أخلاقيات مهنة الشرطة


مبادئ أساسية
الأمن الوطني، مرفق عمومي يتولى القيام بمهام المحافظة على الأمن العام. وبوصفه جهازا يسهر على أمن وطمأنينة المواطنين، فإن كل من ينتسب إليه مطالب بالتحلي بمواصفات خلقية وصفات خُلقية تؤهله لممارسة هذه المهام على الوجه المطلوب. ولهذا الغرض، فإن موظف الشرطة ملزم بنهج سلوك قويم في علاقته مع زملائه وإدارته وتجاه الغير وفقا لما تمليه القواعد والمبادئ المسطرة في القوانين والأنظمة المعمول بها.



الوعي المهني:
إن أي شخص يقبل الانخراط في صفوف الأمن الوطني، يجب عليه القيام بالمهام المسندة إليه على أحسن حال، وفقا لقواعد وأصول المهنة الشرطية.
- الاستجابة للنداء إلى الخدمة؛
- القيام بالمعاودة والمداومة؛
- عدم التظلم بسبب تجاوز ساعات العمل العادية؛
- مزاولة العمل الليلي؛
- الاستعـداد للتأقلم مع مختلف الظروف والاستئناس بمختلف المهام …إلخ.

ومما يجافي الالتزام بالتفرغ أن يلجأ الشخص إلى وسائل تسويفية تخل بهذا الالتزام، وعلى وجه الخصوص:
- عدم احترام مواقيت العمل؛
- اختلاق أسباب للحصول على رخص للراحة؛
- التخفي وراء التزامات عائلية وهمية؛
- التذرع بالزيادة في أعباء العمل… إلخ.

ومراعاة لهذا الواجب، يمنع أيضا، على موظف الشرطة، أن يزاول أي عمل مؤدى عنه خارج المهام المنوطة به، باستثناء بعض الأنشطة الخاصة التي يسمح بها القانون.

الإخـــــلاص:
يتطلب حسن سير الإدارة أن تكون بعض المعلومات المتعلقة بتنظيمها وسيرها وبمبادراتها وموظفيها، طي الكتمان. فإذا كان الموظف بحكم طبيعة مهامه أو بمناسبة تنفيذها يطلع على هذه المعلومات، فإنه ملزم ببذل العناية الكافية لعدم نقلها إلى الغير، سواء بصورة إرادية أو بسبب الإهمال وعدم الاحتياط. وكل سلوك من هذا القبيل يعد إخلالا بواجب الاحتراز والنباهة.

وموظف الشرطة يخضع أيضا لواجب التحفظ المتمثل في نوع من الاعتدال في التعبير عن الأفكار كيفما كان نوعها. وهذا واجب يقع عليه أثناء ممارسة مهامه أو خارجها. ويشمل كل أصناف التعبير الكتابي أو الشفوي، بما في ذلك المخطوطات والرسومات وكذا كل عمل ظاهر يجسد، بصورة صريحة أو ضمنية، موقفا أو فكرة من قضية محددة.

ويجب التمييز بين واجب التحفظ والاحتراز المهني وكتمان السر المهني. فالأول ينصرف إلى تفادي الجهر بآراء الموظف، والاحتراز المهني يكمن في عدم إعطاء معلومات تتعلق بالإدارة نفسها، أما السر المهني فالمراد به عدم إفشاء الأخبار المتعلقة بأشخاص أو وقائع اطلع عليها الموظف أثناء ممارسته لمهامه.

ومما يعتبر مخالفا لواجب التحفظ:
- حمل متاع أو التلويح بمطبوع يحمل شعارا أو رمزا لحزب سياسي، أو منظمة نقابية أو أي تنظيم ذي توجه سياسي ؛
- توزيع مطبوعات كيفما كان نوعها بهدف الدعاية أو التثبيط من العزيمة؛
- الإدلاء لوسائل الإعلام بتصريح أو تعليق يتضمن التقليل من شأن الشرطة وتنظيمها؛
- القيام بتعليق أمام أحد المشتكين يومئ بعدم جدوى تقديم شكاية أو عدم فعالية عمل المؤسسات (الأمن الوطني - العدالة …إلخ)؛
- الإدلاء علانية بأقوال تخل بالاحترام تجاه السلطة العامة والمؤسسات.

الثقــــــــة:
تعتبر الثقة إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها العلاقة بين موظف الشرطة وإدارته. وتتحقق هذه الخاصية من خلال مبادرة الموظف إلى:
- إخبار سلطته الرئاسية، وبأمانة، بإنجاز وتنفيذ المهام المسندة إليه؛
- إشعار إدارته بكل واقعة أو حدث يمس حياته الإدارية أو الخاصة، كلما كان هذا الحدث أو تلك الواقعة من شأنها أن تؤثر على حياده أو تفرغه (حادثة سير بسيارة المصلحة - مشروع سفر إلى الخارج - تغيير في الوضعية العائلية- الأنشطة المهنية للــزوج - استدعاء للمثول أمام المحكمة... إلخ).
- احترام قواعد الانضباط المهني، خصوصا في الحالات التي يصعب فيها على الإدارة معرفة التجاوزات التي يمكن أن تحصل من جراء سلوك الموظف (استعمال سيارة المصلحة لأغراض شخصية، التقيد بواجبات التكتم والتحفظ في إطار العلاقات الخاصة...إلخ).

وفي هذا الإطار، فإن الثقة تتنافى مع أية دعوة أو مشاركة في أعمال جماعية مخلة بالانضباط (إضراب عن العمل، التواطؤ بين الموظفين... إلخ).

وبناء على ما سبق فإن بعض الأنشطة قد تتنافى مع الوظيفة الشرطية إذا كانت:
- تتعارض مع مبادئ المهنة الشرطية (العمل داخل حركة أو جمعية تدعو إلى شرعنة ترويج المخدرات... إلخ)؛
- تخالف واجب التحفظ والتريث (فنان ملتزم… إلخ)؛
- ستتسبب في خلـق نـوع من اللبـس في أذهان الجمهور حول طبيعة المهنة التي يزاولهـا الشخـص ( القيـام بدور رجل أمن متطوع في مرقص ليلي... إلخ)؛
- تمس بواجب التفرغ التام للمهنة (التوصل بعدد كبير من المكالمات الهاتفية في مقر العمل من طرف موظف عضو في جمعية... إلخ)؛
- تخل بمبدأ حياد الموظف (التوفر على مصالح مالية في شركة تستغل محلا لبيع المشروبات الكحولية… إلخ).
- تنطوي على ممارسة بعض الأنشطة دون رخصة مسبقة، عندما يكون ممارسة هذا النشاط مشروطا بالحصول على رخصة من الإدارة العامة للأمن الوطني. (خبرة - استشارة وإرشـاد – التدريـس خـارج نطـاق إدارة الأمن... إلخ).

ملاحظة: بعض موظفي الشرطة لهم مؤهلات مهنية أخرى غير شرطية (الميكانيكا - النجارة - ألعاب رياضية... إلخ). وهذا قد يدفعهم إلى توظيفها للحصول على موارد إضافية زيادة على أجرتهم.

وصفة موظف الدولة تمنع الجمع بين الوظيفة العمومية وممارسة عمل آخر مؤدى عنه.

وفي حالة الشك في إمكانية الجمع بين وظيفته وأنشطته الخاصة، سواء كانت مؤدى عنها أو لا، يتعين على الموظف مراجعة رئيسه التسلسلي.

المحافظة على الأموال والممتلكات العامة:
إن سير أي مرفق عمومي يعتبر جد مكلف للجماعة العمومية. والأمن الوطني يتوفر على اعتمادات تسمح له باقتناء وتجديد وصيانة الوسائل التي يجعلها رهن إشارة العاملين فيه. وهؤلاء لا يعتبرون ملاكا لها وإنما مجرد مؤتمنين عليها. لهذا يتعين عليهم أن ينهجوا إدارة محكمة لتفادي التبذير والمصاريف غير اللازمة. وهذا يتطلب يقظة في السلوك ورزانة في التصرف اليومي قصد التخفيف من نفقات التسيير (اتصالات هاتفية لمدد مبالغ فيها، اقتناء عتاد ولوازم غير مطابقة للحاجيات…إلخ) وتفادي الأضرار والخسائر الناجمة عن الإهمال أو اللامبالاة (انعدام الصيانة المستمرة للسيارات، تناول مشروب فوق لوحة حاسوب آلي … إلخ).

أما إساءة الاستعمال (استخدام سيارة المصلحة لقضاء أغراض شخصية، اختلاس التوريدات المكتبية…إلخ) فإنها تعتبر إهدارا للمال العام.

المساهمة في الرفع من أداء المرفق العام:
الموظف ليس أداة تنفيذ آلية ، بل يمكن أن يكون مصدرا لاقتراحات وجيهة ومنتجة. فبوصفه عنصرا ديناميكيا فاعلا داخل الهيئة التي يعمل فيها، فإنه بإمكانه إبداء آراء وإعطاء تصورات تمكن من تحسين وتطوير طرق وأساليب العمل. فليس ثمة ما يمنعه من تقديم اقتراحاته في هذا الشأن، بل إن هذا أمر مرغوب فيه. إلا أن وضعها موضع التنفيذ أمر تستأثر به السلطة الرئاسية.

في العلاقة بين زملاء المهنة

يعمل بالإدارة العامة للأمن الوطني عـدد مهم من الموظفين والأعوان. أسلاكهم ووضعياتهم القانونية، وكذا رتبهم ومهامهم تشكل تركيبة متنوعة ولكنها منسجمة ومتكاملة. وهذا الوضع  وما يلازمه من نظام علائقي قد ينجم عنه بعض التنافر بين الهيئات أو منافسة غير سليمة. ويفرض حسن سير مرفق الشرطة تجاوز هذه العراقيل من أجل إقامة علاقات تكامل وانسجام تسمح للجميع بالرفع من كفاءاته وتنمية قدراته.

الاحترام المتبادل:
ويتجسد، أولا وقبل كل شيء، في التزام موظف الأمن بالاحترام التام، لمبادئ حسن المعاملة (اللياقة، التأدب، المواظبة …إلخ) والشرف (الاعتداد بالنفس، حسن الهندام… إلخ). وهذا لا يتوقف فقط على إعطاء صورة طيبة ولائقة عن الشخص، بل لا بد وأن يكون مقرونا باجتناب الترفع والتعالي على الغير.
ويعتبر مرفوضا، كل شكل من أشكال التمييز، بين الزملاء في العمل، وخاصة بسبب النسب، أو الجنس.
والاحترام المتبادل يفرض اعتبار كل وظيفة، مهما كانت متواضعة، عملا يساهم في حسن سير المرفق العمومي. وجميع أشكال التعبير عن سمو أو تميز هيئة أو مصلحة، أو التقليل من شأن هيئة أو رتبة أو وظيفة يعتبر جهلا وإنكارا للعلاقة التكاملية بين مختلف المصالح والموظفين، ويعبر عن تصور ضيق لمهام الأمن الوطني ودور العاملين فيه.
والاحترام المتبادل يقتضي أيضا، تقبل بعض الوضعيات الخاصة المبررة، كالتغيير في مواقيت العمل أو التكليف بمهام جديدة أو تأجيل الاستفادة من الراحة التعويضية…إلخ،  وذلك بدون تبرم أو تملص.
وأخيرا يستلزم هذا الاحترام، التحلي بالتسامح وبانفتاح فكري كاف لترك المجال للزملاء يعبرون عن آرائهم وأفكارهم ولو كانت مخالفة للآراء الشخصية. فكل موظف شرطة له الحق في إبداء آرائه وبكل حرية، مادامت هذه الآراء، لا تتعارض مع مبادئ التحفظ والاعتدال، ولا تتضمن انتقادا للمؤسسات أو اتخاذ موقف سياسي يخل بمبدأ الحياد.
وهذه القيود الأخيرة، تطبق أيضا حتى في مجال التحاور أو تبادل الحديث بين موظفي الشرطة، تفاديا لبعض أشكال الجدل، الخارجة عن إطار المهنة، والتي قد يكون من شأنها المساس بالسير العادي للمصلحة.

العلاقات بين الموظفين بوجه عام:
بصرف النظر عن الأنظمة الخاصة أو الهيئات أو الرتب أو المهام المسندة إلى كل صنف من أصناف الموظفين في حظيرة الدولة تقوم العلاقات بين هؤلاء جميعهم على الاحترام المتبادل والإخلاص والتضامن، وتراعى هذه القيم بشكل أكثر تشددا بالنسبة لمن تسند إليهم مهام رئاسية.

الإخــلاص:
وتتجسد هذه الخصلة، قبل كل شيء، في التزام الصدق والوضوح. فعلى الشرطي أن ينهي إلى علم زملائه، جميع المعلومات والأخبار ذات الطابع المهني، التي لهم الحق فـي الحصول عليها (تبادل المعلومات الميدانية بين المصالح … إلخ).
ومن ناحية أخرى، يتعين على الموظف، أن يبادر بالتعبير بشكل مباشر عما له من ملاحظات أو مؤاخذات إزاء أحد زملائه، مع التزام الاستقامة في ذلك. وبالمقابل على الشرطي أن يدرك بأن اللجوء إلى التجريح أو الانتقاد المسيء يجرد مخاطبيه من قدراتهم على الدفاع ويؤدي إلى خلق جو من الحقد والعداء الدفين داخل المصلحة.
والصدق يقتضي أيضا تحمل الشخص لأخطائه، دون السعي إلى إشراك أشخاص آخرين في الأخطاء الشخصية وتحميلهم قدرا من المسؤولية دون مسوغ (ترك الشك يحوم حول مسؤولية فرقة بأكملها عندما يتعذر معرفة الفرد المسؤول عن عمل مخالف للقانون… إلخ).
ومما يجافي الصدق والاستقامة أن يعمد الموظف إلى تبني القيام بعمل أو ادعاء المشاركة في مهمة تستحق التنويه للاستفادة من مزايا أو الحصول على منفعة شخصية غير مستحقة على حساب زملائه (تلميع سمعته-تقدير الكفاءة-التنويه بمجهوداته … إلخ).
وعلاوة على الحالات التي يخضع فيها موظفو الشرطة لمقتضيات الحفاظ على السر المهني، يكون من المأمول أيضا، الاحتفاظ بسرية جميع المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للموظفين، والتي يتم الإطلاع عليها، ولو بشكل عارض بسبب ظروف خاصـة (أحداث عائليـة-مشاكل صحيـة، متابعات إداريـة أو قضائيـة… إلخ).

التضامــــن:
وهو من مقومات العمل الشرطي، ويتجلى في الاستعداد الدائم والمستمر للتعاون والمساندة في تنفيذ المهام وتحمل أعباء العمل (تقديم التعزيزات الضرورية، المساعدة في تحرير المسطرة، إتمام مهمة إدارية … إلخ)، أما اللامبالاة وعدم الاكتراث (التغيب بدون مبرر، الخمول، البطء في التنفيذ… إلخ) فإنها مخالفة لروح العمل الجماعي وتتسبب في الزيادة في أعباء وتكاليف الآخرين.
ومن ناحية أخرى، فإن مبدأ التضامن قد يتجسد أيضا في نطاق العلاقات الخاصة وذلك عندما يلتفت الشرطي إلى حال زميله ويقترح عليه مساعدته لتجاوز الصعوبات التي تعترضه (الحلول محل زميل في نوبته في العمل لتمكينه من أخذ قسط من الراحة … إلخ).
ورغم ما يكتسيه هذا التضامن من أهمية، إلا أن له حدودا يجب عدم  تجاوزها. فمن غير المقبول التذرع بهذه الفكرة للتستر على بعض الممارسات المنحرفة أو اللاقانونية (الرشوة، إفشاء الأسرار، السرقة… إلخ).
فكل موظف للشرطة عاين أو وصل إلى علمه خبر أعمال إجرامية أو تصرفات خطيرة صدرت من بعض زملائه (عنف غير مشروع أو معاملة لا إنسانية أو مهينة ارتكبت من طرف أحد الموظفين ضد أشخاص موقوفين) عليه التدخل لوقفها أو إخبار السلطات الرئاسية بها، بغض النظر عن مكانة مرتكب هذه الأفعال في السلم الإداري.

العلاقات مع المرؤوسين:
تهدف ممارسة السلطة الرئاسية في الأمن الوطني إلى ضمان سير المصالح. وعلى الرئيس التسلسلي خلق جو من الانسجام بينه وبين موظفيه، مع تحمله لمسؤوليته التامة عن القيام بالمهام المنوطة بالمصلحة أو الهيئة التي يشرف عليها.
إن العمل في إطار جماعي قد يخلق في بعض الأحيان نزاعات من شأنها التأثير على فعالية ومردودية المصلحة المعنية بالأمر، بل قد يمتد تأثيرها إلى الدوائر الأخرى المرتبطة بها. وعلى الرئيس أن يعمل على ضبط مثل هذه الحالات ومعرفة أسبابها (التحري عن معنويات الموظفين وظروف عملهم… إلخ).
وليس من المقبول ترك حالات التوتر أو بعض أشكال النزاعات تستمر، ناهيك عن اختلاقها أو استغلالها، وخاصة ببث التفرقة بين الدرجات الدنيا للسلم الإداري. وحسن سير المصلحة يفرض على سلطة القيادة العدل والإنصاف في معاملة المرؤوسين. فهؤلاء الأخيرين لا يستسيغون، أن يوزع العمل، أو تخول منح أو مكافآت، أو تصدر عقوبات، حسب معايير أو مقاييس مزاجية أو تعسفية، أو في غياب الشفافية.
وهذه الشفافية التي لا غنى عنها لكل رئيس، كيفما كانت الظروف، وفي جميع الأحوال هي التي تشكل حاجزا متينا ضد كل أشكال التحكم والمحاباة. وهذا يستلزم خلق ظروف مواتية للاتصال والتواصل، من أجل تمكين المرؤوسين من إبداء آرائهم واقتراحاتهم.
والإدارة تمنح لمصالح الشرطة الوسائل والإمكانات اللازمة للقيام بمهامها (مقرات، عتاد، تجهيزات… إلخ). ويرجع إلى السلطة الرئاسية مهمة السهر على وضعها رهن إشارة الموظفين تبعا لحاجيات كل واحد منهم. والبحث عن الفعالية، هو الهدف الوحيد المعتبر في هذا التوزيع. فلا يقبل حرمان موظفين من الوسائل اللازمة لهم، لمحاباة آخرين، أو لاعتبارات مزاجية أو لمجرد إرضاء بعضهم بصورة شخصية.
وأخيرا، فإن المرؤوسين هم دائما في أمس الحاجة إلى دعم ومساندة مجهوداتهم وعلى رؤسائهم أن يقوموا بدورهم هذا بصورة فعلية، بإعطاء تعليمات دقيقة وواضحة، ومن دون أي تملص، خاصة عندما تطرأ بعض الصعوبات في التنفيذ.
فعلاقة القيادة أو الرئاسة، المحددة لمهام المنفذين، تلازمها علاقة الثقة. وهذه الأخيرة تفرض أن يتحمل الرئيس كامل مسؤولياته، عن الأوامر التي يصدرها، خاصة عندما يكون تنفيذها مما يمكن أن يثير المسؤولية الخاصة للمنفذين.
ومعظم الأوامر تكون شفاهية. وعند وقوع خلاف، في هذه الحالات، يكون من السهل إنكار إعطائها. والاستقامة تستلزم تحمل نتائج تنفيذها دون أية محاولة أو سعي لتحميل مسؤوليتها للغير.
وفي حالة ملاحظة بعض الإخلالات في صفوف المرؤوسين، فإن على الرئيس التدخل لوقفها، وعند الاقتضاء، توقيع الجزاء القانوني على المخلين. وكل تهاون أو تساهل، في هذا الإطار، سيعتبره أولئك الذين يؤدون مهامهم بتفان وإخلاص بمثابة إخلال بمبدأ المساواة والنزاهة. فإعطاء القدوة من قبل الرؤساء يعد عنصرا حاسما فيما يكنه لهم مرؤوسوهم من التقدير والاعتبار.

العلاقات مع السلطة الرئاسية:    
كل موظف شرطة يعتبر خاضعا للتسلسل الإداري، علاوة على التبعية الوظيفية للسلطات القضائية المختصة عند مباشرة مهام أبحاث الشرطة القضائية أو تنفيذ أوامر صادرة عن هذه السلطات.
ويقتضي واجب الطاعة إزاء الرؤساء الإداريين، معرفة هؤلاء الرؤساء والالتزام الدقيق باحترام السلم الإداري. وتتحقق الطاعة بالتقيد بالتعليمات، وتنفيذ المهام المسندة على الوجه المطلوب والتزام الجدية في التقارير المنجزة للإخبار عن ظروف التنفيذ وسير المهام.
والخضوع المتوازي لسلطتين مختلفتين يفرض على موظف الشرطة التصرف إزاءها، على قدم المساواة، بصدق وإخلاص.
وهكذا، ففي مجال الشرطة القضائية، على الشرطي أن يخبر القاضي المختص بنتائج تحرياته ويرفع إليه المحاضر المتعلقة بالإجراءات المنجزة للبث فيها. وعليه، في نفس الوقت، إحاطة رئيسه المباشر علما بسير الإجراءات التي يقوم بها من أجل تنفيذ المهام المسندة إليه.
والهرم التسلسلي للإدارة العامة للأمن الوطني يتكون من عدة حلقات. وقد يعرض لبعض المرؤوسين، أن يتجاوزوا بعضا منها للاتصال مباشرة بسلطة أعلى. وهذا التصرف مهما بدا مغريا لمن يصدر منه، فإنه يمس بحسن سير المصلحة.
والإمكانية المتاحة لموظف الشرطة، ليعرض على السلطة الرئاسية ملاحظاته وأوجه دفاعه، عندما يعترض على بعض القرارات المتخذة من قبل الرؤساء المباشرين، لا تكون مبررة، إلا إذا كانت آراؤه وتظلماته جادة ومعقولة.  والطاعة والاستقامة من قبل المرؤوسين لا تعتبر قيودا على مبادرات المرؤوسين وخاصة عند وجود حالة استعجال.
ولا يحق لموظف الشرطة أن يتلقى التعليمات سوى من السلطة التابع لها إداريا أو وظيفيا. ولكن هذا لا يعفيه من مظاهر الاحترام الواجب عليه إزاء الموظفين الأعلى درجة منه والتابعين لمصالح أو هيئات أخرى.
وموظف الشرطة، بوصفه ممثلا للقوة العمومية مزاولا لمهامه في إطار دولة القانون، عليه مجابهة الأوامر التي تكون عدم مشروعيتها واضحة أو من شأن تنفيذها أن يشكل مساسا خطيرا بالمصلحة العامة. ولهذا الغرض، فإنه يخبر السلطة التي أصدرت الأمر المنازع فيه ويبدي أسباب اعتراضه. وإذا بقي الأمر ساريا بالرغم من تشبت المرؤوس بموقفه، وجب عليه رفع القضية إلى أول سلطة رئاسية يمكن الاتصال بها.


في العلاقة مع الجمهور

يتم الاتصال بين الشرطة والجمهور على مدار اليوم من خلال مواقف وأوضاع متباينة. ومن حق المواطن أن ينتظر من موظف الشرطة معاملة لائقة ومساهمة إيجابية في ضمان أمنه وسلامته. وعلى الشرطي أن يبذل قصارى جهده لكي يقرن تفرغه التام بسلوك شخصي مثالي لتحقيق هذه الأهداف.

الصورة المثلى للوظيفة الشرطية:
باحترام المبادئ الأساسية للياقة، والحرص على سلامة تصرفاته، سيساهم الموظف في تحسين سمعة الشرطة لدى الجمهوروتحسين أدائها.

ويمكن المحافظة على صفات الوقار والرزانة في أعين الجمهور بــ:
- الاعتناء بالهندام والمظهر الخارجي؛
- اتباع سلوك قويم بصورة مستمرة؛
- نبذ اللغو في الحديث والمزاح والحركات غير اللائقة؛
- إعطاء القدوة في التحفظ في الأفعال والأقوال.

وهذه الخصال تبدو أكثر إلحاحا عندما يتدخل موظف الشرطة مرتديا لزيه النظامي الذي هو تعبير خارجي واضح عن صفته كشرطي .

فالزي النظامي يضفي على الشرطي الهيبة والوقار، كما يعتبر من لوازم المهنة المساعدة على القيام بتأديتها. وإساءة استغلالها يؤدي إلى التقليل من شأنه ويمس بهذه المظاهر ويحط من قدر حامله.

وحضور موظفي الشرطة بالزي النظامي في بعض الأماكن (محلات بيع المشروبات الكحولية، المتاجر… إلخ) خارج الإطار المهني، قد يُكون لدى الجمهور انطباعات سلبية حول الجهاز.

فالشرطي، سواء كان من ذوي الزي النظامي أو المدني يعد ممثلا للنظام. وهو مطالب بالتصرف بطريقة مثالية، سيما باحترامه للأنظمة (عدم توقيف سيارات المصلحة في بعض الأماكن المعرقلة للسير في غير حالات الاستعجال…إلخ) وبعدم استعماله لبعض الصلاحيات بدون مبرر (استعمال منبه الأولوية بشكل تعسفي… إلخ).

والوقائع المحزنة والحوادث تثير بشكل خاص اهتمام المارة، ومن غير المقبول أن يمتنع الشرطي عن التدخل عند حضوره في عين المكان قبل وصول رجال الإسعاف.

وعلى مستوى آخر فإن الجمهور سيقدر لا محاله بعض الأعمال البسيطة التي يقوم بها الشرطي خلال ممارسته لمهامه اليومية (مساعدة شخص متقدم في السن أو شخص ضرير لعبور الطريـق، مساعدة طفل على عبور الطريق…إلخ).



ويمكن إظهار الاستعداد لخدمة الجمهور بـ :
- تقديم المساعدة أو التدخل في أي وقت، داخل ساعات العمل أو   خارجها، في حالة المساس بالأشخاص والأموال، أو بصورة عامة كلما كان الفرد في وضعية صعبة؛
- الإصغاء إلى أقوال الناس والاستعداد لخدمتهم، وذلك بتقديم الحلول وإعطاء الأجوبة اللازمة؛

وأعباء العمل تؤثر على مدى استعداد موظفي الشرطة للتفرغ لخدمة الجمهور. فبسبب قلة الإمكانيات أو الانشغال بقضايا أخرى، قد يتعذر التدخل أو الاستجابة فورا لبعض الطلبات. في هذه الحالة يتوجب إخبار المراجعين بالأسباب المبررة لعدم التدخل أو الاستجابة لطلباتهم على الفور.

صورة الشرطي في حياته المهنية:
إن المهام ذات الفائدة العامة التي يضطلع بها موظف الشرطة تضعه في علاقة مباشرة مع مواطنيه (الإرشاد، التوجيه عند الخروج من المدارس، تنظيم المرور، إجراءات إدارية… إلخ).

ومن الوظائف الأساسية للشرطي، كيفما كان مكان عمله (في المكتب، في الشارع العام، في أماكن خاصة… إلخ) إعطاء الارشادات المختلفة لمن يطلب منه ذلك. وتفعيل هذا الدور يتطلب من الشرطي الإصغاء بإمعان وإبداء الاهتمام بالمشكل المعروض عليه من قبل الجمهور. وبالمقابل فإن تصريفه لأحد الأفراد أو إساءة إخباره يخلق لديه نظرة سيئة إزاء الجهاز ككل.

وأول اتصال لأفراد الجمهور بالشرطة يتم عادة في مفوضية. وقاعة الاستقبال تشكل نقطة العبور اللازمة لكل مراجع. ومن تم فإن دورها حاسم في رسم الصورة التي تعطيها مصالح الشرطة عن نفسها.

على أن تلبية حاجات المواطنين لا تستلزم إشراكهم في الحياة الداخلية للمصلحة أو إدارة شؤون العاملين فيها (إطلاعهم على الملصقات الإدارية، تزيين المكاتب بشكل مبالغ فيه، إشراكهم في الحوارات الخاصة أو المهنية بين الموظفين… إلخ).

والاتصال الرفيع بين موظف الشرطة والجمهور يتوقف إلى حد كبير على مدى مراعاة المبادئ الأساسية للياقة والآداب (نبذ الكلام المستهلك - عدم التعجرف في المخاطبة… إلخ).

ويمكن إبداء الاحترام للجمهور بـــ :
- معاملته بتأدب ولباقة وتقدير، في جميع الأحوال؛
- أخذ موقف الحياد وعدم محاباة أي طرف في النزاعات الخاصة؛
- الالتزام على الدوام بالهدوء والاتزان وضبط النفس؛
- نبذ كل سلوك أو موقف مناوئ، مستفز أو ممقوت.

وكأي شخص آخر، قد يتأثر الشرطي نفسيا أو عاطفيا ببعض الحالات (جمع أشلاء جثة، إشعار عائلة بنبأ حزين…إلخ)، أو قد يكون عرضة لأعمال استفزازية تثير حفيظته (الإهانة، السب والشتم… إلخ). وبإدراكه لطبيعة مهامه وتحكمه في سلوكه، يستطيع الشرطي التخفيف من توتره وتهدئة أعصابه، والجمهور بدوره سيقدر لا محالة هدوءه واتزانه ودماثة أخلاقه.

والشرطي مطالب أكثر بالصبر وضبط النفس، عندما يكون وجوده في بعض الأماكن (كما هو الحال في بعض الأحياء الحساسة) هو مصدر ردود الفعل المعاديـة أو العنيفة التي قد يتعرض لها. لهذا وجب التحلي برباطة الجأش والسيطرة على الأعصاب، للتصدي برزانة وهدوء، لأعمال الشتم والاندفاع من بعض الأفراد الذين يصعب، إن لم يكن من المتعذر غالبا، توقيفهم بسبب صغر سنهم أو لحساسية الموقف.

إن الظرفية الاجتماعية قد توحي لموظف الشرطة، على غرار باقي مواطنيه، بآراء ومواقف حول المجتمع الذي يعيش فيه. وإذا كان الشرطي حرا في آرائه الشخصية، فإن صفته "كموظف للدولة" تتنافى مع تبني آراء انتقادية تجاه المؤسسات الوطنية، وكذا التعبير علانية عن مواقف منحازة ضدها.

ومن ناحية أخرى فإن أفكار الشرطي، قد تدفعه إلى إصدار آراء وأحكام تقديرية حول محيطه المهني. وبحرصه المستمر في مثل هذه الظروف على التقيد بواجب التحفظ سيتجنب الإخلال بمبادئ التريث والحفاظ على السر المهني.

واعتبارا لوظيفته، ثمة مزايا قد تعرض على الشرطي من قبل الجمهور (تخفيضات-هدايا-خدمات… إلخ). وهذه العروض غالبا ما تكون مغرضة. والاستقامة تفرض رفضها بتأدب ولباقة مع إفهام أصحابها بأن الدولة تدفع له أجرته مقابل قيامه بمهامه في إطار الخدمة العامة.

وبالمقابل، فإن الجمهور لا يستسيغ أن يستعمل موظف الشرطة صفته هذه كمطية للحصول على خدمة أو مزية أو أي نفع له أو لغيره (شرطي الزي الرسمي الذي لا يحترم طابور الانتظار، ويتقدم إلى الأمام في اتجاه الشباك لتسوية وضعية أو قضاء غرض شخصي… إلخ).

استغلال النفوذ: (الفصل 250 من القانون الجنائي)
إن الشرطي قد تدفعه وضعيته كموظف مكلف بمهام ذات فائدة عامة أو صفته كممثل للسلطة العامة، إلى استعمالها في قضاء أو تحقيق أغراض شخصية.

فبقبوله، أو طلبه أو تسلمه بدون حق، مبالغ أو قيم أو وعود، لاستعمال نفوذه الحقيقي أو المفترض لدى السلطات المختصة من أجل الحصول، دون وجه حق على قرار ملائم لفائدة أحد الأشخاص أو لنفسه، يعتبر مرتكبا لجريمة استغلال النفوذ.

وأكثر من ذلك، فإن مجرد قبول الشرطي لهدايا أو فوائد أو مزايا كيفما كان نوعها، من قبل أحد الأفراد، بسبب المساعي التي قام بها لفائدته، يشكل بدوره إخلالا خطيرا بواجب الأمانة والتجرد.

فكل تدخل ساعد على الحصول على رخص إدارية أو تسهيلات قد يؤدي إلى نتائج وخيمة تشكل مساسا خطيرا بالأهداف التي تسعى مصالح الأمن الوطني إلى تحقيقها.



قواعد السلوك إزاء الضحايا

يواجه موظف الشرطة بصورة مستمرة ما يلحق بالضحايا من مآسي وما يصيبهم من أحزان من جراء ما يتعرضون له من أضرار مادية أو معنوية، أيا كان مصدرها (أعمال إجراميـة – كـوارث طبيعيـة – مآسـي وأحزان…إلخ). وهو مطالب بتقديـم العون والمساعدة، مما يتطلب منه الجمع بين كفاءاته المهنية وخصاله الإنسانية النبيلة لتحقيق هذا الهدف.

الاتصال الأول:
يكتسي الاتصال الأول مع الضحية أهمية قصوى ، كيفما كان المكان ( في المصلحة، في محل عمومي أو خصوصي…إلخ) وكيفما كانت الظروف (طلب نجدة، تدخل تلقائي ، تقدم الضحية إلى المصلحة ، مكالمة هاتفية…إلخ).

فالانتظار لمدة طويلة، والإحالات المتكررة لمبررات واهية، وإعطاء الأسبقية في مراكز الاستقبال دون مراعاة للترتيب، كل ذلك يخلق لدى الضحية عددا من الانطباعات السلبية حول مخاطبيه والمؤسسة التي ينتمون إليها.

وأول ما ينبغي الانتباه إليه هو إبداء الاهتمام بحالته، سواء كان المعني بالأمر حدثا أو بالغا، مع العمل على طمأنته ومواساته، وذلك إما بــ :
- التخفيف من درجة الخطورة؛
- تقديم غطاء أو كرسي للجلوس؛
- البحث عن شخص يتحدث لغة الضحية عندما لا يستطيع التحدث باللغة العربية؛
- إشعار الأشخاص الذين يرغب الضحية في مقابلتهم أو التحدث إليهم ... إلخ.

وفي هذا الإطار فإن الوضع الصحي أو النفسي للضحية، وكذا ما قد يوجد عليه من ضعف، (الأشخاص المسنون، الأطفال، أحداث تائهون، مرضى،معاقون…إلخ) يفرض على موظف الشرطة التحلي بقدرة عالية في مجال التواصل حتى يستطيع ملاءمة متطلبات مهنته مع هذه الوضعيات ( معرفة كيفية الانتقال إلى الاستفسار عن المشكل الطروح، فسح المجال لتقديم العلاجات للجريح، إعطاؤه الوقت الكافي لاسترجاع أنفاسه قبل مبادرته بالسؤال، طلب تدخل عنصر نسوي … إلخ).

وهذه المساعدة يجب أن تكون نابعة من الاحترام الواجب للشخص الضحية ولحرمته وشعوره الناجم عن الحالة التي يوجد فيها، دون أية اعتبارات أخرى كيفما كان نوعها.

ويمكن إبداء الاحترام للأشخاص الضحايا بـ:
- معاملتهم بدون تمييز أو تفرقة على أساس أصولهم أو دينهم أو سنهم أو جنسهم أو وضعهم الاجتماعي … إلخ؛
- تجنب البذاءة في اللسان ولاسيما المخاطبة بأسلوب فظ وغير لائق؛
- الأخذ بعين الاعتبار، متى أمكن ذلك، رغبة الشخص البالغ العاقل، في إشعار أقاربه عن حالته؛
- استعمال لغة مخاطبة سليمة وخالية من الابتذال؛
- التصرف بتأدب ولباقة، وبالتريث في الأقوال وتجنب الملاحظات المسيئة، حتى في مواجهة شخص مخالف.

وإذا كان الضحية في وضعية تجعله في حاجة إلى مساعدة موظف الشرطة، وجب على هذا الأخير اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحفاظ على سمعته وحمايته ماديا ومعنويا (تقديم ما يستر عورته، ابعاده عن أنظار الفضوليين، إتاحة الفرصة له للإفضاء بتصريح بصورة سريـة… إلخ).

وأمام جثة ضحية، يتعين الحفاظ على مظاهر الاحترام الواجب للموتى أثناء القيام بالأعمال المتطلبة قانونا، ولاسيما عند إجراء فحوص عليها.

وإدراكا للوقع السيئ الذي يترتب على إخبار شخص بنبأ سيئ ألم بأحد أقاربه أو معارفه (كما في حالة زوجين تعرضا لحادثة سير يلفظ أحدهما أنفاسه ويبقى الآخر على قيد الحياة…إلخ) أو حادث يمس بأمواله (حريق - نهب - انهيار مبنى…إلخ) في هذه الحالات وأمثالها يتعين القيام بالإخبار بصورة تدريجية وبلباقة متناهية.

وتقديم المساعدة للشخص تشمل أيضا العناية بأمواله وممتلكاته عندما يكون في ظروف لا يستطيع معها حمايتها بنفسه (غياب المالك أثناء نهب أمواله، الحفاظ على اللوازم والوثائق المتروكة في سيارة تعرض صاحبها لحادثة سير وتم نقله إلى المستشفى… إلخ) .

الاستماعات والتصريحات: (الفصل 21 ق.م.ج)
إلى هذا الحد، يعمل موظف الشرطة على الحصول من الضحية على العناصر الأساسية اللازمة لمعالجة القضية. وبالطبع فإن ما تم التطرق إليه في معرض الحديث عن "اللقاء الأول" يمتد ليطبق في هذه المرحلة الثانية، مع الحرص على مراعاة تدابير أخرى تكميلية.

فعلاوة على الهندام والسلوك، فإن الاعتناء بالمكاتب والأماكن التي يشغلها موظف الشرطة يعد تعبيرا آخر عن التقدير والاحترام للضحية. فحالة الأمكنة التي يتم فيها الاستقبال تؤثر بدورها على الصورة التي تتكون لديه عن مخاطبه وعن الهيئة أو المؤسسة التي ينتسب إليها.

لذا توجب على الشرطي إيلاء كامل الاهتمام والعناية لمحيطه العام وبيئته  المادية، وذلك بالحفاظ عليه في حالة لائقة وملائمة (نظافة، انتظام، الحفاظ على التجهيزات، تفادي الصور التي تخدش الحياء أو المثيرة للإحساس).

وتكتسي تصريحات الضحية طابعا سريا وتتمتع بحرمتها. لذلك يتوجب إيجاد إطار ملائم لضمان سريتها. ففي المصلحة أو الأماكن العمومية أو الخاصة يمكن اختيار مكـان لا يسمح بالدخول إليه للعموم. وفي الشارع العام فإن سيارة المصلحة قد تخصـص لهذا الغرض.

وفي نفس السياق، يستلزم ضمان سرية التصريحات، اتخاد التدابير اللازمة لضمان عدم إطلاع زملاء العمل عليها. (إغلاق أبواب المكاتب، الاستغناء عن حضور بعض الأشخاص بدون مبرر… إلخ).

وإذا كانت الضحية، تحت وقع الضرر الذي ألم بها، تسعى إلى التصريح بما بداخلها كوسيلة للترويح عن النفس، فينبغي أن يكون الشرطي على استعداد لتلقي تصريحاتها وأقوالها بصورة موضوعية ودون التسرع في إصدار أية أحكام مسبقة.

ومع هذا، فإن موظف الشرطة المقتدر، يستطيع أن يحصر تدخله في الحدود الضرورية، التي لا يكون فيها مساس ببعض جوانب الحياة الخاصة للمصرح.

وبالمقابل، فإن هذا الانفتاح لا يعفي موظف الشرطة من الحفاظ على واجبات التحفظ واحترام السر المهني (إفشاء الترتيبات الجارية للقيام بإحدى عمليات الشرطة - الإفضاء بتقديم شكايات لأسباب مشابهة من طرف أشخاص آخرين مع ذكر هوياتهم، إبداء آراء شخصية أو الإدلاء بتصريحات حول المؤسسات أو السلطات السياسية … إلخ).

ويمكن تقديم المساعدة للضحية بــ :
- استقبالها فورا أو بالتدخل لإنقاذها على وجه السرعة؛
- إبداء الاهتمام، وذلك بإعطائها الوقت اللازم وبالإصغاء إليها بإمعان؛
- مواساتها وطمأنتها والعمل على حمايتها، وعند الاقتضاء، بجعل إمكانيات المصلحة، في حدود الإمكان، في خدمتها لمساعدتها على تجاوز صعوباتها الآنية؛
- معالجة قضيتها بوعي ومهنية وإخبارها بالحلول المتخذة؛
- العمل على حمايتها والحفاظ على أموالها، كلما تطلب الوضع ذلك؛
- تقديم النصح اللازم لتفادي تكرار نفس الأحداث؛
- توجيهها إلى المصالح الاجتماعية المختصة لتقديم المساعدة، وعند الاقتضاء، إشعار هذه المصالح بالتدخل لهذا الغرض…إلخ.

والشرطي قد يميل، في بعض الحالات، إلى عدم إعطاء الأهمية اللازمة، لبعض الفئات من الضحايا، الذين تعودوا على مراجعة المصلحة لأسباب واهية، أو تافهة، أو المعروفين بسمعتهم السيئة لدى مصالح الشرطة. والتجربة الميدانية، أثبتت بأنه من الخطإ الركون إلى هذه الأفكار المسبقة من قبل رجال الشرطة، لأن بعض الوقائع المبلغ عنها أو المشتكى منها قد تكـون صحيحة بالفعل. والنتائج التي قد يتوصل إليها من خلال التدخل هي وحدها التي يمكن أن تبين بصورة موضوعية عدم صدق الادعاءات المفضى بها.

تتبع حالة الضحية: 
والمساعدة التي ينتظرها الضحية من موظف الشرطة لا تنحصر فقط في حسن التصرف وقت تلقي التصريحات. فحتى لا يترك الضحية حائرا أو متألما من جراء ما ألم به، يمكن لموظف الشرطة إعطاءه النصائح اللازمة حتى لا يجد نفسه مستقبلا في وضعية مشابهة. وعليه أن يدله على المصالح الأخرى التي يمكن أن تساعده بدورها. كما يمكنه أن يضع وسائل المصلحة رهن إشارته (مرافقته إلى محل إقامته، تمكينـه من الاتصـال هاتفيــا في حالة الضـرورة…إلخ) وعند الاقتضاء، يأخذ بنفسه المبادرة لإشعار المصالح التي تستطيع مساعدته، في حالة وقوع حادث محزن.


وللضحية الحق في أن تعالج قضيته من طرف مصالح الشرطة بوعي واقتدار مهني. إن إبداء الشك أو ترك شكوكه تحوم حول نتائج البحث أو إغفال إعطائه المعلومات التي من حقه الحصول عليها حول سير قضيته والاتصال به لأسباب تافهة وتسليمه وثائق في شكل غير لائق، أو أكثر من ذلك عدم إتباع إجراءات البحث التي تسمح بالحصول على نتائج مرضية…إلخ كل ذلك يعتبر سلوكا ماسا بحقوق الضحية ويخل بثقته في مصالح الأمن الوطني.

وعلاوة على ذلك فإن تصريحات الضحية يمكن أن تعرضه لأعمال انتقامية من قبل الأشخاص الذين يتضررون منها. وفي مثل هذه الأحوال، فإن تقدير جدية المخاطر التي تتهدد الضحية يُعتبر سببا كافيا بالنسبة لموظف الشرطة للاهتمام بحماية الشخص وباتخاذ التدابير الملائمة أو إرشاده إليها (إثارة انتباه الدوريات لاتخاذ بعض هذه التدابير، تكليف شرطة النجدة لتفقد مسكنه، الاتصال بصورة دورية بالضحية…إلخ).

ومن ناحية أخرى فإن بعض عمليات البحث، كالمواجهات، تقديم المشتبه فيهم، إعادة الانتقال إلى مكان الحادث، إعادة تمثيل وقائع الجريمة…إلخ من شأنها التأثير على إحساس وشعور الضحية. وللتخفيف من وقع هذه الأعمال على نفسيته، يتعين تهييء المعنيين بالأمر نفسيا بإخبارهم مسبقا وإعطائهم المعلومات اللازمة حول الهدف المتوخى من العملية، وعن كيفية إجرائها، دون إغفال، استعمال بعض اللوازم الخاصة لمثل هذه الإجراءات قدر الإمكان.

الهدايــــا:
إن بعض الضحايا يصرون على التعبير عن تشكراتهم وامتنانهم بتقديم بعض الهدايا. وقد يكون من الصعب في بعض الأحيان رفض هذا النوع من أشكال التعبير عن الاعتراف بالجميل. واعتبارا لطبيعة المهام المسندة إلى موظف الشرطة والتي يتقاضى مقابلها أجره من الدولة لقاء قيامه بوظيفته على الوجه الأكمل، وللتوفيق بين أداء هذه المهام والالتزام بالقيام بها دون أية نية في تحقيق نفع أو مصلحة خاصة أو الحصول على منفعة شخصية، وللحفاظ على مظاهر الوقار والاستقلالية في أداء المهام المنوطة به،  ليس بوسع موظف الشرطة سوى توجيه صاحب الهدية إلى إنفاق أو تخصيص هديته لفائدة أعمال البر والإحسان أو لمصلحة ذات فائدة عامة.


في معاملة مرتكبي الجرائم

إن الهدف المتوخى من أعمال الشرطة القضائية هو وضع مرتكبي الجرائم رهن إشارة العدالة. ولتحقيق هذا الهدف يتمتع موظفو الشرطة بصلاحيات مهمة تستلزم في بعض الحالات اتخاذ تدابير قسرية. والشرطي وهو يعمل إلى جانب السلطات القضائية المختصة، التي هي وحدها المكلفة بإصدار العقوبات، يتعين عليه عدم استعمال هذه السلطات إلا لتحقيق الأهداف التي سنت من أجلها.

النمط السلوكي العام الواجب إتباعه:
في مجال الشرطة القضائية، يواجه موظف الأمن أنماطا متباينة من الجرائم تتراوح بين مجرد المخالفة لتصل إلى الجنايات الخطيرة. غير أن السلوك المتبع في التثبت من الوقائع وكذا اتجاه الأشخاص المشتبه فيهم يقوم على مبادئ ثابتة.

التثبت من الوقائع:
الشرطي مكلف بالتثبت من ارتكاب الجرائم التي تصل إلى علمه أو التي يعاينها شخصيا وبإخبار السلطات القضائية بها.
وتنفيذ هذه المهمة يجب أن يتم في إطار يضمن معاملة لائقة ومتساوية لجميع المواطنين عندما يشتبه في ارتكابهم لأعمال إجرامية، وهذا دون الإخلال بسلطته في تحديد الإجراءات الواجب إتباعها، في كل حالة، على ضوء الظروف والملابسات المحيطة بها.
ومهما تكن القيمة القانونية المخولة للمحاضر المحررة لإثبات هذه الوقائع، سواء كانت حجة بما جاء فيها حتى يثبت ما يخالفها، أو كانت مجرد بيانات للاستئناس، فإن هذه المحاضر تكيف إلى حد بعيد القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء. وعلى هذا الأساس فمن اللازم أن يتضمن البحث الذي يتم القيام به جميع عناصر الإثبات التي تم التوصل إليها بأمانة، إن إيجابا أو سلبا. فالتقرير الدقيق والموضوعي هو وحده الذي يبرهن عن نزاهة وحياد رجل الشرطة.
ويمكن التدليل عن الموضوعية في معالجة القضايا بــ:
- الاحترام الدقيق للقواعد القانونية للبحث؛
- التحلي بالموضوعية وذلك بالبحث ليس فقط لإثبات التهمة ولكن أيضا لنفيها؛
- التقيـد بمبادئ النزاهة والتجرد من كل مصلحة بشكل لا يدع مجالا   للشك؛ 
- التقيد الصارم بقواعد احترام السر المهني.

الرشـــوة : ( الفصل 248 ق.ج)
وبوصف رجل الشرطة من المتمتعين ببعض مهام أو سلطات الإكراه، فقد تساوره فكرة استعمالها لأغراض شخصية. وهكذا فبقبوله عرضا أو هبة أو وعدا أو مزايا أو بطلبه لمبالغ أو منافع لقاء قيامه أو امتناعه عن القيام ببعض أعمال وظيفته، يرتكب جريمة الرشوة. ومثال ذلك أن يعمد مقابل الحصول على مزية أو منفعة بالأفعال التالية:
ـ أن ينسب جريمة إلى شخص لم يرتكبها (التقرير بأن سائقا قد تجاوز الخط المتصل في حادثة سير مثلا مع أنه لم يقم بشيء من ذلك … إلخ)؛
ـ اصطناع دليل (إدخال سلاح في حصيلة جس شخص يتم إيقافه... إلخ).
إن مثل هذه التصرفات تشكل أعمالا إجرامية. فهي توقع العدالة في الغلط وتدفعها إلى إصدار أحكام مخالفة للحقيقة. ويسري نفس الحكم على أعمال الاستفزاز التي تهدف إلى الدفع بشخص إلى ارتكاب عمل جرمي (التصرف المتعمد للشرطي بهدف دفع شخص آخر لإهانته أو ارتكاب أعمال عنـف ضده... إلخ).
فحسن سير إجراءات بحث جنائي تستلزم بذل مجهودات شخصية حازمة من قبل الموظفين المكلفين بالقضية. غير أن الباحث يبقى مطالبا بعدم الاندفاع في تحرياته. حتى لا ينتهي به هذا الحزم والإصرار إلى الانضمام إلى طروحات بعض الأطراف في القضية دونما تمحيص منه لادعاءاتهم، أو محاباة بعض الأشخاص، بصورة تتنافى مع مبادئ الموضوعية والحياد التام التي يجب أن تميز أعماله (الإصرار على النجاح في مهمة للحصول على الشهرة أو تلميع السمعة الشخصية - الجنوح إلى الانتقام من المشتبه فيهم... إلخ).

التصرف في مواجهة المشتبه فيهم:
يستلزم مبدأ الحياد التام، الذي يعتبر من مقومات الوظيفة الشرطية، عدم إجراء أي تمييز بين الأشخاص المشتبه في ارتكابهم للجرائم، وخاصة بسبب أصولهم، جنسيتهم، دينهم، أفكارهم واتجاهاتهم السياسية أو الفكرية، أو لأية اعتبارات أخرى.
فمرتكب الجريمة، بالرغم من إتيانه لفعل يثير الاستياء، إلا أنه يتمتع بالحق في المعاملة وفقا لقواعد اللياقة الأساسية، فالجدية والحزم لا يتنافيان مع الالتزام بالآداب وبالاتزان في المواقف والأقوال.
وفي نفس السياق، فإن سلوك الشخص المنحرف مهما كان مشينا، فإنه لا يبرر بأي حال من الأحوال، القيام بالتهجم أو التشفي من صاحبه. فالاعتدال والتريث هما وحدهما الكفيلان بالحفاظ على سمعة الهيئة التي ينتسب إليها موظف الشرطة.
ففي مواجهة أعمال عنف يستطيع الشرطي الذي يلتزم الهدوء ويحتفظ بتوازنه النفسي، أن يخفف من حدة المواجهة وأن يمسك بزمام الأمور. أما مواجهة السب أو الشتم بمثلهما فإنه لن يؤدي سوى إلى الزيادة في تصعيد التوتر.
وبعض الحالات تثير لدى رجل الشرطة ردود فعل عاطفية قوية (الحسرة أمام عمل إجرامي بشــع، الارتيـاح لإيقـاف مجرم خطير...إلخ). والتعبيـر عـن هذه الأحاسيس بصورة علانية أمام الجمهور يعد من المواقف غير المرغوب فيها؛ ويستحسن في هذه الحالات إبداء مواقف محايدة.
والشرطي، بحكم مهامه، مكلف على الدوام، بالعمل على احترام القانون والنظام. والقيام بهذه المهمة يتطلب منه التحلي بصفات خلقية نموذجية لا يحيد عنها، وإلا فإنه سيساهم في إعطاء صورة متناقضة عن نفسه للمنحرفين (السرقة أثناء القيام بعملية تفتيش وقائي على الأشخاص أو في مكان الجريمة، الرشوة، التحرش الجنسي بأطراف النزاع... إلخ).
وأخيرا فإن كل شخص مهما كان مشتبها فيه، فإنه يعتبر بريئا، إلى أن يصدر حكم بالإدانة في حقه. وموظف الشرطة الذي يكشف للغير عن هوية المشتبه فيه والأفعال المنسوبة إليه، يعتبر مخلا بهذا المبدإ، بل أكثر من ذلك يخرق الالتزام بالسر المهني.

استعمال سلطة الإجبار:
خلال مزاولته لمهامه، قد يكون الشرطي مضطرا إلى استعمال بعض وسائل الإكراه. وفي حالة اللجوء إلى هذه التدابير يجب أن تراعى فيها مبادئ التناسب وحماية الأشخاص الملقى عليهم القبض، وخاصة عندما يتعلق الأمر باستعمال القوة.
فالقانون يسمح للشرطة باللجوء إلى بعض التدابير القسرية حيال بعض الأشخاص (التحقق من الهوية، الإيقاف، الوضع تحت الحراسة النظرية... إلخ) ولكنه لا يعطي صلاحية اللجوء إليها في جميع الأحوال، وإنما يخول لموظف الشرطة تقدير مدى ملاءمة استعمالها (اتخاذ قرار بالوضع تحت الحراسة النظرية، تصفيد الأشخاص…إلخ).
واعتبارا لمساس هذه الإجراءات بالحريات الفردية، فإن على موظف الشرطة التثبت من تحقق الشروط التي يفرضها القانون لتطبيقها، وخاصة منها مبدأ التناسب.
وهذا الشرط الأخير يتحدد بالنظر إلى متطلبات البحث من جهة، والحفاظ على أمن وسلامة الشرطي من ناحية ثانية. وكل استعمال لوسائل الإكراه، خارج هذا الإطار يعتبر عملا تعسفيا لا يسمح به (الانتقام - الاستفزاز - ممارسة ضغوط نفسيـة - التسابق للرفع من الحصيلة …إلخ).
وعندما يتخذ قرار باللجوء إلى هذه الوسائل القسرية، بصورة مبررة، يتعين التزام التبصر والأناة في تنفيذه.
فالانتقال إلى مقر عمل شخص لإيقافه من أجل جنحة بسيطة، مع ما قد يترتب على ذلك من احتمالات فقدانه لعمله، والاحتفاظ بشخص دونما حاجة تستلزم ذلك، ومحاصرة شقة بشكل يزيد عن اللزوم بدعوى القيام بتفتيش دقيق، ووضع الأصفاد مع شدها بصورة مبالغ فيها... إلخ كل ذلك يعد من التجاوزات التي لا يسمح بها.

اللجوء إلى القــوة :
في مجال السماح للشرطي باستعمال الوسائل القسرية لتنفيذ بعض المهام، يأتي اللجوء إلى القوة - والتي يعتبر استعمال السلاح أهم تجسيد لها - في صدارة الإجراءات والتدابير الأكثر مساسا بحريات الأفراد.
والواقع العملي أثبت أن بعض الأشخاص لا يتوانون في استعمال العنف أثناء القيام ببعض الإجراءات في مواجهتهم. لهذا فإن اليقظة المستمرة وتطبيق القواعد المهنية في التدخلات (تقنيات الدفاع الذاتي) تعد من الشروط اللازمة في مثل هذه المواقف. وعلى الشرطي التقيد بها ضمانا لسلامته شخصيا ولسلامة الأفراد المشتبه فيهم أيضا.
وإذا كان من المفيد في بعض الأحيان، إظهار القوة حتى لا يضطر إلى استعمالها، إلا أن المبالغة في استعراض القوة، قد يؤدي إلى خلق جو من التوتر غير المرغوب فيه.
وبالنظر إلى بعض المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن استعمال القوة، فإن هذا الاستعمال لا يكون مقبولا إلا إذا كان الغرض منه تحقيق مصلحة عامة. وعلى هذا الأساس فإنه لا يجوز اللجوء إليها إلا في الحالات ووفقا للشروط التي يحددها القانون، كما يتعين وضع حد لها كلما زالت الأسباب المبررة لاستعمالها.
وحتى في الحالات التي يسمح فيها القانون باللجوء إلى القوة، فإنه يقرر الاعتدال في استعمالها ويجعله مشروطا بضرورة وجود التناسب بين وسائل الإكراه المستعملة ودرجة المقاومة التي تتم مواجهتها.
وفي العمل الميداني، أثناء وقوع أحداث مخلة بالأمن العام، يبقى الشرطي المتدخل هو وحده المتوفر على عناصر التقدير اللازمة المبررة لاستعمال القوة، واعتماده على العنف كوسيلة للتدخل وإهماله للتقنيات المهنية التي تناسب الموقف، يعد إخلالا بمتطلبات وظيفته وبالثقة التي يخص بها من طرف أجهزة الدولة التي عينته للقيام بمهام الشرطة.
وفي جميع الأحوال فإن استعمال السلاح يخضع وبشكل صارم لمبادئ الدفاع الشرعي (ف 124 – 125 من القانون الجنائي).


حماية الشخص الموقوف:
إن الشخص الذي يتم إيقافه يوجد في حالة خضوع تام لموظف الشرطة حتى في تلبية حاجاته الضرورية.
فوضعية الشخص الموقوف تجعله غير قادر على ضمان أمنه وسلامته الخاصة. وعلى الشرطي المكلف به، أن يتخذ كافة التدابير والاحتياطات لوقايته من حنق وغضب الجمهور وفضول وسائل الإعلام.
فعلاوة على الالتزامات التي يتحملها وفقا لقانون المسطرة الجنائية، فإن الشرطي ملزم بالسهر على حماية حياة وصحة كل شخص محتفظ به، حتى ولو لم يطلب بنفسه أية مساعدة أو علاج طبي. ولتحقيق هذا الهدف، يجب العمل على وجه السرعة على ضمان إغاثته عندما يصاب بجروح أو تظهر عليه حالة المرض.
والحفاظ على سلامة الشخص الموقوف يقتضي توفير الشروط الصحية الأساسية في المقرات والأماكن التي يتم فيها الاحتفاظ به. كما ينبغي أن يكون الشخص قادرا على الخلود إلى الراحة بصورة عادية، والحصول على الطعام بشكل مقبول.
وأخيرا، يمنع على الشرطي، على وجه الخصوص ـ مراعاة للاحترام الواجب للشخص الموقوف - أن يستعمل في حقه أي شكل من أشكال العنف أو يعامله معاملة لاإنسانية أو مهينة. وإذا عاين مثل هذه التصرفات، سواء صدرت عن الغير (معتقلين آخرين، أولياء الضحية... إلخ) أو زملاء في العمل، يتعين عليه نزولا عند واجب حماية الأشخاص، التدخل لوقفها أو لإحاطة السلطة المختصة علما بذلك.





في التعامل مع الشهـود

في سعيه الدائم لإبراز الحقيقة، يجد موظف الشرطة نفسه مضطرا إلى الاستعانة بالشهود. وهؤلاء، في معظمهم يكونون من الأشخاص الذين لم يستأنسوا بالأوساط الشرطية أو القضائية. وهم يأملون دائما، أن يجد الباحث صيغة توفيقية بين متطلبات البحث وبعض الصعوبات التي قد يواجهونها بسبب الإدلاء بشهادتهم.

ربط الاتصال بالشهود:
إن قبول الإدلاء بالشهادة يعد تصرفا حضاريا وسلوكا متمدنا يستحق التقدير ويستلزم الاهتمام والمعاملة اللائقة.

وكيفما كان الموقف، فإن صفات الاتزان، اللياقة والتريث تبقى مطلوبة، حتى في مواجهة شخص متردد. فمن خلال مظاهر الاحترام هذه، وكذا العناية بالأماكن المخصصة للاستقبال يمكن للجمهور الوقوف على نوعية الخدمات العامة المقدمة من طرف مصالح الأمن الوطني، وكذا مصداقية وحسن سير دواليبه.

قد يحدث أن يكون الشاهد في حالة من الاضطراب بسبب الحدث نفسه. وإذا كان من المفيد تلقي إفاداته في أسرع وقت ممكن، فإن الإلحاح عليه للإدلاء بها بنوع من التسرع قد يشعره بعدم التقدير ويخلق لديه إحساسا بعدم الثقة.

والإدلاء بالشهادة تلازمه من جانب الشاهد تضحية ببعض الوقت، واحتمال فقدان جزء من الأجر أو العائد، وفي بعض الأحيان احتمال التعرض لبعض المضايقات. والشرطي يمكنه التخفيف من وطأة هذه الإكراهات بتفرغه لتلقي الشهادة وإبداء الاهتمام، وذلك عن طريق:
- الاتفاق مسبقا مع الشاهد على موعد مع تحديد تاريخه ومكانه؛
- احترام المواقيت المحددة للاستماع؛
- تجنب ترك الشاهد ينتظر لمدة طويلة؛
- العمل على استدراك جميع المعلومات حتى لا يتم استدعاء الشاهد مرات أخرى.

وإذا عرض للشاهد في بعض الأحيان، أن يتخذ بعض الترتيبات، قبل الاستعداد للإدلاء بأقواله حول الموضوع، فإنه سيكون أكثر استعدادا وتفرغا، إذا ما منح الوقت الكافي والمساعدة اللازمة لتحقيق هذا الغرض (إخبار رب العمل أو الرئيس الإداري، إعلام أقربائه وذويه، التأكد من إغلاق المحل…إلخ).

ومن ناحية أخرى، لابد من إيلاء كامل الاهتمام لأية شهادة كيفما كانت صفة الشخص الذي يؤديها. والأفكار المسبقة ذات الصلة بالجنسية، أو النسب أو الوضعية الاجتماعية أو القناعات السياسية أو الدينية، والمتعلقة بالسوابق القضائية، تشكـل خرقا للاحترام الواجب للأشخاص ومساسا خطيرا بمبدإ التجرد والموضوعية في البحث عن الحقيقة.

فمما يجافي الصواب والنزاهة أن يعمد الباحث إلى إبعاد شهادة شخص لأسباب شخصية (التخفيف من الضغط الناجم عن كثرة الإجراءات، كون الشاهد خصما لأحد الزملاء في قضية سابقة، صرف النظر عن تصريحات بسبب مخالفتها لطروحات بحث تم وضعها مسبقا...إلخ).

والمعلومات التي يقدمها الشرطي للشاهد حول المقتضيات الحمائية والتزامه بالكتمان، كل ذلك سيسمح للشاهد بتقدير مدى وجدوى الإدلاء بشهادته ويساهم في التخفيف عليه من حدة المخاوف التي قد تنتابه.

وبعض القضايا تتطلب، أحيانا، الاستماع على الفـور إلى عدد كبير من الشهود. والاستعجال وارتفاع عدد الأشخاص الواجب الاستماع إليهم، ليست أعذارا يمكن التذرع بها من قبل الشرطي الباحث لإهمال احترام التزاماته تجاههم أو للتملص من واجباته المهنية في تلقي جميع الشهادات المفيدة.

تلقي تصريحات الشاهد:
عندما يمثل شخص ما أمام مصالح الشرطة للإدلاء بأقواله، فإنه بالمقابل ينتظر من الشرطي المكلف بالاستماع إليه، أن يصغي إليه باهتمام وأن يتلقى منه ما يفضي به من تصريحات. وهذا يستلزم من الشرطي، من جهة، أن يكون على اطلاع مسبق بملف القضية قصد تمحيص الشهادة وإعطائها المكانة اللائقة بها ضمن إجراءات البحث، ومن جهة أخرى حتى لا يعطي للمصرح الانطباع بأنه موظف غير ملم بما فيه الكفاية بموضوع القضية.

وبعض الأشخاص بحكم التزامهم بكتمان السر المهني، لا يستطيعون الإدلاء بتصريحاتهم بحرية وبصورة كاملة.

ويجب التذكير بأن الشاهد ملزم بتقديم شهادته في حالة التلبس بجناية وعند صدور طلب قانوني من طرف ممثلي السلطة العامة كما هو الحال في الإنابات القضائية.

والإطار العام الذي يجري فيه الاستماع إلى الأشخاص يعتبر محط اهتمام الشاهد. فحالة الأماكن وكذا الجو العام الذي يخلقه الشرطي وزملاؤه في العمل، هذه الجوانب كلها تساهم في تكوين نظرة الشاهد وتصوره حول الأمن الوطني، لذا يتعين إعطاؤها ما تستحقه من عناية واهتمام.

وإذا كان الاستماع إلى الشهود وسيلة لتوجيه البحث وفي نفس الوقت إجراء رسميا لإثبات أقوال الشاهد التي يرغب في الإدلاء بها للعدالة، فإن الشرطي مطالب بالتزام الحياد والموضوعية في نقل وتسجيل هذه التصريحات، سيما وأنه ملزم في كثير مـن الأحيان بمساعدة الشاهد في إيجاد الصيغ اللازمة لإثبات هذا التصريح كتابة.

ومن ناحية أخرى، فإن تبادل الحديث، غالبا ما يقود إلى الاستطراد وطرح مواضيع أخرى جانبية، وفي بعض الأحيان إلى فلتات. وإذا كان الاستطراد يساهم في خلق جسور للتواصل والحوار، فإنه في بعض الأحيان يصبح عملا غير مقبول، سيما إذا كان من شأنه الحط من قدر الهيئات المنظمة أو المؤسسات أو إصدار أحكام على المشتبه فيهم.

وأخيرا، قـد تبـدو عدم صحة بعض التصريحات واضحة. والتجرد والموضوعية لا تمنع موظف الشرطة من مواجهة الشاهد بالتناقض الحاصل في أقواله أو بمخالفة هذه الأقوال لوقائع أو تصريحات تم التوصل إليها من مصادر أخرى سابقة (حالة شاهد الزور).

التدابير المواكبة و اللاحقة:
بعد إدلائه بتصريحه، فإن الشاهد يكون في حاجة إلى معرفة ما سيترتب عن شهادته وما هي الإجراءات اللاحقة التي قد تستلزم اللجوء إليه. وإعطاؤه التوضيحات المطلوبة وإخباره عن إجراءات المسطرة التي قد تهمه لاحقا (استدعاؤه من طرف المحكمة- تحمل بعض المصاريف المتعلقة بالنقل والتنقل... إلخ) تساهم في طمأنته والتخفيف عليه.

ومن ناحية أخرى، فإنه ينبغي دائما تفادي كل اختلاط أو مواجهة غير مناسبة مع المشتبه فيه ( نقل الشاهد والمشتبه فيهم في وسيلة نقل مشتركة...إلخ) إذ يعد ذلك دائما مصدر إزعاج ووضع غير متحمل بالنسبة للشاهد.

استعمال وسائل الإجبار وسلطة الإكراه:
إن الشهادة ليست دائما عملا تلقائيا. فالشخص قد يتردد أو يرفض الإدلاء بأقواله دون أن يكون الدافع هو التسويف أو التهرب. (الخوف من ردود فعل انتقامية، الخوف من إفشاء السر المهني الذي هو ملتزم بكتمانه...إلخ).

فالتردد في الإدلاء بالشهادة يستلزم في بعض الأحيان تفهم الأسباب الكامنة وراءه. وإذا كان القانون يعطي للشرطي الصلاحية في بعض الأحيان لاستعمال وسائل الإكراه إزاء الأشخاص المترددين. إلا أنه لا ينبغي أن يغيب عن الذهن بأن الشاهد ليس شخصا مشتبها فيه.

وهذه المعطيات تدفعنا دائما إلى البحث عن صيغة وسط بين ضرورة استعمال وسائل الإكراه ومتطلبات البحث من جهة والاحترام الواجب للشاهد من جهة ثانية.


في استعمال سلطة الإكراه

مبادئ السلوك الثابتة:
إن تقييد الحقوق والحريات يشكل دائما مصدر قلق وانزعاج لدى من يتعرض له.
واللجوء إلى الإكراه من قبل الشرطي، وما يترتب عنه من نتائج يحظى بالقبول كلما كان الحزم في التنفيذ مقرونا باحترام الأشخاص (التحلي بالآداب وقواعد اللياقة في القول والسلوك…إلخ). كما أن توضيح إطار عمل الشرطي والضوابط التي تسمح له بالتدخل تجعل الجمهور أكثر تفهما وتقبلا لتدخلاته.
ومن ناحية أخرى، فإن ردود الفعل العنيفة من قبل الجمهور قد تزداد تصلبا عندما يعمد الشرطي وبشكل مبالغ فيه، إلى إظهار تحكمه في الوضع بالاعتماد فقط على قوته وسلطته. فهذا النوع من التصرف، يخلق الإحساس لدى الغير، بالاستفزاز والإثارة مما قد يشكل مصدر مواجهات كلامية أو مشادات عنيفة، لذلك فهو تصرف منبوذ وغير مقبول.
وفي الأخير يجب التذكير بأن الشرطي، ليس له من الناحية القانونية ـ وكيفما كانت الأحوال- أن يمس بمبدأ المساواة بين الناس. ذلك أن كل شكل من أشكال التمييز عند اللجوء إلى استعمال سلطة الإكراه يعتبر منافيا لقاعدة سواسية المواطنين أمام القانون التي يحميها الدستور.

الحق في الحياة وفي السلامة الجسدية: (ف 124 و 125 ق.ج)
تعتبر حالة الدفاع الشرعي عن الأشخاص والأموال والمنظمة بدقة في القانون الجنائي، هي الظرف الوحيد الذي يسمح فيه للشرطي باستعمال سلاحه المهني.
وحتى عندما تكون الشروط القانونية متوفرة، فإن الخطورة التامة لهذا العمل، تفترض أن يكون هو آخر حل يمكن اللجوء إليه، بعد استنفاذ باقي الحلول الممكنة أو الأقل ضررا. ومما يتنافى مع مبدأ الدفاع الشرعي، أن يعمد الشرطي إلى الاستفزاز المتعمد لارتكاب عمل مبرر بموجب مقتضيات الدفاع الشرعي.

فالدفاع الشرعي حق يخوله القانون، لا لإيذاء الغير، ولكن للدفاع عن النفس أو المال.

وعلاوة على حالة الدفاع الشرعي عن النفس أو المال وفقا للشروط التي يحددها القانون، ثمة أوضاع أخرى يمكن فيها المساس بالسلامة الجسدية للفرد، ويكون ذلك في الحالات التي يسمح فيها القانون باستعمال القوة لتنفيذ بعض المهام، وخاصة أثناء إيقاف الأشخاص أو القيام بمهام استثباب الأمن.
وإذا كان استعمال القوة مشروعا، في حالة الاضطرار، فإنه يبقى مشروطا بوضع حد لهذا الاستعمال كلما زالت الظروف التي استلزمته (إحكام السيطرة على المشتبه فيه، تشتت المتظاهرين…إلخ) وكذا الامتناع عن القيام بخلق الظروف والأسباب المبررة لاستعمالهــا (دفـع شـخـص إلـى العصيان...إلخ).
وفي أعمال المحافظة على النظام، فإن الطابع الجماعي للتدخلات لا يشكل عذرا للتجاوز في استعمال القوة (التوجه إلى أشخاص غير مشاركين في التجمهر...إلخ).
واللجوء إلى التعنيف من قبل بعض موظفي الشرطة، في سعي للحصول على فعالية أكثر أثناء الاستنطاق، يعد معاملة مشينة، وتصرفا مهينا لمن يتعرض له. وأكثر من ذلك فإن هذه الطريقة في العمل تفتقد إلى الفعالية المزعومة، بسبب ما تلحقه بالمسطرة من عيوب فادحة وبما تعرض أصحابها لمتابعات جنائية ومدنية وتأديبية وبما تلحقه من ضرر بسمعة المؤسسة.
والإلمام بقواعد الاستنطاق المهنية يشكل أهم وسيلة للحصول على الاعتراف بالوقائع، والحصول على الإفادات اللازمة من المشتبه فيهم، وذلك في إطار قانوني صحيح تحترم فيه حريات الأفراد وحقوقهم الأساسية، ودون أي إخلال بقواعد المهنة وأصولها. وعلى الشرطي أن يكون حريصا أشد ما يكون الحرص في هذا المجال الذي أصبح مطية يركبها عدد كبير من المجرمين الذين لا يتوانون في الادعاء بتعرضهم لأعمال عنف يستغلونها كوجه من أوجه دفاعهم عند مثولهم أمام المحاكم.
ومن ناحية أخرى يتعين التذكير بأن الاقتناع الصميم بثبوت وقائع ونسبتها إلى شخص أو أشخاص معينين ينبغي أن يرتكز على عناصر إثبات موضوعية (وسائل إثبات مادية وعـلمية) أكثر منه على مجرد اعترافات بسيطة، يفضي بها المشتبه فيهم، ومن تم، فإن اللجوء إلى العنف كوسيلة للوصول إلى الحقيقة يعتبر عملا غير مقبول في العمل الشرطي.

التقيد بالاحترام واللياقة الواجبين نحو كل إنسان:
إن بعض التدابير الشرطية تعد في حد ذاتها مهينة ومخلة بشرف من يخضعون لها. ويدخل في حكم هذا النوع من التدابير، الاحتفاظ بالأشخاص، التصفيد، الجس والتفتيش الجسماني. وقد تزيد الظروف والملابسات التي تتم فيها هذه الأعمال من حدة الطابع المهين الذي تتسم به.
وفي جميع الحالات التي يكون فيها الشخص تحت سيطرة رجل الأمن، يتعين على هذا الأخير عدم استعمال هذه الوسائل إلا في الحدود وضمن الحالات التي تستلزم اللجوء إلى سلطة الإكراه (عدم استعمال الأصفاد بغير مبرر… إلخ).
فالحرص على الحفاظ على كرامة الإنسان يستلزم أيضا اتخاذ جميع تدابير الحيطة والحذر التي يقتضيها الموقف، كالتزام السرية والتكتم، عندما تباشر هذه الإجراءات تحت أنظار الجمهور وكذا السهر على نظافة أماكن الإيواء.
وبالنسبة لبعض الأعمال الأخرى، كالكشف على جثة أو تفحصها، فإن طريقة القيام إذا كانت معيبة وحدها يمكن أن تشكل مساسا بالاحترام الواجب للموتى.

حرية التنقل والتجول:
تعد حرية الأشخاص هي الأكثر تعرضا للعديد من القيود التي قد يفرضها العمل الشرطي.
والأسباب المبررة لهذه التدابير كثيرة ومتنوعة، وتهم مجالي الشرطة الإدارية والقضائية على السواء (المراقبة الطرقية، تنظيم المرور، إقامة مناطق آمنة، الأعمال النظامية، مراقبة الأجانب، التحقق من الهوية، الإيقاف، الوضع تحت الحراسة، تنفيذ بعض الأوامر القضائية …إلخ).
وهذه التدابير والإجراءات الشرطية، والتي يتراوح أمدها من بضع دقائق إلى بضعة أيام، تخلف لدى المعنيين بها شعورا بالخضوع بسبب ما تنطوي عليه من التزامات بالامتثال.
غير أنها تبقى مطابقة لمتطلبات المصلحة العامة التي أملتها عندما يكون اللجوء إليها وتنفيذها محدودين في الزمان والمكان.
فمهام المراقبة بجميع أشكالها (المراقبة الطرقية- مراقبة الهوية-مراقبة الأجانب…إلخ) ما تقررت إلا لفائدة المصلحة العامة، فلا ينبغي أن تتحول تحت هذا الغطاء، إلى وسائل من شأنها أن تمس بحرية التجول والتنقل التي يتمتع بها كل شخص يوجد فوق التراب الوطني، وطنيا كان أو أجنبيا.

الحق في حرمة الحياة الخاصة:
القاعدة أن كل شخص له الحق في حرمة حياته الخاصة. إلا أن هذا الحق لا يتمتع به الشخص بصورة مطلقة بالنظر إلى ما قد يرد عليه من قيود قانونية أثناء مباشرة رجل الشرطة بعض الإجراءات التي قد تحد من مداه، كما هو الحال بالنسبة للمعاينات، التفتيش، الاستجواب، التتبع والمراقبة، وكذلك الأمر بالنسبة لإنشاء جذاذات، إجراء أبحاث على السلوك، التقاط الاتصالات بالطريق السلكي أو اللاسلكي، حجز المراسلات ...إلخ.
وفي جميع الحالات التي يكون فيها الشرطي مطالبا بالتدخل في كل ما يمكن أن يعتبر من صميم الحياة الخاصة للفرد، عليه أن يلتزم، بما تقتضيه مبادئ المهنة وأصولها، وذلك بضبط فضوله وميله نحو الاستطلاع بشكل لا يتجاوز الحدود التي تستلزمها المهمة الموكولة إليه. وهذه المبادئ تتطلب عدم اتخاذ أية مواقف مسبقة أو تكوين آراء شخصية حول أي جانب من جوانب الحياة الخاصة للأفراد، مع التقيد بضوابط السرية والتكتم التام في جميع ما يطلع عليه، إلا ما يقتضيه واجب إخبار السلطات المختصة.
ويجب التذكير أيضا بأن حماية الحياة الخاصة تشمل كذلك احترام حق ملكية الصورة لصاحبها. فمن جهة، لا يسمح له بالمساس بهذا الحق، إلا في الحالات الخاصة المحددة قانونا، وذلك بالقيام في إطار تنفيذه لبعض مهام المراقبة أو عملية التشخيص القضائي بأخد صور فوتوغرافية (أوصاف الشخص تحديد القيس الجسماني، المراقبة بالكاميرا…إلخ). وهذه الوثائق والمستندات المحصل عليها تخضع لمقتضيات الحفاظ على السر المهني، فاستخراجها، واستغلالها، وتوزيعها وحفظها، لا يسمح به إلا لتنفيذ المهام الشرطية التي استوجبتها.
ومن ناحية أخرى، يتعين عليه حجب الأشخاص الخاضعين لبعض الإجراءات الفردية عن أنظار الفضوليين والمستطلعين، وخاصة وسائل الإعلام بجميع أنواعها (خفر الأشخاص الموقوفين، وضع سترة على الأشخاص المصفدين، إبعاد الفضوليين عن مسرح الجريمة… إلخ).

حرمة المسكن: (ف 230 ق.ج)
ترد على مبدأ حرمة المساكن بعض الاستثناءات، ففي الحالات التي يحددها القانون، يسمح للشرطي بالدخول إلى مسكن شخص ولو بدون رضاه، أو في غيبته، كلما دعت المصلحة العامة إلى ذلك (إجراء تفتيش إيقاف شخص، تقديم مساعدة لشخص في خطر …إلخ).
وفي كثير من الحالات قد لا يتأتى فتح الأبواب بصورة عادية إما بسبب رفض الشخص أو الأشخاص الموجودين بداخل المحل، أو تعذر ذلك بسبب عدم التوفر على المفاتيح. في مثل هذه الحالات، ومع مراعاة الطابع الاستعجالي الذي يكتسيه التدخل في بعض الأحيان، ينبغي البحث عن وسائل تمكن من الدخول دون التسبب في خسائر للممتلكات أو إتلاف لوسائل الإغلاق (محاولة إقناع صاحب المسكن، تسخير قفال، البحث عن المفاتيح لدى البواب…إلخ)، قبل الإقدام على أية حلول بديلة.




استغلال المعلومات

يتولى رجل الأمن – إضافة إلى مهامه الاعتيادية – البحث عن المعلومات، وضبطها، وتوجيهها إلى الإدارة العامة للأمن الوطني بهدف استغلالها. وفي جميع الدول الحديثة تجد مثلا هذه الأعمال مبررها في تحقيق المصلحة العامة للوطن والمواطنين.

غير أن الإشكال المطروح يكمن في إيجاد صيغة مثلى بين متطلبات تنفيذ هذه المهام، من جهة، واحترام الحقوق الأساسية والحريات العامة والفردية من جهة أخرى.

البحث عن المعلومات:
مصادر الأخبار والمعلومات متعددة: محفوظات وجذاذات من جميع الأنواع، مستندات، صـور، تتبع مراقبة، مخبرون، مراسلون شرفيون، تعاون مع مصالح أخرى… إلخ. غير أن البحث عن المعلومات يخضع للمبادئ الأساسية التي تنظم أنشطة الأمن الوطني ككل وهي: احترام مبدأ المشروعية والالتزام بأخلاقيات المهنة الشرطية. فعندما يكون الحصول على المعلومات من بعض المصادر مقننا، يصبح من اللازم التقيد بالضوابط والنظم التي تحدد شروط الحصول عليها، لأن في ذلك وقاية من الوقوع في الزلل. وكل تحايل على القوانين، في هذا الإطار، يعد عملا غير شرعي.
وثمة مصادر أخرى للمعلومات لم ينظم اللجوء إليها أي نص، حيث يبقى لموظف الشرطة، أن يستنير بأخلاقيات المهنة اللازمة لضمان احترام الشرعية.
وبعض الصعوبات تطرح أكثر عندما يكون مصدر المعلومات هو الإنسان، حيث إن الشخص نفسه يتحمل التعرض لبعض المشاكل عندما يقبل إعطاء بعض المعلومات. لهذا وجب مراعاة الحد الأدنى من الضمانات التي يمكن توفيرها، وذلك بكتمان هويته وباتخاذ تدابير الحيطة اللازمة أثناء اللقاءات معه.
وللحصول على معلومة ما، قد يكون من اللازم في بعض الأحيان العمل على إقناع من يمتلكها بتبليغها. وإذا كان الكل يجمع على عدم قبول استعمال وسائل العنف أو الإكراه المادي في هذا المجال، إلا أن البعض ليس له نفس الموقف حول مدى وحدود توظيف الضغوط النفسية للوصول إلى نفس الهدف.
وفي هذا الإطار، يجب التذكير بأن الغاية لا ينبغي أن تبرر الوسيلة في جميع الأحيان، خاصة إذا كانت هذه الوسيلة ماسة بكرامة الإنسان وبالاحترام الواجب للأشخاص.
ويمكن احترام القيم الإنسانية النبيلة والالتزام بأصول المهنة في مجال الأنشطة المرتبطة بجمع المعلومات بمراعاة ما يلي:
0  التقيد بالنصوص المنظمة للحصول على بعض أنواع المعلومات؛
1  السهر على مراقبة تنفيذ المهام المنوطة بالمرؤوسين في هذا المجال؛
2  احترام الالتزام بكتمان السر المهني ومراعاة التزام الآخرين به؛
3  احترام الأشخاص (المخبرون)، وعلى وجه الخصوص، عدم السماح باستعمال أي عنف مادي أو معنوي ضدهم، والسهر على احترام سرية من يبدون استعدادهم للتعاون في هذا المجال.
إن بعض القضايا ذات الخطورة المتميزة كالإرهاب وبعض الجرائم النكراء، لا ينبغي أن تدفع بالشرطي إلى استعمال وسائل ضغط غير مناسبة للحصول على المعلومات التي يحتاج إليها. وصفته كموظف خاضع لسلطة رئاسية تفرض عليه، خصـوصا في بعض العمليات الشائكة والمعقدة، الحصول على موافقة مسبقة من السلطة الرئاسية والعمل علـى إخبارها باستمرار بتقدم عمليات تنفيذ المهمة المسندة إليه.
وتراعى هذه الالتزامات بشكل أكثر دقة وصرامة عندما يكون موظف الشرطة بحكم طبيعة المعلومات التي يسعى للحصول عليها، مضطرا للالتقاء بأشخاص ذوي أنشطة مشبوهة، وكذا عندما يكون بصدد تنفيذ مهمة تسرب في أوساط هؤلاء.
وعلى الشرطي، وهو يستحضر دائما في ذهنه الهدف الأول من هذه المهام، أن يحترس من أن تتحول هذه اللقاءات إلى أسباب للاستباحة والانزلاق. وعلى زملائه، من جهتهم، أن ينبهوه كلما ظهر لهم بأن الوضع يدعو للقلق (تسخير الموظف من طرف الهدف).
ولتمكينهم من أداء مهامهم، فإن الإدارة تضع، بعض الاعتمادات المالية، رهن إشارة موظفيها. وهذه العملية، تندرج في إطار علاقات الثقة وتستلزم أن توظف هذه الاعتمادات في الأغراض المخصصة لها.
وأخيرا فإن الدولة تضع رهن تصرف موظفي الشرطة وسائل هامة للبحث ولهذا، فإن استعمالها يجب أن يكون محصورا في الحدود التي تتطلبها حاجيات المصلحة، ولا ينبغي، بأي حال من الأحوال استعمالها لأغراض خاصة أو مذهبية (البحث لفائدة حزب سياسي).

معالجة المعلومات:
إن مبدأ المشروعية يفرض نفسه، حتى في هذا الجانب من الأنشطة المتعلقة باستغلال المعلومات المحصل عليها. فمن غير المقبول، مثلا، إدخال تغيير أو تحوير على المعلومات التي سترفع إلى السلطات الإدارية أو القضائية.
ويعتبر، من باب الإخلال بالثقـة والإخلاص الواجب تجاه المؤسسات، تسريب أو إفشاء أسرار تتعلق بعمليات أو أنشطة شرطية تمت أو في طور التنفيذ، حتى ولو تم ذلك بشكل عفوي (عدم التكتم خلال محادثة خاصة أو مهنية، أو إخبار صديق أو قريب بسير إجراءات البحث في قضية معينة…إلخ).
وكل استعمال لمعلومات تم التوصل إليها في إطار مزاولة المهام، لتحقيق مآرب شخصية مباشرة (استغلال معلومات ذات طابع تجاري أو مالي لإبرام بعض الصفقات والحصول على أربـاح من ورائها... إلخ) أو غير مباشرة (الإدلاء بتصريح لوسائل الإعلام بقصد اكتساب الشهرة أو الظهور بمظهر لامع... إلخ) يعتبر منافيا لواجبات الاستقامة والتجرد.
وعلى الرغم من أن مضمون بعض المعلومات قد يُخالف أحيانا بعض الطروحات أو المواقف السابقة، أو قد يتسبب في توتر أو إحراج (توجيه أصابع الاتهام إلى زميل في العمل… إلخ) فإن البحث عن الحقيقة يفرض استغلال الخبر بكيفية موضوعية. فكل معلومة، كيفما كانت المواقف المسبقة من مصدرها أو الآراء حول جديتها، تستلزم عدم نبذها أو استبعادها إلا بعد التحقق منها، وضبط صحتها من مصادر أخرى.
وإذا كان الحفاظ على المصادر يستوجب ضمان سريتها، فإن توسيع دائرة المطلعين على المعلومات، أثناء معالجتها، قد يسيء إلى هذا المبدأ. لهذا وجب اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لعدم الكشف عن هوية الأشخاص عندما لا يكون ذلك ملازما للاستغلال أو المعالجة اللاحقة للمعلومات.
وعلى موظف الشرطة أن يتقيد بالنصائح التالية عند تقصي الخبر:
4  عدم استعمال وسائل البحث إلا لأغراض مهنية محضة؛
5  الاستغلال الهادف، الواعي والموضوعي لكل معلومة؛
6  الحرص الشديد على عدم تسريب أو إفشاء معلومات تتعلق بالقضايا أو الأشخاص أو المهام المنجزة من طرف المصلحة، إن بشكل إرادي أو لا إرادي؛
7  الإخبار الصحيح والدقيق للسلطة الرئاسية بالمهام المنجزة والأخبار المستجدة.
وموظف الشرطة، بحكم مهامه هو على علم بكم هائل من المعلومات السرية والتي قد تكون في نفس الوقت محط اهتمام أشخاص أو جهات غير مؤهلة للإطلاع عليها (المكلفون بالأبحاث الخاصة – الصحفيون – المشغلون... إلخ). وهؤلاء لن يتوانوا عن طلب الحصول على بعض هذه المعلومات. والجواب الوحيد على مثل هذه الطلبات ينبغي أن يكون هو الرفض البات والمطلق.

حفظ المعلومات:
تفاديا لكل مساس بالحقوق الفردية أو الحريات الجماعية، لا يجوز الاحتفاظ بالمعلومات عن الأشخاص أو الهيئات إلا إذا كان مسموحا به قانونا. وكل مسك لمحفوظات أو جذاذات بصورة خفية يعتبر غير مشروع. وإذا لم يعد هناك ما يبرر الاحتفاظ ببعض المعلومات، وجب إتلاف المستندات والوثائق التي تتضمنها، وفقا للضوابط والأحكام المطبقة في هذا الإطار.
وثمة مقتضيات تحدد طرق حفظ واستغلال المعلومات المتوفرة لدى مصالح الأمن الوطني. ومراعاة حقوق وحريات الأطراف المعنية، يفرض الاحترام التام للقواعد والشروط الموضوعة للحصول على هذه المعلومات أو الإطلاع عليها. وكل إخلال من قبل موظفي الشرطة بالتدابير الاحتياطية الموضوعة للحفاظ على هذه المعلومات، يعد مخالفة لهذا المطلب الحيوي. وفي هذا الإطار فإن نتائج الإهمال وعدم الاحتياط تتساوى مع التهور والغش (عدم وضع مستند في مكان مغلق، ترك أشخاص غير مرخص لهم يطلعون على محفوظات المصلحة … إلخ).

إشراك السلطة الرئاسية:
إن المهام المتعلقة بجمع المعلومات وحفظها تعتبر بالغة الخطورة. غير أنه يمكن أن تتخللها هفوات، لا يستطيع مرتكبوها تقدير أبعادها.
ولتلافي هذه المحاذير، يتعين على الرؤساء الإداريين أن يسهروا على تتبع سير مصالحهم، وأن يكونوا يقظين باستمرار، حتى يتأتى لهم إعطاء التعليمات اللازمة في حينها.
ويجب أن تكون هذه التعليمات واضحة ومحددة بحيث يستطيع موظف الشرطة تنفيذها بدقة وإحاطة سلطته الرئاسية علما بذلك، في إطار الاحترام التام للسلم الإداري.


المحيط المهنــي

إن الموظفين والأعوان التابعين للأمن الوطني، بحكم طبيعة مهامهم، تربطهم علاقات مع عدة شركاء مهنيين، خاضعين للقانون العام أو الخاص، يتولون بدورهم مهام ذات مصلحة عامة (القضاء – الدرك الملكي- السلطة المحلية – مصالح الوقاية المدنية - الجمارك- شركة التبغ … إلخ).
وبحسب كل صنف من هؤلاء الشركاء يجد موظف الشرطة نفسه، إما في علاقة تبعية أو تعاون أو تكامل وظيفي. وعليه، فإنه في جميع هذه الحالات، يقوم بما في وسعه، لتحقيق المصلحة التي تسعى إليها مختلف هذه الهيئات والمصالح المتدخلة، وفقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

أسس العلاقة مع المحيط :
إذا كان الأمر، من الناحية القانونية والتنظيمية هو عبارة عن علاقة بين هيئات، فإنه يترجم عمليا إلى اتصالات بين الأشخاص الذين يمثلون هذه المؤسسات. وتتمثل هذه العلاقات في مكالمات هاتفية أو مراسلات إدارية، وأحيانا أخرى، قد تأخذ شكل اتصال مباشر و القيام بعمل ميداني مشترك.
وكيفما كان الوضع، فإن اللياقة والتأدب ينبغي أن يسودا دائما في التعامل مع هذه الهيئات، كما أن ضبط النفس والتحفظ في الأقوال والتصرفات وكذا العناية بالهندام تعطي لموظف الأمن الوطني صورة محاور كفء جدير بالاحترام. والتقيد بهذه المبادئ يكتسي أهمية بالغة كلما تعلق الأمر بإبداء رأي مخالف أو مواجهة موقف متردد من لدن الأطراف الأخرى.
ولا شك أن هذا التوجه سوف يتأثر سلبا بكل رأي أو موقف ينم عن عدم الاحترام، أو يميز بين الأشخاص اعتبارا للهيئات التي يمثلونها، أو الوظائف التي يزاولونها.
إن التعامل مع الهيئات (القضاء- المنتخبون- أعضـاء الحكومـة- كبار الموظفين-الممثلون الديبلوماسيون…إلخ) يتطلب من موظف الشرطة مراعاة شكليات خاصة للاحترام، ولكن دونما تملق أو خضوع.

الوضعية التي يكون فيها موظف الشرطة في حالة تبعية:
بصرف النظر عن الأوامر والتعليمات التي تصدر إلى موظفي الأمن الوطني من رؤسائهم الإداريين، يمكن أيضا تلقي الأوامر والتعليمات من بعض الهيئات القضائية ومن ولاة وعمال الولايات والعمالات والأقاليم في نطاق الاختصاصات المخولة لكل منهم. ذلك أن هؤلاء يتبوؤون مكانة خاصة في النظام القانوني المغربي ويعتبرون في مصاف السلطات والهيئات الدستورية في الدولة.
وبوصفه في وضعية التبعية الوظيفية إزاء هذه السلطات، فإن على موظف الشرطة العمل على تنفيذ المهام المسندة إليه من قبلهم. ولهذا الغرض يتعين عليه استخدام الوسائل التي يتوفر عليها لتحقيق الأهداف المرجوة، مع إحاطة هذه الجهات علما بالأعمال التي قام بها وبالنتائج المتوصل إليها دون انتقاص أو إهمال.
وعلى موظف الأمن الوطني أيضا إخبار هذه السلطات بكل الصعوبات التي قد تعترض تنفيذ هذه المهام. ويفرض عليه الإخلاص في مهمته أن يعرض على السلطة المعنية كل ما يمكن أن يثيره الأمر الصادر إليه من شكوك حول مدى شرعية العمل المطلوب وكذا الطريقة المرسومة لتنفيذه.
والصلاحيات المخولة لهؤلاء المتدخلين الخارجين عن السلطة التسلسلية، تستلزم من موظف الشرطة التقيد بالاحترام الواجب تجاه رؤسائه الإداريين. ويطبق هذا الالتزام سواء تعلق الأمر بتلقي التعليمات (إخبار السلطة التسلسلية بمهمة أو عمل لم يكن في علمها…إلخ) أو بإرسال النتائج المتوصل إليها (إحالة التقارير والمراسلات في هذا الشــأن على الرئيس الإداري… إلخ).
وبعض الأشخاص، بحكم وظائفهم الرسمية (منتخبون، كبار الموظفين، رؤساء بعض المجالس المحلية… إلخ) قد تساورهم فكرة ممارسة سلطة فعلية أو واقعية على موظف الشرطة. ودون الإخلال بالتأدب والاحترام الواجب لوظائف الشخص المعني بالأمر. فإن الرد الوحيد الممكن والمقبول على مثل هذه الطلبات هو الرفض. ومن الملائم التذكير في هذا الصدد، بأن العمل الشرطي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، مما يفرض الالتزام بالشروط والضوابط التي يحددها القانون للوصول إلى هذه الغاية.

الوضعية التي يكون فيها موظف الشرطة في علاقة تعاون:
إن الأمن الوطني ليس هو وحده المكلف بالمحافظة على الأمن والنظام، بل هناك هيئات أخرى تشاركه نفس المهمة. وشركاؤه في هذا المجال، على المستوى الداخلي هم: الدرك الملكي، رجال السلطة، القوات المساعدة، إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة…إلخ)، وعلى المستوى الخارجي شرطة الدول الأجنبية والشرطة الدولية، وفقا للاتفاقات والمعاهدات الدولية المبرمة بين المملكة المغربية وبعض الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية. وثمة منافسة طبيعية بين المصالح والإدارات التي تسعى إلى تحقيق نفس الهدف (الأمن الوطني، الدرك الملكي، الجمارك…إلخ)  حيث يسعون كلهم إلى محاربة آفة المخدرات على سبيل المثال.
إن السلطة العامة هي المكلفة بوضع إطار لتبادل المعلومات أو تداولها بصورة مشتركة وكذا تحديد طرق التدخل في الميدان من قبل ممثلي مختلف هذه المصالح والإدارات (مراقبة الهجرة والاستيطان، المراقبة الطرقية، مهام الشرطة القضائية…إلخ).
وهذا التعاون يهدف إلى ضمان فعالية أكبر في العمل. ولا شك أن التصرف بحساسية، كاحتكار المعلومات مثلا، يؤثر على المردودية، ومن شأنه إثارة ردود فعل مماثلة من طرف النظراء المعنيين. كما أن ترجيح بعض الاعتبارات الخاصة بالهيئة أو بالمنتسبين إليها، في التعامل مع ممثلي المصالح والإدارات الأخرى، يتنافى مع المصلحة العامة التي يهدف الأمن الوطني إلى تحقيقها.
وأثناء تنفيذ بعض المهام، يتدخل موظفو الأمن الوطني بشكل مواز مع أعوان تابعين لإدارات ومصالح أخرى تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة (إنجاز المخطط الأمني، التدخل على إثر كارثة طبيعية مع رجال الوقاية المدنية، مساعدة أعوان التنفيذ بالمحاكم…إلخ). ويقتضي إنجاز هذه المهام، على الوجه الأكمل، أن تضم مصالح الشرطة جهودها وخبرتها إلى هذه المصالح والهيئات للقيام بعمل مشترك يضطلع فيه كل واحد بالدور المنوط به.
ويتطلب هذا النوع من التعاون أن تكون جميع المصالح والهيئات المتدخلة على استعداد تام لتنسيق جهودها وحث موظفيها للتدخل بكفاءة واقتدار بهدف تسهيل مهمة الآخرين (تكوين منطقة أمنية كافية لتمكين مصالح الوقاية المدنية من التدخل، التشاور المسبق مع رئيـس المؤسسة التعليمية للقيام بتدخل في الوسط الطلابي…إلخ).
وأخيرا، فإن الشرطي قد يكون في بعض الحالات طالبا للمعلومات أو للمساعدة (اللجوء إلى المصالح الطبية لإسعاف شخص موضوع تحت الحراسة، طلب معلومات من إحدى مراكز تسجيل السيارات…إلخ). ففي هذه الحالات وأمثالها، ليس دائما من السهل الحصول على المعلومات أو المساعدة المطلوبة. فبالرغم من حالة الاستعجال أو الأهمية القصوى التي تكتسيها هذه الخدمات، فإن صفة موظف الشرطة وحدها لا تخول جميع السلط اللازمة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منها برفع القيود والضوابط التي يخضع لها الآخرون (كثرة الأعباء، إتبــاع مسطرة خاصــة، السر المهني…إلخ). لذلك ينبغي على موظف الشرطة أن يتأدب للحصول على المساعدة المطلوبة بفعالية.
وباستثناء الحالات الخاصة المقررة صراحة، فإن التعاون المشار إليه أعلاه، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون عذرا لخرق التزامات التكتم والسر المهني التي تقع على كاهل موظف الشرطة.
ويمكن الحصول على أكبر قدر من الفعالية في إطار العلاقات مع مختلف المصالح والهيئات المعنية بــ:
- القيام بالمهام المسندة بكفاءة واقتدار وفقا لما تمليه أصول وقواعد الشرطة؛
- نبذ الأسلوب الإنطوائي والعمل على تقديم المساعدة اللازمة وفقا للقوانين والضوابط المعمول بها؛
- نهج أسلوب التشاور والحوار، وعند الاقتضاء، إبداء الرأي حول مدى مشروعية بعض الطلبات المقدمة من طرفهم أو التدخلات المزمع القيام بها بتأدب ولياقة؛
- إحاطة السلطة الرئاسية علما بكافة المستجدات بصورة مستمرة.
أثناء القيام بمهام مشتركة بتعاون مع مصالح عمومية أخرى (رجال الوقاية المدنية - الجمارك - الدرك الملكي… إلخ) تكون لكل مصلحة أولويات خاصة تهدف إلى تحقيقها. ولهذا الغرض، يكون من اللازم، العمل على نحو يستطيع معه كل متدخل أن يؤدي مهامه بالشكل المطلوب.

العلاقات مع وسائل الإعلام:
إن مهام الشرطة بحكم طبيعتها تدفع إلى الالتقاء بعدد من أصحاب المهن الحرة، وكذا وسائل الإعلام بجميع أنواعها وتخصصاتها.
فإذا كانت هذه الوسائل تساهم في كثير من حمـلات التوعيـة والتحسيـس للوقايـة من الجريمة…إلخ، فإنه بالمقابل لا يفتأ القائمون عليها يترددون على مصالح الشرطة للحصول على بعض المعلومات و الأخبار.
لأجل ذلك، ينبغي أن تتم هذه العلاقات في إطار أخلاقيات المهنة الخاصة بكل فئة. فعندما يتصل موظف الشرطة مع الصحافة (بعد أخذ رأي رؤسائه)، فإنه يمثل المصلحة التي ينتمي إليها. والصبغة العامة لأقواله تفرض عليه الحيطة والحذر في تصريحاته، التي يجب أن تكون منسجمة مع وجهة نظر الإدارة. كما أنه، من غير المقبول أن يسعى للحصول على مظهر شخصي لامع على حساب وظيفته.
ومن ناحية أخرى، يتعين على موظف الشرطة الالتزام بالشجاعة وضبط النفس لدفع كل الطلبات التي تمنعها القوانين والأنظمة المعمول بها، مع التقيد بشكل صارم بقواعد التكتم والسر المهنيين بالنسبة للطلبات المرخص بها في حدود ما تقرره الإدارة. وهذه الالتزامات تفرض على الشرطي، على وجه الخصوص، أن يتصرف على نحو يضمن سرية الأشخاص المتورطين في قضية جنائية أو يعدون من الضحايا أو الشهود.

Aucun commentaire: