مـــقــدمــــــة
يعتبر جهاز النيابة العامة أساس التكوين القضائي وذلك لارتباطه ليس بقانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي وحسب، بل لارتباطه بجميع فروع القوانين الأخرى والتي تنتصب فيها النيابة العامة كطرف أصلي أو منضم.
ويرتبط هذا الجهاز ارتباطا وثيقا بالمصلحة العامة، ومن هنا جاءت تسميته بممثل الحق العام، فكلما وجدت مصلحة عامة إلا واقترنت وجوبا بتدخل وتواجد النيابة العامة بصفتها طرفا من أطراف النازلة المعروضة على المحكمة المختصة.
وقد عهد المشرع لهذا الجهاز بتحريك الدعوى العمومية إما بصفة مطلقة أو ضمن شروط محددة بقوة القانون، وجعل المقررات الصادرة من طرف المحكمة مشروطة بحضور ممثل النيابة العامة تحت طائلة البطلان، وتدخلها هذا يكون رهينا بوجود مصلحة سواء كانت الدعوى زجرية أو مدنية، كما أن تدخلها لا يقتصر على المحاكم العادية بل يتعداه ليشمل المحاكم الاستثنائية مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين المنظمة لهذه المحاكم.
ونظرا للتطور الذي شهده المجال القانوني والحقوقي في المغرب، كان لزاما أن يؤثر ذلك على جهاز النيابة العامة حيث لم يعد يقتصر دورها على المهام التقليدية المحددة أو المنصوص عليها في نصوص قانون المسطرة الجنائية القديم، بل أصبح اختصاصها يعرف نوعا من التحرر وعدم التقيد من خلال المهام التي أسندت إليها في ظل قانون المسطرة الجنائية الحالي.
وهذا ما سنحاول الوقوف عليه في موضوعنا هذا حيث سنحاول التركيز على أهم المستجدات التي جاء بها قانو ن 22.01 ، إلا أنه وقبل الخوض في هذه المستجدات بخصوص دور النيابة العامة، لابد من إعطاء لمحة عن نشأة هذا الجهاز – النيابة العامة- والتعريف به. مما يحتم علينا تقسيم الموضوع إلى نقطتين رئيسيتين، نتناول في نقطة أولى نشأة وتعريف جهاز النيابة العامة، وفي نقطة ثانية مهام هذا الجهاز في ظل مستجدات قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01.
النقطة الأولى: التأصيل التاريخي لجهاز النيابة العامة وتعريفها
قبل الخوض في تعريف النيابة العامة لا بد من إعطاء نبذة عن نشأة هذا الأخير وتطورها عبر مراحل التاريخ,
1 -نشأة جهاز النيابة العامة
ترجع الجذور الأولى لجهاز النيابة العامة حسب أنصار الفكر القانوني المعاصر مسايرين في ذلك المذهب الكلاسيكي أمثال لبول كيش وجون فانسان، إلى سنوات العصر الوسيط بفرنسا، حيث كان الملك والنبلاء يعينون ممثليهم (من هنا جاءت التسمية التاريخية وكيل الملك) يتولون جمع الغرامات لفائدة خزينة الملك ويهتمون بتوقيع العقوبات المالية على المتهمين لفائدة خزينة الملك [1].
ومع بداية القرن الرابع عشر وبالضبط سنة 1303 قام الملك فيلب لوبون Philie lepon بتكليف بعض الأشخاص بالقيام بمهام وكلاء الملك وأطلق عليهم تسمية نواب عامون للملك لدى المحكمة العليا ونوابا للملك لدى المحاكم الدنيا، وفي هذه المرحلة بالذات تبلورت فكرة عدم تجزئة عمل النيابة العامة أو ما يعرف بمبدأ وحدة النيابة العامة.
وخلال الثورة الفرنسية ثم إلغاء جهاز النيابة العامة باعتبارها مؤسسة تخدم المصالح الملكية المستبدة، إلا أنه سرعان ما اقتنع رجال الثورة بأن هذا الجهاز بإمكانه أن يخدم العدالة بشكل أفضل مما كان عليه من قبل، وهكذا أصدر المشرع اختصاصات النيابة العامة في المادة الجنائية على وجه الخصوص وتم إحداث وظيفة المدعي العام الذي كان يقوم بمهمة الإدعاء العام أمام محاكم الثورة [2] وجعلته غير قابل للعزل.
وقد عرف مرسوم قانون مؤرخ في 16 غشت 1790 في فصله الأول النيابة العامة أو الادعاء العام بأنها "جهاز يتكون من أعضاء ينتمون إلى السلطة التنفيذية يعملون بجانب المحاكم"
ولم يغير الإصلاح القضائي الفرنسي الصادر في 22/18/1958 بصفة جذرية هيئة النيابة العامة بل عمل على دمج بعض النصوص السابقة بهذا القانون لإعطاء الضمانات التي يستحقها قضاة النيابة العامة الملائمة لطبيعتها و اختصاصاتها [3].
أما بالنسبة للمغرب فإن التطور التاريخي للنيابة العامة مقترن، إن لم نقل رهين بالتطور التاريخي لقانون المسطرة الجنائية، وذلك على اعتبار أنه هو الذي يحدد حدود اختصاصات جهاز النيابة العامة وتنظيمه وتحديد أطره المخول لها قانونيا ممارسة المهام المنوطة به. و من هذا المنطلق يمكن رصد التطور التاريخي لهذا الجهاز عبر ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل الحماية، مرحلة الحماية ومرحلة ما بعد الاستقلال.
ففي المرحلة الأولى وعلى اعتبار أن المغرب دولة إسلامية تخضع للمذهب المالكي مثله مثلا سائر الدول الإسلامية خاضعا من الناحية القضائية إلى تطبيق معالم الشريعة الإسلامية.
وجهاز النيابة في هذه الحقبة لم يكن معروفا على شكله المعاصر، وهناك من ذهب للقول بأن هذا الجهاز كان منعدما بصفة مطلقة في هذه المرحلة في تاريخ المغرب إلا أن الأستاذ رياضي عبد الغاني عارض هذا القول على اعتبار أن هذا الجهاز كان موجودا وأن الفرق الوحيد في مقارنته مع وضع جهاز النيابة المعاصر يتجلى في أنه لم يكن جهازا مستقلا له وضع قانوني خاص وأسس قانونية ثابتة المعالم حيث كانت مهمة هذا الجهاز منحصرة في مهام القاضي مصدر الحكم، ودليله في ذلك أنه بالرجوع إلى بعض القضايا التي كان القضاة المسلمون يبثون فيها لا تخرج عن نطاق اعتبارها من مهام النيابة العامة في وقتنا المعاصر، كمهنة قطع الخصام والتشاجر إما بالإجبار أو بالصلح واستنفاد الحق اما بإقرا أو بينة، والنظر في المصالح العامة بما فيها كف الادى عن الطرقات العامة.
إلا أن التشريع المغربي لم يعرف نظام النيابة العامة كمؤسسة قائمة الذات إلا عندما احتك بأوربا عن طريق فرض الحماية على المغرب، فهذا النظام- أي نظام النيابة العامة- يعد من ضمن التراث القانوني الذي حملته فرنسا باعتبارها دولة حامية للمغرب ابتداءا من معاهدة فاس المبرمة في 30 مارس 1912.
لقد كان القضاء الأهلي في هذه المرحلة والممثل في القضاء الشرعي والقضاء ال مخزني والقضاء العرفي، وكذا القضاء العبري، يخضع للرقابة المباشرة إما لمندوب الحكومة le commissaire du gouvernement وإما للمراقب المدني le contrôleur civil حيث كان هذان الجهازان يلعبان دورا يقترب أحيانا من دور النيابة العامة، أما بخصوص القضاء الفرنسي في المغرب فقد كانت النيابة العامة ممثلة فيه على مستوى جميع درجاته بالشكل السائر أمام قضاء الدولة الحامية نفسه، ونقصد هنا محاكم الصلح والمحاكم الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالرباط.
والمشرع المغربي حافظ على النيابة العامة داخل محاكمة بعد الاستقلال [4] كما عمل على إحداث جهاز النيابة العامة بالمجلس الأعلى عندما تم تأسيسه بظهير 27 شتنبر 1957، وهو ما تم تكريسه في التنظيم القضائي المغربي الصادر في 15 يوليوز 1974.
2 - تعريف النيابة العامة:
يطلق مصطلح النيابة العامة في النظام ال قضائي المغربي على فئة من رجال القضاء يوحدهم جميعا السلك القضائي ويشملهم النظام الأساسي لرجال القضاء، ويقوم بمهام النيابة العامة قضاة بمختلف درجات المحاكم، وقد عرف المشرع المصري في المواد1و 2 و 3 من قانون العقوبات النيابة العامة بأنها شعبة من شعب السلطة القضائية تنوب عن المجتمع وتمثل مصالحه العامة وتسعى لتحقيق موجبات القانون.
وتعتبر النيابة العامة جهازا مخول له قانونا تمثيل المجتمع والدفع عن مصالحه ودرء الضرر الذي قد يلحقه باعتبارها ممثلة للحق العام، تمثل طرفا إيجابيا أصيلا في الدعوى العمومية يملك صلاحية تحريكها وممارستها، ومراقبة سيرها إلى غاية صدور الحكم تم السهر على تنفيذه بعد صيرورته نهائيا مع إمكانية تسخير القوة العمومية إذا اقتضى الأمر.
واعتبار النيابة العامة هيئة قضائية وممثلة للجهاز التنفيذي، يجعلها تمتاز بعدة خصائص من بينها خضوع المرؤوسين لأوامر وتعليمات رؤسائهم المتسلسلين وطاعتهم، وعدم تحمل مسؤوليتهم بأداء تعويض للمتهم في حالة صدور حكم أو قرار يبرؤه بخصوص الأفعال المنسوبة إليه. كما أكد المشرع المغربي على عدم إمكانية تجريح أعضاء النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في الدعوى وخصما والخصم غير قابل للتجريح. كما منحها صفة الاستقلالية عن كل من قضاء التحقيق وقضاء الحكم والمطالب بالحق المدني بحكم وظيفتها، إضافة إلى حق النيابة العامة بتغيير مواقفها وتدارك أخطائها واعتبارها وحدة غير قابلة للتجزئة.
النقطة الثانية: صلاحيات النيابة العامة
إذا كان المشرع المغربي قد حافظ على الأدوار التقليدية لجهاز النيابة العامة ودعمها، فإنه خلق بالاضافة إلى ذلك صلاحيات جديدة، أنيطت بهذا الجهاز بمقتضى قانون 01-22، كان الهدف من وراءها تحقيق الاستقرار الاجتماعي والحد من أثر الجريمة بالنسبة لضحايا الأعمال الجرمية والاسراع بالمحاكمة واختزال الجهود البشرية والمادية في بعض القضايا البسيطة. فقد حاول المشرع اجنائي توسيع دور ومهام النيابة العامة من خلال منحها العديد من الصلاحيات والتي ستتم دراستها فيما يلي:
1- السند القابل للتنفيذ في المخالفات
إذا كانت فصول قانون المسطرة الجنائية الملغى (من 357 إلى 365) أوكلت صلاحية إصدار السند القابل للتنفيذ لقضاة الحكم ولم يكن دور جهاز النيابة العامة يتعدى تقديم ملتمس إلى المحكمة بإصدار الأمر القضائي بشأن المخالفات الضبطية. فإنه بصدور قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003 بمقتضى قانون رقم 01-22 ومن أجل تفادي إهدار الطاقة البشرية وتبديد إمكانيات مادية هائلة والتخفيف من حدة الملفات المعروضة على المحاكم، أصبحت معه النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص بإصدار السند القابل للتنفيذ.
وتعتبر مسطرة السند القابل للتنفيذ في المخالفات مسطرة اختيارية حيث يمكن سلوكها من عدمه.وفي حالة اللجوء إلى هذه التقنية، لا بد من توافر شروط معينة بنص المادة 375 من ق.م.ج حيث يجوز للنيابة العامة في حالة ارتكاب مخالفة معاقب عل يها بغرامة مالية فقط مثبتة بمحضر أو تقرير ومع عدم وجود متضرر أو ضحية إصدار سند قابل للتنفيذ يقضي بأداء غرامة جزافية لا تتعدى نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا، مع ضرورة تضمين هذا السند مجموعة من البيانات نصت عليها المادة 376 من ق.م.ج.
إلا أنه يثار التساؤل حول مدى إمكانية تضمين هذا السند المصاريف القضائية خاصة وأن الفصل 357 من ق.م.ج الملغى نص صراحة على وجوب تضمينها بالأمر القضائي في المخالفات الضبطية، بهذا الخصوص وأمام سكوت المشرع المغربي ولما كان السند القابل للتنفيذ لا يعد حكما ولا قرارا ولا أمرا قضائيا، فإنه لا يمكن الاعتماد على مقتضيات المادة 367 من ق.م.ج للقول بضرورة تضمين السند للمصاريف القضائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هدف المشرع المغربي من وراء إعفاء مرتكب المخالفة من تلك المصاريف تشجيعه على قبول الصلح المقترح [5].
وبمجرد توصل مرتكب المخالفة برسالة الإشعار الموجهة إليه، يتأرجح موقفه بين موقف قابل لمقترح النيابة العامة وموقف رافض له مع اختلاف الآثار المترتبة عنهما [6].
وقد يثار الإشكال في حالة ظهور متضرر بعد أن يصبح السند التنفيذي نهائيا، فهل يمكنه المطالبة بالتعويض؟ إذا كان من غير الممكن اعتبار السند التنفيذي ذو طبيعة قضائية، فإنه لا يمكن اعتماده كحجة أمام القضاء المدني مما لا يسمح للمتضرر سوى امكانية الرجوع إلى القواعد العامة للاثبات في المادة المدنية. [7]
2 - السدد بين الخصوم
محاولة منه لإيجاد آلية بديلة للمتابعة، استحدث المشرع المغربي مسطرة الصلح، حيث عهد جهاز النيابة العامة صلاحية إجراء صلح بين الخصوم من أجل ضمان وصول الحقوق إلى أصحابها بشكل سريع ودون الخوض في الخصومة الجنائية التي قد تطول وتتعقد، وإنهاء المنازعة التي قد تثقل كاهل المحكمة.
وإذا كان المشرع المغربي قد نظم مسطرة الصلح في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003، فإن هناك العديد من التشريعات المقارنة التي سبقت المشرع المغربي في الأخذ بهذه المسطرة، فالمشرع المصري بمقتضى التعديل الذي أدخل على قانون الإجراءات الجزائية لـ 1998، تبنى مسطرة الصلح في الجنح والمخالفات المعاقب عل يها بالغرامة فقط [8]. أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد تبنى هذه الآلية بموجب القانون رقم 99.515 الصادر في 23 يونيو 1999 في الفقرة 5 من المادة 41 من ق.م.ج الفرنسي [9]. لقد اعتبر المشرع المغربي مسطرة الصلح ذات طبيعة اختيارية، لكون الفصل المذكور (م 41 من ق.م.ج) لم يلزم الأطراف بسلوكها ولم يجعل الدعوى العمومية معينة إذا لم تسبقها مسطرة السدد [10]. كما اعتبرها القانون مسطرة تلقائية [11] من جهة، ومبنية على طلب [12] من جهة أخرى، إضافة إلى كون ممارستها تقوم على إجراءين [13] أولا أمام جهاز النيابة العامة باعتبارها الجهة التي تقوم بتجهيز الملف قبل عرضه على رئيس المحكمة من جهة ثانية.
3 - رد الأشياء المحجوزة
نصت المادة 40 من ق.م.ج على أنه يجوز لوكيل الملك في حالة عدم وجود منازعة جدية أن يأمر برد الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها ما لم تكن ضرورية لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة.
وهذا الاختصاص أو الإمكانية أتيحت للنيابة العامة من أجل تحسين مردودية العدالة الجنائية على اعتبار أن الأشياء المحجوزة ليست محل نزاع بشأن ملكيتها، إضافة إلى الصعوبات التي تثيرها حراستها والمحافظة عليها من التلف.
وما يلاحظ بخصوص هذا الإجراء هو اقتصار المشرع في المادة 40 من ق.م.ج على المنازعة لكي تأمر النيابة العامة بالرد، وهو تعبير عام ومطلق. كما استعمل المشرع عبارة "ما لم تكن لازمة لسير الدعوى" هذه العبارة تفيد منح السلطة التقديرية النيابة العامة في إمكانية رد الأشياء المحجوزة من عدمها.
وما قيل عن المادة 40 من ق.م.ج يقال عن المادة 49 من نفس القانون والذي يمنح هذه الإمكانية للوكيل العام للملك.
ويبقى الهدف من منح جهاز النيابة العامة هذه الصلاحية تمكين ذوي الحقوق من أن يتسلموا فورا ممتلكاتهم المنقولة التي سلبت منهم من جراء فعل جرمي كالسرقة أو خيانة الأمانة وتجنب حرمانهم منها بسبب تلفها أو تضررها بمستودعات المحاكم في انتظار صدور حكم نهائي.
4 - إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه:
منح قانون المسطرة الجنائية سلطة إضافية لجهاز النيابة العامة لم تكن تتمتع بها في ظل القانون القديم، حيث أصبح بإمكانها الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بمقتضى المادتين 40 و49 من ق.م.ج.
فكلما تعلق الأمر بانتزاع حيازة بفعل اعتداء جرمي ثم بعد تنفيذ حكم باسترداد هذه الحيازة، جاز للنيابة العامة إرجاع الحيازة إلى الأشخاص الذين كانت لديهم بمقتضى حكم قضائي.
ويهدف هذا الإجراء إلى الحد من استمرار قيام أثر الجريمة في انتظار صدور حكم نهائي، وبديهي أن يحرص المشرع على مراقبة القضاء لهذا الإجراء والذي يبقى له أن يقره أو يلغيه أو يعدله حماية لمشروعية وقانونية هذا الإجراء، والذي يبقى في الغالب الأعم إجراء يخدم مصلحة المعني بالأمر خاصة والمصلحة العامة إجمالا.
-5- إيقاف سير الدعوى
يعد إجراء وقف سير الدعوى من طرف النيابة العامة من التقنيات الجديدة التي تنصب في الاتجاه الإنساني الرامي إلى الحفاظ على العلاقات الاجتماعية. على اعتبار أن بعض النزاعات التي تقع بين الأفراد ويتم عرضها على المحاكم خاصة عندما تكتسي طابعا عائليا، يكون من شأن السير فيها أن يؤثر على الروابط العائلية والعلاقات الانسانية القائمة بين طرفي النزاع وقد أحسن المشرع صنعا حينما أحدث هذه الآلية الجديدة بنصه عليها في المادة 372، والتي بمقتضاها يمكن للنيابة العامة في حالة وقوع تنازل أو صلح أثناء سريان الدعوى أو إذا اقتضت المصلحة ذلك أن تتقدم بملتمس إلى المحكمة من أجل إيقاف سير الدعوى مع إمكانية مواصلة النظر في الدعوى نفسها بطلب من النيابة العامة أيضا، ما لم تكن الدعوى قد انقضت بأحد أسباب السقوط [14] كالتقادم وغيره، فمتى عاود أطراف الدعوى نفس الأفعال أمكن للنيابة العامة استئناف النظر من جديد في الدعوى الجنائية.
ومن الواضح أن هدف المشرع من وضعه لهذه الآلية الجديدة هو الحفاظ على الروابط الاجتماعية ووضع حد لتكاثر الخلافات الاجتماعية والعائلية منها بالأساس.
6 - التقاط المكالمات الهاتفية بوسائل الاتصال عن بعد
يعد هدا الإجراء من بين المهام التي أسندت لجهاز النيابة العامة في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديدة.
فبعدما كانت هذه الامكانية حكرا على قاضي التحقيق والذي كان يأمر بها كلما اقتضت ضرورة التحقيق ذلك أصبح بإمكان الوكيل العام للملك كذلك أن يلتمس من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإذن له كتابة بالتقاط المكالمات وكافة الاتصالات المرسلة بواسطة وسائل الاتصال المختلفة وتسجيلها.
ونظرا لخطورة وحساسية هذا الإجراء فإنه يتم في حالة الأمر به من طرف النيابة العامة تحت سلطة ورقابة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ولنفس السبب أعلاه، فإن القانون يعتبره إجراء استثنائيا ووضعه أساسا بيد قاضي التحقيق متى كانت القضية معروضة عليه واستثناءا للوكيل العام للملك إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك في بعض الجرائم شديدة الخطورة على أمن المواطن وسلامة الوطن.
وقد حدد قانون المسطرة الجنائية مدة وشكليات هذا الاجراء بكل دقة وأحاطه بقيود صارمة تكفل حماية وحرمة الأشخاص وفرض عقوبات على مخالفتها وذلك في المواد 108/ إلى 116 من ق.م.ج [15].
وبالرغم من الشروط والقيود التي أحاط بها المشرع هذا الإجراء وخاصة في حالة الأمر به من طرف النيابة العا مة، فإن هذا الدور الجديد المنوط بها جعلها في موقف مهزوز نوعا ما، نظرا لمساس هذا الإجراء بحقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية وهو ما سيؤثر بشكل أو بآخر على سلطة النيابة العامة من سلطة تهدف إصلاح المجتمع وتهذيبه إلى سلطة ارتكاب جرائم بدعوى الحفاظ على أمن المجتمع لأن التجسس على الحياة الخاصة يعد جريمة في نظر القانون.
ونشير إلى أن هذا الإجراء أثار العديد من النقاشات والتساؤلات حول مدى دستورية التقاط المكالمات الهاتفية.
وبهذا الخصوص نشاطر رأي الأستاذ عبد الحق الذهبي حيث كان على المشرع أن يقنن هذا الإجراء تقنينا دقيقا ويحصره في بعض الجرائم وخلال فترة زمنية ولأسباب حقيق ية وأن يقيد النيابة العامة إضافة إلى طلب الاذن من الرئيس الاول بتعليل موقفها تعليلا دقيقا وكافيا.
7 - سحب جواز السفر وإغلاق الحدود
إضافة إلى الامكانية المتاحة لهيئة الحكم وهيئة التحقيق أصبح بإمكان النيابة العامة كذلك أن تسحب جواز سفر المشتبه فيه وتغلق الحدود في وجهه.
وهذين الاجرائين يأمر بهما وكيل الملك (المادة 40 من ق.م.ج) والوكي ل العام للملك المادة 49 من ق.م.ج بحسب الأحوال فكلما اقتضت ضرورة البحث التمهيدي جاز للنيابة العامة الأمر بهذين الاجرائين وذلك لمدة لا تتجاوز شهر واحد. مع إمكانية تمديده لغاية انتهاء البحث إذا كان المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمامه طبقا لمقتضيات المادتين 40 و 49 من ق.م. ومسألة ما إذا كان المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمام إجراءات البحث ترجع لتقدير النيابة العامة. مما يعني السلطة المطلقة في تحديد آجال الشهر الواحد.
وعلى اعتبار أن الأمر هنا يمس حق من الحقوق التي يضمنها الدستور والمتمثل في حق التجول المنصوص عليه في الفصل 12 من الدستور، فإن النيابة العامة تكون مطالبة بالحرص على التطبيق السليم لإجرائي إغلاق الحدود وسحب جواز السفر، وعدم الأمر بهما إلا في الحالات التي يتطلب فيها ذلك البحث التمهيدي، وبالرغم من كون القانون يجعل الإجرائيين متلازمين فإن ذلك لا يعني توقف أحدهما على إنجاز الآخر، فإذ ا تعذر الأمر بإحداهما لا يحول دون الأمر بالآخر. مع العلم ومن الناحية العملية أن تدبير إغلاق الحدود أكثر جدوى من سحب جواز السفر [16]
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء يتيح للأجهزة المكلفة بمكافحة الجريمة فرصة كافية للبحث في الجرائم وجمع الأدلة، وهذا الإجراء يعتبر ناجعا في معظم أحواله بالنسبة للمشتبه فيه، إذ يمكنه من وقت أوسع للبحث عن وسائل الدفاع ويعد في الوقت نفسه إجراء كفيلا بضمان حضور المتهم من غير اللجوء إلى وضعه تحت الحراسة النظرية [17].
8- إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض
أعطى المشرع الجنائي من خلال قانون المسطرة الجنائية (01-22) الحق للنيابة العامة في إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لتطبيق مسطرة تسليم المجرمين، فقد كانت هذه النقطة تشكل عائقا أمام النيابة العامة يحول دون أدائها لدورها كاملا في محاربة الجريمة في حالة ما إذا غادر مرتكبوها التراب الوطني- حيث كان يظهر ذلك جليا في القضايا الجنحية والتي لا يمكن عرضها على قاضي التحقيق لإصدار مثل هذا الأمر فإن الجناة والمشتبه فيهم يظلون بمنأى عن يد القضاء المغربي بسبب عدم إمكانية نشر الأوامر بإلقاء القبض التي تصدرها النيابة العامة في حقهم على الصعيد الدولي نظرا لعدم وجود نص صريح يمنحها حق إصدار هذه الأوامر [18].
إلا أن الأمر تغير بدخول قانون 01-22 حيز التنفيذ حيث تم التنصيص في الفقرة الثالثة من المادة 40 من ق.م.ج أنه " يحق لوكي ل الملك لضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين، إصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض"
وهذا الإجراء الذي تضمنه قانون المسطرة الجنائية من شأنه مواجهة أنواع عدة من الجرائم باعتبار مسطرة تسليم المجرمين تدخل ضمن التعاون القضائي مع الدول الأجنبية، في وقت انتشرت فيه الجريمة المنظمة والجرائم التي تتجاوز الحدود وتعدد مرتكيبيها واختلاف جنسيتهم.
و في حالة إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لا بد من تقدير دواعي الأمر بهذا الإجراء من حيث مدى توفر الدلائل الكافية للاتهام، وحالة المتهم وجنسه وسنه ومركزه الاجتماعي، وكذا خطورة الجريمة المسندة إله [19]
خاتمة:
إذا كان المشرع المغربي قد أحسن فعلا بخلق صلاحيات جديدة من أجل أهداف جديدة أنيطت بجهاز النيابة العامة حيث وسع من مهامها، فإن التجديد الذي جاء به المشرع الجنائي لا يخلو من بعض السلبيات فبالرغم من كون هذه الصلاحيات جاءت م قيدة بشروط إلا أن هذا التقييد يبقى نسبيا على اعتبار أنه منح لممثل النيابة العامة السلطة التقديرية في معظم الإمكانيات الجديدة المرخص لها بممارستها، ومن ذلك مبدأ ملاءمة المتابعة، وإيراده التي تفيد في مطلق أحوالها إعطاء السلطة التقديرية للنيابة العامة في اتخاذ هذا الإجراء من عدمه، وهو ما يعود سلبا على المعني بالإجراء سواء كان مشتبه فيه أن ضحية.
ونأمل أن ينتبه المشرع الجنائي إلى الخطورة التي تمثلها الصلاحيات المطلقة للنيابة العامة على حساب الأفراد، وأن يحدو حدو المشرع الفرنسي في التحديد الدقيق لمهام النيابة العامة وتقييد صلاحيتها.
[1] - محمد آحذاف، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، ج الأول، طبعة 2005، ص107.
[2] - ذ. الغزواني نور الدين، تدخل النيابة العامة في الدعوى المدنية، أطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا بجامعة محمد الخامس الرباط، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، 1955، ص 20-21.
[3] - عبد الحق مقال بعنوان الأدوار والمهام الجديدة المسندة للنيابية العامة في ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديدة موقع الأنترنت www org/debat/show.art.
[4] - ذ. عبد الحق ذهبي، مرجع سابق.
[5] - الحسن بويقين، السند التنفيذي والأمر القضائي في المخالفات، مجلة القسطاس، عدد 4، 205، ص 12.
[6] - المادة 379 وما يليها.
[7] - الحسن بويقين، م.س، ص 23.
[8] - دراسة للمادة 41 من ق.م.ج، جريدة الأحداث المغربية، السبت 26 يونيو 2008.
[9] - المادة 41 من ق.م.ج المغربي خرجت من رحم المادة 41 من ق.م.ج الفرنسي لا من حيث الطابع الاختياري لمسطرة الصلح وسلطة النيابة العامة بشأنها أو مصادقة المحكمة في النهاية على مقرر الصلح. دراسة للمادة 41 من ق.م.ج. س.
[10] - رشيد مشفاقة، دليل النيابة العامة في مسطرة الصلح الزجري، الطبعة 1، 2004، ص: 17.
[11] - بناء على اقتراح من وكيل الملك أو ممثله (الفقرة 6 من المادة 41 من ق.م.ج).
[12] - بناء على طلب المتضرر أو المشتكى به .
[13] - حميد ميمون، المتابعة الزجرية وإشكالاتها العملية، 2005، ص: 120.
[14] - قانون المسطرة الجنائية، م.س.
[15] - قانون المسطرة الجنائية.م.س.
[16] - شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول، منشورات وزارة العدل، 6 أبريل 2006، ص 188.
[17] - قانون المسطرة الجنائية، 01-22 تقديم الأستاذ المرحوم محمد بوزبع، ص 21.
[18] - قانون المسطرة المدنية، م.س.
[19] - عبد الحق الذهبي، م.س.
يعتبر جهاز النيابة العامة أساس التكوين القضائي وذلك لارتباطه ليس بقانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي وحسب، بل لارتباطه بجميع فروع القوانين الأخرى والتي تنتصب فيها النيابة العامة كطرف أصلي أو منضم.
ويرتبط هذا الجهاز ارتباطا وثيقا بالمصلحة العامة، ومن هنا جاءت تسميته بممثل الحق العام، فكلما وجدت مصلحة عامة إلا واقترنت وجوبا بتدخل وتواجد النيابة العامة بصفتها طرفا من أطراف النازلة المعروضة على المحكمة المختصة.
وقد عهد المشرع لهذا الجهاز بتحريك الدعوى العمومية إما بصفة مطلقة أو ضمن شروط محددة بقوة القانون، وجعل المقررات الصادرة من طرف المحكمة مشروطة بحضور ممثل النيابة العامة تحت طائلة البطلان، وتدخلها هذا يكون رهينا بوجود مصلحة سواء كانت الدعوى زجرية أو مدنية، كما أن تدخلها لا يقتصر على المحاكم العادية بل يتعداه ليشمل المحاكم الاستثنائية مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين المنظمة لهذه المحاكم.
ونظرا للتطور الذي شهده المجال القانوني والحقوقي في المغرب، كان لزاما أن يؤثر ذلك على جهاز النيابة العامة حيث لم يعد يقتصر دورها على المهام التقليدية المحددة أو المنصوص عليها في نصوص قانون المسطرة الجنائية القديم، بل أصبح اختصاصها يعرف نوعا من التحرر وعدم التقيد من خلال المهام التي أسندت إليها في ظل قانون المسطرة الجنائية الحالي.
وهذا ما سنحاول الوقوف عليه في موضوعنا هذا حيث سنحاول التركيز على أهم المستجدات التي جاء بها قانو ن 22.01 ، إلا أنه وقبل الخوض في هذه المستجدات بخصوص دور النيابة العامة، لابد من إعطاء لمحة عن نشأة هذا الجهاز – النيابة العامة- والتعريف به. مما يحتم علينا تقسيم الموضوع إلى نقطتين رئيسيتين، نتناول في نقطة أولى نشأة وتعريف جهاز النيابة العامة، وفي نقطة ثانية مهام هذا الجهاز في ظل مستجدات قانون المسطرة الجنائية رقم 22.01.
النقطة الأولى: التأصيل التاريخي لجهاز النيابة العامة وتعريفها
قبل الخوض في تعريف النيابة العامة لا بد من إعطاء نبذة عن نشأة هذا الأخير وتطورها عبر مراحل التاريخ,
1 -نشأة جهاز النيابة العامة
ترجع الجذور الأولى لجهاز النيابة العامة حسب أنصار الفكر القانوني المعاصر مسايرين في ذلك المذهب الكلاسيكي أمثال لبول كيش وجون فانسان، إلى سنوات العصر الوسيط بفرنسا، حيث كان الملك والنبلاء يعينون ممثليهم (من هنا جاءت التسمية التاريخية وكيل الملك) يتولون جمع الغرامات لفائدة خزينة الملك ويهتمون بتوقيع العقوبات المالية على المتهمين لفائدة خزينة الملك [1].
ومع بداية القرن الرابع عشر وبالضبط سنة 1303 قام الملك فيلب لوبون Philie lepon بتكليف بعض الأشخاص بالقيام بمهام وكلاء الملك وأطلق عليهم تسمية نواب عامون للملك لدى المحكمة العليا ونوابا للملك لدى المحاكم الدنيا، وفي هذه المرحلة بالذات تبلورت فكرة عدم تجزئة عمل النيابة العامة أو ما يعرف بمبدأ وحدة النيابة العامة.
وخلال الثورة الفرنسية ثم إلغاء جهاز النيابة العامة باعتبارها مؤسسة تخدم المصالح الملكية المستبدة، إلا أنه سرعان ما اقتنع رجال الثورة بأن هذا الجهاز بإمكانه أن يخدم العدالة بشكل أفضل مما كان عليه من قبل، وهكذا أصدر المشرع اختصاصات النيابة العامة في المادة الجنائية على وجه الخصوص وتم إحداث وظيفة المدعي العام الذي كان يقوم بمهمة الإدعاء العام أمام محاكم الثورة [2] وجعلته غير قابل للعزل.
وقد عرف مرسوم قانون مؤرخ في 16 غشت 1790 في فصله الأول النيابة العامة أو الادعاء العام بأنها "جهاز يتكون من أعضاء ينتمون إلى السلطة التنفيذية يعملون بجانب المحاكم"
ولم يغير الإصلاح القضائي الفرنسي الصادر في 22/18/1958 بصفة جذرية هيئة النيابة العامة بل عمل على دمج بعض النصوص السابقة بهذا القانون لإعطاء الضمانات التي يستحقها قضاة النيابة العامة الملائمة لطبيعتها و اختصاصاتها [3].
أما بالنسبة للمغرب فإن التطور التاريخي للنيابة العامة مقترن، إن لم نقل رهين بالتطور التاريخي لقانون المسطرة الجنائية، وذلك على اعتبار أنه هو الذي يحدد حدود اختصاصات جهاز النيابة العامة وتنظيمه وتحديد أطره المخول لها قانونيا ممارسة المهام المنوطة به. و من هذا المنطلق يمكن رصد التطور التاريخي لهذا الجهاز عبر ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل الحماية، مرحلة الحماية ومرحلة ما بعد الاستقلال.
ففي المرحلة الأولى وعلى اعتبار أن المغرب دولة إسلامية تخضع للمذهب المالكي مثله مثلا سائر الدول الإسلامية خاضعا من الناحية القضائية إلى تطبيق معالم الشريعة الإسلامية.
وجهاز النيابة في هذه الحقبة لم يكن معروفا على شكله المعاصر، وهناك من ذهب للقول بأن هذا الجهاز كان منعدما بصفة مطلقة في هذه المرحلة في تاريخ المغرب إلا أن الأستاذ رياضي عبد الغاني عارض هذا القول على اعتبار أن هذا الجهاز كان موجودا وأن الفرق الوحيد في مقارنته مع وضع جهاز النيابة المعاصر يتجلى في أنه لم يكن جهازا مستقلا له وضع قانوني خاص وأسس قانونية ثابتة المعالم حيث كانت مهمة هذا الجهاز منحصرة في مهام القاضي مصدر الحكم، ودليله في ذلك أنه بالرجوع إلى بعض القضايا التي كان القضاة المسلمون يبثون فيها لا تخرج عن نطاق اعتبارها من مهام النيابة العامة في وقتنا المعاصر، كمهنة قطع الخصام والتشاجر إما بالإجبار أو بالصلح واستنفاد الحق اما بإقرا أو بينة، والنظر في المصالح العامة بما فيها كف الادى عن الطرقات العامة.
إلا أن التشريع المغربي لم يعرف نظام النيابة العامة كمؤسسة قائمة الذات إلا عندما احتك بأوربا عن طريق فرض الحماية على المغرب، فهذا النظام- أي نظام النيابة العامة- يعد من ضمن التراث القانوني الذي حملته فرنسا باعتبارها دولة حامية للمغرب ابتداءا من معاهدة فاس المبرمة في 30 مارس 1912.
لقد كان القضاء الأهلي في هذه المرحلة والممثل في القضاء الشرعي والقضاء ال مخزني والقضاء العرفي، وكذا القضاء العبري، يخضع للرقابة المباشرة إما لمندوب الحكومة le commissaire du gouvernement وإما للمراقب المدني le contrôleur civil حيث كان هذان الجهازان يلعبان دورا يقترب أحيانا من دور النيابة العامة، أما بخصوص القضاء الفرنسي في المغرب فقد كانت النيابة العامة ممثلة فيه على مستوى جميع درجاته بالشكل السائر أمام قضاء الدولة الحامية نفسه، ونقصد هنا محاكم الصلح والمحاكم الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالرباط.
والمشرع المغربي حافظ على النيابة العامة داخل محاكمة بعد الاستقلال [4] كما عمل على إحداث جهاز النيابة العامة بالمجلس الأعلى عندما تم تأسيسه بظهير 27 شتنبر 1957، وهو ما تم تكريسه في التنظيم القضائي المغربي الصادر في 15 يوليوز 1974.
2 - تعريف النيابة العامة:
يطلق مصطلح النيابة العامة في النظام ال قضائي المغربي على فئة من رجال القضاء يوحدهم جميعا السلك القضائي ويشملهم النظام الأساسي لرجال القضاء، ويقوم بمهام النيابة العامة قضاة بمختلف درجات المحاكم، وقد عرف المشرع المصري في المواد1و 2 و 3 من قانون العقوبات النيابة العامة بأنها شعبة من شعب السلطة القضائية تنوب عن المجتمع وتمثل مصالحه العامة وتسعى لتحقيق موجبات القانون.
وتعتبر النيابة العامة جهازا مخول له قانونا تمثيل المجتمع والدفع عن مصالحه ودرء الضرر الذي قد يلحقه باعتبارها ممثلة للحق العام، تمثل طرفا إيجابيا أصيلا في الدعوى العمومية يملك صلاحية تحريكها وممارستها، ومراقبة سيرها إلى غاية صدور الحكم تم السهر على تنفيذه بعد صيرورته نهائيا مع إمكانية تسخير القوة العمومية إذا اقتضى الأمر.
واعتبار النيابة العامة هيئة قضائية وممثلة للجهاز التنفيذي، يجعلها تمتاز بعدة خصائص من بينها خضوع المرؤوسين لأوامر وتعليمات رؤسائهم المتسلسلين وطاعتهم، وعدم تحمل مسؤوليتهم بأداء تعويض للمتهم في حالة صدور حكم أو قرار يبرؤه بخصوص الأفعال المنسوبة إليه. كما أكد المشرع المغربي على عدم إمكانية تجريح أعضاء النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في الدعوى وخصما والخصم غير قابل للتجريح. كما منحها صفة الاستقلالية عن كل من قضاء التحقيق وقضاء الحكم والمطالب بالحق المدني بحكم وظيفتها، إضافة إلى حق النيابة العامة بتغيير مواقفها وتدارك أخطائها واعتبارها وحدة غير قابلة للتجزئة.
النقطة الثانية: صلاحيات النيابة العامة
إذا كان المشرع المغربي قد حافظ على الأدوار التقليدية لجهاز النيابة العامة ودعمها، فإنه خلق بالاضافة إلى ذلك صلاحيات جديدة، أنيطت بهذا الجهاز بمقتضى قانون 01-22، كان الهدف من وراءها تحقيق الاستقرار الاجتماعي والحد من أثر الجريمة بالنسبة لضحايا الأعمال الجرمية والاسراع بالمحاكمة واختزال الجهود البشرية والمادية في بعض القضايا البسيطة. فقد حاول المشرع اجنائي توسيع دور ومهام النيابة العامة من خلال منحها العديد من الصلاحيات والتي ستتم دراستها فيما يلي:
1- السند القابل للتنفيذ في المخالفات
إذا كانت فصول قانون المسطرة الجنائية الملغى (من 357 إلى 365) أوكلت صلاحية إصدار السند القابل للتنفيذ لقضاة الحكم ولم يكن دور جهاز النيابة العامة يتعدى تقديم ملتمس إلى المحكمة بإصدار الأمر القضائي بشأن المخالفات الضبطية. فإنه بصدور قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003 بمقتضى قانون رقم 01-22 ومن أجل تفادي إهدار الطاقة البشرية وتبديد إمكانيات مادية هائلة والتخفيف من حدة الملفات المعروضة على المحاكم، أصبحت معه النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص بإصدار السند القابل للتنفيذ.
وتعتبر مسطرة السند القابل للتنفيذ في المخالفات مسطرة اختيارية حيث يمكن سلوكها من عدمه.وفي حالة اللجوء إلى هذه التقنية، لا بد من توافر شروط معينة بنص المادة 375 من ق.م.ج حيث يجوز للنيابة العامة في حالة ارتكاب مخالفة معاقب عل يها بغرامة مالية فقط مثبتة بمحضر أو تقرير ومع عدم وجود متضرر أو ضحية إصدار سند قابل للتنفيذ يقضي بأداء غرامة جزافية لا تتعدى نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا، مع ضرورة تضمين هذا السند مجموعة من البيانات نصت عليها المادة 376 من ق.م.ج.
إلا أنه يثار التساؤل حول مدى إمكانية تضمين هذا السند المصاريف القضائية خاصة وأن الفصل 357 من ق.م.ج الملغى نص صراحة على وجوب تضمينها بالأمر القضائي في المخالفات الضبطية، بهذا الخصوص وأمام سكوت المشرع المغربي ولما كان السند القابل للتنفيذ لا يعد حكما ولا قرارا ولا أمرا قضائيا، فإنه لا يمكن الاعتماد على مقتضيات المادة 367 من ق.م.ج للقول بضرورة تضمين السند للمصاريف القضائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هدف المشرع المغربي من وراء إعفاء مرتكب المخالفة من تلك المصاريف تشجيعه على قبول الصلح المقترح [5].
وبمجرد توصل مرتكب المخالفة برسالة الإشعار الموجهة إليه، يتأرجح موقفه بين موقف قابل لمقترح النيابة العامة وموقف رافض له مع اختلاف الآثار المترتبة عنهما [6].
وقد يثار الإشكال في حالة ظهور متضرر بعد أن يصبح السند التنفيذي نهائيا، فهل يمكنه المطالبة بالتعويض؟ إذا كان من غير الممكن اعتبار السند التنفيذي ذو طبيعة قضائية، فإنه لا يمكن اعتماده كحجة أمام القضاء المدني مما لا يسمح للمتضرر سوى امكانية الرجوع إلى القواعد العامة للاثبات في المادة المدنية. [7]
2 - السدد بين الخصوم
محاولة منه لإيجاد آلية بديلة للمتابعة، استحدث المشرع المغربي مسطرة الصلح، حيث عهد جهاز النيابة العامة صلاحية إجراء صلح بين الخصوم من أجل ضمان وصول الحقوق إلى أصحابها بشكل سريع ودون الخوض في الخصومة الجنائية التي قد تطول وتتعقد، وإنهاء المنازعة التي قد تثقل كاهل المحكمة.
وإذا كان المشرع المغربي قد نظم مسطرة الصلح في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003، فإن هناك العديد من التشريعات المقارنة التي سبقت المشرع المغربي في الأخذ بهذه المسطرة، فالمشرع المصري بمقتضى التعديل الذي أدخل على قانون الإجراءات الجزائية لـ 1998، تبنى مسطرة الصلح في الجنح والمخالفات المعاقب عل يها بالغرامة فقط [8]. أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد تبنى هذه الآلية بموجب القانون رقم 99.515 الصادر في 23 يونيو 1999 في الفقرة 5 من المادة 41 من ق.م.ج الفرنسي [9]. لقد اعتبر المشرع المغربي مسطرة الصلح ذات طبيعة اختيارية، لكون الفصل المذكور (م 41 من ق.م.ج) لم يلزم الأطراف بسلوكها ولم يجعل الدعوى العمومية معينة إذا لم تسبقها مسطرة السدد [10]. كما اعتبرها القانون مسطرة تلقائية [11] من جهة، ومبنية على طلب [12] من جهة أخرى، إضافة إلى كون ممارستها تقوم على إجراءين [13] أولا أمام جهاز النيابة العامة باعتبارها الجهة التي تقوم بتجهيز الملف قبل عرضه على رئيس المحكمة من جهة ثانية.
3 - رد الأشياء المحجوزة
نصت المادة 40 من ق.م.ج على أنه يجوز لوكيل الملك في حالة عدم وجود منازعة جدية أن يأمر برد الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها ما لم تكن ضرورية لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة.
وهذا الاختصاص أو الإمكانية أتيحت للنيابة العامة من أجل تحسين مردودية العدالة الجنائية على اعتبار أن الأشياء المحجوزة ليست محل نزاع بشأن ملكيتها، إضافة إلى الصعوبات التي تثيرها حراستها والمحافظة عليها من التلف.
وما يلاحظ بخصوص هذا الإجراء هو اقتصار المشرع في المادة 40 من ق.م.ج على المنازعة لكي تأمر النيابة العامة بالرد، وهو تعبير عام ومطلق. كما استعمل المشرع عبارة "ما لم تكن لازمة لسير الدعوى" هذه العبارة تفيد منح السلطة التقديرية النيابة العامة في إمكانية رد الأشياء المحجوزة من عدمها.
وما قيل عن المادة 40 من ق.م.ج يقال عن المادة 49 من نفس القانون والذي يمنح هذه الإمكانية للوكيل العام للملك.
ويبقى الهدف من منح جهاز النيابة العامة هذه الصلاحية تمكين ذوي الحقوق من أن يتسلموا فورا ممتلكاتهم المنقولة التي سلبت منهم من جراء فعل جرمي كالسرقة أو خيانة الأمانة وتجنب حرمانهم منها بسبب تلفها أو تضررها بمستودعات المحاكم في انتظار صدور حكم نهائي.
4 - إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه:
منح قانون المسطرة الجنائية سلطة إضافية لجهاز النيابة العامة لم تكن تتمتع بها في ظل القانون القديم، حيث أصبح بإمكانها الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بمقتضى المادتين 40 و49 من ق.م.ج.
فكلما تعلق الأمر بانتزاع حيازة بفعل اعتداء جرمي ثم بعد تنفيذ حكم باسترداد هذه الحيازة، جاز للنيابة العامة إرجاع الحيازة إلى الأشخاص الذين كانت لديهم بمقتضى حكم قضائي.
ويهدف هذا الإجراء إلى الحد من استمرار قيام أثر الجريمة في انتظار صدور حكم نهائي، وبديهي أن يحرص المشرع على مراقبة القضاء لهذا الإجراء والذي يبقى له أن يقره أو يلغيه أو يعدله حماية لمشروعية وقانونية هذا الإجراء، والذي يبقى في الغالب الأعم إجراء يخدم مصلحة المعني بالأمر خاصة والمصلحة العامة إجمالا.
-5- إيقاف سير الدعوى
يعد إجراء وقف سير الدعوى من طرف النيابة العامة من التقنيات الجديدة التي تنصب في الاتجاه الإنساني الرامي إلى الحفاظ على العلاقات الاجتماعية. على اعتبار أن بعض النزاعات التي تقع بين الأفراد ويتم عرضها على المحاكم خاصة عندما تكتسي طابعا عائليا، يكون من شأن السير فيها أن يؤثر على الروابط العائلية والعلاقات الانسانية القائمة بين طرفي النزاع وقد أحسن المشرع صنعا حينما أحدث هذه الآلية الجديدة بنصه عليها في المادة 372، والتي بمقتضاها يمكن للنيابة العامة في حالة وقوع تنازل أو صلح أثناء سريان الدعوى أو إذا اقتضت المصلحة ذلك أن تتقدم بملتمس إلى المحكمة من أجل إيقاف سير الدعوى مع إمكانية مواصلة النظر في الدعوى نفسها بطلب من النيابة العامة أيضا، ما لم تكن الدعوى قد انقضت بأحد أسباب السقوط [14] كالتقادم وغيره، فمتى عاود أطراف الدعوى نفس الأفعال أمكن للنيابة العامة استئناف النظر من جديد في الدعوى الجنائية.
ومن الواضح أن هدف المشرع من وضعه لهذه الآلية الجديدة هو الحفاظ على الروابط الاجتماعية ووضع حد لتكاثر الخلافات الاجتماعية والعائلية منها بالأساس.
6 - التقاط المكالمات الهاتفية بوسائل الاتصال عن بعد
يعد هدا الإجراء من بين المهام التي أسندت لجهاز النيابة العامة في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديدة.
فبعدما كانت هذه الامكانية حكرا على قاضي التحقيق والذي كان يأمر بها كلما اقتضت ضرورة التحقيق ذلك أصبح بإمكان الوكيل العام للملك كذلك أن يلتمس من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإذن له كتابة بالتقاط المكالمات وكافة الاتصالات المرسلة بواسطة وسائل الاتصال المختلفة وتسجيلها.
ونظرا لخطورة وحساسية هذا الإجراء فإنه يتم في حالة الأمر به من طرف النيابة العامة تحت سلطة ورقابة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ولنفس السبب أعلاه، فإن القانون يعتبره إجراء استثنائيا ووضعه أساسا بيد قاضي التحقيق متى كانت القضية معروضة عليه واستثناءا للوكيل العام للملك إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك في بعض الجرائم شديدة الخطورة على أمن المواطن وسلامة الوطن.
وقد حدد قانون المسطرة الجنائية مدة وشكليات هذا الاجراء بكل دقة وأحاطه بقيود صارمة تكفل حماية وحرمة الأشخاص وفرض عقوبات على مخالفتها وذلك في المواد 108/ إلى 116 من ق.م.ج [15].
وبالرغم من الشروط والقيود التي أحاط بها المشرع هذا الإجراء وخاصة في حالة الأمر به من طرف النيابة العا مة، فإن هذا الدور الجديد المنوط بها جعلها في موقف مهزوز نوعا ما، نظرا لمساس هذا الإجراء بحقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية وهو ما سيؤثر بشكل أو بآخر على سلطة النيابة العامة من سلطة تهدف إصلاح المجتمع وتهذيبه إلى سلطة ارتكاب جرائم بدعوى الحفاظ على أمن المجتمع لأن التجسس على الحياة الخاصة يعد جريمة في نظر القانون.
ونشير إلى أن هذا الإجراء أثار العديد من النقاشات والتساؤلات حول مدى دستورية التقاط المكالمات الهاتفية.
وبهذا الخصوص نشاطر رأي الأستاذ عبد الحق الذهبي حيث كان على المشرع أن يقنن هذا الإجراء تقنينا دقيقا ويحصره في بعض الجرائم وخلال فترة زمنية ولأسباب حقيق ية وأن يقيد النيابة العامة إضافة إلى طلب الاذن من الرئيس الاول بتعليل موقفها تعليلا دقيقا وكافيا.
7 - سحب جواز السفر وإغلاق الحدود
إضافة إلى الامكانية المتاحة لهيئة الحكم وهيئة التحقيق أصبح بإمكان النيابة العامة كذلك أن تسحب جواز سفر المشتبه فيه وتغلق الحدود في وجهه.
وهذين الاجرائين يأمر بهما وكيل الملك (المادة 40 من ق.م.ج) والوكي ل العام للملك المادة 49 من ق.م.ج بحسب الأحوال فكلما اقتضت ضرورة البحث التمهيدي جاز للنيابة العامة الأمر بهذين الاجرائين وذلك لمدة لا تتجاوز شهر واحد. مع إمكانية تمديده لغاية انتهاء البحث إذا كان المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمامه طبقا لمقتضيات المادتين 40 و 49 من ق.م. ومسألة ما إذا كان المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمام إجراءات البحث ترجع لتقدير النيابة العامة. مما يعني السلطة المطلقة في تحديد آجال الشهر الواحد.
وعلى اعتبار أن الأمر هنا يمس حق من الحقوق التي يضمنها الدستور والمتمثل في حق التجول المنصوص عليه في الفصل 12 من الدستور، فإن النيابة العامة تكون مطالبة بالحرص على التطبيق السليم لإجرائي إغلاق الحدود وسحب جواز السفر، وعدم الأمر بهما إلا في الحالات التي يتطلب فيها ذلك البحث التمهيدي، وبالرغم من كون القانون يجعل الإجرائيين متلازمين فإن ذلك لا يعني توقف أحدهما على إنجاز الآخر، فإذ ا تعذر الأمر بإحداهما لا يحول دون الأمر بالآخر. مع العلم ومن الناحية العملية أن تدبير إغلاق الحدود أكثر جدوى من سحب جواز السفر [16]
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء يتيح للأجهزة المكلفة بمكافحة الجريمة فرصة كافية للبحث في الجرائم وجمع الأدلة، وهذا الإجراء يعتبر ناجعا في معظم أحواله بالنسبة للمشتبه فيه، إذ يمكنه من وقت أوسع للبحث عن وسائل الدفاع ويعد في الوقت نفسه إجراء كفيلا بضمان حضور المتهم من غير اللجوء إلى وضعه تحت الحراسة النظرية [17].
8- إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض
أعطى المشرع الجنائي من خلال قانون المسطرة الجنائية (01-22) الحق للنيابة العامة في إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لتطبيق مسطرة تسليم المجرمين، فقد كانت هذه النقطة تشكل عائقا أمام النيابة العامة يحول دون أدائها لدورها كاملا في محاربة الجريمة في حالة ما إذا غادر مرتكبوها التراب الوطني- حيث كان يظهر ذلك جليا في القضايا الجنحية والتي لا يمكن عرضها على قاضي التحقيق لإصدار مثل هذا الأمر فإن الجناة والمشتبه فيهم يظلون بمنأى عن يد القضاء المغربي بسبب عدم إمكانية نشر الأوامر بإلقاء القبض التي تصدرها النيابة العامة في حقهم على الصعيد الدولي نظرا لعدم وجود نص صريح يمنحها حق إصدار هذه الأوامر [18].
إلا أن الأمر تغير بدخول قانون 01-22 حيز التنفيذ حيث تم التنصيص في الفقرة الثالثة من المادة 40 من ق.م.ج أنه " يحق لوكي ل الملك لضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين، إصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض"
وهذا الإجراء الذي تضمنه قانون المسطرة الجنائية من شأنه مواجهة أنواع عدة من الجرائم باعتبار مسطرة تسليم المجرمين تدخل ضمن التعاون القضائي مع الدول الأجنبية، في وقت انتشرت فيه الجريمة المنظمة والجرائم التي تتجاوز الحدود وتعدد مرتكيبيها واختلاف جنسيتهم.
و في حالة إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لا بد من تقدير دواعي الأمر بهذا الإجراء من حيث مدى توفر الدلائل الكافية للاتهام، وحالة المتهم وجنسه وسنه ومركزه الاجتماعي، وكذا خطورة الجريمة المسندة إله [19]
خاتمة:
إذا كان المشرع المغربي قد أحسن فعلا بخلق صلاحيات جديدة من أجل أهداف جديدة أنيطت بجهاز النيابة العامة حيث وسع من مهامها، فإن التجديد الذي جاء به المشرع الجنائي لا يخلو من بعض السلبيات فبالرغم من كون هذه الصلاحيات جاءت م قيدة بشروط إلا أن هذا التقييد يبقى نسبيا على اعتبار أنه منح لممثل النيابة العامة السلطة التقديرية في معظم الإمكانيات الجديدة المرخص لها بممارستها، ومن ذلك مبدأ ملاءمة المتابعة، وإيراده التي تفيد في مطلق أحوالها إعطاء السلطة التقديرية للنيابة العامة في اتخاذ هذا الإجراء من عدمه، وهو ما يعود سلبا على المعني بالإجراء سواء كان مشتبه فيه أن ضحية.
ونأمل أن ينتبه المشرع الجنائي إلى الخطورة التي تمثلها الصلاحيات المطلقة للنيابة العامة على حساب الأفراد، وأن يحدو حدو المشرع الفرنسي في التحديد الدقيق لمهام النيابة العامة وتقييد صلاحيتها.
[1] - محمد آحذاف، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، ج الأول، طبعة 2005، ص107.
[2] - ذ. الغزواني نور الدين، تدخل النيابة العامة في الدعوى المدنية، أطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا بجامعة محمد الخامس الرباط، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، 1955، ص 20-21.
[3] - عبد الحق مقال بعنوان الأدوار والمهام الجديدة المسندة للنيابية العامة في ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديدة موقع الأنترنت www org/debat/show.art.
[4] - ذ. عبد الحق ذهبي، مرجع سابق.
[5] - الحسن بويقين، السند التنفيذي والأمر القضائي في المخالفات، مجلة القسطاس، عدد 4، 205، ص 12.
[6] - المادة 379 وما يليها.
[7] - الحسن بويقين، م.س، ص 23.
[8] - دراسة للمادة 41 من ق.م.ج، جريدة الأحداث المغربية، السبت 26 يونيو 2008.
[9] - المادة 41 من ق.م.ج المغربي خرجت من رحم المادة 41 من ق.م.ج الفرنسي لا من حيث الطابع الاختياري لمسطرة الصلح وسلطة النيابة العامة بشأنها أو مصادقة المحكمة في النهاية على مقرر الصلح. دراسة للمادة 41 من ق.م.ج. س.
[10] - رشيد مشفاقة، دليل النيابة العامة في مسطرة الصلح الزجري، الطبعة 1، 2004، ص: 17.
[11] - بناء على اقتراح من وكيل الملك أو ممثله (الفقرة 6 من المادة 41 من ق.م.ج).
[12] - بناء على طلب المتضرر أو المشتكى به .
[13] - حميد ميمون، المتابعة الزجرية وإشكالاتها العملية، 2005، ص: 120.
[14] - قانون المسطرة الجنائية، م.س.
[15] - قانون المسطرة الجنائية.م.س.
[16] - شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول، منشورات وزارة العدل، 6 أبريل 2006، ص 188.
[17] - قانون المسطرة الجنائية، 01-22 تقديم الأستاذ المرحوم محمد بوزبع، ص 21.
[18] - قانون المسطرة المدنية، م.س.
[19] - عبد الحق الذهبي، م.س.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire