القيمة الثبوتية للرسالة النصية الهاتفية في ضوء الخصومة الجنائية


محمد حكيم طالب بسلك ماستر العلوم القانونية تخصص القانون المدني
 مقدمة
إذا كانت ثورة المعلومات قد أسعدت الأفراد بما وفرت لهم من سبل الاتصال الحديثة و التي انعكس أثرها على مختلف مناحي حياتهم إلا أنها قد تسببت لهم في الكثير من الأضرار الشخصية سواء فيما يتعلق بالجرائم المستحدثة التي ترتكب ضدهم أو عبر إمكانية اعمال هذه الوسائل للرفع من صحة الادعاء عبر الاعتداد بهذه الأخيرة في الكشف عن خبايا الجريمة.
 و مما لا شك فيه أن تطور الواقعة الاجرامية بات حاليا يحتاج إلى البحث في تطور الأدلة الجنائية لمسايرة هذا التطور الحاصل سواء في نظر الفكر الاجرامي المرتبط بشخصية المجرم من جهة ، و من خلال الوسائل المستحدثة بغية ارتكاب الجريمة و تسهيل اندثار أدوات ارتكابها من جهة أخرى ، فالمجرم بات في وقتنا الراهن يلجأ قبل اقدامه على النشاط الاجرامي على التفكير مليا في الطريقة الأنسب ، بغية محو أي دليل يكشف عن اقترافه الفعل الجرمي.
و إذا كانت الخصومة الزجرية من خلال المراحل التي تمر منها تقضي التوازن بين أطرافها من خلال إقامة الدليل من طرف من ألقى عليه المشرع عبئ الاثبات عبر مقارعة الحجة بالحجة بين كل من النيابة العامة من جهة و المتهم من جهة أخرى على اعتبار ان الأولى هي صاحبة المبادرة في تحريك و ممارسة الدعوى باسم المجتمع كقاعدة عامة ، و استثناء عبر الشكاية المباشرة أمام قاض التحقيق مع التنصب كمطالب بالحق المدني او من خلال الاستدعاء أمام المحكمة.
 و كما هو معلوم أن المادة الجنائية محكومة بمبدأ الشرعية على خلاف ما هو معمول به في المادة المدنية ، فإن كل عمل ينظم هذه الخصومة إلا و ينبغي أن ينطلق من المبدأ السالف الذكر و الذي يحكمه أنه : ( لا جريمة و لا عقوبة إلا بقانون ) و ( لا إدانة إلا بمحاكمة قضائية ) تتوفر فيها كل الضمانات القانونية و ترتكز على مبدأ أساسي تعرض له المشرع المغربي انطلاقا من قانون المسطرة الجنائية ألا و هو مبدأ حرية الاثبات في المادة الجنائية.
فأمام التطور الحاصل التي فرضته رياح العولمة عملت أجهزة الضبط القضائي و التحقيق على الاستعانة بمختلف الوسائل المعاصرة أمام عجز الوسائل التقليدية في محاولة كسب أغوار الواقعة الاجرامية التي أصبحت خيوطها تتشابك و تتعقد أكثر فأكثر ، و جدير بالذكر أن هذه الأساليب فرع منها استحدثه مستجدات قانون المسطرة الجنائية من خلال التعديلات التي أدخلت عليه سنة 2011 و هو ما يسمى بتقنيات البحث الجديدة من التسليم المراقب و كذا التقاط المكالمات ة الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد بالإضافة الى تقنية الاختراق ، ناهيك عن مجموعة من الاليات التي تعتمدها المصالح العلمية من خلال الدور الأساسي الذي تقوم به بداية من تحليل الحمض النووي و التشريح الطبي ، و رفع البصمات و الأعيرة النارية ثم افتحاص محتوى الوسائل التكنولوجية و التي أخدت تحتل مكانة مهمة من خلال ما تتسم به من سهولة اخفائها و اندثارها وهو ما يقتضي منا  تسليط الضوء عليها نظرا لأهمية التي تحتلها اليوم ، ناهيك عن قلة المراجع المعتمدة فيها هذا الصدد و عليه فقد كان الدافع لمحاولة الخوض في غمار كتابة هذا المقال هو ما سبق قوله الأمر الذي يقتضي معه التنقيب عن القرارات القضائية سواء على المستوى الوطني باعتباره هو من الأهمية بمكان و على المستوى الدولي.
كل هذا إن دل فإنما يدل على أن الموضوع الذي نحن بصدد معالجته يطرح في جوهره إشكالية أساسية و التي تتعلق بإسناد الرسالة النصية الهاتفية للفاعل من أجل إثبات إدانة و خصوصا إذا كانت هذه الأخيرة هي الوسيلة الوحيدة ، و عليه فإن معالجة هذه الإشكالية تقتضي تناولها بالأساس اعتمادا على سياق ممنهج تمثل في التطرق لها عبر تناول إسناد الرسالة لشخصية الفاعل.
و لكن قبل ذلك لا بد من معرفة مفهوم الإثبات الجنائي و طرقه بشكل مقتضب انطلاقا من المقتضيات القانونية التي تحكمه.
المحور الأول : ماهية الإثبات الجنائي في المادة الجنائية
إذا كانت المادة المدنية تعرف الإثبات المقيد ، فإن الأمر بخلاف ذلك في المادة الجنائية التي تعرف مبدأ حرية الإثبات بكافة الوسائل ، ما عدا ما استثناه المشرع بنص خاص ( الفقرة الأولى )، وعليه فطرق الاثبات منها شق منها قانوني و شق آخر وجداني ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : مفهوم الإثبات الجنائي
لقد نظم المشرع المغربي مقتضيات الاثبات في الفرع الأول من الجزء الثالث في بابه الأول من قانون المسطرة الجنائية ، حيث أشار إلى الإمكانية المتاحة للمحكمة في إطار سلطتها التقديرية في الاستناد إلى أي وسيلة لإثبات ما لم يقضي القانون بخلاف ذلك ، هذا الاثبات تضمنته عشرة فصول ، لكنه لم يقدم تعريفا يذكر لهذه الوسائل ، ذلك أن الشخص في المادة الجنائية يقوم بأفعال مخالفة للقانون.
 و بالتالي فهو يعمل على اخفائها عن أعين الأنظار الشيء الذي جعل المشرع يتوسع في اثبات الأفعال المخالفة للقانون و أجاز إثباتها بكافة الوسائل.
الفقرة الثانية : طرق الإثبات الجنائي
للإثبات في المادة الجنائية خصوصية مفادها أن هذا الأخيرة يقع بطريقة قانونية أو بطريقة وجدانية ، فبالنسبة للأولى بقصد منها تلك الطريقة التي تدخل القانون لتحديدها و ألزم بمقتضاها القاضي بإتباعها ، و بالتالي فإن مخالفتها أو استبعادها إلا و يعرض الحكم للطعن بالوسائل التي أقرها القانون ، بالمقابل فإن الثانية تعتمد بالدرجة الأولى على قناعة القاضي في مدى كون الشخص فعلا مرتكبا للفعل الجرمي المنسوب إليه أم لا ، و هو بذلك يمنح القاضي إمكانية استبعاد الدليل أو الاعتداد به كلما ارتأت المحكمة المعروض عليها النزاع من خلال الوقائع و الأحداث ، حتى و إن اعترف المتهم و ما نظمته مقتضيات المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية ( يمكن إثبات الجرائم بأي وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك و يحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم ).
 كما نص المشرع منح القاضي إمكانية بناء مقرره القضائي من خلال حجج عرضت أثناء الإجراءات و نوقشت شفهيا و حضوريا أمامه ( المادة 289 ق. م. ج ) ، و جدير بالذكر المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية نص على أنه إذا كان إثبات الجريمة متوفقا على حجة جارية عليها أحكام القانون المدني ، فيراعي القاضي في ذلك قواد القانون المذكور.
المحور الثاني : إسناد الرسائل النصية الهاتفية في ضوء العمل القضائي
طرحت مسألة الرسائل النصية أسئلة كثيرة أمام القضاء من حيث إمكانية قبولها كدليل في الإثبات ، و الشروط اللازمة لإمكانية تطبيقاتها من جانب العملي.
الفقرة الأولى : معايير إسناد الرسالة النصية لإثبات في المادة الجنائية
إن معرفة مصدر الرسالة النصية الهاتفية ليس بالدقة التي يمكن تصورها ، و ليس من السهولة بمكان ، كون معرفة هوية كاتب أو مرسلها تطرح تعقيدا خصوصا في الحالة التي تكون مجهولة المصدر من الناحية القانونية و ليس من الناحية الواقعية ، على اعتبار أن المنطق يفرض أن قد صدرت من قبل شخص ، هذا الأخير قد لجأ في البداية إلى الشركة التي منحت لها الجهة الوصية توفير خدمة الخطوط الخلوية و اقتنى منها أو ملك خط الهاتف الذي من خلاله تم إرسال الرسالة النصية. إلا أن هناك إشكالات تطرح و هي الحالة التي يكون فيها رقم الهاتف الذي صدرت منه الرسائل غير مسجل في اسم مالك ، أو الحلة المعاكسة و التي يكون فيها رقم الهاتف مسجل في اسم  شخص ما و يرتضى هذا الأخيرة أن يمنح الشريحة لشخص آخر بغية استخدامها  ، فهل تنسب للمستعمل المادي لها أم للمستعمل القانوني الذي تعاقد منذ البداية مع مشغل الخطوط الخلوية .
الفقرة الثانية : التطبيقات القضائية لإسناد الرسالة النصية للفاعل
لقد عرفت مسألة الرسائل النصية أسئلة كثيرة أمام القضاء ، من حيث إمكانية قبولها كدليل في الإثبات ، و الشروط اللازمة لإمكانية تطبيقها من الجانب العملي هذه الأدلة كان القضاء قد فندها و قبلها كدليل في الإثبات ضمن شروط معينة ، فقد قبلت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 23 ماي 2007 الرسلة النصية كدليل لإثبات ، لكن بشرط أن يكون الحصول عليها قد تم بطريقة لا خداع فيها و بشرف.
 و من جهة ثانية ، فالسهولة في استخدام التقنيات و الوسائل الحديثة حركت الفقه و القضاء المقارنين للبحث عن مبدأ حسن النية في الإثبات في الوسيلة الذي نحن بصدد البحث فيها ، وقد طبق القضاء الفرنسي هذا المبدأ في عدة مناسبات و اشترط الحصول على الدليل في الإثبات أن يكون قد تم بشرف ، حيث ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صدر عن الغرفة الاجتماعية بتاريخ 23 ماي 2007 حيث نص على ما يلي ( إذا كان لرب العمل الحق في إدارة و مراقبة نشاط العمال لديه خلال وقت العمل ، فإن جميع التسجيلات أيا كانت سببها من صور فإنها تشكل دليلا غير شرعي إلا إذا كان الحصول عليه قد تم بصورة شريفة ).
 و من ناحية أخرى فإن إقامة الرسائل النصية كدليل في الإثبات يختلف حسب نوعية الدعاوى المرفوعة أو المنظور فيها ، حيث قبل القضاء الفرنسي الرسالة النصية كدليل لإثبات في قضايا الطلاق ، و ذلك في حكمه الصادر بتاريخ  17 يونيو 2009 حيث جاء فيه بأن ( الرسالة النصية تشكل طريقة في الإثبات للخطأ المسبب للطلاق ، و ذلك عندما لا يكون الحصول على هذه الرسالة النصية قد تم بطريقة الغش و الاكراه ).
انطلاقا مما سبق يتضح أن معالجة هذا الموضوع ليس بالأمر الهين وإنما يتطلب المزيد من التحليل و التمحيص ، كونه كان و لازال يطرح مشاكل من الناحية العملية في غياب الضبط الكافي للتحكم في مستعملي شرائح الهواتف ، مع العلم أن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات أو ما يصطلح عليه ب ( دركي الاتصالات ) يعمل بين الفينة و الأخرى على الزامية الشركات المتوفرة على الاعتماد لتوفير خدمة الاتصالات داخل المغرب على ضبط هوية مالكي الشرائح أو البطائق.

المراجع
• قانون رقم 01 المتعلق بالمسطرة الجنائية
• ذ. محمد جلال السعيد المحكمة العادلة في قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002 الجزء الخامس يناير 2012
• ذ. أحمد الخمليشي شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الثاني الطبعة الثانية سنة 1988
• ذ. محمد مومن الحماية القانونية للمفترض براءته دراسات تكريما لأستاذ محمد جلال السعيد الجزء الثاني.
• المؤتمر العلمي الأول حول الجوانب القانونية والأمنية للعمليات الإلكترونية منظم المؤتمر أكاديمية شرطة دبي ، مركز البحوث والدراسات رقم العدد : 1 السنة : 2003 دبي – الامارات العربية المتحدة.
• القضاء الجنائي ووسائل الإثبات : بحث تحت إشراف ذ. محمد أحداف سنة 2005
• ذ. محمد العروصي : المختصر في التحقيق الإعدادي ووسائل الإثبات:

Aucun commentaire: