، وقد تتولى الإدارة بنفسها إشباع الحاجات العامة للأفراد فتنشئ لذلك المرافق العامة تقديراً منها بأنه ليس من المصلحة العامة أن يترك ذلك للأفراد( ).
وأياً كان قدر ونوعية التدخل الذى تأخذ به الدول فإن هناك وظيفتين أساسيتين تقوم بهما الإدارة فى كل الدول:
1– الوظيفة الأولى:
تقتصر الوظيفة الأولى للشرطة الإدارية على مراقبة وتنظيم النشاط الفردى باستخدام ما تتمتع به الإدارة من سلطات فى المجال الشرطى (البوليس) وهو ما يطلق عليه مصطلح الضبط الإدارى.
2– الوظيفة الثانية:
لا مراء أن تدخل الإدارة أمر يستوجبه الواقع لإمكان الوفاء بحاجات الأفراد وإشباع رغباتهم عن طريق المرافق العامة، نظراً لأن الأفراد قد لا يكون لديهم القدر الكافى لإمكان القيام بهذه الأنشطة أو تحقيق المصلحة العامة التى تستوجب تدخل الإدارة فى هذا المجال( ).
ويتبين مما تقدم أن نشاط الإدارة فى سبيل إشباع الحاجات العامة للأفراد وتحقيق المصلحة العامة للجماعة يتخذ أحد مظهرين:
الأول: الضبط الإدارى.
الثانى: المرفق العام( ).
ونظراً لأننا فى هذه الدراسة نتناول الوظيفة الإدارية للشرطة والتى يطلق عليها الضبط الإدارى وتعتبر هى الوظيفة التقليدية الأساسية لهيئة الشرطة وتتمثل فى كل الأعمال الوقائية التى تهدف إلى منع وقوع الجريمة والمحافظة على النظام العام وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين، فإن الأمر يستوجب ايضاح بعض المفاهيم.
ثانيا: مفهوم الضبط الإدارى:
إن مصطلح الضبط الإدارى له معنيان أساسيان، حيث يستخدم المعنى الأول للدلالة على الجهاز الذى يتولى مسئولية المحافظة على النظام العام داخل الدولة، ولقد درجت القوانين الحديثة فى مصر على تسميته بهيئة الشرطة.
أما المعنى الثانى فينصرف إلى الوظيفة الإدارية التى تباشرها هيئة الشرطة بجانب وظائفها الأخرى (الوظيفة القضائية، والوظيفة الاجتماعية) وهى وظيفة ذات طابع منعى أى وقائى تهدف إلى منع وقوع الجرائم والحيلولة دون وقوع ما من شأنه الإخلال بالنظام العام بمشتملاته الثلاث (الأمن العام و السكينة العامة والصحة العامة)( )، وبمعنى أوضح تسعى إلى منع الخطر السبّاق الداهم واكتشافه من كواليس المجهول قبل بدايته أو استفحاله.
1- ماهية الضبط لغة واصـطـلاحاً:
نعنى بكلمة ضبط فى اللغة العربية عدة معان ولكن ما يعنينا منها فى هذا المقام معنيين هما:
الضبط؛ ونعنى به الحفظ فيقال ضبط ضبطاً، بمعنى حفظ بالحزم حفظاً بليغاً، كما نعنى أيضاً بكلمة ضبط الإحكام والإتقان، ويقال ضبط البلاد أى قام بأمرها قياماً ليس فيه نقص، بمعنى حفظها بحزم من أى خلل أو مخاطر قد تلم بها.
ويقال رجل ضابط، أى رجل حازم ويشتق من كلمة ضابط كلمة الضابطية ومفردها ضابطى وتعنى فى الأصل جند الوالى الذين كانوا يستخدمون لجمع الأموال والمحافظة على الأمن، وإحضار المجرمين وغيرهم إلى باب الحكومة كما تعنى أيضاً مهنة الضابطية.
وكلمة ضبط ترادف فى لغات العالم التى اشتقت من اللغة اللاتينية كلمة Police ومعناها عند قدماء الإغريق المدينة وليس المقصود بالمدينة مبانيها وتخطيطها بقدر ما كان المقصود هو المدنية أو الحضارة لا تنمو ولا تزدهر إلا فى مناخ يسوده الأمن.
ثم تطور هذا المعنى حتى أصبحت كلمة Police تعنى الأمن كما تعنى أيضاً الجهاز الذى يحافظ على أمن المدينة( ).
2- ماهية الضبط فقهاً:
يعرف الضبط الإدارى بصفة عامة بأنه حق الإدارة فى أن تفرض على الأفراد قيوداً تحد بها من حريتهم يقصد حماية النظام العام، فالضبط الإدارى شديد الارتباط بالإدارة ولصيق بها. وينصرف تعبير الضبط مجرداً إلى الضبط الإدارى الذى يتميز عن أنواع أخرى من الضبط كالضبط القضائى، والضبط التشريعى...الخ.
ويتفق الأخير مع الضبط الإدارى فى تقييد الحرية الوارد فى التعريف السابق حيث إصدار القوانين المقيدة لحريات الأفراد.
وتتحد وظيفة الضبط الإدارى فى منع الجريمة قبل وقوعها من خلال الإجراءات والوسائل التى تؤدى إلى صعوبة ارتكابها، وحيث يعد الغرض الوقائى للضبط، وقد يتخذ الضبط من أسلوب الجزاء الإدارى وسيلة للردع والمنع.
ولقد تطور مفهوم الضبط الإدارى شأنه فى ذلك شأن كافة الأفكار والنظم القانونية نتيجة تطور الدولة وتدخلها فى كافة الأنشطة والمجالات فى المجتمع( )، ولقد اقتصرت وظيفة الضبط الإدارى فى مراحله الأولى على تأمين النظام القائم من حيث أهدافه وغايته، وتطورت هذه الوظيفة بتطور وظيفة الدولة.
وأصبح هدفه بالإضافة إلى ذلك تجنب كل إخلال بالنظام العام أو بأحد محاوره (الأمن العام – الصحة العامة – السكينة) ويتم ذلك بفرض القيود على حريات الأفراد.
ومن هنا يتضح تعدد التعريفات الفقهية للضبط الإدارى طبقاً للمعنى الوظيفى أو الشكلى، فأصبح تحديد أهداف الضبط معياراً للتعريف وهو صيانة النظام العام وعليه فقد عرفه البعض بأن الضبط الإدارى مهمته وقائية تنحصر فى المحافظة على النظام العام والحيلولة دون وقوع الجرائم، ومن ثم يعرف بأنه حق الإدارة فى أن تفرض على الأفراد قيوداً تحد بها من حرياتهم بقصد حماية النظام العام( ).
بينما يعرفه البعض( ) بأنه مجموع النشاط الإدارى المتمثل فى إصدار القواعد العامة والتدابير الفردية الضرورية للحفاظ على النظام العام، بما يعنى الأمن والصحة والسكينة، وطبقاً للمعيار الشكلى فيقصد به "مجموع الهيئات الإدارية التابعة للسلطة التنفيذية التى يعهد إليها بممارسة الضبط الإدارى وقد انتقد هذا التعريف من جانب من الفقه لكونه لا يعد تعريفاً للضبط الإدارى ولكن تعريف للهيئات التى تباشر وظيفة الضبط الإدارى.
وكما سبق الإشارة فإن مفهوم الضبط الإدارى له معنيان:
المعنى الأول: وهو الجهاز الذى يتولى مسئولية المحافظة على النظام العام داخل الدولة.
المعنى الثانى: ينصرف إلى الوظيفة الإدارية التى تباشرها هيئة الشرطة بجانب الوظيفة القضائية، والاجتماعية.
ويقصد بالوظيفة الإدارية كما عرفها البعض مجموعة الإجراءات التى تباشرها الشرطة لتنفيذ واجباتها حسب ما فصلتها لها القوانين أو اللوائح أو الأوامر لحفظ الأمن والنظام، العام بإنشاء حالة يسود الجميع فيها شعور بالطمأنينة، بالقدر الكافى لإزالة مخاوفة من أى أخطار تهدده أو تمنعه من مباشرة نشاطاته فى يسر وسهولة، وحالة الإحساس بالطمأنينة لا تتوافر لدى الأفراد إلا إذا ترسخ لديها اعتقاد بقدره الشرطة على منع الجريمة( )، والدوريات هى من أهم وظائف الشرطة الإدارية تمنع بها الجريمة، ويتحقق بها الأمن والنظام العام.
ونجد تعريف الضبط الإدارى فى الفقه الفرنسى كذلك قد جاء فى إطار المعنى الوظيفى لسلطة الضبط الإدارى، ومن ذلك تعريف الفقيه L’auladere والذى عرفه من زاوية الأهداف التى من أجلها يمارس الضبط حيث يتميز بطبيعته الوقائية ووفقاً لذلك نجد تعريفه للضبط الإدارى بأنه شكل من أشكال عمل الإدارة، والذى يتمثل فى تنظيم نشاط الأفراد من أجل المحافظة على النظام العام( ).
خلاصة القول؛ إن التشريع فى كل من مصر وفرنسا لم يأت بتعريف محدد للضبط الإدارى حيث إن النصوص التشريعية لم تتعرض لتعريفه، وإنما تناولت فقط أغراضه وإزاء ذلك كان لزاماً على الفقه أن يستكمل هذا النقص، وأن يزيل هذا الغموض على النحو الذى سبق بيانه.
ويلاحظ أن الضبط الإدارى يجد أساسه فى الشريعة الإسلامية فى أن الشريعة تهدف إلى تحقيق المقاصد الشرعية والتى تبتغى المحافظة على الضروريات الخمس والتى تشمل (الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال) فهى مقاصد الشريعة وهى شاملة لكل نظم الحياة الدينية والدنيوية فقد جمعت فأوعت.
ثالثا: أغراض الضبط الإدارى:
الضبط الإدارى غاية وقائية، ترمى إلى منع أى إخلال بالأمن والسكينة والصحة العامة، وهى المهام الأساسية الملقاة على عاتق جهاز الشرطة فى الوقت الحاضر، ولتحقيق ذلك يخول لجهاز الشرطة سلطة إصدار أوامر أو نواه وصولاً إلى منع الجريمة قبل أن تقع. فعلى سبيل المثال يمكن لجهاز الأمن إصدار أمر بمنع اجتماع عام، أو قرار بإيقاف عرض فيلم، أو مسرحية مخلة بالآداب العامة، أو غلق أحد المحال العامة إدارياً، أو إلغاء ترخيص بحمل السلاح لدواعى الأمن.
يضاف إلى ذلك سلطة التنفيذ المباشر باستخدام القوة المادية لحمل الأفراد على تنفيذ القانون ويستهدف الضبط الإدارى على نحو ما سبق المحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاث وقد جاء ذلك فى المادة 3 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971( )، حيث تتولى الشرطة العبء الأكبر فى المحافظة على النظام العام، كغرض للضبط الإدارى، وهى لا تنفرد وحدودها بهذه السلطة حيث تشاركها جهات إدارية أخرى غير شرطية.
ويظهر ذلك واضحاً فى نص المادة (145) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971، والتى منحت رئيس الجمهورية سلطة إصدار لوائح الضبط كذلك فقد خولت المادة رقم (26) من القانون رقم 43 لسنة 1979 بشأن الإدارة المحلية، حق المحافظين اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن والقيم العامة فى المحافظة. كما يجوز أن تصدر هذه اللوائح من مجلس الوزراء استناداً للفقرة الأخيرة من المادة (156) من الدستور، والتى تنص على اختصاصات مجلس الوزراء، ومن بينها "المحافظة على أمن الدولة وحماية حقوق المواطنين، ومصالح الدولة وهى أمور تدخل كلها فى نطاق مدلولات حماية النظام العام( ).
وفكرة النظام العام ذات مدلول مرن يختلف من دولة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر بل وقد يختلف داخل الدولة الواحدة فهى عبارة فضفاضة شاملة تحتوى على كافة الأنشطة ولذلك من الصعب تحديد النظام العام تجديداً دقيقاً، وسوف نتناول مضمون النظام العام.
رابعا: مفهوم النظام العام:
ذكرنا أن فكرة النظام العام هى فكرة مرنة، فليس لها تعريف محدد إذ إنها تصعب على التحديد الدقيق وذلك يرجع إلى نسبية هذه الفكرة، لاختلافها من مجتمع لآخر، ومن وقت لآخر فهى فكرة نسبية، ونلاحظ على الرغم من صعوبة وضع تعريف محدد لهذه الفكرة فإن لها مضمون فى نطاق مفهوم القانون الإدارى فقد اصطلح فقهاء القانون الإدارى على أن النظام العام، يشمل الأمن العام والسكينة العامة، والصحة العامة.
ومما لا شك فيه أن استقرار الأمن، وصيانة النظام، وتوفير الصحة والسكينة للمواطنين تعتبر من المصالح العامة التى تشرف الإدارة على رعايتها، لذلك كان من الضرورى حتى تصون الإدارة هذه المصالح أن تنفرد بتقرير بعض القواعد والأحكام التى تنظم بها طرق مباشرة الأفراد لأوجه نشاطهم المختلفة، وأن يكون لها الحق فى أن تفرض عليهم قيوداً تحد بها من حرياتهم كلما رأت أن المصلحة العامة تقتضى ذلك( ).
والشرطة الإدارية ضرورة اجتماعية لا غنى عنها لكفالة النظام العام، ذلك لأنه من الأمور المسلم بها أنه إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصالح الخاصة للأفراد فإن المصلحة العامة تكون مفضلة على المصالح الخاصة.
ويتفاوت نطاق الوظيفة الإدارية من دولة إلى أخرى، فمن الدول ما تقتصر الوظيفة الإدارية للشرطة لديها على الأنشطة المتصلة بصون الأمن العام بمفهومه الضيق كانجلترا، ومنها ما يتسع فيها نطاق هذه الوظيفة لمهام قد لا تكون وثيقة الصلة بالأمن كالصين.
وقد أخذت مصر فى هذا الشأن بنظام وسط فلم تقف عند الحدود الضيقة لمفهوم الأمن العام إنما تجاوزت هذه الحدود بالقدر الذى تمليه اعتبارات الأمن العام.
وقد حددت المادة الثالثة من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 وتعديلاته الوظيفة الإدارية للشرطة في ثلاث عناصر هى: (الأمن العام، السكينة العامة، الصحة العامة). وهو ما سوف نتناوله تفصيلاً فيما يلى:
1- المحافظة على الأمن العام:
الأمن من أجل نعم المولى التى امتن بها على عبادة وجعله أجرا على الإخلاص فى الإيمان قال تعالى: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ"( ).
وقال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"( ).
ويعتبر الأمن والشعور بالطمأنينة دعامة أساسية لممارسة الحريات والاستمرار فى تنمية المجتمع وتسعى الدول لتوفير المناخ الأمنى والاستقرار اللازم للانطلاق إلى أفاق التنمية.
والأمن معناه التنمية لدى بعض رجل الفقه ففى رأى أن أي مجتمع يمر بمرحلة التحول إلى مجتمع عصرى يعد الأمن بالنسبة له هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التى لا تنمو لا يمكن أن تظل آمنة.
تلك كلمة حق إن الأمن فى زمننا المعاصر هو التنمية وذلك أصدق تصور لبيان أهمية الأمن وخطورته بالنسبة للفرد والمجتمع والدولة( ).
فلم يعد مفهوم الأمن يرتبط بتلك الحدود التقليدية المتعارف عليها، والتى تقتصر على حماية الأرواح، والأعراض، والأموال، والصحة العامة، والسكنية العامة ومنع الجريمة وضبطها فحسب، بل امتدت إلى آفاق رحبة جديدة أكثر اتساعاً وشمولا ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، وسياسية، وتنموية، غيرها.
فالأمن بهذا المفهوم يمتد من الفرد ويشيع فى المجتمع مروراً بجميع المؤسسات الحكومية والأهلية ذات العلاقة، ومن ناحية أخرى يمتد الأمن إلى حماية الأخلاق ورعاية السلوك الاجتماعى والحفاظ على المكاسب الاقتصادية والقومية.
ومن جانب آخر فقد اتسع وتداخل العمل الأمنى فى الدول النامية نتيجة امتداد نشاط الدولة وحرصها على توفير مستوى مناسب للمعيشة للفرد وقد شمل هذا التداخل الصناعة، والزراعة، والتجارة، والإسكان، والاقتصاد وغيرها من المجالات( ).
والأمن لا يتحقق إلا بالممارسة التى تستهدف وتركز على الاستقرار النفسى للأفراد والتوازن الاجتماعى، والنماء الاقتصادى المتوازن مع التمسك بالقيم لتحقيق الرخاء وتعميق الانتماء للوطن واستقراره.
كما يقوم الأمن على ركائز أساسية تبدو فى حرية العقيدة التى تحث على الخير وتدفع الشر، مما ينعكس على تقوية الروابط الاجتماعية والاستقرار فى المجتمع والشعور بالانتماء للوطن في ظل استقرار سياسى، واقتصادى، وعدالة اجتماعية تحقق المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، ولهذا فإن حاجة الفرد والمجتمع إلى الأمن تبدو من الحاجات الأساسية التى لا غنى عنها، وعلى هذا فيجب أن توجه لها كافة الإمكانات وتتضافر فيها قوى الدولة للحفاظ على المجتمع( ).
خلاصة القول: إن المقصود بالأمن العام بوصفه عنصراً من عناصر النظام العام فى مفهوم القانون الإدارى هو المحافظة على السلامة العامة، بمنع قيام الأسباب التى من شأنها بث الخوف والقلق والاضطراب فى نفوس أفراد المجتمع، أو شعورهم بعدم الاطمئنان على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وعقيدتهم.
فالأمن العام ضرورة من الضروريات الحتمية لكل من المجتمع والفرد. وهنا تتجلى أهداف الضبط الإدارى التى تحمى أمن المجتمع بمنع كل نشاط من شأنه أن يسبب أضراراً بأمن الدولة، ويؤثر فى توفير الأمن والأمان لأفراد المجتمع.
فالأمن العام بالمعنى الحديث أصبح أكثر اتساعاً فلم يقف عند المفهوم التقليدى للأمن بل تدرج إلى الشمولية لكافة جوانب الحياة.
2- السكينة العامـة:
السكينة فى اللغة هى الهدوء والطمأنينة وهى الثبات والبعض يراها تقوم على اعتراف متبادل من كل فرد بوجود الآخرين ذلك الاعتراف الذى يعنى وضع الحدود لما لكل فرد من حقوق وما عليه من واجبات.
ومن هنا تكون السكينة تجسيداً لفكرة تبادل اشباع الرغبات والحاجات والدوافع المشتركة، وعلامة على أن هذا المجتمع يسود فيه الأخذ والعطاء المتبادل أى أداء الواجبات والحصول على الحقوق للجميع وهى هنا تبدو ترجمة للمفهوم العام للأمن( ).
وقد وردت كلمة السكينة فى كتاب الله عز وجل فى أكثر من سورة منها قوله عز وجل: " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً" ( ).
وقوله تعالى" ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ" ( ).
والسكينة هنا هى الطمأنينة والثبات( )، ويتسع مفهوم السكينة هدوء النفس وراحة البال.
ويقصد بالسكينة المحافظة على الهدوء والسكون بالطرق والأماكن العامة وذلك عن طريق منع كل ما من شأنه أن يؤدى إلى إقلاق راحة المواطنين، كالجلبة والضوضاء أو إساءة استخدام أجهزة المذياع، والتلفاز، ومكبرات الصوت، وآلات التنبيه فى السيارات، وكذلك الضوضاء التى تنبعث من ورش إصلاح السيارات فى المناطق السكنية، والدراجات البخارية، وتجمعات الأطفال والشباب فى الشوارع وأصوات المناقشات والمشاجرات فى الطرق العامة، وأصوات الباعة الجائلين والمظاهرات والمواكب والأفراح وأيضا الأصوات التى تصدر عن الحيوانات الضالة فضلاً عن المضايقات التى تقع من المتسولين فى الطرق العامة.
والإخلال بالسكينة العامة فى القانون البريطانى لا يقتصر على ما يكدر حاسة السمع فقط وإنما يتسع أيضا ليشمل ما يكدر حاسة الشم أو اللمس أو البصر أو التذوق( )، وهناك صلة بين السكينة العامة والأمن العام ذلك أن الضوضاء تصيب المواطن بخلل نفسى وجسدى مما يزيد من توتره وقد يفقد أعصابه ويميل إلى التعدى على الآخرين مما ينعكس سلبا على الأمن العام.
كذلك فهناك صلة بين السكينة العامة والصحة العامة أليست السكينة هى منع الضوضاء والإزعاج والهدوء كذا فإن الضوضاء هى شكل من أشكال تلوث البيئة (التلوث السمعى) أنها تؤدى إلى فقدان السمع وهذا يؤثر تأثيراً شديداً على الصحة العامة ومن ثم نستطيع أن نؤكد أن السكينة العامة هى مظهر من مظاهر الأمن العام.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه فى دراسة لمنظمة الصحة العالمية أكدت فيها أن الضوضاء تصيب الإنسان بالإرهاق النفسى والجسدى، وتجعله عرضة للضغط والتوتر والقلق العصبى، بل إن الضوضاء تؤثر على الصغار بنهج السلوك العدوانى تجاه بعضهم البعض.
ولذلك وكما سبق أن أوضحنا تتلاقى فكرة محاربة الضوضاء وفكرة السكينة العامة مع أوجه العناية بالصحة العامة والأمن العام( ).
3- الصحة العامـة:
يعتبر هذا العنصر أحد مكونات النظام العام فى أى مجتمع ومن ثم فإن فقدان الرعاية الصحية فى المجتمع يؤثر سلبياً على النظام الاجتماعى والاقتصادى ويكون سبباً غير مباشر للإخلال بالأمن، والاعتناء بالصحة العامة من واجبات الدولة الأساسية.
ويقصد بالصحة العامة كأحد أهداف الضبط الإدارى وقاية المجتمع من الأخطار التى تهدد صحة الأفراد وقوتهم كالأمراض والأوبئة الفتاكة، أو هى كل ما من شأنه أن يحفظ صحة الجمهور ويقيهم أخطار المرض.. أو هى الإجراءات التى يقصد منها الحفاظ على صحة المواطنين ووقايتهم من أضرار الأمراض.
والصحة العامة تشمل صحة الأفراد والحيوانات وسلامة العقارات والأسواق والطرق العامة، والتى تؤدى حالتها غير السليمة إلى الإضرار بالأفراد وهنا يتدخل الضبط الإدارى فى مجال الإسكان من قبيل تحديد التجهيزات الصحية وتوافر الشروط الصحية فى أماكن الإقامة والمتاجر والمطاعم وتحقيق كفالة صحة البيئة مثل رعاية الأماكن العامة والطرق والإجراءات الوقائية من الأمراض مثل التطعيم، وإبادة الحشرات، وقتل الحيوانات الموبوءة، أو المسعورة، وقد تنصرف الوقاية الصحية إلى مراعاة الشروط الصحية للمنشأة الصناعية والتجارية بما لا يضر بالعاملين أو المقيمين بجوارها( ).
وقد تزايدت أهمية الصحة العامة بسبب الازدحام السكاني وتعقد الحياة الحديثة، ولسهولة التقارب بين الناس وصارت الأمراض تأخذ شكل الكوارث الاجتماعية الحقيقية التى تكون قابلة لأن تحدث اضطراباً جسيماً فى النظام العام يتطلب حماية المواطنين من كل ما يهدد صحتهم من أوبئة ومخاطر العدوى( ). وفى إطار تحقيق ذلك يقع على عاتق سلطة الضبط الإدارى القيام بما يلى:
توجيه الاهتمام بمراقبة الأغذية وتنظيم تداولها ووضع اشتراطات النظافة الصحية الواجب توافرها سواء فى أماكن تداولها أم فى الأشخاص القائمين عليها، والإشراف الصحى على المطاعم والمقاهى وما يماثلها من المحال المعدة لبيع وتقديم المأكولات والمشروبات، كما أزداد الاهتمام بمياه الشرب النقية وحماية مصادرها من التلوث، وتشديد الرقابة على المجازر وطريقة التخلص من الفضلات، والقضاء على الحيوانات الضالة، وإبادة الحشرات الضارة والناقلة للأمراض، وكذا اتخاذ إجراءات الحجر الصحى بالنسبة للمسافرين لاسيما القادمين من مناطق تفشى الأوبئة وكذلك اتخاذ الإجراءات الوقائية لتطعيم الأفراد( ).
ويقع عبء القيام بأعمال الوقاية الصحية على وزارة الصحة فى الدولة وتقوم بمساعدته منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر، وذلك لتطهير المناطق المنكوبة أو الموبوءة وتطعيم السكان، وفرض الحجر الصحى على المنطقة وسكانها لمنع انتقال العدوى ونظراً لأن جهاز الصحة يعجز عن تنفيذ هذه الإجراءات بدون مساعدة جهاز الشرطة فإن الجهاز الأخير هو الذى يشرف على تطبيق نظام الحجر الصحى ومنع خروج السكان من المناطق المنكوبة إلا بعد التطعيم وموافقة جهاز الصحة بموجب شهادة خلو من الأمراض المعدية.
وأيضاً يتمثل دور الشرطة المساعد لجهاز الصحة من أجل تحقيق الغرض السابق بأن يتخذ الإجراءات الصحية فى الموانى المختلفة للدولة لمنع دخول المصابين بأمراض معدية إلى إقليم الدولة.
ومما سبق يتضح؛ أن الصحة العامة هى أحد العناصر الهامة من مكونات النظام العام( ) الأمر الذى يعد من المهام الرئيسية لجهاز الشرطة طبقا لما جاء بالدستور والقانون على اعتبار أن وزارة الصحة قد تعجز عن تنفيذ هذه الإجراءات دون مساعدة جهاز الشرطة.
رابعا: الجانب المعنوى للنظام العام:
أوضحت التطبيقات العملية أن العناصر التقليدية للنظام العام بمشتملاته الثلاثة (الأمن العام - السكينة العامة - الصحة العامة) لم تعد كافية وحدها لمواجهة كافة صور الإخلال بالنظام، ولهذا تندرج عناصر جديدة بصفة مستمرة إلى إطار النظام العام، وهو ما يبين أن غايات النظام العام يصعب حصرها، وذلك بالنظر إلى الاتساع المستمر لعمل الضبط الإدارى وغاياته مع تطور مهام الدولة وواجباتها.
وهذا ما جرى عليه الفقه والقضاء بحيث أصبح النظام غير مقصور على العناصر الثلاثة السابقة بل أمتد ليشمل جُلّ ميادين النشاط البشرى والاقتصادى والخلقى والسياسى( ).
وهناك رأى يعارض إضافة مهام جديدة إلى وظائف الشرطة، ويرى أن مهمة الشرطة ينبغى أن تكون قاصرة على الوظائف التقليدية، وأن التوسع فى الاختصاصات يمكن أن ينعكس بصورة سلبية على مهمة الشرطة الأساسية، وأن جهاز الشرطة مثقل بأعباء كثيرة لا تحتمل المزيد.
يرى الباحث؛ أن الرأى الأول والذى مفاده اتساع مفهوم وظائف الشرطة هو الأصوب بل والأجدر حيث تطورت مهمة الدولة الحديثة عن مفهوم الدولة التقليدية، وبالتبعية أصبح جهاز الشرطة يحتاج إلى تطور فى مفهوم وظائفه وإلا أدى ذلك إلى عرقلة نظام الدولة.
1- النظام العام الأخلاقى( ):
اختلفت آراء الفقهاء حول ما إذا كانت حماية الآداب العامة تشكل عنصرا مستقلا من العناصر التقليدية للنظام العام أم أنها تندرج في النظام العام بين مؤيد ومعارض.
أ- القضاء الإداري الفرنسي والآداب العامة:
جرى القضاء الإدارى الفرنسى فى أول الأمر على النظر إلى الآداب العام كجزء من عنصر حسن النظام، فلم يكن يجيز تدخل سلطة الضبط الإدارى لحماية الآداب العامة، والأخلاق ما لم يتخذ الإخلال بها مظهراً خارجياً يهدد النظام العام المادى أو التقليدى.
وفى تطور لأحكام القضاء الفرنسى بعد ذلك أقر مجلس الدولة فى سلسلة من الأحكام سلطة الضبط الإدارى العام فى أن تحظر عرض أفلام سينمائية من شأن عرضها احتمال إثارة اضطرابات جسيمة أو أن تكون بسبب صفتها غير الخلقية والظروف المحلية ضارة بالنظام العام.
ولقد فسر بعض الفقهاء هذه الأحكام على أنها تأكيد لوجود نظام عام خلقى مستقل عن النظام العام التقليدى( ).
ب- الوضع فى مصر إزاء الآداب العامـة:
أما فى مصر فإن الوضع مختلف عن مثيله فى فرنسا فكما سبق أن بينا فإن نص المادة 184 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية، وكذا نص المادة الثالثة من قانون هيئة الشرطة قد حسمتا الأمر بما لا يدع مجالاً للشك بالنص على أن حماية الآداب تدخل في مكونات النظام العام وتصبح عنصراً مستقلاً عن النظام العام المادى، وغرضا من أغراض الضبط الإدارى، وذلك ما استقر عليه غالبية الفقه فى مصر.
ونود أن توضح أن الآداب لا تتطابق مع الأخلاق، فالأخلاق أوسع مدى وأكثر شمولاً ولا تمثل الآداب سوى الحد الأدنى من الأخلاق الذى تعارف عليه مجتمع معين فى زمن معين، والقول بتطابق الآداب على الأخلاق ينطوى على خطورة، نظراً لأن من شأن هذه المطابقة فرض رقابة خلقية على النوايا والسلوك الشخصى وليس إقامة ضبط حقيقى( ).
ولا يفوتنا أن ننوه أن اختيار فئة الشرطة المعنية بالعمل فى مجال حماية الآداب العامة يجب أن يخضع لمواصفات معينة من حيث الخبرة الشرطية الكبيرة وأن يكون أعضاؤها على دراسة بعلم النفس، وعلم الإجرام، وعلم الاجتماع إلى جانب علوم القانون والشرطة، وبأحكام الشريعة الإسلامية بشأن جرائم الآداب العامة لأن هذه المواصفات تنأى برجل شرطة الآداب عن التأثر بالدسائس التى تحاك ضد الأبرياء( ).
جـ- حماية جمال الرونق والرواء:
يقصد بجمال الرونق والرواء جمال الشوارع، والميادين والأبنية الذى يبعث على الهدوء والراحة، ويشمل ذلك تجميل الشوارع، أو وضع مواصفات معينة للمبانى بحيث تؤدى إلى تناسقها حتى يظهر منظر المدينة، والشوارع فى صورة جمالية( )، ويؤدى النظام إلى إشاعة الرونق والرواء فى الشارع، ولا شك أن توفير ذلك يؤدى إلى تحقيق السكينة النفسية لأن الإنسان بحاجة إلى حماية مشاعره الخاصة.
فالرواء لازم لتحقيق السكينة النفسية لتذوق الجمال الفنى، لأن شيوع الفوضى يؤدى إلى الشعور بالضيق والاضطراب النفسى مما يخلق توتراً عصبياً لدى المواطنين وبدلاً من أن يصبح الشارع مكان للتنزه والتمتع بجمال الطبيعة، ورونق المعمار يتحول الشارع إلى مكان ينفر منه الجميع( ).
والرونق والرواء هو مفهوم عام لعدة أمور أو أشياء في الحياة إذا ما توافرت في أي بيئة أو مجتمع كانت كفيلة أن تجعل الإنسان أو الفرد يستشعر ويستمتع بجمال وبهجة الطبيعة.
إن جمال الرونق والرواء لكي يتحقق لابد من توافر عدة أشياء أو أمور هي في حقيقتها متداخلة فيما بينها، لا يمكن الفصل بينها بأي حال من الأحوال، وينبغي أن ننبه أن جهاز الشرطة وإن كان يقع عليه العبء الأكبر في المحافظة على جمال الرونق والرواء إلا أنه ليس هو المسئول الأوحد لتحقيق تلك المنظومة التي تعد على قدر كبير من الأهمية.
إن جمال الرونق والرواء يعد جزءا أصيلا من النظام العام والتي تساهم فيه الشرطة بدور فعال يتحقق من خلال مرفق الأمن بالمشاركة الفعالة من خلال سلطة الضبط الإداري المخولة له في تحقيق عدة الأشياء سنذكر بعض منها وهي في حقيقتها تنبع من تأصيل ودعم حقوق الإنسان من خلال أعمال الضبط الإداري وهي:
- تحقيق التواجد الأمني الفعال في الشارع حيث يؤدي إلى إحساس الناس بالأمن الأمر الذي يزيد تحقيرهم على العمل والعطاء والذي ينعكس بدوره على دوران عجلة التنمية على كافة المحاور في شتى المجالات.
- المحافظة على الأشجار والمناطق الخضراء والحدائق والمنتزهات العامة والمشاتل ومحلات بيع الورود والزهور والتي تضفي البهجة والسرور على نفوس الأفراد.
- القضاء على مشكلة الزحام والتكدس المروري واتخاذ الإجراءات قبل المركبات المخالفة لشروط الأمن والمتانة وخاصة تلك التي تلوث الهواء من خلال زيادة نسبة العادم في الجو الذي يسبب الأمراض الفتاكة ناهيك عن الأضرار الأخرى التي تسببها مشكلة الزحام.
- المحافظة على نظافة الطرق والشوارع الرئيسية والفرعية والميادين العامة وأماكن التجمعات.
- المحافظة على بيئة نظيفة من كل مسببات التلوث السمعي والبصري والقضاء على كافة مظاهر الضوضاء من دوى المصانع والمحلات العامة والملاهي الليلية وآلات تنبيه السيارات والمركبات بصفة عامة.
- إن هناك العديد من المشاكل والظواهر التي ينبغي القضاء عليها والتي إن تركت فإنها تؤثر في جمال الرونق والرواء والأمثلة على ذلك كثيرة وظاهرة أطفال الشوارع وانتشار هؤلاء الأطفال بملابسهم الرثة وأشكالهم وقد ارتسمت عليها ملامح غبار الطريق وعوادم السيارات يؤدي إلى تشويه جمال الرونق والرواء هذا فضلا على أنها مشكلة خطيرة بل إنها من أخطر الظواهر التي يواجهها المجتمع.
كذا فهناك من يقومون بتشويه جمال الطبيعة وتلويثها بحرق قش الأرز وكذا مداخل المصانع وضجيجها وكذا الأسمدة المغشوشة والكيماويات وكل هذا مما ينبغي أن تتصدى له أجهزة الشرطة.
وجيز القول؛ إن وجود بيئة نظيفة خالية من مسببات الزحام والضوضاء، والملوثات والأوبئة، والأمراض بالإضافة إلى المحافظة على ما بها من مساحات خضراء لاشك أن ذلك يحقق الاستمتاع بجمال الرونق والرواء.
وإن الشرطة وهي تقوم بتحقيق كل هذا تتخذ من إنقاذ القوانين الوضعية وما لها من سلطة الضبط الإداري ما يمكنها من إصدار اللوائح الفردية والتنظيمية هذا بالإضافة إلى القرارات الإدارية، والتعليمات، والكتب الدورية وكل ذلك في إطار وظيفتها الاجتماعية التي تؤكد في المقام الأول على الجوانب الاجتماعية والإنسانية وحرصها على مد جذور الثقة بينها وبين أفراد المجتمع مما ينعكس بطبيعة الحال على زيادة ثقة الجمهور في الشرطة الحارث الأمين للقانون هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تحافظ على مكاسب الجمهور، الأمر الذي يتحقق معه الصالح العام للأفراد والمجتمع ككل.
* موقف الفقه والقضاء الفرنسي من الرونق والرواء:
يرى غالبية الفقه الفرنسي أن الحفاظ على جمال الرواء (جمال الشوارع والميادين، والأبنية الذي يبعث على الهدوء والراحة)، يعتبر من عناصر النظام العام وعلى هذا الأساس فإن ذلك يعتبر مبرراً لسلطات الضبط الإداري أن تتخذ إجراءات ضابطة وقاية للنظام العام بل إن المشرع نفسه منذ بداية القرن العشرين أكد في نصوص متعددة على حماية الرواء معتبراً أن الإخلال به بمثابة جرم معاقب عليه.
جرى قضاء مجلس الدولة الفرنسى فى بادئ الأمر على اعتبار تزيين الطرق يعد غاية ذات صفة عامة، إلا أنه ما لبث أن عدل عن هذا الرأى معتبراً أن حماية جمال الرواء عنصراً من عناصر النظام العام، يبرر لسلطة الضبط الإدارى اتخاذ إجراءات ضابطة بغية المحافظة عليه ووقايته( ).
* أما فى مصر:
فالمستفاد من نصوص بعض القوانين لهيئات الضبط أن تستخدم سلطتها لتنسيق المدن والمحافظة على مظهرها وروائها، وقد شايع مجلس الدولة هذا الاتجاه حيث أقرت محكمة القضاء الإدارى شرعية قرار رفض الترخيص فى فتح محل تجارى فى ومنطقة معينة لمخالفته لمشروع تنسيق أعدته الإدارة وأشارت المحكمة فى حكمها إلى أن الإدارة بما لها من وظيفة البوليس الإدارى مكلفة بمراعاة هدوء الأحياء السكنية وصيانتها من حيث الأمن والصحة والمظهر.
وبهذا الحكم اعتبر القضاء الإدارى بمجلس الدولة المصرى أن حماية جمال الرونق والرواء أحد أغراض الضبط الإدارى ويحمد للقضاء حمايته لجمال الرونق والرواء جنباً إلى جنب مع حماية الأمن والصحة والسكينة والآداب العامة. لأن التلوث البصرى فى مدننا وصل إلى درجة من السوء يعجز الوصف عنها مما يحتاج لجهود ضخمة للقضاء عليه، ولا خشية من توسع القضاء فى هذا الشأن طالما أن القضاء يحدد مجاله بحدود تنظيم الحريات الاختيارية دون الحريات المحددة( ).
المطلب الثاني
الوظيفة القضائية للشرطة
* ماهية الوظيفة القضائية للشرطة:
لا مراء أن من المهام الرئيسية الملقاة على عاتق جهاز الشرطة فى الوقت الحاضر مهمة منع الجريمة قبل وقوعها وضبط مرتكبيها والكشف عن أبعادها إذا قدر لها أن تقع لأسباب خارجة عن إرادة الشرطة.
ونظراً لأن طبيعة عمل الشرطة ذات طابع مزدوج فقد أضفى القانون على أفرادها صفة الضبطية الإدارية، بالإضافة إلى صفة الضبطية القضائية.
ونظام الضبط بصفة عامة يقصد به تنظيم المجتمع تنظيماً وقائياً يكفل أمنه وسلامته من الأخطار، التى يمكن أن تتأتى من الأفراد والتى يكون من شأنها أن تؤدى إلى الإخلال بالنظام العام فيه.
والضبط الذى يعنينا هنا نوعان هما:
1- الضبط الإدارى.
2- الضبط القضائى.
فالضبط الإدارى – وكما سبق أن أوضحنا– غايته وقائية ترمى إلى منع أى إخلال بالأمن والسكينة والصحة العامة وهى المهام الأساسية الملقاة على عاتق هيئة الشرطة، ولتحقيق ذلك يخول لهيئة الشرطة سلطة إصدار أوامر أو نواه وصولاً إلى منع الجريمة قبل أن تقع، فعلى سبيل المثال يمكن لجهاز الأمن إصدار أمر بمنع اجتماع عام أو إصدار قرار بإيقاف عرض فيلم أو مسرحية مخلة بالآداب العامة أو غلق أحد المحال العامة إدارياً أو الغاء ترخيص بحمل السلاح لدواعى الأمن العام.
يضاف إلى ذلك أن لهيئة الشرطة سلطة التنفيذ المباشر باستخدام القوة المادية لحمل الأفراد على تنفيذ القانون.
أما الضبط القضائى فهو يهدف إلى البحث عن الجرائم المرتكبة والتحرى عن فاعليها، وجمع الاستدلالات اللازمة لإثبات الاتهام وكافة المعلومات والاستقصاءات اللازمة لكشف أبعاد الجريمة، وهو لا يبدأ إلا حينما تكون هناك جريمة قد ارتكبت، وبصفة عامة فإن وظيفتى الضبط القضائى والضبط الإدارى يتمتع بها أساساً جهاز الشرطة من واقع المهام الرئيسية المكلف بها والتى تتمثل كما سبق أن ذكرنا فى منع الجرائم قبل أن تُرتكب وضبط فاعليها فى حالة ارتكابها( ).
والوظيفة القضائية للشرطة؛ هى الوظيفة التى تمارسها مساعدة للسلطة القضائية ولمصلحتها وتتمثل فى الإجراءات التى تقوم بها الشرطة عقب وقوع الجريمة بقصد معرفة الفاعل والبحث عن الأدلة، وما يستتبعه ذلك من إجراءات الضبط والتفتيش لضبط الفاعل وتقديمه لجهة القضاء.
ومأمورى الضبط القضائى فى مباشرتهم لهذه الأعمال يكونون تابعين للسلطة القضائية- وإن كانت تبعيتهم تلك تبعية فنية لا تبعية إدارية- ويخضعون لإشرافها، كما وأن تخويل مباشرة هذه الإجراءات لا يكون إلا بقانون ذلك لأنهم فى مباشرتهم لهذه السلطة يتعرضون للأفراد فى حرياتهم العامة.
فالقانون هو الوحيد الذى يمنح رجال الشرطة سلطة الضبط القضائى فلا تمنحهم هذه السلطة مثلاً قواعد العرف أو قواعد الأخلاق أو قواعد الدين، فليس لهم أن يتصدوا لحريات الأفراد باسم هذه القواعد مهما بلغت جسامة مخالفتها لتلك القواعد.
والوظيفة القضائية للشرطة؛ تسير مع الأطوار التى تمر بها التهمة فى الدعوى الجنائية جنباً إلى جنب، فهى تقوم فى كل طور منها بدور يحدده لها القانون سواء أكان ذلك فى طور الضبط وجمع الاستدلالات، أم فى طور التحقيق أو طور الاتهام.
وقد منح قانون الإجراءات الجنائية فى المادة (23) منه لبعض رجال هيئة الشرطة على سبيل الحصر سلطة الضبط القضائى، وتختلف الأنظمة القضائية من دولة لأخرى من حيث مدى ما تخوله كل منها من اختصاصات لمأمور الضبط القضائى ومن هنا يزيد أو ينقص حجم الأعمال التى تقوم بها الشرطة فى النظام القضائى.
ومهما كان حجم تلك الأعمال القضائية فهى تندرج تحت اسم الأعمال الضبطية فهى لا تبدأ إلا من وقت وقوع الجريمة بعد انتهاء أعمال المنع "الوظيفية الإدارية" والغرض من هذه الأعمال الضبطية هى تتبع المجرم، ورصد الأدلة وكشف غموض الجريمة وتقديم مرتكبيها للعدالة لتوقيع العقوبة عليهم، وفى هذه الأعمال القضائية يتبع مأمور الضبط القضائى السلطة القضائية فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم.
وتنحصر واجبات الشرطة فى ضبط الجريمة وجمع الاستدلالات إعمالاً لما نصت عليه المادة (21) من قانون الإجراءات الجنائية.
إذ يقوم مأمور الضبط القضائى بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها، ثم جمع الاستدلالات التى تلزم للتحقيق والدعوى.
والواجب الأول: يقتضى من مأمورى الضبط القضائى أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التى ترد إليهم بشأن الجرائم (م24 من قانون الإجراءات الجنائية).
أما الواجب الثانى: فهو قيام الشرطة بجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى، فقد أجملته المادة (24) من قانون الإجراءات الجنائية .
والتي قضت: "يجب على مأمورى الضبط القضائى أن يحصلوا على جميع الإيضاحات الخاصة بما يقع من جرائم ويجروا المعاينات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التى تبلغ إليهم أو التى يعلنون بها بالوسائل المشروعة، وعليهم أن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة"( ).
وحرصاً على مصلحة المجتمع فى مكافحة الإجرام، وتمكينا لمأموري الضبط القضائي من أداء واجبهم على الوجه الأكمل فقد خولهم القانون قسطاً من السلطة إذ أجاز لهم فى الحدود التى رسمها ممارسة بعض سلطات التحقيق الابتدائى وهى فى حالة التلبس (القبض – التفتيش).
1– فى أحوال التلبس بالجنايات أو بالجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه (م34 قانون الإجراءات الجنائية).
2- وإن لم يكن المتهم حاضراً فى الأحوال السابقة جاز لمأمور الضبط القضائى أن يصدر أمر بضبطه وإحضاره ويذكر ذلك فى المحضر.
3- إذا لم تتوافر شروط أو حالات التلبس ووجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب جناية سرقة أو نصب أو تعد شديد أو مقاومة لرجال السلطة العامة بالقوة والعنف جاز لمأمور الضبط القضائى أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة، وأن يطلب فوراً من النيابة العامة أن تصدر أمراً بالقبض عليه (م35 من قانون الإجراءات الجنائية).
4- يجب ألا تتجاوز مدة الحجز المسموح بها لرجل الشرطة عن 24 ساعة من تاريخ القبض على المتهم ويجب أن يرسله إلى النيابة وإلا اعتبر ذلك حبس بدون وجه حق.
5- يستتبع القبض على المتهم فى حالة التلبس تفتيش شخصه، وملابسه، وما معه من منقولات، ولا يتبع تفتيش مسكن المتهم الذى ألغته المحكمة الدستورية لتعارضه مع الدستور الذى ينص على أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها أو بمعرفة سلطة التحقيق، أو بمعرفة مأمور الضبط فى حالة ندبه بمعرفة سلطة التحقيق (م 44 من الدستور).
ويخول القانون لمأمورى الضبط القضائى تفتيش الأشخاص فى جميع الأحوال التى يجوز لهم فيها القبض عليهم، أما تفتيش المساكن فهو عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بإذن قضائى مسبب( ).
فالمادة 41 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية لسنة 1971 قضت بأن: "الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد، أو منعه من العمل، إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، من هذا النص يتضح أن المشرع الدستورى استخدم اصطلاح ضرورة التحقيق التى تبرر اتخاذ إجراء التحريات التى تكشف عن مبلغ الاتصال بجريمة ما"( ).
الاستيقاف:
هو مجرد استيقاف مأمور الضبط القضائى شخصاً اشتبه فى أمره بغرض التحرى عن شخصه فهو ليس قبضاً لكن مجرد استيقاف لتوافر حالة الريبة والشك، والاشتباه فى شخصه ويجب ألا يتعدى الغرض منه وإلا اعتبر حجزاً بدون وجه حق.
التمييز بين القبض والاستيقاف:
يختلف القبض عن الاستيقاف؛ فالاستيقاف من إجراءات الاستدلال أم القبض فهو إجراء تحقيق. والاستيقاف يعنى ايقاف الشخص الذى وضع نفسه موضع الريبة والشك أمام رجل السلطة العامة، وذلك للتحقق من شخصيته فهو عمل من أعمال التحرى، واستكشاف الشخصية، أما القبض فهو إمساك الشخص من جسمه وتقييد حركته وحرمانه من حرية الذهاب والإياب، فهو إجراء ماس بالحرية وبالكيان الجسدى للإنسان؛ ويبطل القبض إذا انتفت شروط صحته ومشروعيته كما لو انتفت مثلاً حالة التلبس.
1– تفتيش المتهم:
الأصل أن تفتيش شخص المتهم من إجراءات التحقيق، ويقصد بهذا تفتيش جسد المتهم وملابسه، وأمتعته الشخصية، والأشياء التى يحملها التى تستمد حرمتها من حرمة كيانه وجسده وتبيح حالة التلبس تفتيش شخص المتهم وفقاً لنص المادة 46 إجراءات جنائية التى تنص على أنه: "فى الأحوال التى يجوز القبض قانوناً على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائى تفتيشه وإذا كان المتهم أنثى، وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يندبها لذلك مأمور الضبط".
2– حظر تفتيش المساكن فى حالة التلبس:
الأصل أن التفتيش من إجراءات التحقيق وقد كانت المادة 47 إجراءات تنص على أن لمأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل المتهم، ويضبط فيه الأشياء والأوراق التى تفيد كشف الحقيقة إذا اتضح له من أمارات قوية أنها موجودة فيه.
ولكن أصدرت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 2 يونيه 1984 حكمها بعدم دستورية نص هذه المادة وعدم جواز تفتيش مسكن المتهم فى حالة التلبس لأن المادة 44 من الدستور تنص على: "أن للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون"( ).
ولكن رضا صاحب الشأن بتفتيش شخصه، أو مسكنه يعتبر تنازلاً منه عن هذه الحصانة التى قررها الدستور، وإذا أسفر التفتيش عن حيازة المتهم لشيء تعد حيازته جريمة تتحقق بها حالة التلبس.
التمييز بين الضبط الإدارى والضبط القضائى:
لا شك أن الضبط الإدارى يتميز عن الضبط القضائى فالأول مهمته وقائية تتمثل فى منع الجريمة قبل ارتكابها.
والثاني مهمته قضائية تتمثل فى الكشف عن الجرائم وتعقب مرتكبيها وجمع الأدلة التى يستلزمها التحقيق تمهيداً لمحاكمتهم وتنفيذ العقوبة عليهم.
وقد يصعب التمييز بين الضبط الإدارى والقضائى ولعل مرجع صعوبة التمييز بين الضبط الإدارى والضبط القضائي تتمثل في الاعتبارات التالية:
أ– جمع رجال الضبط الإدارى أى رجال الإدارة فى كثير من الأحيان بين وظيفة الضبط القضائى ووظيفة الضبط الإدارى فشرطى المرور مثلاً يجمع فى العديد من الحالات بين الصفتين فهو حين ينظم المرور فى منطقة معينة يباشر وظيفة الضبط الإدارى، وحين يحرر مخالفات للأفراد الذين لا يخضعون للوائح وتعليمات المرور يتحول إلى وظيفة الضبط القضائى.
ب– إن إجراءات الضبط الإدارى والضبط القضائى متداخلة فالوظيفتان متداخلتان إلى حد كبير لدرجة أنه قد يصعب الفصل بينهما كما أنه قد يحدث خلط كبير بين الوظيفتين نظراً لأن القانون يجمعهما فى غالب الأحوال فى يد واحدة.
جـ– إن كلا منهما يهدف إلى المحافظة على النظام العام داخل الدولة فإذا كان الضبط القضائى يساعد على صيانة النظام العام عن طريق الردع الذى تحدثه العقوبة فى النفوس نجد أن الضبط الإدارى له آثار جمة فى التقليل من وقوع الجرائم التى يتعقبها الضبط القضائى( ).
أهمية التمييز بين الضبط الإدارى والقضائى:
توجد ثمة مصلحة عملية للتمييز بين الضبط الإدارى والضبط القضائى ذلك لأن التمييز بينهما قائم على مبدأ الفصل بين ولايتى القضاءين الإداري والعادي، فالضبط الإداري في غالبية صوره يتعلق نشاطه بالسلطة التنفيذية، ومن ثم فإن جميع المنازعات التى تثار بسببه تخضع للقانون الإدارى وتراقب مشروعيته المحاكم الإدارية على اختلاف أنواعها، وأساس ذلك أن نشاط الضبط الإدارى فى أغلبية صوره يمس الحريات العامة للأفراد، والقاضي الإداري هو حامى حمى الحريات العامة باعتباره قاضى المشروعية.
أما بالنسبة لنشاط الضبط القضائى فتختص به السلطات القضائية ومن ثم فإن منازعاته تخضع لقانون الإجراءات الجنائية وتختص بنظرها المحاكم الجنائية ويترتب على ذلك النتائج التالية:
1– إن أعمال الضبط الإدارى تخضع لرقابة الإدارة أما أعمل الضبط القضائى فتخضع لإشراف النيابة العامة.
2– إن نشاط رجال الضبط القضائى لا يقبل الطعن بالإلغاء ولا يخضع لإجراء وقف التنفيذ، كما هو الحال بالنسبة لنشاط الضبط الإدارى.
3– إن نشاط الضبط الإدارى يثير مسئولية الإدارة إذا ما توافرت أركان المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، أما تلك الناجمة عن أعمال الضبط القضائى فلا تزال مسئولية الدولة عنها مثار خلاف لأن الدولة غير مسئولة عن أخطاء سلطة الضبط القضائى، إلا إذا نص المشرع على ذلك صراحة.
وأوجه الاختلاف هذه أثارت جدلاً فى الفقه فيرى البعض ضرورة قيام المشرع بالفصل بين الوظيفة الإدارية والقضائية، بحيث يصبح للضبطية القضائية هيئة خاصة ومتميزة، عن الضبطية الإدارية لأن كلاً من الوظيفتين يحتاج إعداد القائم عليها إعداداً خاصاً، وكفاءة معينة من حيث المواهب والمعلومات والتدريب.
كما أن الجمع بين الوظيفتين فى يد مأمور ضبط واحد يجعله مثقل بمهام كثيرة قد تنقص من كفاءته وجهده.
أما الفصل بين وظيفة الضبط القضائى ووظيفة الضبط الإدارى فيجعل مأمور الضبط متقناً لعمله ويؤديه بكفاءة.
ويذهب البعض الآخر إلى عكس الرأى السابق ويرى جواز الجمع بين الوظيفتين فى يد شخص واحد بسبب أن الوظيفتين متداخلتين كما هو عليه العمل في الوقت الحالي.
ويرى الباحث؛ الإبقاء على وظيفة الضبط الإداري والضبط القضائي في يد رجال الشرطة مع ضرورة الفصل بين الوظيفتين وتخصيص بعض رجال الشرطة للوظيفة الأولى والبعض الأخر للوظيفة الثانية أسوة بما تم من تخصيص مساعدا للمدير للأمن العام وكذا مساعدا للتدريب وأيضا مساعدا للشئون الإدارية والمالية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) محجوب حسن سعد: الشرطة ومنع الجريمة، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض 2001، ص ص68، 69.
( ) د. معجب معدى الجويقل: الشرطة وحقوق الإنسان، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، 2001، ص86، 87.
( ) د. عماد حسين، د. السيد الوزان: الضبط الإدارى، الوظيفة الإدارية للشرطة، أكاديمية الشرطة، 20005، ص9.
( ) د. محمد أبو زيد محمد: دروس فى مبادئ القانون الإدارى، شركة مطابع الطويحى، 2002، ص46.
( ) يجدر الإشارة إلى أن المظهر الثانى، المرفق العام، يخرج عن مجال البحث ومن ثم يمكن الرجوع إلى المؤلفات المتخصصة فى هذا المجال.
( ) د. مصطفى ممدوح محمد: الضبط الإدارى، الوظيفة الإدارية للشرطة وزارة الداخلية، أكاديمية الشرطة، مطبعة كلية الشرطة، 1995ـ ص7.
( ) د. مصطفى ممدوح: مرجع سابق، ص14، 15.
( ) د/ محمد على قطب: حق الإنسان فى الاستمتاع بالهدوء والسكينة وجمال الرونق والرواء ورقة عمل مقدمة إلى ندوة دور وزارة الداخلية فى تدعيم حقوق الإنسان، مركز بحوث الشرطة، أكاديمية الشرطة، الأربعاء 27 فبراير 2008، ص1.
( ) أنظر د. سليمان الطحاوى: الوجيز فى القانون الإدارى، دراسة مقارنة، القاهرة، دار الفكر العربى، 1979، ص57.
( ) انظر د. محمد أبو زيد: دروس فى مبادئ القانون الإدارى، مرجع سابق، ص50.
( ) انظر محجوب حسن سعد: الشرطة ومنع الجريمة، أكاديمية نايف للعلوم العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض، 2001م، ص69.
( ) د. عادل أبو الخير: الضبط الإدارى وحدوده، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995، ص83.
( ) نصت المادة 3 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 على تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام العام، والأمن العام، والآداب، وبحماية الأرواح والأعراض والأموال وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها كما تختص بكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين فى كافة المجالات وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات يراجع قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971، وقراراته التنفيذية – جمهورية مصر العربية، الهيئة العامة لمطابع الأميرية، الطبعة السابعة، 1999، ص4.
( ) راجع نص المادة 145، والمادة 156 من دستور جمهورية مصر العربية والقوانين الأساسية المكملة له، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، الطبعة الثانية 1999، ص27، 30.
( ) د. محمد مدحت المراسى: تنظيم إدارة الشرطة، مرجع سابق، ص111.
( ) سورة قريش الآيتان: 3-4.
( ) سورة الأنعام الآية: 82.
( ) مستشار/سمير ناجى وآخرون: بحث حق المواطن فى الأمن، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ص5، نقلاً عن كتاب جوهر الأمن، لروبرت مكنمارا الرئيس الأسبق للبنك الدولى، والذى يقول ما نصه "أى مجتمع يمر بمرحلة التحول إلى مجتمع عصرى فإن الأمن بالنسبة له يكون معناه التنمية أن الأمن هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التى لا تنمو لا يمكن أن تطل آمنة".
( ) د. محمد الشربينى: بحث حق المواطن فى الأمن، مرجع سابق، ص 25.
( ) د. محمد عنب:الشرطة ومختلف أدوارها فى كفالة أمن المواطن- بحث حق المواطن فى الأمن، مرجع سابق، ص83.
( ) د/عماد حسين، د/ سيد الوزان: الضبط الإدارى، الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص92.
( ) سورة الفتح الآية 4
( ) سورة التوبة الآية 26
( ) انظر تفسير القرآن الكريم، للإمام الجليل ابن كثير، الجزء الثانى، مكتبة دار التراث، القاهرة، ص345.
( ) د. مصطفى ممدوح: الضبط الإدارى، الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص ص94،95.
( ) د. محمد على قطب: حق الإنسان بالاستمتاع بالهدوء والسكينة وحماية الرونق والرواء، مرجع سابق، ص13.
( ) د. عماد حسين، د. السيد الوزان: الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص94-95.
( ) حلمى خيرى الحريرى: وظيفة البوليس فى النظم الديمقراطية، مرجع سابق، ص67.
( ) د. ممدوح مصطفى: الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص97.
( ) يراجع: د. على على صالح المصرى: وظيفة الشرطة فى الجمهورية اليمنية، دراسة مقارنة، مرجع سابق، ص193.
( ) حلمى خيرى الحريرى: وظيفة البوليس فى النظم الديمقراطية، مرجع سابق، ص68.
( ) الآداب: لفظ يعنى ذلك السلوك الطيب الذى يجب أن يتحلى به الخلق جميعا، مما ينبثق من وحى ضمائرهم وفطرتهم، والآداب العامة بهذا المفهوم تتسع لتشمل كافة أوجه السلوك الشخصى للإنسان والجماعة على وجه سواء وتتسع ايضا لتشمل أوجه نشاطهم المختلفة من معاملات وما إلى ذلك إلا أن للآداب العامة معنى آخر ضيق يترادف مع عبارة حسن الأخلاق ويرتبط بالعلاقات الجنسية وجودا وعدما، وإذا ما سايرنا المفهوم الضيق لعبارة الآداب العامة فإننا نجد أن كل أمر منافى لحسن الأخلاق، وكل فعل فيه تشويه لأصول الروابط الحسية هو فى الوقت ذاته انتهاكا لحرية الآداب (السيد حسن البغال – القاضى – الجرائم المخلة بالآداب، دار الفكر العربى 1962، ص417.
( ) د. مصطفى ممدوح: الوظيفة الادارية للشرطة، مرجع سابق، ص103-104.
( ) د. عماد حسين، د. السيد الوزان: الوظيفة الادارية للشرطة، مرجع سابق، ص97.
( ) وينبغى أن ننوه هنا أن الآداب التي نص المشرع على حمايتها ليست كل الآداب إذ لا ينصرف هذا اللفظ إلى الآداب العامة إنما هو فقط قاصراً على الآداب التى تشكل خطراً أو انتهاكاً بالنظام العام وتهدده، فليست كل الآداب تعرض الأمن العام للخطر.
( ) د. مصطفى ممدوح: الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص106.
( ) د. حلمى خيرى الحرير: وظيفة البوليس فى النظم الديمقراطية، مرجع سابق، ص70.
( ) د. عماد حسين، د. السيد الوزان: الوظيفة الإدارية للشرطة، مرجع سابق، ص97.
( ) يراجع د. مصطفى ممدوح: الضبط الإدارى (الوظيفة الإدارية للشرطة)، مرجع سابق، ص109.
( ) عقيد دكتور/ عادل محمد الفقى: الشرطة بين الضبطية الإدارية والضبطية القضائية، مجلة الأمن العام، العدد 133، أبريل 1991، ص8، 9.
- راجع قانون الإجراءات الجنائية- المواد رقم 35،24،23،21
( ) د. قدرى عبد الفتاح الشهاوى: مناط التحريات والاستدلالات والاستخبارات، الناشر منشأة المعارف، الإسكندرية 1998، ص ص144، 145.
( ) راجع أيضا: المواد أرقام 7، 9، 10 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والحريات الأساسية 1950، والمواد 11، 12، 15، 16 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية 1966.
( ) قضت المادة 44/2 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية 1971 بأن: للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون".
( ) راجع فى تفصيلات ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا 2 يونيه 1984 مجموعة أحكام الدستورية العليا رقم 12 ص67.
( ) د. عبد الرؤوف هاشم بسيونى: نظرية الضبط الإدارى فى النظم الوضعية والمعاصرة والشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، 1995، ص42، 43.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire