إن ظاهرة التسول أصبحت تشكل عنوانا لأبرز المشكلات الاجتماعية التي غزت العالم، و نسبة من يمتهنوها تتباين من مكان إلى أخر نتيجة عوامل ومتغيرات عدة منها: ثقافية، اجتماعية و اقتصادية.
الظاهرة، ليست حدثا استثنائيا منفصلا عن حركة التاريخ وتطور المجتمعات البشرية فيه، كما أنها ليست ظاهرة تعيش بمعزل عن العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المختلفة التي أدت إلى تشكّل هذا المشهد في المقام الأول.
لعبت الثقافة الشعبية دوراً رئيسياً في تعزيز الظاهرة وعزلها عن كافة العوامل المؤثرة بالشكل الذي يضمن تشتيت وعي الفرد وتفتيت التناقض ليتحول بذلك إلى جزئيات اجتماعية منفصلة بنيوياً عن بعضها، ثم تحجيم أية حركة اجتماعية شمولية تستند إلى وعي ثوري يدرس الواقع و سيرورته من منظور الفهم المادي للتاريخ والعلاقات الاجتماعية فيه.
فهل يا ترى تعتبر هذه الظاهرة طفرة اجتماعية؟ أم نتيجة - مباشرة أو غير مباشرة - لسياسات الإفقار التي تمارسها الطبقات البورجوازية؟
بخصوص الثقافة الشعبية فإنها تميل إلى الاعتقاد بأن التسول طفرة ظهرت منذ الأزمنة الغابرة في المجتمعات البشرية و بقيت متلازمة و إياها إلى يومنا هذا بمعزل تام عن سياقها التاريخي الاجتماعي، و بهذا يؤدي هذا المنطق إلى تقسيم المجتمع إلى قسمين، قسم يرى أنه طالما هناك أغنياء بالضرورة هناك فقراء، و هناك قسم آخر يرى بأن ظاهرة التسول هي نتيجة حتمية للصراع الطبقي في المجتمع.
على العموم لن نخوض في هذه التقسيمات و التصنيفات، بل نترك الأمر إلى المختصين في العلوم الاجتماعية و باقي العلوم التي لها صلة.
من الناحية الاقتصادية، يعد التسول حاليا إحدى الصناعات العالمية التي تمارس بكثافة من خلال الاقتصاديات غير الرسمية، خصوصا في المدن، حيث يوجد سوق عمل غير رسمي تمارس فيه أشكال عديدة من المهن المستترة، و المتسولون غالبا ما يتم تأطيرهم ضمن مجموعات مستقرة في هذه السوق، فتمارس هذه الوظيفة طوال عمرها.
تمارس هذه الفئة فنون التسول من خلال مواهب خاصة تمكنها من التأثير على الآخرين لحثهم على العطاء بما تمتلكه من مهارات في اختيار الزمكان و نوعية المستهدفين من المواطنين. على سبيل المثال قد يؤدي اختيار مكان ديني إلى حصيلة أكثر لأن الناس تكون أكثر استعدادا للعطاء عندما يكونون في موقف ديني ما، أو اللجوء إلى الأماكن المزدحمة، حيث تزداد احتمالات توافر أناس مستعدين للعطاء بصورة أكبر كلما زاد عدد الناس في المكان.
هذه "الفنون التسولية" تحيلنا للتطرق إلى التساؤل عن موقف القانون تجاهها، هل كل هذه التصرفات يسمح بها أم يجيز بعضا منها و البعض الآخر يجرمه، هل هنالك أشخاص يمكن توقيع العقوبة عليهم، أم هناك أشخاص يمكن إعفاؤهم؟ هناك مجموعة من التساؤلات سوف نتمكن و لو بإيجاز الإجابة عنها.
إن التسول كباقي الظواهر، قد أولاها القانون الوضعي بعض الاهتمام، و هذه الإشارة تبدو واضحة في الفصول من الفصل 326 إلى 333 من القانون الجنائي المغربي.
في الفصل 327 حدد القانون الجنائي المغربي أهم طرق التسول المعاقب عليها، بعدما حدد عقوبتها في الفصل 326 و التي تتراوح ما بين "شهر واحد و ستة أشهر كل شخص كانت لديه وسائل للتعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة"، كما قنن القانون المغربي شرعية العقوبة بتوفر عنصر الإعتياد في أي مكان كان.
إذن جريمة التسول حسب القانون الجنائي لا تقوم إلا بتوفر عنصر الإعتياد، بهذا يمكننا اعتبارها من الجرائم الإعتيادية أو المسترسلة.
ستكون عناصر جريمة التسول إذن على الشكل التالي:
1. فعل مادي هو التسول
2. خطأ الفاعل
3. العادة
4. النية الإجرامية
و حتى تكتمل الصورة القانونية لهذه الجريمة، ينبغي لنا تبيان أركانها أو عناصرها لكي يستبين القارئ الكريم الأسس المعتمدة في تجريمها.
كما هو متعارف عليه قانونيا، لا عقوبة إلا بنص قانوني، و أن كل فعل مجرم قانونا يتوجب أن تتوفر فيه أركان أو عناصر قانونية، هي ما تسمى بالعناصر التكوينية. هذه العناصر ذكرت بالفصل 326:"يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل التعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان كان."، إذن من خلال هذا الفصل أو المادة، فإن العناصر التكوينية لجريمة التسول تتمثل في فعل يصدر عن المتسول أي فعل التسول في حد ذاته و الذي يتمثل في استجداء عطف المواطنين عن طريق أقوال أو إشارات أو أية وسيلة يقصد منها الإيحاء للمواطن أو أي شخص بأن المعني في حالة تستوجب تقديم المساعد المالية إليه، ثم هناك خطأ صادر عن المعني الذي يبقى دائما هو المتسول، و الخطأ هنا يقصد به أن المتسول يتوفر أصلا على وسيلة للعيش أو أنه في حالة صحية تسمح له بممارسة أية مهنة شرعية و يعيش من مدخولها و تجعله في غنى عن استجداء الإحسان من الغير، و يمكننا القول بأن جريمة التسول يمكن اعتبارها جريمة قائمة بذاتها في حالة ما إذا تذرع المتسول بتقديم خدمة ما كبيع مثلا المناديل الورقية أو باقات الورود أو غيرها من الأنشطة التي تبدو ظاهريا نوعا ما تجارية، فيما واقع الحال يبين بأن الممارس لهذا النوع من النشاطات ما هو إلا ممارس للتسول من بابه الأوسع، أي ممارسة التسول المقنع. من بين العناصر التكوينية لجريمة التسول أيضا نجد عنصر العادة أي أن المعني اعتاد أو تعود على ممارسة هذا النوع من النشاط الغير مشروع، فجريمة التسول تعتبر من الجرائم المستمرة إذ لا يكتفي فيها بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الأخرى لتمام الجريمة و قيام المسؤولية الجنائية ، بل يتطلب لتحقيقها تكرار هذه الواقعة ذاتها - في أوقات متقاربة نسبيا أي في نفس اليوم أو خلال عدة أيام - مع توافر العناصر الأخرى لقيامها. و العنصر الأخير هو النية الإجرامية أو القصد الجنائي و المتمثل في إرادة المتسول و إصراره على ارتكاب جريمته التي يهدف منها إلى إتيانه السلوك المحرم و تحقيق النتيجة التي يبتغيها ألا و هي الحصول على المال بشكل غير قانوني و غير شرعي.
و تجدر الإشارة إلى أن مجرد محاولة أي شخص القيام بجريمة التسول لا تكون جريمة معاقبا عليها بل تعتبر مجرد محاولة ما دام أنها لم ترتكب عمدا.
إذن ففي حالة عدم إبراز عنصر النية الإجرامية لدى أي شخص مشتبه بارتكابه السلوك الإجرامي نكون غير محقين بوصفه متسولا.
إن القانون الجنائي لا يعاقب على النية الإجرامية إذا ما بقيت مختمرة في ذهن المعني، فمن الشروط الأساسية لأجل قيام أية جريمة هو تسببها في ضرر بغض النظر عن ماهيته، و قد لا يعاقب المعني أيضا و لو في حالة المراحل التحضيرية للجريمة التي لم تتعد حدود الشروع أو البدء في تنفيذها و حكمة المشرع في هذا هو إعطاء "الجاني" فرصة للعدول عن جريمته بمحض إرادته و دون أي تدخل خارجي .
هذا ينجلي بوضوح في المادة 114 التي جاء فيها أن :" كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة إلى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن ارادة مرتكبها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة."
نص الفصل 327 على أنه يعاقب الشخص المتسول بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة, إذا أحاطت بالجريمة الصادرة عنه ظروف جعلت منه شخصا خطرا على النظام العام.
لا تهمنا هنا حالة الشخص المتسول سواء الصحية أو الاجتماعية سواء أكان ذا عاهة أو معدما، ما دام أنه يستجدي بوسائل معينة قد حددها المشرع في خمس حالات وهي:
1. استعمال التهديد: أي لجوء المتسول إلى التهديد باستخدام أية كلمة أو إشارة يرمي من ورائها إلزام المتسول منه أو إجباره عن الاستجابة لمطلبه.
2. التظاهر بالمرض أو ادعاء عاهة هذا يدخل في إطار الإحتيال، بحيث أن المتسول يوهم "الزبون" على أنه يعيش حالة عاهة مؤقتة أو مستديمة أو يعيش وضعا صحيا يوجب الإشفاق عليه بمقتضاه.
3. تعود استصحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه: هذه الحالة تحيلنا على المادة 328 الذي يكفي فقط ظهور الأطفال في واجهة العمل التسولي ولو لم يؤدوا أي دور كيفما كان سلبيا أم إيجابيا مادام أن الغرض من ظهورهم هو استجداء عطف المواطنين. تجدر الإشارة إلى أن الشخص المتسول لا يسقط تحت هذه المادة أو الفصل في حالة ما إذا كان الأطفال من أصوله أو فروعه، أما في حالة العكس فإن المتابعة تكون منبنية على الفصل 328.
4. الدخول إلى مسكن أو احد ملحقاته، دون إذن مالكه أو شاغله: تتحقق هذه الحالة بولوج أي مسكن دون إذن من صاحبه، حيث أن المتسول في حالة دخوله أي مسكن أو أحد من ملحقاته يكون في وضعية قد تسهل عليه عملية ارتكاب السرقة في غفلة من أعين رقابة المالك الأصلي للمحل المتواجد فيه.
5. التسول جماعة، (إلا إذا كان التجمع مكونا من الزوج وزوجته أو الأب و الأم وأولادهما الصغار، أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما): باستثناء التجمع أو الجماعة مكونة من الزوج و زوجته و أبنائهما أو أحد الوالدين و أبنائه، أو في حالة كون المتسول أعمى أو عاجزا و في حاجة لمن يقوده.
جاء الفصل 328 ليحدد لنا العقوبة المشار إليها في الفصل 327 بحيث اختص كل شخص يستخدم أثناء ارتكابه لجريمة التسول، إما بشكل صريح أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما، أطفالا يقل سنهم عن ثلاثة عشر عاما.
يجب التذكير على أنه لا يهم جنس أو جنسية المتسول، فكل شخص يقوم بهذه الأفعال فوق تراب المملكة يتوجب اعتباره متسولا و بالتالي يخضع للقانون الجنائي المغربي انطلاقا من مبدأ أو مفهوم إقليمية القوانين حيث أن كل دولة تمارس قانونها بمجموع ترابها و ملحقاته أو أجزائه أينما كانت.
في هذا الإطار لا ينبغي استثناء باقي الجنسيات التي أصبحت تشكل "هاجسا" اجتماعيا و أخص بالذكر بعض المواطنين السوريين أو البعض من الأفارقة الذين "غزوا" مدننا و شوارعها الرئيسية، و الذين أصبحت أعيننا تتآلف مع رؤيتهم – خصوصا العنصر النسوي -مرفوقين ببعض الأطفال و هم يحملون لافتات توحي عباراتها بأنهم في وضعيات إنسانية صعبة و الحقيقة أن معظمهم يعملون في إطار شبكات منظمة اجتاحت الأحياء المغربية خصوصا تلك التي تعرف ازدهارا اقتصاديا ملحوظا.
إن النصوص القانونية رغم "الصرامة" التي توحيها من خلال القراءة الأولية لها، لا يمكن أن تحد من الظاهرة، فالمقاربة القانونية لا و لن تؤتي أكلها نهائيا، فالذي يمكن أن يقلل من حدة هذه الظاهرة هوي المقاربة الاقتصادية بما هي مقاربة تنموية واجتماعية، تضع نصب أعينها الرفع من مستوى عيش الطبقات المتدنية الدخل، وإيجاد فرص الشغل للمواطنين، والقضاء على ما يسمى بدور الصفيح، وبالتالي فمشكلة الأطفال المتسولين أو المتسول بهم ليست قانونية فحسب، بل هي مشكلة مركبة بين ما هو قانوني، وما هو تربوي، واقتصادي.
محمد توفيق التريدي
27/04/2016
الظاهرة، ليست حدثا استثنائيا منفصلا عن حركة التاريخ وتطور المجتمعات البشرية فيه، كما أنها ليست ظاهرة تعيش بمعزل عن العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المختلفة التي أدت إلى تشكّل هذا المشهد في المقام الأول.
لعبت الثقافة الشعبية دوراً رئيسياً في تعزيز الظاهرة وعزلها عن كافة العوامل المؤثرة بالشكل الذي يضمن تشتيت وعي الفرد وتفتيت التناقض ليتحول بذلك إلى جزئيات اجتماعية منفصلة بنيوياً عن بعضها، ثم تحجيم أية حركة اجتماعية شمولية تستند إلى وعي ثوري يدرس الواقع و سيرورته من منظور الفهم المادي للتاريخ والعلاقات الاجتماعية فيه.
فهل يا ترى تعتبر هذه الظاهرة طفرة اجتماعية؟ أم نتيجة - مباشرة أو غير مباشرة - لسياسات الإفقار التي تمارسها الطبقات البورجوازية؟
بخصوص الثقافة الشعبية فإنها تميل إلى الاعتقاد بأن التسول طفرة ظهرت منذ الأزمنة الغابرة في المجتمعات البشرية و بقيت متلازمة و إياها إلى يومنا هذا بمعزل تام عن سياقها التاريخي الاجتماعي، و بهذا يؤدي هذا المنطق إلى تقسيم المجتمع إلى قسمين، قسم يرى أنه طالما هناك أغنياء بالضرورة هناك فقراء، و هناك قسم آخر يرى بأن ظاهرة التسول هي نتيجة حتمية للصراع الطبقي في المجتمع.
على العموم لن نخوض في هذه التقسيمات و التصنيفات، بل نترك الأمر إلى المختصين في العلوم الاجتماعية و باقي العلوم التي لها صلة.
من الناحية الاقتصادية، يعد التسول حاليا إحدى الصناعات العالمية التي تمارس بكثافة من خلال الاقتصاديات غير الرسمية، خصوصا في المدن، حيث يوجد سوق عمل غير رسمي تمارس فيه أشكال عديدة من المهن المستترة، و المتسولون غالبا ما يتم تأطيرهم ضمن مجموعات مستقرة في هذه السوق، فتمارس هذه الوظيفة طوال عمرها.
تمارس هذه الفئة فنون التسول من خلال مواهب خاصة تمكنها من التأثير على الآخرين لحثهم على العطاء بما تمتلكه من مهارات في اختيار الزمكان و نوعية المستهدفين من المواطنين. على سبيل المثال قد يؤدي اختيار مكان ديني إلى حصيلة أكثر لأن الناس تكون أكثر استعدادا للعطاء عندما يكونون في موقف ديني ما، أو اللجوء إلى الأماكن المزدحمة، حيث تزداد احتمالات توافر أناس مستعدين للعطاء بصورة أكبر كلما زاد عدد الناس في المكان.
هذه "الفنون التسولية" تحيلنا للتطرق إلى التساؤل عن موقف القانون تجاهها، هل كل هذه التصرفات يسمح بها أم يجيز بعضا منها و البعض الآخر يجرمه، هل هنالك أشخاص يمكن توقيع العقوبة عليهم، أم هناك أشخاص يمكن إعفاؤهم؟ هناك مجموعة من التساؤلات سوف نتمكن و لو بإيجاز الإجابة عنها.
إن التسول كباقي الظواهر، قد أولاها القانون الوضعي بعض الاهتمام، و هذه الإشارة تبدو واضحة في الفصول من الفصل 326 إلى 333 من القانون الجنائي المغربي.
في الفصل 327 حدد القانون الجنائي المغربي أهم طرق التسول المعاقب عليها، بعدما حدد عقوبتها في الفصل 326 و التي تتراوح ما بين "شهر واحد و ستة أشهر كل شخص كانت لديه وسائل للتعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة"، كما قنن القانون المغربي شرعية العقوبة بتوفر عنصر الإعتياد في أي مكان كان.
إذن جريمة التسول حسب القانون الجنائي لا تقوم إلا بتوفر عنصر الإعتياد، بهذا يمكننا اعتبارها من الجرائم الإعتيادية أو المسترسلة.
ستكون عناصر جريمة التسول إذن على الشكل التالي:
1. فعل مادي هو التسول
2. خطأ الفاعل
3. العادة
4. النية الإجرامية
و حتى تكتمل الصورة القانونية لهذه الجريمة، ينبغي لنا تبيان أركانها أو عناصرها لكي يستبين القارئ الكريم الأسس المعتمدة في تجريمها.
كما هو متعارف عليه قانونيا، لا عقوبة إلا بنص قانوني، و أن كل فعل مجرم قانونا يتوجب أن تتوفر فيه أركان أو عناصر قانونية، هي ما تسمى بالعناصر التكوينية. هذه العناصر ذكرت بالفصل 326:"يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل التعيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان كان."، إذن من خلال هذا الفصل أو المادة، فإن العناصر التكوينية لجريمة التسول تتمثل في فعل يصدر عن المتسول أي فعل التسول في حد ذاته و الذي يتمثل في استجداء عطف المواطنين عن طريق أقوال أو إشارات أو أية وسيلة يقصد منها الإيحاء للمواطن أو أي شخص بأن المعني في حالة تستوجب تقديم المساعد المالية إليه، ثم هناك خطأ صادر عن المعني الذي يبقى دائما هو المتسول، و الخطأ هنا يقصد به أن المتسول يتوفر أصلا على وسيلة للعيش أو أنه في حالة صحية تسمح له بممارسة أية مهنة شرعية و يعيش من مدخولها و تجعله في غنى عن استجداء الإحسان من الغير، و يمكننا القول بأن جريمة التسول يمكن اعتبارها جريمة قائمة بذاتها في حالة ما إذا تذرع المتسول بتقديم خدمة ما كبيع مثلا المناديل الورقية أو باقات الورود أو غيرها من الأنشطة التي تبدو ظاهريا نوعا ما تجارية، فيما واقع الحال يبين بأن الممارس لهذا النوع من النشاطات ما هو إلا ممارس للتسول من بابه الأوسع، أي ممارسة التسول المقنع. من بين العناصر التكوينية لجريمة التسول أيضا نجد عنصر العادة أي أن المعني اعتاد أو تعود على ممارسة هذا النوع من النشاط الغير مشروع، فجريمة التسول تعتبر من الجرائم المستمرة إذ لا يكتفي فيها بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الأخرى لتمام الجريمة و قيام المسؤولية الجنائية ، بل يتطلب لتحقيقها تكرار هذه الواقعة ذاتها - في أوقات متقاربة نسبيا أي في نفس اليوم أو خلال عدة أيام - مع توافر العناصر الأخرى لقيامها. و العنصر الأخير هو النية الإجرامية أو القصد الجنائي و المتمثل في إرادة المتسول و إصراره على ارتكاب جريمته التي يهدف منها إلى إتيانه السلوك المحرم و تحقيق النتيجة التي يبتغيها ألا و هي الحصول على المال بشكل غير قانوني و غير شرعي.
و تجدر الإشارة إلى أن مجرد محاولة أي شخص القيام بجريمة التسول لا تكون جريمة معاقبا عليها بل تعتبر مجرد محاولة ما دام أنها لم ترتكب عمدا.
إذن ففي حالة عدم إبراز عنصر النية الإجرامية لدى أي شخص مشتبه بارتكابه السلوك الإجرامي نكون غير محقين بوصفه متسولا.
إن القانون الجنائي لا يعاقب على النية الإجرامية إذا ما بقيت مختمرة في ذهن المعني، فمن الشروط الأساسية لأجل قيام أية جريمة هو تسببها في ضرر بغض النظر عن ماهيته، و قد لا يعاقب المعني أيضا و لو في حالة المراحل التحضيرية للجريمة التي لم تتعد حدود الشروع أو البدء في تنفيذها و حكمة المشرع في هذا هو إعطاء "الجاني" فرصة للعدول عن جريمته بمحض إرادته و دون أي تدخل خارجي .
هذا ينجلي بوضوح في المادة 114 التي جاء فيها أن :" كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة إلى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن ارادة مرتكبها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة."
نص الفصل 327 على أنه يعاقب الشخص المتسول بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة, إذا أحاطت بالجريمة الصادرة عنه ظروف جعلت منه شخصا خطرا على النظام العام.
لا تهمنا هنا حالة الشخص المتسول سواء الصحية أو الاجتماعية سواء أكان ذا عاهة أو معدما، ما دام أنه يستجدي بوسائل معينة قد حددها المشرع في خمس حالات وهي:
1. استعمال التهديد: أي لجوء المتسول إلى التهديد باستخدام أية كلمة أو إشارة يرمي من ورائها إلزام المتسول منه أو إجباره عن الاستجابة لمطلبه.
2. التظاهر بالمرض أو ادعاء عاهة هذا يدخل في إطار الإحتيال، بحيث أن المتسول يوهم "الزبون" على أنه يعيش حالة عاهة مؤقتة أو مستديمة أو يعيش وضعا صحيا يوجب الإشفاق عليه بمقتضاه.
3. تعود استصحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه: هذه الحالة تحيلنا على المادة 328 الذي يكفي فقط ظهور الأطفال في واجهة العمل التسولي ولو لم يؤدوا أي دور كيفما كان سلبيا أم إيجابيا مادام أن الغرض من ظهورهم هو استجداء عطف المواطنين. تجدر الإشارة إلى أن الشخص المتسول لا يسقط تحت هذه المادة أو الفصل في حالة ما إذا كان الأطفال من أصوله أو فروعه، أما في حالة العكس فإن المتابعة تكون منبنية على الفصل 328.
4. الدخول إلى مسكن أو احد ملحقاته، دون إذن مالكه أو شاغله: تتحقق هذه الحالة بولوج أي مسكن دون إذن من صاحبه، حيث أن المتسول في حالة دخوله أي مسكن أو أحد من ملحقاته يكون في وضعية قد تسهل عليه عملية ارتكاب السرقة في غفلة من أعين رقابة المالك الأصلي للمحل المتواجد فيه.
5. التسول جماعة، (إلا إذا كان التجمع مكونا من الزوج وزوجته أو الأب و الأم وأولادهما الصغار، أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما): باستثناء التجمع أو الجماعة مكونة من الزوج و زوجته و أبنائهما أو أحد الوالدين و أبنائه، أو في حالة كون المتسول أعمى أو عاجزا و في حاجة لمن يقوده.
جاء الفصل 328 ليحدد لنا العقوبة المشار إليها في الفصل 327 بحيث اختص كل شخص يستخدم أثناء ارتكابه لجريمة التسول، إما بشكل صريح أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما، أطفالا يقل سنهم عن ثلاثة عشر عاما.
يجب التذكير على أنه لا يهم جنس أو جنسية المتسول، فكل شخص يقوم بهذه الأفعال فوق تراب المملكة يتوجب اعتباره متسولا و بالتالي يخضع للقانون الجنائي المغربي انطلاقا من مبدأ أو مفهوم إقليمية القوانين حيث أن كل دولة تمارس قانونها بمجموع ترابها و ملحقاته أو أجزائه أينما كانت.
في هذا الإطار لا ينبغي استثناء باقي الجنسيات التي أصبحت تشكل "هاجسا" اجتماعيا و أخص بالذكر بعض المواطنين السوريين أو البعض من الأفارقة الذين "غزوا" مدننا و شوارعها الرئيسية، و الذين أصبحت أعيننا تتآلف مع رؤيتهم – خصوصا العنصر النسوي -مرفوقين ببعض الأطفال و هم يحملون لافتات توحي عباراتها بأنهم في وضعيات إنسانية صعبة و الحقيقة أن معظمهم يعملون في إطار شبكات منظمة اجتاحت الأحياء المغربية خصوصا تلك التي تعرف ازدهارا اقتصاديا ملحوظا.
إن النصوص القانونية رغم "الصرامة" التي توحيها من خلال القراءة الأولية لها، لا يمكن أن تحد من الظاهرة، فالمقاربة القانونية لا و لن تؤتي أكلها نهائيا، فالذي يمكن أن يقلل من حدة هذه الظاهرة هوي المقاربة الاقتصادية بما هي مقاربة تنموية واجتماعية، تضع نصب أعينها الرفع من مستوى عيش الطبقات المتدنية الدخل، وإيجاد فرص الشغل للمواطنين، والقضاء على ما يسمى بدور الصفيح، وبالتالي فمشكلة الأطفال المتسولين أو المتسول بهم ليست قانونية فحسب، بل هي مشكلة مركبة بين ما هو قانوني، وما هو تربوي، واقتصادي.
محمد توفيق التريدي
27/04/2016
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire