الجريمة الإلكترونية



مقدمة
في عصرنا الذييشهد تطوراً علمياً سريعاً،كأن العلوم والتَّقانة تتسابق في نهرٍ جارٍ لايتوقف، تُسابِقُ كل قطرة فيه الأخرى، أصبح كل اختراع واكتشاف في هذا المجالينافس الآخر. وظهر الحاسوب الذي كان في بداية أمره لبعض الاستخداماتالشخصية، ورافقه بعد مدة ظهور الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) التي كانت لهامحدوديتها، أي إنها كانت مقصورة على فئة معينة، فلم تكن آمنة في تصميمها وبنائها،إلا أن الوضع لم يبق كما كان.والتطور التاريخيللإنترنت أدى إلى زيادة مستخدميها من جميع الفئات، وهو بذلك فتح أبوابامغلقة ووسع حدودا أصبحت بلا حراسة؛ وهذا ما ساهم في ظهور الجرائم الإلكترونية، التي دقت أجراس الخطر لتنبه المجتمعات على مدى خطورتها، وظهر المجرمالمعلوماتي المدفوع إلى ارتكاب الأفعال المجرمة في مجال التقانة كالجرائمالإلكترونية.. وثار الجدل، نتيجة توسع مجال الجريمة وتعدد أشكالها، حولماهية الجريمة الإلكترونية والغرض منها.. وحتى حول السؤال: ما هي صورها وما علاقتهابالحاسوب ؟؟

توصيف الجريمة
الجريمةالإلكترونية هي الجريمة ذات الطابع المادي، التي تتمثل في كل فعل أو سلوكغير مشروع مرتبط بأية وجهة أو بأي شكل بالحواسيب والشبكات الحاسوبية، يتسبب في تحميل أو إمكان تحمبلالمجني عليه خسارة، وحصول أو إمكان حصول مرتكبه على أي مكسب.. وغالبا ما تهدفهذه الجرائم إلى سرقة المعلومات الموجودة في الأجهزة الحاسوبية،أو تهدف على نحوٍ غير مباشر إلى الأشخاص والجهات المعنية بتلكالمعلومات. والجريمة من هذا النوع لها مسميات عدة،منها جرائم الحاسوب والإنترنت computer crime- جرائم التقنية العالية hi-tech crime - الجريمةالإلكترونية e-crime– الجريمة السايْبِريّة (Cyber crime) - جرائم أصحاب الياقات البيضاء (white collar)، وغالبا ما تكون الاعتداءات على الكيانات المعنويةالمتعلقة بقيمتها الاستراتيجية، كمخازن المعلومات، وهذا أهم ما يميزالجرائم الإلكترونية عن غيرها من الجرائم؛ فهي تتعلق بالكيانات المعنويةذات القيمة المادية أو القيمة المعنوية البحتة أو كليهما معاً، وهذا هوأساسها الذي لا يمكن تصور وجود جريمة إلكترونية بدونها، فلولا هذا الأساسلكانت من الجرائم العادية التي تخضع للقانون الجنائي التقليدي. إضافةً إلى هذافهي تتكون من أساسين هما عناصر الجريمة والسلوك ووصفه الإجرامي، والنصالقانوني على تجريم السلوك وإيقاع العقوبة هو من أساسيات الجرائمالعادية.. ونظراًإلى تطورالجرائم الإلكترونية وتعدد أشكالها وأنواعها كلما أوغل العالم وأمعن فياستخدام الحاسوب، مما أدى إلى صعوبة حصرها ووضع نظام قانوني ذي أساس قويومتين يخضع له المجرم المعلوماتي، فقد باءت محاولات الباحثين بالإخفاق، حيثإنه يمكن ارتكاب الجريمة بضغطة زر. وصعوبة تحديد الفاعل أو تَعَذُّرمعرفة مكانه أدى إلى إثارة الجدل حول هذه الجرائم الإلكترونية وصورها، وهليمكن حصرها في أنواع معينة. فالجريمة الإلكترونية تبدأ من عمليات الاقتناص لأرقام الحسابات، وبطاقاتالائتمان، إلى التخريب في المواقع، ونشر الصور الإباحية، والمواقعالكاذبة، وغسيل الأموال، والتجسس . الخ.

تصنيفات وأنواع الجرائم الإلكترونية:
نورد فيما يلي تقسيماً لهذه الجرائم:
أ) تصنيف الجرائم تبعا لنوع المعطيات ومحل الجريمة:
أولاً: الجرائم التي تمس بقيمة معطيات الحاسوب.
ثانياً: الجرائم التي تمس بالمعطيات الشخصية أوالبيانات المتصلة بالحياة الخاصة.
ثالثاً: الجرائم التي تمس بحقوق الملكيةالفكرية للبرامج الحاسوبية ونظمه (جرائم قرصنة البرمجيات)

ب) تصنيف الجرائم تبعا لدور الحاسوب في الجريمة:
الأولى: الجرائم التي تستهدف عناصر (السرية والسلامة ووفرة المعطيات والنظم)، وتضم:
- الدخول غير القانوني (غير المصرح به): حيث يقوم الشخص باختراق الشبكات والحواسيب التي ترتبط بشكبةالإنترنت،وذلك باختراق نظام الأمن في الشبكة والدخولإلى الجهاز والكشف عن محتوياته.
- الاعتراض غير القانوني.
- تدمير المعطيات(يكون هذا الأمر بعد اختراق الشبكة وقيامالشخص بمسح البيانات أو تشويها أو تعطيل البرامج المخزنة وجعلها غير قابلةللاستخدام)
- اعتراض النظم.
- إساءة استخدام الأجهزة.
الثانية: الجرائم المرتبطة بالحاسوب وتضم:
- التزوير المرتبط بالحاسوب.
- الاحتيال المرتبط بالحاسوب.
الثالثة: الجرائم المرتبطة بالمحتوى، وتضم طائفة واحدة وفق هذه الاتفاقية، وهي الجرائم المتعلقة بالأفعال الإباحية واللاأخلاقية.
الرابعة: الجرائم المرتبطة بالإخلال بحق المؤلف وقرصنة البرمجيات.
ج) تصنيف الجرائم تبعا لمساسها بالأشخاص والأموال:
الأولى: طائفة الجرائم التي تستهدف الأشخاص:
وتضم طائفتين رئيسيتين هما:
1- الجرائم غير الجنسية التي تستهدف الأشخاص Non-Sexual Crimes Against Persons
2- طائفة الجرائم الجنسية Sexual Crimes وتشمل القتل بالحاسوب Computer Murder
الثانية: طائفةجرائم الأموال - عدا السرقة - أو الملكية المتضمنة أنشطة الاختراقوالإتلاف
الثالثة: جرائم الاحتيال والسرقة Fraud and Theft Crimes
وقد نظن أن السرقة مقصورة على الأشياءالعادية كالأموال والممتلكات، لكن السرقة طالت أيضاً المعلومات الإلكترونيهالمخزنةفي الأجهزة والمرسلة عبر الشبكات. الرابعة: جرائم التزوير Forgery
ويقصد بها عملية التلاعب بالمعلومات المخزنة في الجهاز،أو اعتراض المعلومات المرسلة بين الحواسيب المرتبطة بالشبكة، وذلك لغرض التضليل عن طريق تغييرها وتحريفها وتزويرها.

الخامسة: جرائم المقامرة gambling
السادسة: الجرائم الأخرى المضادَّةللدين والأخلاق الحميدة والآداب السامية. وهي تنطوي على بث مواد وأفكار ذات اتجاهات هادمة ومعادية للدين، وهي من وجهه نظريأخطر انواع الجرائم الإلكترونية التي تواجه العالم الإسلامي، حيث تقوم بعض الجهات المتطرفة والمعادية ببث مواد ومعلومات تخالف الدين والثقافة الإسلامية، وتشكك فيهما وتزرع في عقول الأجيال الجديدة أفكاراً مشوهة تزعزع إيمانهم وتضعفه. ولا ننسى تأثير هذه المواد في الأخلاق الحميدة والعادات والقيم الفاضلة، خاصةً مع انتشار الصور الجنسية الفاضحة والمقالات المغرضة والأفلام والدعايات و المواقع المخلة بالآداب.

السادسة: جرائم الحاسوب المضادة للحكومة Crimes Against the Government Against Morality

الحاسوب هدف وأداة
وكما نلاحظ فإن الحاسوب له صلة وثيقة بالجرائم الإلكترونية، فلا جريمة إلكترونية بدون حاسوب، فهذا الجهاز له دور أساسي وفعّال في مجال الجريمة الإلكترونية؛ ويؤدي ثلاثة أدوار في ميدان ارتكاب الجرائم، ودورا رئيسا في حقل اكتشافها،ففي حقل ارتكاب الجرائم يكون له الأدوار التالية:

الأول: يكون الحاسوب هدفا للجريمة(Target of an offense)، وذلك كما في حالة الدخولغير المصرح به إلى النظام، أو زراعة الفيروسات لتدمير المعطيات والملفات المخزنة أو تعديلها، أو كما في حالة الاستيلاء على البيانات المخزنة أوالمنقولة عبر النظم.

الثاني: يكون الحاسوب أداة الجريمة لارتكاب جرائم تقليدية.

الثالث: يكونالحاسوب بيئة الجريمة، وذلك كما في تخزين البرامج المقرصنة فيه، أو فيحالة استخدامه لنشر المواد غير القانونية، أو استخدامه أداة تخزين أو اتصال لصفقات ترويج المخدرات وأنشطة الشبكات الإباحية ونحوها.
أما من حيث دورالحاسوب في اكتشاف الجريمة، فإنهُ يستخدم الآن على نطاق واسع في التحقيق الاستدلالي لجميع الجرائم، ثمإن جهات تنفيذ القانون تعتمد على النظم التقنية في إدارة المهام من طريق بناء قواعد البيانات ضمن جهازإدارة العدالة والتطبيق القانوني. ومع تزايد نطاق جرائم الحاسوب،واعتماد مرتكبيها على وسائل التقنية المتجددة والمتطورة، فإنه أصبح لزاماًاستخدام نفس وسائل الجريمة المتطورة للكشف عنها، من هنا يؤدي الحاسوبذاته دورا رئيسيا في كشف الجرائم وتتبع فاعليها، بل وإبطال أثرالهجمات التدميرية لمخترقي النظم وتحديداً هجمات الفيروسات وإنكار الخدمة وقرصنة البرمجيات.
وعندما نتساءل عن هوية الذين يقومون بارتكاب جرائم الحاسوب والإنترنت.. نجد الإجابة في تصنيفٍ يعد من أفضل التصنيفات لمجرمي التقنية وهو الذي أوردهDavid Icove ،Karl Seger AND William Vonstorch في مؤلفهم جرائم الحاسوب، الصادر عام1995 حيث قسّموا مجرمي التقنية إلى ثلاث طوائف: المخترقين، والمحترفين،والحاقدين. ومن المهم التمييز بين صغار السن من مجرمي الحاسوبوالبالغين الذين يتجهون للعمل معا لتكوين المنظمات الإجرامية الخطرة. ودوافع ارتكاب جرائم الحاسوب هي إما السعي إلى تحقيق الكسب المالي، أوالانتقاممن رب العمل وإلحاق الضرر به، أو حتى الرغبة في قهر النظام والتفوق علىتعقيد وسائل التقنية.

ما هو حجم الجريمة الإلكترونية?
تعتبر شبكة الإنترنت أكبر شبكة في تاريخ البشرية، وهي أحدث أدوات العالم لربط أكثر من500 مليون حاسوب في أكثر من200دولة، ويستخدمها أكثر من مليار مشترك. والجريمة الإلكترونية هي صراع بينالتقدم التقاني وحماية وأمن الخصوصية privacy. يقال إن السرقات السنوية وصلت إلى أكثر من مليوني حالة،إضافةً إلى مئاتالآلاف من الشركات التي وقعت ضحية القراصنة والمتلصصين، وذلك بسبب الخللوعدم الإحكام في وسائل الأمن لدى المواقع الإلكترونية والتي يجب سدها فيأقرب وقت،حيث أنه من المتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام.أمثلة ونماذج للجريمة الإلكترونية?اُكتشفت في مصرعملية ابتزاز عن طريق الإنترنت بتهديد المسؤولين في إحدىالشركات المنتجة للمياه الغازية بطلب مبلغ من المال مقابل عدم نشر صورةزجاجة فيها صُرصور، على أساس أنها من إنتاج الشركة. وبالفعل نفذ التهديد وشاهدالصورة نحو3700 مشاهد.وقد ضُبط مُنفّذو العملية واعترفوا بالواقعة.كذلك كشف تقرير من بنك إلى النيابة العامة عن حادث سرقةِ أرصدةِ رجلِ أعمالٍ مصري عن طريق بطاقات الدفع الإلكتروني visa cardالخاصة بالبنك. وقد أكدت التحريات أن مرتكبَيْالحادث اشتريا بضائع أمريكية هي ملابس تقدر قيمتها بنحو12 ألف دولار. وفي أمريكا:كشفت تحريات وكالة التحقيق الفدرالية الأمريكية هذا العام عنمليون حالة سرقة لأرقام بطاقات الائتمان الواردة في موقع40 شركة أمريكيةتمارس نشاطها عبر الإنترنت. وقد استخدموا الابتزاز مع الشركات وذلك: إما بنشربيانات العملاء أو بدفع مبالغ نقدية كبيرة. ويعتقد أن معظم البيانات المسروقة بِيْعت لعصابات الجريمة المنظمة. ويصف ال- FBI هذه العملية بأنها أكبر عملية في تاريخ الشبكة. كذلك أعلنت هيئة النقل البري الأمريكية أن متغلغلين صينيين أصابوا نظامها الحاسوبي بالعطب، وذلك في سياق احتجاج على حادث طائرة التجسس. وقد وافق ذلك أيضا الذكرى الثانية لقصف الطائرات الأمريكية للسفارة الصينية في بلجراد. وفي بريطانيا: ماكينات الصرف الآلي ATM، جرى السطو عليها مما حَمَّلها خسائر فادحة وصلت إلى15 مليون جنيه إسترليني من33 ألف ماكينة خلال عام2000 .
من هم القراصنة? إن معظم المتسببين في عمليات القرصنة هم أصلا مبرمجون لديهم دوافع نفسية غير سوية، كأنَّ الواحد منهم يقول "أنا هنا ألا تشعرون بي". ونستطيع تقسيم هؤلاء المؤلفين أو القراصنة إلى ثلاثة أنواع:
· ذوو الياقات البيضاء: الذين يهاجمون الحواسيب بطريقة شرعية و بأوامر من السلطة وبهجمات مخططة وينظمون الهجوم عندما يطلب منهم.
· ذوو الياقات الرمادية: أحيانا يقومون بالمهمة كقراصنة أشرار وأحيانالهدف آخر. وبعضهم يؤمنون بنظرية "حرية المعلومات أيا كانت هذه المعلومات" ومنها التي تتعلق بتأمين الأجهزة والشبكات ومعرفة نقاط الضعف.. ولايرون غضاضة في الهجوم على أي موقع من أجل المزيد من إجراءات الأمن والوقاية.
· ذوو الياقات السوداء: يهاجمون بهدف سطو مالي أو معلوماتي ضار.
كذلك يجب التفريق بين نوعين هما العابثون Hackers والمتلصِّصونCrackers فأما العابثون فتكون أفعالهم إما بسبب الهواية، أو العمل أصلا لتخريب مواقع هامة أو شراء بعضالمنتجات والبرامج بطرق ملتوية، وأيضا الحصول على معلومات هامة من أماكنمختلفة، وأخطرهم صانعو الفيروسات وملفات كسر الحماية،ذلك أنهم مبرمجونمتخصصون ذوو قدرات عالية جدا. أماالمتلصّصفهو مستخدم عادي أو هاوٍ لديهالقدرة على البرمجة والبحث الجيد على صفحات الإنترنت للوصول إلى ملفات كسرالحماية بغرض استعمالها، وأيضا يكون من أصحاب النَّسْخ غير القانوني للبرامج.

الخاتمة
ثمة جهود كبيرة تُبذل لمحاربة الجريمة الإلكترونية بكافة أشكالها،لكن لتميز هذه الجرائم وعدم تقليديتها، من الصعب الكشف عنها وتحديد الدليل المادي الذي يدين مرتكبها. لذلك من المتوقع أن هذا النوع من الجرائم سيستمر ويطغى على ساحه الاجرام بقَدْرٍ كبير، وسيتطورمع مرور الوقت إلى ماهو أخطر وأعقد.لذا فإن وجود استراتيجية فعالة لدىالدول تحارب هذه الجرائم هي الوسيلة الضامنة لتقليلها ومحاولة التحكم بها. ولاننسى دور الأفراد في محاربتها عن طريق تبصيرهم بإيجابيات وسلبيات استخدام شبكة الإنترنت، وحث الشركات المتخصصة على إنتاج برامج حماية متخصصة تهدف إلى حماية البرامج الأخرى ومتصفحات الإنترنت.

Aucun commentaire: