الحس الأمني لضباط الأمـن


الحسّ الأمني هو استشعار الأخطار ومصادرها والتصدي لها
الإخفاق في التوصل إلى نتائج ايجابية في التحقيقات يعزى لانعدام أو ضعف الحسّ الأمني
الحسّ الأمني عامل مساعد على أداء الواجبات في ظل المخاطر الأمنية



" الحس الأمني لضباط الأمــن "
إعداد المستشار القانوني
 الدكتور مالك هاني خريسات

مقــدمــة:-

لقد عني الإسلام بتنمية الحس الأمني لدى الفرد المسلم وجعله مسؤولاً عن أمن بلده كما هو مسؤول عن أمن نفسه وأسرته وكل ما يخصه ولذلك فقد خاطب الإسلام المسلم ليعمق لديه الشعور بالمسؤولية سواءً المسؤولية الفردية أو الجماعية كما في قوله تعالى " ولا تقفُ ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" (1). 

     وعليه فإن هناك العديد من الوسائل التي تسهم في توقع ارتكاب الجريمة والتنبؤ بزيادة معدلاتها والتعرف على مقترفيها في الوقت الذي يحاول المجرمون فيه توظيف الإمكانات المادية والتقنيات العلمية ومنجزات العلم ومخترعاته في سبيل ارتكاب جرائمهم، والإفلات من قبضة العدالة. ولئن كان توفر الحس الأمني في رجال الأمن ضرورة بالغة الأهمية، فإنه من الأهمية كذلك توفره عند كل مواطن ولا سيما وأن مسؤولية الحفاظ على الأمن لا تقتصر فقط على العاملين في الأجهزة الأمنية، بل على جميع فئات وأفراد المجتمع باعتبار الأمن مسؤولية الجميع.

    ولهذا فإن سبب اختياري لهذا الموضوع لأنه يتصل تمام الاتصال في ميدان عملي بحيث أستطيع أن أضع الخطوط العريضة بـدقـة ضمن النظرة الشمولية للعمل الشرطي ورسالته الأمنية.

     ولرسم صورة واضحة حول هذه الدراسة، فقد ارتأيـت تقسيم البحث إلى فصلين الفصل الأول : ماهيّة الحس الأمني
الفصل الثاني : القيادة الأمنية وعلاقتها بمهارة الحس الأمني لضباط الأمن.




مشكلة البحث: تتمثل مشكلة البحث في أنها تتناول الحس الأمني الذي لـم ينل نصيبه الكافي من الدراسة والتحليل، وتسعى هذه الدراسة إلى إبراز أهميته للمجتمع بأسره ولرجال الأمن عموماً ولضباط الأمن على وجه الخصوص ، كونه من الوسائل الهامة التي تساعدهم على أداء واجباتهم في ظل المخاطر الأمنية التي تتسم بالغموض، والتعقيد، وكذلك الازدياد الملحوظ للجرائم على مستوى العالم أجمع.

أهمية البحث : تأتي هذه الدراسة في إطار السعي إلى تطوير قدرات ضباط الأمن لمواجهة التحديات المتنامية التي يقومون بمواجهتها في مختلف المجالات، وعليه فإن السبب الرئيسي في إخفاق بعض الضباط في التوصل إلى نتائج إيجابية في القضايا التي يحققون فيها هو انعدام أو ضعف الحس الأمني لديهم . وفي مقابل ذلك نجد أن بعض الضباط عندما تسند إليهم قضية معقده قد يكون مضى عليها عدة سنوات، وتعاقب عليها أكثر من محقق، وقد فشلوا في التوصل إلى نتائج إيجابية بشأنها، نجد أن هناك ضابطاً ينجح في الوصول إلى نتائج مرضية ويعود السبب في هذا النجاح أو الفشل إلى مدى استخدام مهارة الحس الأمني لدى الضابط.

أهـداف البحث :-
1.    التعرف على أهمية الحس الأمني لدى ضابط الأمن.
2.    التعرف على أي اختلاف في أهمية الحس الأمني لضابط الأمن باختلاف الرتبة، والمستوى التعليمي، وعدد الدورات، وجهة العمل.
3.    التعرف على عوامل بناء الحس الأمني لدى ضابط الأمن.
4.    التعرف على وسائل تنمية الحس الأمني لدى ضباط الأمن.

تساؤلات البحث :-
1.    ما أهمية الحس الأمني  لدى ضابط الأمن؟!
2.    هل تختلف أهمية الحس الأمني  لضابط الأمن باختلاف الرتبة ، المستوى التعليمي، عدد الدورات، وجهة العمل؟!
3.    ما عوامل بناء الحس الأمني لدى ضابط الأمن؟!
4.    ما وسائل تنمية الحس الأمني لدى ضابط الأمن؟!
الفصـل الأول :- مـاهيّـة الحـس الأمنـي :-

المبحث الأول :- تعــريف الحس الأمنـي

الحس في اللغـة

الحس لغة:- تحسس الخبر أي تطلب معرفته، قال تعالى " ياَ بنيَّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه …"(2) وتحسست من الشئ أي تخبرت خبره، قال تعالى " فلما أحس عيسى منهم الكفر"(3)  والحس : الإدراك بأحد الحواس الخمس، وفعل تؤديه إحدى الحواس، والصوت الخفي، وما تسمعه قريباً منك ولا تراه.

 ويرتبط الحس الأمني بعدة مصطلحات أهمها : ( الإحساس، الانتباه، الإدراك) وعرف الهنداوي والزغلول الإحساس بأنه :" عمليه الوعي والشعور بوجود المثيرات، والذي يتمثل بالاستجابة الفورية للإثارة القادمة من الجهاز الحسي وتحويلها إلى نبضات كهرو عصبية بحيث تشكل تصورات" (4).

  وكذلك عرفا الإدراك بأنه :" عملية فهم المثيرات من خلال تفسيرها وإعطائها المعاني الخاصة بها وتنظيمها في تمثيلات عقلية معينة، فالإدراك عملية معرفية منظمة تمكن الأفراد من فهم العالم الخارجي المحيط  بهم والتكيف معه من خلال اختبار الأنماط السلوكية المناسبة".

الحـس الأمنـي اصطلاحاً :-

يعرف الحس الأمني اصطلاحاً بتعاريف عدة من أهمها " أنـه ذلك الشعور أو الإحساس المتولد داخل النفس، والمعتمد على أسباب أو عوامل موضوعية تؤدي إلى توقع الجريمة بقصد منعها أو إلى ضبط مرتكبيها بقصد العقاب عليها" (5) وقيل أنـه: " التحسس والشعور بكل شيء يخل بالأمن، أو يدعو إلى الخوف" (6) .




كما عرفه السعيد  بأنه:" صفة خاصة من صفات الشخصية التي تمكن من يمتلكها التعرف على الأشياء وإدراكها والتمييز بينها، ومن ثـم تفسيرها تفسيراً صحيحاً، والتوقيع الصادق لكل الاحتمالات كما تمكنه من أن يستشعر الأخطار ويعرف مصادرها وبالتالي يستطيع القضاء عليها قبل وقوعها أو مواجهتها بفاعلية فور وقوعها "(7).

   ومن هنا يمكن القول أن الحس الأمني هو مهارة من المهارات التي تنطلق من الإحساس بالمسئوليّة والخبرة نحو استشعار مظاهر معينة يكون من شأنها الإخلال بالأمن بمفهومه الشامل.

   ومن التعاريف السابقة يتضح أن الحس الأمني يعتمد على نوعين من العناصر هما كما يلي:-

‌أ.    العناصر  ذات الطبيعة الوجدانية أو الحسية الذاتية :-

     وتتمثل في اتجاه الحس الداخلي أو الشعور الوجداني نحو أمر ما يجعل صاحبه يسلم بوجوده، أو يكون لديه إِحتمال قوي لوجوده، وتعتمد تلك العناصر الوجدانية أو الذاتية على مجموعة من الملكات الخاصة التي تتوفر غالباً في الإنسان بحكم خلقته، ولذلك يكون هناك اختلاف بين الأشخاص بحسب ما يتمتعون به من ملكات فطرية أو مكتسبة )(8) .

وعليه فإن العناصر الذاتية يمكن أن تتحقق بعدة وسائل ، أهمها ما يلي:-
1.    الاستشعار بأمر غير طبيعي:-
ويقصد به ذلك الإحساس الداخلي غير المحدد بسبب معروف، والذي يجعل ضابط الأمن يتوقف بادراك داخلي نحو شيء أو إنسان، يقصد بأن وراءه أمر غير عادي، أو حدث غير مشروع يفرض عليه ضرورة الحذر منه، أو التركيز عليه، إما لمنع تفجر خطره، أو لضبط حالته (9) ومثال ذلك من يمر بآخر فيدرك بإحساسه الداخلي أن وراءه آمراً غير مشروع، نتيجة لاضطرابه أو التردد في حركته.

2.     التوجس من أمـر خطـر:-

   ويقصد به الحالة التي تجعل بالإمكان التحقق من الخطر من مصدر ما رغم خلوه من مظاهر وجود ذلك الخطر الحقيقي، مما يجعله يحتاط بطريقة لا شعورية من ذلك المصدر.




3.    التشكك في أمـر مريـب :-

ويقصد به تلك الحالة التي تتساوى فيها عوامل العلم أو المعرفة مع عوامل الجهل في أمر ما، بشكل يجعل ضابط الأمن مرتاباً فيه، لا يدري ما إذا كان يتركه دون احتياط له، أو يتعامل معه بتحوط وحذر كامل.

4.     الالتفات لأمـر غير طبيعي:-
ويقصد به ما يلفت انتباه ضابط الأمن بعد وقوع بصره أو سمعه عليه بصورة عابرة، مما يحتم عليه التركيز بطريقة شعورية واعية.
مثال على ذلك: مشاهدة شخص في الصيف يلبس ملابس شتوية لا تتناسب مع حالة الجو، مما يجعل ضابط الأمن يلتفت بحسه الأمني لهذا الشخص لظهوره بمظهر غير طبيعي ، يدعو إلى ضرورة التوقف أمام حالته للتركيز عليه.

‌ب.    العناصر ذات الطبيعة الموضوعية أو العقلانيـة :-
وهي العناصر التي يعتمد عليها الحس الأمني بعد توافر تلك الومضة الداخلية والتي تجعل منه إحساساً عقلياً، يعتمد على ضوابط موضوعية ، أو مظاهر مادية تباعد بينه وبين أيـة عاطفة أو إحساس تحكمي، وتمثل العناصر الموضوعية ضمانات تحول دون تعسف ضابط الأمن في الاعتماد على الحس الأمني.

 وهذه العناصر يمكن أن تتحقق بعدة وسائل من أهمها ما يأتي :-

1.    الملاحظة : ويقصد بها المجهود الذهني العارض والدقيق، الذي يؤدي إلى رصد حركة شخص أو تحديد ما هيـّة شيء بشكل يكشف مصدر الخطورة بهدف منع وقوعها، أو الحيلولة دون استفحالها.
     مثل : ملاحظة ضابط الأمن لحالة الارتباك على ملامح شخص لمجرد رؤيته له.

2.    المراقـبة : ويقصد بها النشاط الذهني المقصود والمتكرر والدقيق الذي يؤدي لرصد حركة شخص، أو تحديد ما هيّـة شيء بشكل يكشف مصدر الخطورة.

 ويتضح الفارق بين الملاحظة والمراقبة المتمثل في تعمد النشاط الذهني في رصد المظاهر الخارجية في المراقبة وعدم تعمده في الملاحظة ، وكذلك تكرار ذلك النشاط في المراقبة وحدوثه بشكل عارض في الملاحظة.


3.     المدارسـة : ويقصد بها عملية التأمل الذهني لربط العناصر أو الأحداث بعضها ببعض للتعرف على ما بينها من علامات تسهم في منع الجريمة، وفي سرعة ضبط مرتكبيها.

ويرى ضياء الدين أن عدة قواعد تشكل مراحل الحس الأمني وهي (10) :-
(1)    تفهم الأحـداث.
(2)    تقويـم النتـائج.
(3)    تحديد السلبيات.
(4)    تفسير الوقـائع.
(5)    ربط الأسباب بالنتائج.
(6)    استخلاص الدروس.


4.    التحليـل : ويقصد بـه العملية العقلانية التي يقوم بها ضابط الأمن لإدراك المعطيات والعناصر المادية والمعنوية التي يرصدها من خلال قيامه بعمليات الملاحظة والمراقبة ، والاستنباط واستنتاج ما تعنيه كل منها من أمور، ومعاني، وأفكار، ودلالات، واحتمالات، ونتائج، تساهم في منع الجريمة أو ضبط مرتكبيها.


 ومما سبق يتضح أن الفارق بين المدارسة والتحليل هو فارق في الدرجة وليس في الطبيعة ، لاعتمادها على النشاط العقلاني الذي يتجه للتعامل الواعي مع أحداث وعناصر ومعطيات الرؤيّة الأمنية، ويتمثل الفارق بينهما في اعتماد المدارسة على مجرد التأمل في المعطيات والأحداث الأمنية، بينما يعتمد التحليل على التوغل داخلها.










وتجدر الإشارة إلى أن الحس الأمني يتميز بخصائص أهمها ما يأتي :-

1.    الحس الأمني عملية مزدوجـة : حيث يجمع بين العناصر ذات الطبيعة الذاتية والموضوعية في آن واحد. مما يميز الحس الأمني عن وسائل الإحساس الوجداني المجردة كالحدس والتخمين، وكذلك يميزه عن وسائل الإدراك المجردة كما التفكير والتحليل والإحصاء.
2.    الحس الأمني توقع وتنبؤ بخطر إجرامي وشيك أو مستقبلي: حيث يتميز الحس الأمني بقدرته على جعل الإنسان يتوقع العمل الإجرامي، والتنبؤ بحدوثه، ومن ثم يتخذ الإجراءات التي تكفل منع وقوعه، أو على الأقل الحيلولة دون استعجال أثاره، أو الإسراع في ضبط مرتكبيه.
3.    الحس الأمني يهدف إلى مواجهة خطر إجرامي: وذلك بمنع حدوثه أو بضبط الجناة والتقليل من ضرره بعد وقوعه. 






المبحث الثاني :- أهميـة الحـس الأمنـي

     يعد الحس الأمني من أهم الوسائل التي تمد ضابط الأمن بالمعلومات اللازمة لمنع وقوع الجريمة ابتداءً أو ضبط مرتكبيها انتهاءً . ويؤدي التخلي عنه أو التنكر لفائدته إلى حرمان العمل الأمني من أهم الوسائل المساعدة لضابط الأمن، وبالتالي الفشل في الوصول إلى المجرمين في الجرائم التي ترتكب، والتي لا ينتج عنها أدلة دامغة على الإدانة، مما يؤدي لكثرة الجرائم المقيدة ضد مجهول، والذي يؤثر بدوره على سمعة الأجهزة الأمنية وكفاءتها.

ومما تقدم تبين أن أهمية الحس الأمني تنبع من كونه يهدف إلى :-
1.    الكشف عن مصدر الخطر الجرمي قبل وقوعه، أو على الأقل ضبط مرتكبيه.
2.    الوصول إلى أدلـة تؤيـد أي إجراء يَقْدِم عليه ضابط الأمن (11). 



وحيث أن الحس الأمني هو توقع وتنبؤ بالخطر الإجرامي فإن التوقع والتنبؤ يتميز بما يلي:-

1.    التوقع والتنبؤ استشعار عام، أي أنه استشعار بوجود خطر  كامن في مصدره ، استشعار غير محدد بشكل حاسم، أي أنه يعتمد على الإحاطة الإجمالية بوجود خطر ما، دون الإلمام بتفصيلاته وأبعاده الحقيقية.
2.    مضمون التوقع والتنبؤ هو وجود خطر إجرامي ، أي ضرورة أن يكون الجاني قد بدأ خطوات جادة لإتمام جريمته.
3.    التوقع والتنبؤ عملية عقلانية الأسباب وجدانية الإحساس: وهذا ما يميز الحس الأمني عن الحدس والتخمين كونه، يركز على عناصر موضوعية وأخرى وجدانية.
4.    التوقع والتنبؤ عملية غير لازمة النتيجة، أي أن صحة التوقع لا تعني ضرورة تحقق الخطر، وإنما تعني صحة المظاهر والمعطيات الدالة عليه، ومدى اتساقها وترتيبها للنتيجة التي خلص إليها ضابط الأمن بحسه الأمني، والتنبؤ هو القدرة والاعتقاد بأن الشخص يرى المستقبل أمام عينيه.

ويمكن القول إن التوقع والتنبؤ يستند إلى الأسس الآتية:-

1.    الأساس الواقعي: أي لابد أن يكون الخطر مؤيداً بفعل أو موقف أو تصرف من قبل المشتبه فيه يؤيد نشأة التوقع بالخطر أو التنبؤ بوجوده.
2.    الأساس الفعلي: أي وجود ارتباط وثيق بين مظاهر الأساس الواقعي كمعطيات خارجية، وبين الأساس الوجداني أو الحس المتمثل في استشعار الخطر.
3.    الأساس الوجداني: هو المظهر الشخصي للحس الأمني الواجب توافره لدى ضابط الأمن.

وعليه فإن التوقع والتنبؤ يشمل ثلاثة أبعاد :-
(1)    التعرف على وجود الخطر.
(2)    تحديد مصدر الخطر.
(3)    تفهم جملته.



     وهذه الأبعاد توضح أن الحس الأمني ما هو إلا ومضةُ، أو فكرة أو تصور مضمونه استشعار الخطر، أو تحديد مصدره، وبيان درجته، أو الإجابة عن تساؤل يبحث ضابط الأمن عن إجابته دون الخوض في تفصيلات تلك الومضة أو الفكرة أو التصور أو الشعور أو الإجابة، لأن توافر تلك التفصيلات ينقل ضابط الأمن من مرحلة الحس الأمني إلى مرحلة الاتهام الأمني وبالتالي يؤدي إلى:-
1.    تحديد البدائـل.
2.    تحديد درجة المخاطرة.
3.    تحديد مؤشرات الخطر.
4.    اختيار عدة فرضيات.
5.    معرفة اتجاهات التغيير.

فعملية التنبؤ بالإضافة إلى قيمتها الفنية فإنها تساعد في تنمية التفكير والفهم للأمور، ويمكن تطوير القدرة على التنبؤ والتوقع عن طريق الآتي:-
1.    الاكتشاف : ويتم عن طريق إلغاء التصور المهيمن على الذهن والاستعاضة عنه بتصور عام مكتمل أو تصور معاكس، وذلك عن طريق التفكير في المتناقضات والتفكير في الجوانب الأخلاقية والمزاجية المؤثرة في القضية.
2.    التأكيد : وذلك عن طريق التفكير في المستقبل في إطار الأدبيات والدراسات وأية متغيرات أخرى.
3.    القياس : وذلك عن طريق التفكير في القضايا المتشابهة وغير المتشابهة.

     ولهذا فإن عمل رجل الأمن يتطلب منه أن يكون مشغولاً في كل الأوقات بموضوع الخطر المحتمل وقوعه عليه، وهذا التوقع يتطلب أن يـرى في بعض الناس مهاجـمين أو معتدين، وأن يتوقع الخطر من أقل إيجاد يعقده (12) .

  كما يهدف الحس الأمني إلى الضبط والتدليل، أي جمع الأدلة التي تؤيد أو تنفي الاتهام.




المبحث الثالث :- نشأة الحـس الأمنـي وعـوامل بنـائه:

إن الحس الأمني يمر بثلاث مراحل هي(13):-

أولاً : مرحلة الوجود الفطري : حيث توجد العناصر الوجدانية أو الحسية أو الشعوريـة
 وجوداً فطرياً في الإنسان بحكم خلقته التي خلقه البارئ عز وجل عليها، ويرى بعض علماء علم النفس بأن نشأة الإحساس تتم من خلال ثلاثة مستويات متداخلة فيما بينها ، ويكتمل الحس باكتمالها وهي كما يلي :-

(1)    المستوى الفيزيائي : وفيه لا يؤثر المنبه الحسي إلا إذا مس العضو الحساس، سواء بشكل مباشر كما في اللمس والذوق، أو غير مباشر كما في الشم والبصر والسمع، وتقتصر هذه المرحلة على تعيين أنواع المؤثرات التي تنفعل لها كل حاسة من الحواس المختلفة.

(2)    المستوى الفسيولوجي : وينقسم إلى ثلاث مراحل هي :-
‌أ.    انفعال العضو الحساس.
‌ب.    توصيل التنبه بواسطة العصب المورد.
‌ج.    الإحساس الذي يتم في المراكز العصبية.

(3)    المستوى المعاصر لانفعال المركز العصبي الحسي : وهو تحول التنبيه إلى إحساس ويمكن القول أن التنبيه الخارجي يحول الإحساس الكامن إلى إحساس فعلي واضح.

ويعتمد الإنسان في إحساسه على نوعين من الوسائل:

1.    وسائل الإدراك الحسيّه، تتمثل في الحواس الخمس من بصر وسمع ولمس وتذوق وشم.
2.    وسائل الإدراك غير الحسية، أو وسائل الإدراك خارج الحواس، وهي ما يحوزه بعض الأشخاص من ميزات غير مألوفـة.



     وقـد أكـد بعض العلماء مثل (جيمس هايسلون) في الولايـات المتحـدة الأمريكية، و(أرنستوبوزانو) في إيطاليا بعد بحوث شاقة هذه الملكات، وإن كانت حافلة ومستترة في العقل الباطن لكل منا، إلا أنها لا تعمل بطريقة منتظمة ولا تظهر إلا بصورة استثنائية وهي الحاسة التي يسميها البعض بالحاسة السادسة، والتي تعد جماع لكافة الحواس الخمس المعروفة.

ثانياً : مرحلة الظهور العـارض : وهو ما يتعلق بالظهور أثناء ممارسة السلوك اليومي بصورة تـدعو إلى الانتباه لـها والالتفات إليها (14) .

ثالثاً : مرحلة التوجيه العـامد : وتبدأ هذه المرحلة بتصرف الإنسان على توافر الحس لديه بما يمكنه من الاعتماد عليه، ومن ثم توجيه الحس بشكل مقصود للاستفادة منه. وتعتبر هذه المرحلة هي مرحلة الظهور الحقيقي للحس بصفة عامة. كونه في المرحلتين السابقتين يتميز بالكمون والخفاء ولا يمكِّن صاحبه من التعرف الواعي سواء على وجوده أو على قيمته وفائدته. (15)
 
   أما فيما يتعلق بعوامل بناء الحس الأمني لدى ضابط الأمن فتنقسم إلى ما يلي:-

(1)    العوامل الخارجية: وهي العوامل التي تساعد على بناء الحس الأمني الناتجة عن الظروف المحيطة بالعمل ، وأهمها ما يأتي:-
‌أ.    كثرة المواقف الأمنية التي يتعرض لها ضابط الأمن.
‌ب.    غموض وتنوع الأحداث التي يتعرض لها ضابط الأمن.
‌ج.    إحساس ضابط الأمن بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقة ، وضرورة الوصول إلى نتائج إيجابية.
‌د.    انفراد ضابط الأمن في مواجهة عمل إجرامي خطير.
‌ه.    ضعف وقلة الأدلة الكافية.
(2)    العوامل الذاتية : وهي العوامل التي تساعد على بناء الحس الأمني، ويكون مصدرها شخصية ضابط الأمن.
‌أ.    سلامة وسائل الإدراك المباشر مثل الحواس الخمس، وغير المباشر كالحاسة السادسة من خلال توظيف العقل.
‌ب.    الرغبة في الاعتماد على الحس الأمني، واللجوء إليه والاستفادة منه.
‌ج.    التكامل بين الحس باعتباره ميزة شعورية، والفهم والتفكير باعتباره ميزة منطقية عقلية من جانب آخر.

   وسيراً مع منطق ما تقدم فإن الممارسة العملية تعد من أهم وسائل تنمية الحس الأمني ويضاف إليها ما يلي:-

1.    طريقة التعليم والتدريب : أي الناحية العلمية النظرية التي توضح أهمية الحس الأمني في العمل الأمني.
2.    طريقة الممارسة والتوجيه : وهي المنهج العلمي الواقعي، وذلك من خلال الممارسة الفعلية لأعمال ترتكز على الحس الأمني.
3.    طريقة المشاهدة والتحليل : وتعتمد على قيام القائد الأمني بممارسة عمله اليومي بشكل يركز فيه على الحس الأمني، وقيامه بتحليل ما يقوم به لمرؤسيه.


ولكن عند ممارسته لابـد من توافر ضوابط للحس الأمني لدى ضابط الأمن، وتنقسم تلك الضوابط إلى الآتي:-

1.    الضوابط القانونية للحس الأمني : ويقصد بها مجموعة القواعد التي تحدد إطار ذلك الحس، وتوضح النطاق الذي يمكن لرجل الأمن العمل فيه، والتي غالباً ما يكون مصدرها قانون الإجراءات الجنائية والقرارات والتعليمات المنظمة للعمل الأمني ، وأهم الضوابط القانونية هي توفر الدلائل الكافية باعتبارها المظهر الدال على الخطورة الإجرامية، أو المبرر للاشتباه مما يعني أنها تعد بمثابة المحرك للحس الأمني، إلا أنه في بعض الحالات قد نجد ضابط الأمن بتوجيه من حسه الأمني الصادق والعميق يستشعر الخطورة الإجرامية دون وجود أية دلائل تشير إليها. وهذا يعد حالة خاصة تتوافر لدى بعض ضباط الأمن المتميزين في إحساسهم والنابهين في مشاعرهم والموهوبين في نظراتهم.
2.    الضوابط غير القانونية للحس الأمني : وهي مجموعة القيم والمبادئ والقواعد المستمدة من النظام القانوني العام في المجتمع والناتجة عن المصادر غير المكتوبة وكذلك الآداب العامة والعرف السائد في المجتمع

الفصل الثاني: القيادة الأمنية وعلاقتها بمهارة الحس الأمني لضابط الأمن:-

نتناول في هذا الفصل المهارات الأمنية لضابط الأمن مع الإشارة إلى الإطار النظري لمفهوم القيادة الأمنية وعلاقتها بمهارة الحسن الأمني.

المبحث الأول:-  المهارات الأمنيـة لضباط الأمــن.

يقصد بالمهارة

القدرة على أداء عمل، أو تنفيذ إجراء ، أو اتخاذ هدف باستخدام أساليب تتسم بالكفاءة والتميز، وتحقق أفضل النتائج من الموارد والإمكانات المتاحة، ومصدر هذه المهارة قد يكون الوراثـة، وقد يكون مصدرها البيئة وما توفره من تعليم وتدريب .

وقد عّرفها السلمي بأنها " القدرة على أداء عمل ما باستخدام أساليب تتسم بالكفاءة والتميز بما يحقق نتائج أعلى وأفضل مما استخدم في الأداء من موارد وإمكانات" (16).

    أما غاية المهارات الأمنية وأهدافها فتتمثل في السعي لرفع مستوى الأداء الأمني، وأهم أهداف المهارات الأمنية ما يلي:
1.    زيادة درجة الفعالية الأمنية: وذلك بالارتقاء بالأداء الأمني، والبعد عن الممارسة النمطية اليومية.
2.    تسهم المهارات الأمنية في تحقيق السبق الأمني لدى رجل الأمن ، لتفوقه بتفعيلها في حلبة الصراع الذي يخوضه مع الجريمة والمجرمين.
3.    تؤدي المهارات الأمنية الدور الأساسي في تحقيق عملية التوازن المنشود بين العلم الذي يحدد الإطار الطبيعي لكافة ما يتحصل عليه رجل الأمن من معارف، نتيجة ما يقوم بـه من دراسات ، وبين العمل والتطبيق اللذان يحددان المجال الطبيعي لظروف ممارسته اليومية لمهام عمله الأمني.
4.    تعد المهارات الأمنية من أهم الوسائل الأمنية ، القادرة على تحقيق أقصى قدر من التفوق الأمني.
5.    تساعد المهارات الأمنية لرجل الأمن في حسن القيام بدوره في توقع الجريمة، أو الأحداث الأمنية، وكذلك التنبؤ الدقيق في الوقت المناسب.

وأما سمات المهارات الأمنية وخصائصها فتتميز بعدد من السمات وأهمها :

1.    أنها قدرات ذات طبيعة مزدوجة تحتوي على نوعين من العناصر أولها:
أنها ذات طبيعة علمية موضوعية: ناتجة عن المعارف العلمية المتحصلة من دراسات رجل الأمن. وثانيها : أنها ذات طبيعة شخصية ذاتيـة: ناتجة عن المعارف العملية المتحصلة من ممارسات رجل الأمن التطبيقية.  
2.    أنها قدرات ذات طبيعة نسبية تتغير بتغير ظروف المكان والزمان وشخصية رجل الأمن، حيث يتطلب كل موقف أمني توافر قدر من المهارات التي تساعد رجل الأمن على حسن القيام بدوره، حسبما تسمح بـه ظروفه الشخصية وفقاً لقدراته الخاصة.
3.    أن المهارات الأمنية قدرات تتسم بقابليتها للتطور والارتقاء، وذلك لاعتمادها على عنصرين يتأثران دوماً بظروف الحياة بصفة عامة.
4.    أن المهارات الأمنية تتسم بقدرتها على تجسيد أهم الملامح المحددة لشخصية صاحبها، كونها إفرازاً ذاتياً للحصيلة العلمية والعملية لتلك الشخصية حيث تأتي انعكاساً لكافة معطياتها ودالة عليها ، ومعبرة عن إمكاناتها.
5.    كذلك تتسم المهارات الأمنية بكونها قدرات غير رئاسية، أي عدم ارتباطها بالمستوى الرئاسي لرجل الأمن، إلى الحد الذي يمكن معه القول باطرادها كلما ارتفع موقع رجل الأمن في السلم الإداري، ولذلك فإن تلك المهارات قد يزيد قدرها لدى رجل الأمن بدرجة أكبر بكثير عن قدرها لدى رئاسته.

وبالإضافة إلى تلك السمات فإن هنالك خصائص للمهارات الأمنية أهمها ما يلي:-

1.    إن المهارات الأمنية تعتمد في تطورها على مدى إمكان استخدامها وحسن توظيفها في مختلف المواقف الأمنية التي يواجهها رجل الأمن.
2.    أن المهارات الأمنية المتنوعة تساعد على تحقيق الأهداف الأمنية باعتبارها من أهم وسائل رجل الأمن الكفيلة بحسن الأداء.
3.    أن المهارات الأمنية ليس لها تقنين أمثل أو شكل محدد يمكن اعتباره بمثابة الإطار المحدد لتلك المهارات، ولكن لابد من وجود حد أدنى من تلك المهارات يجب توافره لدى رجل الأمن ليتمكن من القيام برسالة الأمن.
4.    إن المهارات الأمنية تعد بمثابة حصيلة دقيقة ومعبرة عن معارف رجل الأمن العلمية وانعكاساً لخبراته العملية، تتوقف فعاليتها على مدى تأثر رجل الأمن بما يدور حوله من معطيات الحياة وحسن استقباله لها وتفاعله معها.

ولكن هنالك عدة عوامل تسهم في نشوء أزمة حقيقية في مجال نشأة وتطور المهارات الأمنية، ويمكن حصر أهم تلك العوامل فيما يلي:-

1.    التهوين الأمني: ويقصد به " تلك الظاهرة التي تعتمد فيها بعض الأجهزة والكوادر الأمنية على التقليل من حجم الحدث الأمني، وإظهاره للقيادة الأمنية أو السياسية بصورة أقل من قدره الحقيقي، وذلك كنوع من الطمأنينة لها، أو لإبراز قدرة تلك الأجهزة في السيطرة على تلك الأحداث أو بهدف إبعاد أي قدر من مسؤولياتها عند ظهور تلك الأحداث أو استفحالها، ويتحقق التهوين الأمني إما بصورة عمدية لأي من الأسباب السابق الإشارة إليها، وإما بصورة غير عمدية، نتيجة القصور في جمع المعلومات الصحيحة والدقيقة عن الحدث الأمني، بشكل يقود إلى الاعتقاد المضلل ، وإظهاره بصورة أقل من حجمه الحقيقي " (17).
2.    الاستنزاف الأمني: يفرض العمل الأمني أعباء متزايدة كل يوم على الأجهزة والكوادر الأمنية في مختلف المجتمعات مما يتطلب مضاعفة جهدها في سبيل حسن قيامها بدورها المنشود في حفظ الأمن وإقراره فيها، ويترتب على مضاعفة المسؤوليات الأمنية لتلك الأجهزة وكوادرها زيادة فيما تبذله من جهد دائم، يفرض عليها أيضاً التواجد المستمر في مسرح الأحداث اليومية، وينجم عن ذلك كله في النهاية نشوء ظاهرة الاستنزاف الأمني التي يقصد بها الإفراط في التواجد الدائم لغالبية الكوادر يشكل غالباً ما يحول دون حسن قيامها بدورها في مجال الممارسة الأمنية الحقيقة (18).
3.    الغرور الأمني: قد تصاب بعض الأجهزة الأمنية نتيجة تواصل نجاحاتها في المواجهات الأمنية بنوع من الغرور الأمني؛ ذلك الغرور الذي يقصد بـه" إعطاء تلك الأجهزة 
الأمنية والكوادر لنفسها قدراً يفوق حجمها الحقيقي سواء من حيث الكم أو من حيث الكيف، إلى الحد الذي يجعلها تبالغ في حجم قدراتها"(19).
4.    الجمود الأمني: ويقصد به" توقف الفكر الأمني عند حدود رد الفعل تجاه الأحداث اليومية، دون رغبة جادة في التطوير،  أو الاتجاه المتحمس للتصدي للمشكلات الأمنية تصدياً علمياً ، يعتمد على الرصد الموضوعي لأبعاد الظاهرة محل البحث، ثم البحث عن كافة الوسائل المتطور لمواجهتها، سواء على المدى البعيد أو على المدى القصير في الوقت نفسه.

ويمكن القول بأن المهارات الأمنية لرجل الأمن، تعاني مما يمكن وصفه بالأزمة المتمثلة في قلة الاهتمام بتلك المهارات، وعدم السعي إلى تطويرها، وكذلك عدم الحرص على حسن توظيفها، ولعل ذلك يظهر بوضوح فيما أصبحت تعاني منه الكوادر الأمنية في العديد من المجتمعات من إفلاس يتمثل في أدائها لمهامها بشكل نمطي متواتر يبعد تماماً عن الإبداع أو الحماس أو الرغبة في التطوير الدائم والمستمر.


المبحث الثاني:-  الإطـار النظري لمفهوم القيادة.

يقصد بالقيـادة

القدرة على التأثير في الأشخاص عن طريق الاتصال المتبادل لتحقيق الأهداف المشتركة، ويعرفها إردواي تيد فيقول:" أن القيادة هي الجد أو العمل للتأثير على الناس وجعلهم يتعاونون لتحقيق هدف يرغبون كلهم في تحقيقه ويجدونه صالحاً لهم جميعاً وهم يرتبطون معاً في مجموعة واحدة متعاونه" (20) .

    ويعرفها الدكتور إبراهيم شيحا بقوله " تعني القدرة الفائقة على التوجه والتنسيق والرقابة على الآخرين بقصد تحقيق الهدف العام للمنظمة وذلك عن طريق التأثير والنفوذ الذي يجعل المرؤوسين يتبعون قائدهم عن رضى واقتناع أو باستعمال السلطة الرسمية عند الضرورة" (21).


ويعرفها الدكتور مـدني عبدالقادر بقوله " تعني ممارسة التأثير على المرؤوسين ودفعهم لتحقيق الأهداف المطلوبة" (22) .

    أما القائد الأمني هو القادر على السيطرة  على المواقف الأمنية المختلفة من خلال الإدراك الجيد لأبعادها ومواجهتها بالقدر المناسب في ضوء خبرته السابقة وقدرته على الاتصال الفعال بأطراف الموقف.

     فالقائد الأمني هو القائد الذي يتميز بصفات قيادية ومهارات تميزه عن غيره من القادة الآخرين، مما يجعله يتولى قيادة المجموعة بكفاءة واقتدار والوصول بها إلى الهدف المنشود، والسيطرة على ما ينشأ من ظروف وأزمات أمنية، وتكون هذه السيطرة باتخاذ قرارات رشيدة تعيد الوضع الأمني على ما كان عليه سابقاً (23) .

 أما عملية اتخاذ القرار يمكن أن نعرفها بأنها :-
1.    تلك العملية التي تبنى على الدراسة والتفكير الموضوعي للوصول إلى قرار معين، أي اختيار البدائل.
2.    هي القدرة على الوصول إلى نتيجة أو حكم من خلال معرفة نوعية القرارات المتخذة والمشارك في اتخاذها وأنماط المشاركة ومعرفة حدود وصلاحيات اتخاذ القرار، وهذا يتطلب معرفة طرق اتخاذ القرارات ومعرفة أساليب اتخاذ القرارات وأهداف القرارات، ودور المعلومات في اتخاذ القرارات والعوامل والاعتبارات التي تؤثر في اتخاذ القرارات وبعض المقترحات التي تؤدي إلى زيادة اتخاذ القرارات والمشكلات التي تحد من اتخاذ القرارات.
3.    ومن هنا يعتبر اتخاذ القرار بمثابة القدرة على تقدير المواقف المواجهة بما يتلائم والموقف الأمني، وذلك بوضع أكثر من بديل لاختيار أفضلها وبالسرعة الممكنه، وبما يضمن السيطرة على الخطر الأمني الطارئ بأقل تكلفة وبأقصر وقت ممكن.

 

  
ولا شك أن المهارات بصفة عامة، والمهارات الأمنية بصفة خاصة لها أهمية كبرى لدى القائد الأمني، لأن توفر هذه المهارات أمر ضروري لتمكين القائد من مواجهة الظروف الطارئة التي تتطلب سرعة اتخاذ القرار وتنفيذه بغرض تحقيق أقصى درجة من النجاح تكفل القضاء على الخطر الناشيء عن الأزمة الطارئة بأقل قدرة من الخسائر وبأقصى سرعة حتى لا ينتج عن هذا الموقف تداعيات أمنية تؤثر سلباً على الأمن، وهذا بالطبع يعتمد على درجة رشد القرار المتخذ، لأنه كلما كان القرار الأمني المتخذ رشيداً كلما تميز بالفاعلية في مواجهة الأزمات الطارئة وغير الطارئة على حد سواء.

     ومما لا شك فيه أن الخبرات المكتبية من طبيعة العمل في المجال الأمني تصقل من مهارات القائد، لأن هذه الخبرات نـاتجة عن التجارب التي مربها القائد والتي تولد لديه نوع من الاستعداد لمواجهة الأزمات الطارئة ، وخاصة من حيث الإجراءات والسرعة في اتخاذ القرارات مع الأخذ في الحسبان جميع أبعاد الموقف الأمني، لذلك نجد أن القادة في المستويات القيادية العليا هم عادة الذين يتخذون القرارات في الظروف الطارئة، وذلك اعتماداً على خبراتهم السابقة التي تمنحهم ميزة القدرة على اتخاذ القرار الرشيد، فالبرغم من حداثة الظروف الطارئة في كثير من الأحيان إلا أن الخبرة تلعب دوراً في سرعة اتخاذ القرار ودراسة أبعاد الموقف الأمني لمواجهة هذه الظروف.

ومن أهم المهارات الأمنيـة اللازمـة للقائد الأمني هي:-

‌أ.    التخطيط : هو عمل ذهني يعتمد على التفكير العميق والرؤية الصائبة
 للمخطط في رؤيّـة حاضره ومواجهة مستقبله.

كما إن التخطيط يهدف إلى تحديد أهداف المنظمة الأمنية في فترة معينة ورسم السياسة الخاصة التي يجب القيام بها لتحقيق هذه الأهداف.

والتخطيط يساعد على التنبؤ بالمستقبل والإعداد له ، لذا يجب أن يتحلى القائد الأمني بالقدرة على التفكير العميق والرؤية الصائبة لتحديد أهداف المنظمة والعمل على تحقيقها وفق السياسات المرسومة.

‌ب.    التنظيم : هو عملية يقوم بها القائد لتجميع اوجه النشاط اللازمة لتحقيق الأهداف، وذلك من خلال بناء الشكل العام الذي تفرغ فيه الجهود الإنسانية لتحقيقها هذه الأهداف.
 فعملية التنظيم تتطلب تحديد الأهداف، وكذلك تحديد الأنشطة اللازمة لتحقيقها ، ومن ثم تجميع هذه الأنشطة في شكل مجموعات على هيئة وحدات وأقسام وإدارات ، ومن ثم تحديد وظيفة كل مجموعة وعلاقتها بالمجموعات الأخرى من قبل قائد التنظيم، ولذلك يجب أن يتمتع القائد الأمني بالقدرة على تنظيم المجموعات وتوزيع العمل عليها ورسم العلاقات والتعاملات بين كل مجموعة في سبيل تحقيق الأهداف الموضوعة بكفاءة وفاعلية.
‌ج.    التوجيه : والتي يتم بواسطتها تنفيذ الأعمال المؤدية لتحقيق الأهداف.
لذلك يجب على القائد الأمني أن يتمتع بالقدرة على التوجيه السليم لأفراد الجماعة التي تحت قيادته لتنفيذ الأعمال الرامية إلى تحقيق الأهداف.
‌د.    الرقابـة : هي عملية التحقيق من سير الأداء وفق الأهداف والمعايير لغرض التقويم الصحيح.
والرقابـة تتطلب وجود خطط ومعايير معينة لمقارنـة ما تم تنفيذه وفق هذه الخطط والمعايير، لذلك يجب على القائد الأمني أن يكون لديه القدرة على تجميع المعلومات الدقيقة عن هذه الخطط والمعايير ، فضلاً عن دقـة قياس ما تم تنفيذه وفق الأهداف الموضوعة لمنع أو تصحيح أي انحراف أو حياد عن مسار الخطة.   
‌ه.    إدارة الوقت : لا شك أن الوقت هو المورد المحدد لأداء جميع النشاطات والإنجازات، والوقت تكمن أهميته في عدم إمكانية استئجاره، أو شرائـه أو اقتراضه، فضلاً عن أنه معرض للفناء ولا يمكن تخزينه أو استبداله، لذلك يجب على القائد الأمني أن يستغل الوقت استغلالاً دقيقاً ، خاصة وأن الظروف الطارئة سيكون عنصر الوقت فيها حاسماً حيث تترتب عليها نتائج وخيمة عند التأخر في اتخاذ القرار، أو اتخاذ قرار غير صائب، لذلك فالمهارات الأمنية تسعف القائد في اتخاذ قرار صائب في الوقت المناسب.


 وهناك ثلاثة حقائق اساسية لتحقيق فاعلية الوقت للقائد الأمني وهي:
1.    تفاوت الوقت بين القادة: إذ أن استخدام القائد للوقت يتوقف على حجم المنظمة، وطبيعة عملها ، وأسلوب القائد في التعامل مع موظفيه.
2.      وقت القادة في العمل محدد بساعات معينة، ومهما حاول القادة تنظيم وقتهم واستغلاله، فإن هذا يخضع لعوامل أخرى تتحكم في هذا الوقت، وأهم هذه العوامل هي الظروف والمشاكل الطارئة التي تضغط على القائد وتجبره على تغيير مواعيد عمله وارتباطاته.
3.    فاعلية القائد في إدارة وقته تتطلب استخدام كل أو معظم وقته في العمل وحده، وهذا يعرض القائد للإرهاق والقلق والتوتر العصبي والعديد من الأمراض الأخرى، لذا يجب على القائد توزيع وقته عملاً بمبدأ الأولويات (24). فالظروف والأزمات الطارئة تستحق الاهتمام أكثر من غيرها، فضلاً عن أن تمتع القائد بمهارات قيادية تجعله اكثر قدرة على مواجهة هذه الظروف. 
‌و.    حل المشكلات والتفكير الابتكاري : لا شك أن حل المشاكل والتفكير الابتكاري من الأمور التي يجب أن يهتم بها القائد لما تتصف بـه المواقف الأمنية الطارئة من الجدة والحداثة، فضلاً عن عنصر المفاجأة، فهذه الأمور تحتم لجوء القائد إلى أساليب وحلول مبتكرة وبسرعة وفق ما يتمتع بـه من مهارات تمكنه من اتخاذ القرار الفعال لمواجهة هذه الأزمة.
والتفكير الابتكاري هو قدرة القائد على تقديم أفكار جديدة ووضعها موضع التنفيذ (25) ولا شك أن اتخاذ القرار في الظروف الطارئة يحتاج إلى تمتع القائد بمهارة عالية لكي يتمكن من التفكير الخلاق المبدع الذي ييسر من حل هذه المشكلة والتغلب عليها.


الخـاتـمـــة:-

     تناولت هذه الدراسة الإطار النظري للحس الأمني وأهميته لضباط الأمن ونشأته ووسائل تنميته، وتم استعراض للمهارات الأمنية لضباط الأمن وماهية الحس الأمني وخصائصه باعتبار أن الحس الأمني يزيد من قدرة رجل الأمن على الإبداع والابتكار في العمل الأمني ويساعد في التوصل إلى نتائج إيجابية والسيطرة على المواقف الأمنية ويؤدي إلى التنبؤ والتوقع للأخطار الأمنية قبل وقوعها.

     وفي هذا السياق ، فإن توفر الحس الأمني يخدم عدة أهداف من أهمها حماية الإنسان والمنجزات وتوفير الطمأنينة والسكينة العامة، وحماية حقوق الإنسان في إطار الثوابت ، والكشف عن مصادر الخطر الإجرامي وهو مازال في مهده لـم يـر النور، والكشف عن الأشخاص الذين يعدون العدة للنيل من الأمن والاستقرار.

     ولهذا فإن هنالك علاقة بين القيادة الأمنية ومهارة الحس الأمني لضباط الأمن وأن استخدامه لحسه الأمني في وقت قصير من شأنه أن يكشف عن الجرائم قبل وقوعها، بحيث ينتقل ذهنياً من مرحلة الحس الأمني إلى دائرة الاشتباه الأمني الذي مصدره دلائل عديدة تخوله اتخاذ إجراءات أمنية. 

     وسير اً مع منطق ما تقدم، فإننا خلصنا إلى النتائج والتوصيات التي نرى أنها دليل استرشاد يمكن اللجوء إليها في المستقبل وهذه النتائج والتوصيات وهي :

النتـائـج:

1.    أن كثرة المواقف الأمنية التي يتعرض لها ضابط الأمن من أهم عوامل بناء الحس الأمني لديـه.
2.    أن إحساس  ضابط الأمن بالمسؤولية من أهم عوامل بناء الحس الأمني لديـه.
3.    إن سلامة الحواس الخمس لدى ضابط الأمن من أهم عوامل بناء الحس الأمني لديـه.
4.    تحليل المواقف الأمنية، وابراز الدروس المستفادة من أهم وسائل تنمية الحس الأمني.
5.    تنمية الحس الأمني لدى ضباط الأمن يؤدي إلى السيطرة على المواقف الأمنية والتنبؤ والتوقع للأخطار الأمنية قبل وقوعها والسرعة في اكتشاف الجرائم في حال وقوعها.



التـوصيـات:-

1.    نوصي بزيادة اهتمام أكاديمية الشرطة الملكية وكلية العلوم الشرطية بوضع برامج تدريبية خاصة بتنمية مهارات الحس الأمني لدى ضباط الأمـن كمطلب إجباري للطلبة المستجدين في الجناح العسكري.
2.    نوصي بمزيد من الاهتمام في اختيار ضابط الأمن ومراعاة توفر دقـه الملاحظة وسرعة البديهة لمن يتم اختيارهم للعمل الأمني.
3.    نوصي بالاستفادة من خبرة ضباط الأمن العام المتقاعدين الأكفاء وذلك عن طريق الندوات والمحاضرات يتحدثون عن نجاحاتهم الأمنية والقضايا التي واجهتهم.
4.    نوصي بأن تجرى دراسة ميدانية شاملة حول مدى توافق مهارة الحس الأمني لدى ضابط الأمن وكيفية التعامل مع المواقف الأمنية.



وفي الختام، نأمل أن تكون هذه الدراسة قد وفقتُ في طرحها وقد حققت الهدف منها.

والله ولي التوفيـق،،

















المصـادر والمراجــع

-    القرآن الكريم

المراجــع

1.    د.أحمد عبدالله محمد السعيد، الحس الأمني، مذكرة غير منشورة ، الرياض المعهد الثقافي 1998.
2.    د.أحمد ضياء الدين خليل، الحس الأمني وأثره في نجاح المواجهة الأمنية ، القاهرة، كلية الشرطة 1997.
3.    د.أحمد ضياء الدين خليل، المهارات الأمنية ودورها في منظومة الأداء الأمني ، مجلة الأمن والقانون، السنة الرابعة ، كلية شرطة دبي  1996.
4.    د.إبراهيم عبدالعزيز شيحا، الإدارة العامة، الإسكندرية، الكتاب العربي الحديث، 1984.
5.    ادواري تيد، فن القيادة والتوجيه في إدارة الأعمال، ترجمة محمد عبدالفتاح إبراهيم، القاهرة ، 1965.
6.    د.عبدالكريم درويش، أصول الإدارة العامة، القاهرة، مكتبة ألا نجلو المصرية، 1980.
7.    د.على فالح الهنداوي ود.عماد عبدالرحيم زغلول، مبادئ أساسية في علم النفس، عمان، دار النهضة للنشر والتوزيع، 2002.
8.    د.عباس ابوشامة، الأصول العلمية لإدارة عمليات الشرطة، المركز العربي للدراسات، الرياض، 1988.
9.    د.كنعان السلمي، المهارات الإدارية والقيادية للمدير المتفوق، القاهرة ، دار غربتا للنشر 1999.
10.    د.محمد أبوالفتح البيانوني، تنمية الحس الأمني عند المسلم ضرورة حتمية.
11.    د. مدني عبدالقادر ، دراسة تحليلية ، مجلة الأمن العدد الأول، الرياض.
12.    د.نواف كنعان، القيادة الإدارية، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر، 1982.
13.    د. نواف كنعان، القيادة الإدارية، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر، 1999.


الهوامش

(1)    سورة الإسراء الآية 36.
(2)    سورة يوسف : الآية 87 .
(3)    سورة آل عمران : الآية 52 .
(4)    د.على فالح الهنداوي . د.عماد عبدالرحيم زغلول، مبادئ أساسية في علم النفس ، عمان، دار حنين للنشر والتوزيع ،2002، ص104.
(5)    د.أحمد ضياء الدين خليل، الحس الأمني أثره في نجاح المواجهة الأمنية، القاهرة ، كلية الشرطة 1997 ص 25.
(6)    د.محمد أبو الفتح اليبانوني، تنمية الحس الأمني عند المسلم ضرورة حتمية، مجلة الأمن العدد الأول ، الرياض ص35.

(7)    د. أحمد عبدالله محمد السعيد ، الحس الأمني ، مجلة الأمن والقانون ، دبي ، كلية شرطة دبي ، 1998 ، ص 5.
(8)    د.أحمد ضياء الدين خليل ، المرجع السابق ، ص 19.
(9)    د. أحمد ضياء الدين خليل ، المرجع السابق ، ص 21 .
(10)     د.أحمد ضياء الدين خليل ، مرجع سابق ، ص 30.
(11) د.أحمد عبدالله  محمد السعيد، مرجع سابق ،  ص 11
(12) د. عباس ابو شامة، الأصول العلمية لإدارة عمليات الشرطة ، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريبية، الرياض ،1988 ، ص 88
(13)    د. أحمد ضياء الدين خليل ، مرجع سابق، ص 34 .
(14)    د.أحمد ضياء الدين خليل ، الحس الأمني ودورة في نجاح المواجهة الأمنية ، القاهرة ، كلية الشرطة ، 1997 ، ص 52.
(15)    نفس المرجع السابق .
(16)    د. كنعان السلمي ، المهارات الإدارية والقيادية للمدير المتفوق، القاهرة ، دار غريب للنشر 1999  ص 23
(17)    د. أحمد ضياء الدين خليل ، المهارات الأمنية ودورها في منظومة الأداء الأمني ، مجلة الأمن والقانون، السنة الرابعة كلية شرطة دبي ص 56
(18)    د. أحمد ضياء الدين خليل، المهارات الأمنية ودورها في منظومة الأداء الأمني ، 1996  ص14 
(19)    د. أحمد ضياء الدين خليل ، المرجع السابق ، ص 15

(20) د. أحمد ضياء الدين خليل ، مرجع سابق ، ص 16
(21)أرواي تيد، فن القيادة والتوجيه في إدارة الأعمال، ترجمة : محمد عبدالفتاح إبراهيم، القاهرة دار النهضة، 1965 ، ص78
(22)د.إبراهيم عبدالعزيز شيحا، الإدارة العامة ، الاسكندرية، الكتاب العربي الحديث، 1984  ص 63.

(24)مدني عبدالقادر ، دراسة تحليلية للوظائف والقرارات الإدارية  ، ط 1 ، الرباط، 1981 ،  ص 54
(25)عبدالكريم درويش ، أصول الإدارة العامة ،  القاهرة ، مكتبة الاتجلـو المصرية ، 1980 ، ص 43
(26)د.نواف كنعان، القيادة الإدارية ، ص 414
(27)د. عباس ابو شامة، القيادة في المجال الأمني، ص 73-74.

Aucun commentaire: