التدابير المستحدثة لمكافحة الجريمة


المقدمة
منذ سبعينيات القرن الماضي عرف العالم تزايدا مضطردا لظاهرة الإجرام المنظم بكل صوره ومظاهره, فلم تعتد للحدود أي اعتبار في انتشار هذه الظاهرة مما أصبحت السياسة الجنائية للدول تولي أهمية قصوى للتصدي للجريمة المنظمة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي[1].
من هنا كان لزاما توجيه السياسة الجنائية بمعناها الواسع(الوقاية و الزجر) نحو قواعد خاصة بهذا النوع من الإجرام سواء على مستوى النواة الصلبة للسياسة الجنائية(القانون الجنائي الموضوعي والإجرائي)أو باقي وسائل الضبط الاجتماعي الأخرى(الرسمية وغير الرسمية) .كل هذا أدى إلى رسم الخطوط العريضة التي يجب إتباعها للوصول إلى أجوبة فعالة لما تثيره الجريمة المنظمة من آثار مدمرة في جميع نواحي الحياة الإنسانية.
فمواجهة الجريمة المنظمة ليس بالجديد فرد الفعل وجد مع ظهور الجريمة بصفة عامة وتطور بطبيعة الأشياء مع تطور الإجرام وصوره التي رغم الاستثناء تبقى الجريمة المنظمة أهمها .وفي ذلك نجد ما يذهب إليه الفقيه الجنائي الفرنسي جان برادل JEANPradel إلى أن الجديد في الجريمة المنظمة هو المصطلح.فجماعات الإجرام وجدت مند القدم كما أن وسائل مكافحتها بدأت تظهر مند العصور الوسطى حيث وجدت ما كان يسمى بعصابات أو جماعات الأشرار les association des malfaiteurs التي كانت مجرمة بمقتضى قانون 1810 الفرنسي ونظرا لكون الجماعات الإجرامية لم تأخذ شكلها المنظم والمتطور إلا مع بروز منظمات المافيا في ايطاليا فقد كان التشريع الايطالي من أول واهم التشريعات التي ساهمت في إحداث تدابير لمواجهة هذه الظاهرة في كل من المادة 245 في القانون المعروف بzanardelle لسنة 1889 وتلاه قانون Rocco لسنة 1930[2]. إلا أن البعد الخطير للجماعات الإجرام المنظم بدا مع أخذها للبعد الدولي مستغلة في ذلك تطور وسائل الاتصال والمواصلات مما اذكي الوعي لدى الدول لتكتيل جهودها عبر عقد العديد من المؤتمرات التي تسعى لمواجهة الجريمة المنظمة فتوجهت هذه الجهود بإصدار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في مدينة باليرمو (2000)عقر دار المافيا الايطالية موجها بذلك المنتظم الدولي لرسالة التحدي .هذه الاتفاقية التي حوت على العديد من التدابير التي حاولت أن تجعل من الدول أداة لترجمت تلك التدابير في تشريعاتها أيضا فرغم أن الاتفاقية قامت برسم المعالم والخطوط الكبرى لمكافحة الإجرام المنظم إلا انه لا يجب أن ننسى ما كانت تنص عليه العديد من التشريعات في هذا المضمار.
وعلى ضوء ما تقدم فلا مراء من أن لموضوع كهذا أهمية على المستوى النظري فالاتفاقية حثت على بدل الجهود من خلال تعميق الدراسة في سواء في البحوث الأكاديمية أو العلمية.أيضا على المستوى العملي من خلال وضع التدابير سواء التي تضمنتها الاتفاقية أو الدول موضع الاختبار والتطبيق على ارض الواقع لأجل الوقوف على مدى فاعليتها.
ومنه فانا نجد أنفسنا أمام تساءل مفاده عن كيف كان رد الفعل إزاء الأخطار الناتجة عن الجريمة المنظمة؟
سؤالنا هذا ارتأينا انتظامه عبر التقسيم التالي
المبحث الأول: التدابير الزجرية المستحدثة لمواجهة الجريمة المنظمة.
المبحث الثاني: التدابير المالية والإدارية لمواجهة الإجرام المنظم.
المبحث الأول: التدابير الزجرية ذات الطبيعة الموضوعية .

لما كانت الجريمة المنظمة تندرج في ما يعرف بالإجرام الكلي macro criminalité [3]هدا النوع من الإجرام الذي ينفرد بخصائص بنيوية تميزه عن الجريمة في صورتها التقليدية ,فانه كان لزاما أن تنفرد أساليب مواجهتها أيضا بنوع من الخصوصية .وهدا ما تم بالفعل من خلال ما تجسد في التدابير الزجرية سواء ذات الطبيعة الموضوعية (المطلب الأول)أو الإجرائية (المطلب الثاني).

المطلب الأول : التدابير الزجرية على مستوى قواعد الموضوع .
يترتب على ظاهرة الجريمة المنظمة تحديات عدة، منها ما يتعلق بأمور التجريم والعقاب حيث تستعصى بعض الأنشطة الإجرامية المنظمة الجديدة على إدراجها ضمن الأوصاف الجنائية التقليدية في القوانين الجنائية الوطنية.بذلك تم إحداث تدابير زجرية همت أساسا كل من القواعد سواء الموضوعية التي أوجدت في اتفاقية باليرمو (الفقرة الأولى) أو التي استحدثت في التشريعات المواءمة والتشريع المغربي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التدابير الخاصة بالجانب الموضوعي(اتفاقية باليرمو).
ساهمت اتفاقية باليرمو في حث الدول المنظمة لها لتضمين تشريعاتها لقواعد خاصة بكل من مؤسستي التجريم والعقاب والمسؤولية الجنائية في سعيها لمكافحة الإجرام المنظم وذلك على الشكل التالي:

Ø من حيت قواعد التجريم والعقاب:
-تجريم الساسة تجريم غسيل الأموال(المادة 6)
-وتجريم الفساد (المادة 8)
-وعرقلة العدالة (المادة23).

Ø من حيث قواعد المسؤولية الجنائية:
-إقرار مسؤولية الهيئات الاعتبارية (المادة 10)
- مسؤولية المشاركين والمساهمين في جماعة إجرامية منظمة (المادة 5)

وبهذا نجد على أن الاتفاقية قد حددت أنواع السلوك الذي يجب على الدول القيام بإصباغ الصفة الإجرامية عليه وأيضا الأشخاص الواجب مساءلتهم جنائيا وبذلك فإننا نتساءل عن ماذا يجب على القاضي الجنائي إتباعه في حالة عدم موائمة التشريع للاتفاقية سواء على مستوى التجريم أو المسؤولية [4] في هدا الإطار فانه إذا كان من ﺍﻟﻤﺴﻠﻡ ﺒﻪ ﺃﻥ ﺇﺘﻤﺎﻡ ﺇﺒﺭﺍﻡ ﺍلاﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ، ﻴﺘﺭﺘﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻟـﺯﺍﻡ ﻜﺎﻓـﺔ ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻷﻁﺭﺍﻑ ﺒﺘﻨﻔﻴﺫﻫﺎ، ﻭﻫﺫﺍ ﻓﻲ ﻤﺠﺎل ﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺤﺩ ﺴﻭﺍﺀ. ﻓﻤﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻡ ﺒﻪ ﺃﻴﻀﺎ، ﺇﻟﺯﺍﻡ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺒﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻻﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﻨﻅﺎﻤﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻲ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲ، ﻟﻴﺱ ﺇﻟﺯﺍﻤﺎ ﺒﺒﺫل ﻋﻨﺎﻴﺔ ﻓﺤﺴﺏ ﺒل ﻫﻭ ﺍﻟﺘﺯﺍﻡ ﺒﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍﻹﺨﻼل ﺒﻬﺫﺍ ﺍﻹﻟﺯﺍﻡ ﻤـﻥ ﺸـﺄﻨﻪ ﺃﻥ ﻴﺭﺘﺏ ﻤﺴﺅﻭﻟﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ. ﻓﺎﻷﺼل ﺃﻥ ﺍﻻﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺇﺫﺍ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﻨﺎﻓﺫﺓ ﺘﻜﻭﻥ ﻭﺍﺠﺒﺔ ﺍﻟﺘﻁﺒﻴﻕ ﻋﻠﻰ ﺇﻗﻠﻴﻡ ﻜل ﺩﻭﻟﺔ ﻁﺭﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺎﻟﺩﻭﻟﺔ ﺇﺫﺍ ﺃﺒﺭﻤﺕ ﺍﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﻓﺈﻥ ﺴﺎﺌﺭ ﺴـﻠﻁﺎﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻤـﺔ ﻭﻜﺎﻓـﺔ ﺭﻋﺎﻴﺎﻫﺎ ﻴﻠﺘﺯﻤﻭﻥ ﺒﺘﻁﺒﻴﻕ ﺃﺤﻜﺎﻤﻬﺎ. ﺫﻟﻙ ﺃﻨﻪ ﻻ ﻗﻴﻤﺔ ﻻاتفاقية ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻨﻔﺫﺕ ﺩﺍﺨل ﻜل ﺩﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻨﻔﺭﺍﺩ، ﻭﻤﻥ ﺜﻤﺔ ﻜﺎﻥ ﻟﺯﺍﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻜل ﺩﻭﻟﺔ ﺩﻤﺞ ﺍﻻﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻕ ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﻓـﻲ ﺘﺸﺭﻴﻌﻬﺎ ﺍﻟﺩﺍﺨﻠﻲ ﻤﻥ ﺃﺠل ﻀﻤﺎﻥ ﺤﺴﻥ ﺘﻁﺒﻴﻘﻬﺎ ﻤﻥ ﻁﺭﻑ ﺍﻟﺴﻠﻁﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺌﻴﺔ.[5]

الفقرة الثانية: التشريعات المقارنة والتشريع المغربي.
- التشريع الفرنسي و الاسباني :حيت أن من أهم التدابير التي أتيا بها هو اعتمادهم على تقنية اللائحة الحصرية للجرائم التي تندرج في خانة الجريمة المنظمة فالتشريع الفرنسي حصر اللائحة في 15 جريمة المادة (706/73) أما المشرع الاسباني فحصر اللائحة في 16 جريمة المادة (282)[6]
- التشريع الايطالي: لم يعترف بالمشاركة في الجريمة المادة 110 من القانون الجنائي الايطالي وهذا ما تجلى بالخصوص حول ما جاءت به المادة 416 اذ انها سوت في المسؤولية الجنائية كل من قام بارتكاب جرائم في إطار جماعة إجرامية تضم 3 افراد واكتر بدون تمييز بين من أسس أو نظم أو حرض . [7]
- التشريع المغربي: من اهم القواعد الجنائية الموضوعية التي استحدثها المشرع المغربي هي تلك التي تهم تجريم غسيل الاموال فبالعودة إلى قانون 05/43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال نقف على ملاحظتين الاولى ان المشرع لم يقم بتعريف للجريمة لكنه قام بتعداد لبعض الافعال التي تكون جريمة غسل الاموال حيث حدد هذه الجرائم على سبيل الحصر في المادة 574/2 على الشكل التالي :
الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية .
تهريب المهاجرين .
المتاجرة بالبشر
الاتجار الغير المشروع في الاسلحة والذخيرة
الرشوة واستغلال النفود واختلاس الاموال العامة والخاصة
الجرائم الارهابية
تزوير النقود وسندات القروض العمومية ووسائل الاداء الاخرى

المطلب الثاني: التدابير الإجرائية .
على غرار المطلب الأول سنحاول رصد هذه التدابير من خلال ما جاء في كل من اتفاقية باليرمو (الفقرة الأولى) والتشريعات المقارنة والتشريع المغربي(ثانيا)

الفقرة الأولى : اتفاقية باليرمو[8].
نصت الاتفاقية على مجموعة من التدابير تهم كل من:
ü -تدابير لمكافحة غسل الأموال المادة 7
-تدبير تهم مكافحة الفسادالمادة9
-الملاحقة والمقاضاة المادة11
المصادرة والضبط المادة 12
الولاية القضائية المادة15
تسليم المجرمين المادة 16
نقل الأشخاص المحكوم عليهم المادة17
التحقيقات المشتركة المادة 19
أساليب التحري الخاصة المادة20
إنشاء سجل جنائي المادة 22
حماية الشهود المادة 24
مساعدة الضحايا وحمايتهم المادة 25[9]

الفقرة الثانية :التشريعات المقارنة والتشريع المغربي.
التشريع الاسباني : قامت اسبانيا بعد الدخول في معاهدة schengen واثر النقد الحاد الذي وجه للمادة 203 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بمسطرة التسليم المراقب محصورة في مجال تهريب المخدرات بتمديد هذه المسطرة لتشمل باقي الصور الاخرى من الاجرام المنظم في تعديل 1999[10]
التشريع الفرنسي:لاجل مواكبة خاصية التطور للجريمة المنظمة كما تم تحديدها في المادة 706/73 قانون .ج .الفرنسي اصدر المشرع الفرنسي قانون 9 مارس 2004 ومن أهم التدابير الإجرائية التي أتى بها:
-تمديد الحراسة النظرية إلى 96 ساعة عندما يتعلق الأمر بجريمة منظمة إذا وجدت أسباب معقولة des raisons plausibles المادة 706/88 من قانون المسطرة الجنائية
إجراء التنصت الهاتفي في إطار البحث التمهيدي أو التفصيلي بالتماس من وكيل الجمهورية لكن بترخيص من قاضي الحريات والاعتقال المادة706/95 م ج الفرنسي.
يمكن إجراء التفتيش بين الساعة التاسعة والسادسة صباحا في حالة الحصول بترخيص من قاضي الحريات والاعتقال والقيام بالتفتيش من قبل وكيل الجمهورية .[11]
التشريع الايطالي: من الأمثلة على التدابير المستحدثة في التشريع الايطالي نجد كل مما تنص عليه المادة 18 من القانون رقم 354/1975 الذي يمنح صلاحيات خاصة لأعضاء مديرية التحري ومحاربة المافيا la direction des investigation antimafia (DIA) بزيارة جميع المؤسسات السجنية وإجراء مقابلة مع السجناء .أيضا نجد ما يمنحه القانون من سلطة التحقيق لوكيل الجمهورية أو لرئيس الشرطة الإقليمية في ممتلكات كل من يشتبه بعضويتهم في منظمات المافيا.المادة 2 من قانون رقم 515/1965.كذلك من بين التدابير والتي أثارت الكثير من الجدل ما جاء في قانون رقم 374/2001 في المادة الرابعة منه حول الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرجال الشرطة حيث انه استثناءا مما جاء في المادة 51 من القانون الجنائي الايطالي فلا يعاقب رجال الشرطة الذين اطلعوا على الوثائق والهويات من خلال الاستفادة من شبكة الاتصال بدون التقيد بالقواعد القانونية التي تنظم مثل هذه الإجراءات.[12]

في التشريع المغربي: سنقتصر ما جاء في:
§ قانون حماية الشهود والضحايا: هذا القانون الذي يستمد مرجعيته من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (المادتان 24 و 25) واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (المادتان 32 و33) والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (القاعدة 87) ويهدف إلى تقديم المساعدة والحماية اللازمتين للضحايا والشهود والخبراء والمبلغين في الجرائم التي يحددها هذا النص وأفراد أسرهم أو أقاربهم، كلما توفرت أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياتهم أو سلامتهم الجسدية أو مصالحهم الأساسية للخطر أو لضرر مادي أو معنوي يتعلق الأمر بجرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والتبديد والغدر وغسل الأموال، والمس بأمن الدولة، والإرهاب والعصابات. لإجرامية والقتل والتسميم، والاختطاف وأخذ الرهائن وتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، والمخدرات والمؤثرات العقلية، أو الأسلحة والذخيرة والمتفجرات وحماية الصحة. ويسمح مشروع القانون لوكيل الملك أو للوكيل العام للملك أو لقاضي التحقيق كل في ما يخصه، تلقائيا أو بناء على طلب أن يتخذ واحدا أو أكثر من التدابير التي أتى بها هذا القانون.[13]
§ قانون مكافحة غسيل الأموال 43/05 :من أهم التدابير التي أتى بها هو إحداثه لوحدة معالجة المعلومات المادة14 وللصلاحيات المهمة التي أناط بها تلك الوحدة نظرا لما يميز تركيبتها من حيت تعدد الجهات التي تتعاون بينها ضمن الوحدة أيضا من التدابير هو الاختصاص النوعي والمكاني للجهة القضائية التي لها صلاحية التصدي لمثل هدا النوع من الإجرام وذلك ما حددته المادة 38 من قانون الوقاية من جرائم غسل الأموال الاختصاص النوعي والمكاني لمحاكم الرباط فيما يخص المتابعات والتحقيق والبت في الأفعال التي تكون جرائم غسل الأموال ويمكن للمحاكم المذكورة لأسباب تتعلق بالنظام العام وبصفة استثنائية، أن تعقد جلساتها في مقرات محاكم أخرى كهيأة تنقلية.. ويختص رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط في منح أجل إضافي للوحدة للاعتراض على تنفيذ أية عملية تتعلق بجرائم غسل الأموال. ومما لا شك فيه أن هذا الاختصاص ينعقد أيضا للسيد الرئيس الأول لدى محكمة الاستئناف بالرباط عندما يتعلق الأمر بجنايات مرتبطة بجرائم غسل الأموال . وفي إطار اختصاص محاكم الرباط يمكن أن ينعقد الاختصاص للمحكمة الابتدائية بالرباط عندما ينحصر الأمر في الجنح، وينتقل الاختصاص إلى محكمة الاستئناف بالرباط عندما يتعلق الأمر بالجنايات، ويمكن أيضا أن يكون الاختصاص للمحكمة العسكرية بالرباط إذ تعلق الأمر بحاملي السلاح في إطار جرائم لها علاقة بغسيل الأموال.[14]

المبحث الثاني: التدابير المالية والإستخباراتية لمواجهة الإجرام المنظم.
سنتناول هذا المبحث من خلال كل من التدابير المالية (المطلب الاول) والتدابير الادارية (المطلب الثاني)
المطلب الأول:التدابير المالية في مواجهة الجريمة المنظمة
لقد اتسمت الجريمة المنظمة عبر الوطنية في السنوات الأخيرة بأنشطة إجرامية اقتصادية تحقق لها أرباحا طائلة دون الحاجة إلى كثير من الأعمال التنفيذية التي كانت تقوم بها عصابات الجريمة المنظمة في السابق، فقد أصبح الحصول على الأموال غير المشروعة أيسر وأسهل مما كان في الماضي، حيث تلجأ إلى أنشطة إجرامية تتجاوز حدود الدول دون أن يتطلب منها دلك انتقال أعضائها أو جزء من كيانها عبر الحدود الجغرافية للدول،
فالجرائم المنظمة الاقتصادية التي تقوم بها جماعات الجريمة المنظمة عبر الانترنيت، أصبحت تضاهي في جني الأرباح غير المشروعة جرائم منظمة أخرى يتم تنفيذها بواسطة وسائل إجرامية متعددة، ودلك بسبب شمولية الجرائم المنظمة عبر الانترنيت وسرعة تنفيذها وتدني مستوى المخاطر فيها مقارنة بشبكات الإجرام المنظم الأخرى.
وتعتبر جرائم غسل الأموال من الجرائم المنظمة التي لها أكبر الآثار السلبية على الاقتصاد المحلي والدولي على حد السواء، فجرائم غسل الأموال تعتبر القناة التي تصب فيها عوائد الجريمة المنظمة، والأنشطة غير المشروعة[15]، لكي تتمكن من تحويل تلك الأموال إلى مصدر أو نشاط مشروع تستخدمها لمواصلة أنشطتها الإجرامية دون تعرضها للمصادرة.
ومن أهم الآثار الاقتصادية للجريمة المنظمة هي آثار غسيل الأموال الناتجة منها نذكر منها:
ـ الدولة المحولة منها الأموال القدرة الناتجة عن الجريمة المنظمة تحرم من استغلالها في التنمية.
ـ استغلال الأموال الناتجة من الجريمة في الاستثمارات المشروعة لإتمام عملية غسلها، أو دمجها مع أموال أخرى ذات مصادر مشروعة [16] يضعف ثقة المتعاملين مع هده المشاريع، وبالتالي يتأثر اقتصاد الدولة سلبا.
ـ استبدال العملة الوطنية المستمدة من الأنشطة الإجرامية بأخرى أجنبية في سبيل غسلها عن طريق تحويلها يترتب عليه انخفاض قيمة العملة الوطنية في مقابل تلك العملات الأجنبية، كدلك هروب تلك الأموال من الضرائب نتيجة الإقتصاد الخفي يؤدي إلى نقص موارد الدولة.
هده الآثار التي تتركها الجريمة المنظمة دات تأثير ضار على اقتصاد الدول مما يضعف جهود التنمية وصعوبة التسيير الاقتصادي، ومن ثم فساد النظام المالي والمصرفي، الشيء الدي يؤدي إلى تهديد للمؤسسات المالية والتجارية للدول بشكل عام.
بعد أن أدركت دول العالم خطورة جريمة غسيل الأموال وبسبب الطبيعة الخاصة لهده الجريمة والأضرار البالغة التي تسببها لها من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، فقد تضافرت جهود الكثير من الدول لمكافحة هده الجريمة عن طريق عقد العديد من الاتفاقيات الدولية وسنتناول أهمها على النحو الآتي:
الفقرة الأولى: مكافحة غسل الأموال في الاتفاقيات الدولية:
يمكن القول أن عام 1988 يمثل سنة الإرتكاز بالنسبة للجهود الدولية في حقل غسيل الأموال [17]، ففي عام 1988 وتحديدا في 19/12/88 صدرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة أنشطة ترويج المخدرات (اتفاقية فيينا 1988) وتعد أهم اتفاقيات الأمم المتحدة باعتبارها قد فتحت الأنظار على مخاطر أنشطة غسيل الأموال المتحصلة من المخدرات وأثرها المدمر على النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول، وهده الاتفاقية لا تعد من محتواها اتفاقية خاصة بغسيل الأموال إد هي في الأساس اتفاقية في حقل مكافحة المخدرات، بيد أنها تناولت أنشطة غسيل الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات، باعتبار أن تجارة المخدرات تمثل أكثر المصادر أهمية للأموال القدرة محل عمليات الغسيل[18].
إلى جانب جهد الأمم المتحدة، وبعد عام واحد تقريبا تأسس إطار دولي لمكافحة جرائم غسيل الأموال
نشأ عن اجتماع الدول الصناعية السبعة الكبرى[19]، وقد عكفت هده المنظمة على تحديد أنشطة غسيل الأموال وفتحت عضويتها للدول الراغبة، وشيء فشيء وعبر خبرائها ولجان الرقابة أخدت تكشف عن أوضاع غسيل الأموال في دول العالم كل دلك عبر آلية التقارير السنوية التي تصدرها وتحضى باهتمام الجهات الحكومية والتشريعية في مختلف دول العالم[20].
ويرجع لهده المنظمة الفضل في وضع أول دليل ارشادي لأنشطة غسيل الأموال وهو في الحقيقة توصيات (التوصيات الأربعون) يجري الاعتماد عليها في وضع استراتيجيات المكافحة والتدابير التشريعية ويعتمد عليها من قبل المؤسسات المالية والمصرفية لتقيم أدائها في هدا الحقل[21].
هدا وقد صدرت الأمم المتحدة من خلال المؤتمر العاشر سنة 2000، ما يعرف باتفاقية باليرمو حيث التزمت الدول الأطراف عند تصديقها على المعاهدة بتجريم عمليات غسل الأموال وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي بتجريم الأفعال التالية:
1ـ تحويل الممتلكات أو نقلها مع العلم بأنها عائدات جرائم بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الأموال أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي الدي تأتت منه على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته.
2ـ إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها مع العلم بأنها عائدات جرائم.
3ـ اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع العلم ـ وقت تلقيها ـ بأنها عائدات إجرامية.
4ـ المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا لهده المادة أو التآمر على ارتكابها، ومحاولة ارتكابها والمساعدة والتحريض على دلك وتسهيله وإسداء المشورة المقررة بشأنه.
وقد شددت الاتفاقية على الدول الأطراف بأن تحرص على إنشاء نظام للرقابة والإشراف على المصارف والمؤسسات المالية المصرفية وسائر الهيئات المعرضة بشكل خاص لغسل الأموال من أجل ردع وكشف جميع أشكال غسل الأموال[22]. مع الأخذ بالاعتبار ظروف كل دولة وسياستها الجنائية وظروفها العامة، وتفعيل قدرة الأجهزة الإدارية أو الرقابية وسائر الأجهزة المكرسة لمعالجة ومكافحة غسل الأموال على التعاون وتبادل المعلومات على الصعيدين الوطني والدولي[23].
ويتعين على الدول الأطراف أن تنظر في تقنين تدابير مجدية لكشف ورصد حركة النقد والصكوك القابلة للتداول ذات الصلة عبر حدودها، ويجوز أن تشمل تلك التدابير اشتراط قيام الأفراد والمؤسسات التجارية بالإبلاغ عن تحويل الكميات الكبيرة من النقد ومن الصكوك القابلة للتداول م8/2 من الاتفاقية مع العمل على تطوير وتعزيز التعاون الدولي أو العالمي والاقليمي، ودون الإقليمي، والثنائي بين الأجهزة القضائية وأجهزة إنفاذ القانون، وأجهزة الرقابة المالية من أجل مكافحة غسل الأموال[24].
ولاشك أن حرص اتفاقية الأمم المتحدة على تحريم غسل العائدات الإجرامية وإبراز تدابير المكافحة على النحو المذكور في المادتين 6، 7 من الاتفاقية تبرز لنا حرص الأمم المتحدة على مكافحة الإجرام المنظم عبر الدول والدي يمثل غسل الأموال أحدث صوره وأشكاله.
الفقرة الثانية: مكافحة غسيل الأموال في الدول الغربية والعالم العربي
سنحاول الوقوف على مجهودات الدول الغربية ـ خاصة نمودج الاتحاد الأوربي، على أن نتناول في الشق الثاني موفق الدول العربية من مكافحة غسل الأموال.
ـ مجهود الدول الغربية ـ نموذج الاتحاد الأوربي ـ :
من حيث الجهد القانوني فيظهر بشكل بارز في إطار الاتحاد الأوربي، حيث صدر عام 1990 الاتفاقية الأوربية المتعلقة بإجراءات التفتيش والضبط الجرمي لغسيل الأموال وحددت الإطار الدولي للتعاون في حقل مكافحة الأنشطة الجرمية لغسيل الأموال ومثلت الإطار القانوني الإرشادي للبرلمانات الأوربية في معرض اتخاذه التدابير وسن التشريعات للتعاون من أجل مكافحة جرائم غسيل الأموال. وعلى هدي التوصيات الأربعين الصادرة عن إطار الدي أنشأنه مجموعة الدول الصناعية السبعة، صدر عن اللجنة الأوربية/ الاتحاد الأوربي دليل الحماية من استخدام النظام المالي في أنشطة غسيل الأموال لعام 1991 وقد هدف هدا الدليل الارشادي إلى وضع إطار قانوني لجهات مكافحة غسيل الأموال في دول الاعضاء وقد جرى تطبيق محتواه في العديد من التشريعات الأوربية منها قانون العدالة الجنائية البريطاني لعام 1993.[25]
ومن حيث الجهد المالي وعلى صعيد الهيئات المتخصصة فإن اللجنة الدولية للنظام البنكي والممارسات الاشرافية اصدرت مبادئ ارشادية للحماية من جرائم غسيل الأموال في كانون اول عام 1988 عرفت باسم BASLLE STATEMENT OF PRINCIPLES
وفي المرحلة الحالية ثمة جهود واسعة في الاطار المالي والتكنيكي لمكافحة غسيل الاموال وتحديدا لاستخدام الوسائل الالكترونية تبدل من قبل الهيئات المالية الدولية غير الربحية أو التجارية مثل هيئة سريفت التي عكفت على إجراء دراسات وإصدار سياسات وتوجيهات ارشادية في ميدان الدفع النقدي الالكتروني والأموال الالكترونية وآليات غسيل الأموال باستخدام شبكات المعلومات وفي مقدمتها استخدام التقنيات الحديثة لتبادل البيانات المالية، ويتقاطع هدا الجهد مع الجهود المبدولة في حقل البنوك الالكترونية وبنوك الانترنت المتخدة من قبل الهيئات المتخصصة والخبراء في البنك الدولي وبنك التسويات ومختلف منظمات النظام الاقتصادي والتجاري الدولي وكدلك منظمات وهيئات وشبكات النشاط المصرفي [26].
هدا وقد أصبح الاقتصاد المحرك الرئيسي للتنمية الوطنية ومن ثم للعلاقات الدولية، فمن يستطيع التحكم في القرار الاقتصادي هو من يتحكم في القرارات الاستراتيجية الدولية، وبمفهوم المخالفة فإن الدولة التي لا يمكنها ضبط أوضاعها الاقتصادية تكون عرضة للتحكم فيها من الخارج سواء من الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية أو من المنظمات الإجرامية التي تتستر تحت غطاء الشركات المتعددة الجنسيات أو الشركات السياحية أو غيرها من الشركات التي تمارس في الظاهر نشاطا مشروعا بعائدات قدرة.
وإن كان الإصلاح يبدأ بالداخل فإن على الدول لمكافحة الجريمة المنظمة على المستوى الاقتصادي أن تتخد جملة من التدابير منها مثلا:
ـ تخفيض الرسوم والضرائب على المواطنين تفاديا لاستنزاف ما لديهم من سيولة أو مال خاصة وأن أغلبهم محدودو الدخل وتعويض دلك برفعها على الأغنياء من دوي النفود ودلك للإنقاص من الهوة السحيقة الموجودة بين طبقتي الإغنياء والفقراء والتي قد تدفع هاته الفئة الأخيرة إلى الوقوع في شبكات الإجرام المنظم لاستيفاء حقوقها.
ـ رفع المستوى المعيشي للمواطنين عن طريق العمل على إعادة توزيع فائض الثروة الوطنية توزيعا عادلا بما يساهم في محاربة جدية لظاهرة الفقر لإغلاق الباب أمام أ محاولة لاستغلال الوضع المعيشي المتردي للمواطنين من أجل توريطهم في جرائم منظمة كما هو الحال بالنسبة لجرائم تهريب المهاجرين أو جرائم بيع الآباء لأطفالهم أو بناتهم
ـالسماح بتعقب التصرفات المالية المشبوهة وملاحقة الأموال المشكوك في مصدرها ولو كانت ضمن الحسابات الرقمية السرية ومراقبة النشاطات الاقتصادية والتجارية لأصحاب هده الحسابات للحيلولة دون اشتراكهم في جرائم منظمة.[27]
ـ موقف الدول العربية من جريمة غسيل الأموال[28]:
إن بناء إطار قانوني عربي لمكافحة جرائم غسيل الأموال، يتعين أن ينطلق ابتداءا من استراتيجية واضحة المعالم تحدد مصادر الخطر، انماط عمليات الغسيل، المراحل التنفيدية لها، الترتيبات التي يتخدها غاسلوا الأموال ومعاونيهم، والبناء القانوني القائم بما بحتويه من ثغرات تمكن لغاسلي الاموال النفاد من خلالها لتحقيق أنشطتهم غير المشروعة.
فإدا ما وقفنا على المحتوى الفني لعمليات الغسيل والواقع القانوني لقائم الدي يتيح النفاد، انتقلنا إلى تبين خصائص النظام المالي العربي والأنشطة المصرفية والواقع القانوني المتصل بها لتبين أوجه التخصيص الخاصة بالبيئة العربية، وبتكامل هاتين الصورتين تتضح لنا النتائج فتتحدد أمامنا الصور الجرمية المتعين اتخاد التدابير لمكافحتها فيجري عندئذ تحديدها بشكل دقيق لننتقل إلى الجزء الثاني من الإستراتيجية وهو آليات المكافحة، وهي هنا آليات إدارية ومالية وقانونية، يستتبعا آليات تعاون وطني وإقليمي ودولي، تترابط حلقاته وتتشابك محققة في الوقت ذاته توازن بين أهمية المكافحة وفعاليتها من جهة، وموجبات حماية السيادة الوطنية والاقتصاد الوطني من جهة أخرى[29].
وبناء إستراتيجية يتعين أن يعتمد على خبرات وكفاءات بحثية وعلمية وعملية من مختلف القطاعات تحقق القدرة على الإحاطة بمختلف أبعاد المسألة، القانونية والفنية والإدارية،
فإذا تحقق وجود مثل هده الإستراتيجية كان من الواجب أن ننتقل إلى آليات تنفيذها، وتنفيذ الاستراتيجيات يتحقق لاتخاذ التدابير التشريعية القوانين أو الأنظمة أو التعليمات، وتنفيذ برامج التأهيل والتدريب للأشخاص والجهات التي تنيط به الإستراتيجية مهمة المكافحة أو الرقابة على الأنشطة المالية أو مهمة الإخبار عن الأنشطة المشكوك بها، ويمثل الإطار التدريبي والتأهيلي احد أهم روافع فعالية أنشطة المكافحة، ويمتد التدريب إلى موظفي المؤسسات المالية والمصرفية بمختلف مراتبهم ووظائفهم وإلى جهات الضابطة العدلية والقضائي والقانون وإلى الجهات الحكومية وجهات القطاع الخاص في آن واحد[30].
ـ سلوكيات لازمة لمواجهة خطر غسيل الأموال ـ في إطار الاستراتيجيات المصرفية ـ :
أهم عنصر من عناصر ضمان عدم الوقوع في منزلقات أنشطة غسيل الأموال، عدم تهاون المصرف في التوثق من شخص العميل وتحديدا لدى بدء التعامل، وإذا كانت المصارف العربية تولي اهتماما بشأن الأشخاص الطبيعية، فإن اهتمامها ليس بذات القدر بشأن الأشخاص المعنوية وتحديدا الشركات والمؤسسات والجمعيات، مع أن الخطر في الغالب قد يكون لدى هده الفئة..، صحيح أن البنوك تتطلب وثائق مصدقة، لكن كثيرا من السلوكيات تتجاوز أهمية التوثق من حقيقة وجود الشخص المعنوي، مكتفية بالظاهر غالبا، مع أن أهم ما دربت عليه المؤسسات المصرفية ان معرفة الزبون تتطلب معرفة سياسة عمله ونطاق نشاطه وليس معرفة شخصه فحسب[31].
ـ الحذر من العميل الذي يخفي المعلومات أو يقدم معلومات غير كافية
ـ اعتماد سياسة التقارير الدولية حول النشاط المصرفي وتحليل مخرجاتها[32]
هده السلوكيات الأدبية، جزء يسير مما تتضمنه عادة الأدلة التوجيهية الموجودة بين أيدي المصرفيين، لكن التساؤل، لمادا هده السلوكيات الأربعة دون غيرها؟ إنها مسألة تتصل بما يظهره واقع النشاط المصرفي العربي، إذ قد لا تكون السلوكيات الأخرى ذات أثر في ظل رقابة البنك الداخلية وفي ظل سياساته العملية وكذلك في ظل أنشطة الإشراف والرقابة من البنك المركزي.
هدا ويعد مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة أبرز صور التعاون القضائي الدولي وأكثر الوسائل فاعلية في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لأن المصادرة تقضي على الهدف الرئيسي لعصابات الجريمة المنظمة وهو الربح وهو ما يؤدي إلى شلل هده التنظيمات[33].
وعادة ما تقوم عصابات الجريمة المنظمة بإخفاء الأموال المتحصلة من الجريمة في دول أخرى غير التي ارتكبت فيها الجريمة.
وقد قضت اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة بهدا التعاون في المادة 12 فقرة1 بأنه على الدول الموقعة تقديم أقصى ما يمكن من مساعدة في حدود القوانين الداخلية والأغراض المصادرة ، كما أعطت الفقرة 6 من المادة نفسها السلطات القضائية في الدول الموقعة أن تأمر بتقديم السلجات المصرفية أو المالية أو التجارية أو التحفظ عليها ولا يجوز لها الاحتجاج بالسرية المصرفية للامتناع عن القيام بهدا الأمر[34] .
كدلك على كل دولة طرف في هده الاتفاقية، تتلقى طلبا من دولة أخرى بمصادرة أموال أو معدات أو أشياء أخرى متعلقة بالجريمة على اقليمها عليها أن تقوم بإحالة الطلب إلى سلطاتها المختصة لاستصدار حكم مصادرة أو تنفيد حكم صادر من الدولة الطالبة بالقدر المطلوب وفي حدود الطلب، وتعتبر المادة 13 فقرة 1 بالإضافة إلى مواد أخرى من الاتفاقية اهتمت بالتعاون القضائي في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية [35].
كما دعت الاتفاقية الدول إلى أن تقوم بإبرام اتفاقيات متعددة الأطراف أو ثنائية في سبيل المزيد من التعاون الدولي، لمكافحة الجريمة المنظمة، ولتسهيل إجراءات مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة وكدى تسليم المتهمين الرئيسيين بين الدول.
المطلب الثاني: التدابير الاستخباراتية لمكافحة الجريمة المنظمة.
لقد شكلت محاربة الجريمة المنظمة ,من بين المهمات الصعبة التي تعترض الدول خصوصا في ظل التطور المستمر الذي تعرفه هذه الجريمة و في ظل الاستغلال الذي تقوم به لوسائل الاتصال[36] من أجل تطوير نشاطها الإجرامي و تقوية مخططاتها وربط التنسيق بين أعضائها المتواجدين بالخصوص في دول مختلفة , ثم العمل على تنفيذ الجريمة في جو يطبعه السرية و عنصر المباغتة [37].
الشيء الذي يجعل معه أن أثار الجريمة المنظمة لا تواجه مجتمعا بعينه بقدر ما تهدد المجتمع الدولي ككل في جميع مصالحه خصوصا و أن من أحد سمات هذا النوع من الإجرام في الوقت الحاضر هو أنه عابر للحدود.
مما دفع بالدول إلى ضرورة نهج آليات في سبيل التصدي لهذا النوع من الإجرام المعقد و محاربته وذلك من خلال خلق تنسيق قوي بين مختلف الوسائل القانونية .
والتركيز في ذلك ما أمكن على الجانب ألاستخباراتي ,الذي سيمكن من تبادل مختلف المعلومات و البيانات فيما بين الجهات المعنية من أجل مكافحة الإجرام المنظم بخطوات استباقية أكثر ,و التي تمكن من التدخل قبل تنفيذ ماديات الجريمة .
ومن أجل إنجاح هذه التدابير الاستخباراتية في مكافحة الإجرام المنظم ,فانه يعد من الضروري أن تكون هناك استراتيجية وطنية ثم أخرى دولية بالشكل الذي سيمكن من تقوية الجهود و التضييق على أعضاء الجريمة وطنيا و دوليا.
لذا نجد بأن المغرب والذي يعد من بين الدول المنخرطة في مكافحة الجريمة المنظمة قد سعى إلى تحقيق إحداث مثل هذه التدابير الاستخباراتية وذلك من خلال انضمامه إلى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية [38], بتاريخ 17 يونيو 1957 خلال الدورة السادسة و العشرين للجمعية العامة للمنظمة المنعقدة بلشبونة بالبرتغال [39] وذلك من أجل تحقيق التعاون المشترك لتوفير الأمن واستتبابه.
وتشتمل هذه المنظمة على تنظيم هيكلي أساسي من الجمعية العامة و الأمانة العامة هذه الأخيرة التي تتوفر على مجموعة من الأقسام أهمها قسم الشؤون المالية و الإدارية و الشؤون القانونية وقسم الاستخبارات والمعلومات الجنائية,كما تتوفر المنظمة على مكاتب مركزية وطنية يوجد مقرها بالدول الأعضاء والتي تشكل هذه المكاتب المخاطب الوحيد مع الأمانة العامة للمنظمة من أجل تنسيق التعاون الأمني بين المنظمة والدول .
وتستخدم المنظمة الدولية للشرطة الجنائية في سبيل مكافحتها لللاجرام و تعقب المجرمين و المتهمين أينما حلو و ارتحلوا ,وسائل فنية وتقنية باستخدام النشرات الدولية , عبر منظومة معلوماتية حديثة [40]
و يعمل الانتربول بارع لغات رسمية الاسبانية و الانجليزية و العربية والفرنسية ,كما يتولى في سبيل مكافحته للإجرام القيام باستراتيجية متكاملة تعتمد بالاساسعلى التكنولوجيا الحديثة ,وما عرفته من تقدم في مجال الاتصال, فهو يتلقى من خلال البلدان الأعضاء للمنظمة كل المعلومات الجنائية ثم يقوم بتخزينها في قاعدة المعلومات التي يتوفر عليها وذلك من أجل تحليل هذه المعلومات الجنائية ليعممها بعذ ذلك على جميع الدول .
هذا و تضطلع الأمانة العامة لمنظمة الدولية الشرطة الجنائية بدور أساسي في تبادل المعلومات و البيانات بين الدول الأعضاء, و تشجيع البلدان الأعضاء على استخدام منظومة الاتصالات التي تتيح لمستخدميها على مدار الساعة التقصي الأوتوماتيكي في المعلومات التي تم تجميعها من كل أنحاء العالم و المحفوظة بقواعد البيانات المركزية في ليون"[41]
لذا ومن خلال ما سبق ,نجد بان هذه المنظمة قد حققت من خلال نظامها المعلوماتي المكثف قد استطاعت توفير دعم قوي للمجهودات البذولة من طرف الشرطة في مكافحتها للإجرام المنظم.
فنجد أنه وفي إطار المكافحة التي تقوم بها المنظمة, لبعض أنواع من الجرائم الخطيرة كما هو الشأن مثلا بالنسبة للاتجار في المخدرات , الذي تزايد ت خطورتها خصوصا مع ما أصبحت تشكله من تهديد حقيقي لأجهزة الدول ومؤسساتها الاقتصادية و السياسية و مواقع السلطة فيها[42] , حيث تقوم هذه المنظمة بأدوار ريادية من خلال الإستراتيجية التي تنهجها في سبيل مكافحة هذا النوع من الإجرام , فالمكاتب المركزية الوطنية التي تتواجد بالدول الأعضاء تقوم ببعث تقارير للأمانة العامة للمنظمة هذه الأخيرة التي تتولى تحديد مناطق الزراعة ومناطق الإنتاج في العالم ,ثم التحديد الدقيق لأساليب تهريب هذه المخدرات ثم تعميم البيانات المتعلقة بمتاجري المخدرات –وهي معلومات ذات طبيعة استخباراتية- من أجل التنسيق بين مختلف المصالح الأمنية للدول الأعضاء و الذي يعتمد بالأساس على تفعيل آلية التسليم المراقب والذي يعتمد بالأساس على مراقبة مرور الشحنات المحملة بالمخدرات قصد تحديد جميع العناصر الإجرامية المرتبطة بها.
هذا و تجدر الإشارة إلى أن التنسيق الذي يتم بين المنظمة الدولية للشرطة الجنائية و الدول الأعضاء من أجل مكافحة الجريمة المنظمة يتم في التزام تام بروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي" يعترف بحقوق الإنسان و كرامته وكفالة حقه في الحياة و الحرية وسلامة شخصه وعدم استرقاقه واستبادته"[43]
كما أن التعاون الذي يتم في إطار منظمة الانتربول من أجل مكافحة الإجرام المنظم يتم بشكل بعيد عن كل الأمور التي لها طبيعة سياسية وعسكرية ودينية وعنصرية و ذلك من أجل ضمان حياد هذه المنظمة , وفي احترام لسيادة الدول .
هذا و لابد من الإشارة أخيرا أن التعاون و التنسيق و المشاركة في العمليات و التحريات الذي تم بين المغرب و منظمة الشرطة الجنائية الدولية , قد مكنت من التوصل إلى التصدي لمجموعة من العمليات الإجرامية و بنجاح وذلك بالقيام بتفكيك عصابات دولية و إحباط عمليات تتعلق بتهريب المخدرات أو البشر[44] .
كما شكل التعاون الذي تم بين المغرب ومنظمة الا نتربول في ما يتعلق بمكافحة الجريمة المنظمة وفاءا با للالتزامات القانونية التي يتحملها المغرب باعتباره من الدول المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة , والتي أكدت في المادة 27 منه على الدول المصادقة على الاتفاقية ضرورة العمل على تعزيز التعاون بين المنظمات الدولية أو الإقليمية و بين أجهزة الدول من أجل العمل على إنفاذ القانون.
هذا و وعيا بالتزام المغرب بالعمل المشترك في مجال مكافحة الجريمة المنظمة ، دوليا من خلال انخراطه في منظمة الانتربول , فانه وطنيا كذلك قد انخرط في استحداث استراتيجية وطنية تتعلق بمكافحة شبكات تهريب الأشخاص و مراقبة الحدود و التي أسند مهام تنفيذها لمديرية الهجرة ومراقبة الحدود.[45] من خلال فرقة و طنية للبحث و التقصي مكلفة بمحاربة الهجرة السرية وتختص بالتحقيق في الملفات المتعلقة بتهريب الأشخاص على مجموع التراب الوطني.
و يعود لهده المديرية الدور في تطبيق مختلف الآليات التي جاءت بها الإستراتيجية الوطنية لمكافحة شبكات الاتجار في البشر وذلك من خلال الاستخبارات و تبادل المعلومات فيما بين الجهات المعنية وكذا مراقبة الحدود والمتابعات القضائية ثم التعاون القضائي.
ففيما يتعلق بالتدابير الاستخباراتية التي تقوم بها هذه المديرية كآلية لمكافحة شبكات الاتجار في البشر فان ذلك يتمثل في تبادل المعلومات حول مختلف الطرق التي تتبعها العصابة الإجرامية من أجل استقطاب ونقل الضحايا، وكذا مختلف الطرق التي يتم بها تحقيق التواصل بين أفراد العصابة ثم تحديد قنواة التمويل[46] .
فالعمل على تبادل المعلومات سوف يسهل السلطات المعنية من محاربة الاتجار في البشر كما سيجعل السلطات في خطوة استباقية لمحاربة هذا الاتجار حينما يتم تحديد طريقة عمل هؤلاء المتاجرين.
الخاتمة:
لا شك أن خطر الجريمة المنظمة قد تخطى الحدود ولم يعد بمقدور الدول مقاومتها إلا بالتعاون فيما بينها وبإشراك المجتمع بمختلف شرائحه الاجتماعية خصوصًا الهيئات المدنية والمؤسسات الدينية والثقافية من خلال استراتيجيات تتضمن سياسات تشريعية واقتصادية واجتماعية ترمي إلى معالجة أسباب الجريمة المنظمة والعابرة للحدود، وإذا كان المجتمع الدولي قد تنبه لهذه الخطورة وانعقدت من أجل ذلك مؤتمرات عالمية وإقليمية ومحلية بقصد الترصد لهذا الخطر كل مرصد بسياسات تساوي أو على الأقل تقترب من حجم ذلك الخطر، إلا أن الجريمة المنظمة عبر الوطنية لا زالت غير عابئة بهذه السياسات والإجراءات ولا يزال نموها مطردًا مما يستوجب معه بذل المزيد من الجهود واستمرار الدول بالتعاون فيما بينها تجاه مكافحة الجريمة.

Aucun commentaire: