المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية

تقديم عام

لاشك في إن إرساء دعائم دولة الحق والقانون يستلزم توفير الآليات الكفيلة لتحقيق العدالة والمساواة واحترام الحقوق والحريات 1 وهذه الآليات تنظم مختلف العلاقات القانونية بين الأفراد فيما بينهم من جهة وبين الأفراد والأجهزة القائمة على الأمن من جهة ثانية. وذلك برسم الحدود التي تؤطر كل طرف على حدة في إطار صيغة توفيقية بين السلطة والحرية ، وفي نوع من التوازن الذي يكفله القانون الجنائي بصفة عامة وقانون المسطرة الجنائية بصفة خاصة ، ليمكن القول على ، هناك فرق بين الشرطة الإدارية التي تسعة من خلال مهامها إلى المحافظة على النظام العام وممتلكات الأشخاص. وكل أعمالها تأتي قبل ارتكاب الأفعال الجرمية مما يتخذ عملها طابعا وقائيا، وبين الشرطة القضائية التي تعتبر آلية فعالة وحاسمة من آليات العدالة الجنائية بحيث هي التي تؤسس لهذا الأخيرة من حيث الكشف عن مكامن الإجرام وضبط مرتكبيه من خلال إنجاز كل المحاضر وتنفيذ تعليمات النيابة العامة والإنابة القضائية وبالتالي فإن صفتها الضبطية مرتبطة بوقوف الجريمة، فهي إذن المساعد الأول للقضاء وتحل من أجل الحد من الظاهرة الإجرامية أو على الأقل بضبط مرتكبيها وتقديمهم إلى العدالة ولكن بضوابط معينة ومحددة خصوصا مع ميلاد المفهوم الجديد للسلطة وتضييق نطاقها في مقابل إرساء ضمانات عقوبة أثناء مرحلة البحث التمهيدي الذي يمكن أن يشوبه مساس بحريات الأفراد وحقوقهم المتعارف عليها دوليا. لذا أقر المشرع الجنائي المغربي المسؤولية الجنائية لضابط الشرطة القضائية من خلال مجموعة من نصوص التجريم والعقاب وحيث أن المسؤولية الجنائية للضباط الشرطة القضائية تتمثل في ذلك الأثر القانوني المترتب على ارتكاب فعل مجرم كواقعة قانونية أثناء قيامهم بمهامهم الرسمية انطلاقا من أساس تحملهم للجزاء الذي تفرضه نصوص المتابعة الجنائية بسبب خرق الأحكام التي تقررها هذه القواعد وبالتالي تأتي لنا مشروعية التساؤل حول ماهية العلاقة الجدلية القائمة الأساس بين كل من المسؤولية الجنائية لعناصر ضابط الشرط القضائية والاختصاصات المنوطة بهم ؟ وبين المسؤولية الجنائية والضمانات القانونية لحريات الأفراد الماثلين أمامهم؟ ومؤدى هذه الإشكالية أن تجاوز ضباط الشرطة القضائية باختصاصاتهم الممنوحة لهم قانونا ليكون بذلك تطاولا وتهكما على حساب حريات وحقوق المشبه فيهم أثناء البحث التمهيدي. وإذا ما سلمنا بوجود مسؤولية جنائية لهذه الفئة فإلى أي حد يتم تفعيل هذه النصوص الجامدة ؟ وتحريم مسطرة المتابعة. وإلى أي حد وائم المشرع الجنائي المغربي بين عدم المساس بسمعة رجال الشرطة القضائية وحماية حقوق الأفراد هذه وتلكم أسئلة للنقاش ، سنحاول الإجابة عنها من خلال التصميم التالي .
المبحث الأول : مناط المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية :
المطلب الأول : المسؤولية الجنائية والتأديبية لضباط الشرطة القضائية أي اختلاف
•الفقرة الأولى : المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية
•الفقرة الثانية : المسؤولية التأديبية لضباط الشرطة القضائية
المطلب الثاني : حدود المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية
•الفقرة الأولى : المسؤولية الجنائية عن الفعل الشخصي كأصل
•الفقرة الثانية : المسؤولية الجنائية عن فعل الغير كاستثناء
المبحث الثاني : تجليات المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية
المطلب الأول: أنواع الجرائم التي يمكن ارتكابها من طرف هذه الفئة
•الفقرة الأولى: الجرائم التي يرتكبها ضباط الشرطة القضائية بصفة خاصة
•الفقرة الثانية : الجرائم التي يرتكبها ضباط الشرط وباقي الموظفين العموميين
المطلب الثاني: مسطرة المتابعة الجنائية لضباط الشرطة القضائية
•الفقرة الأولى : مسطرة متابعة الضباط الشرطة السامون
الفقرة الثانية : مسطرة متابعة الضباط الشرطة العاديين
المبحث الأول:
مناط المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية
سبق القول على أن ضباط الشرطة القضائية بمناسبة أدائهم لمهامهم المنصوص عليها في المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية ، يمكنهم أن يتطاولوا على حريات وحقوق الماثلين أمامهم وهذا ما يشير : إما  إلى إهمال أوخطأ مهني يوجب مسؤولية الضابط من تأديبه إما من طرف رؤسائه الإداريين أو عن طريق القضاء، وإما أن يقوم بفعل مجرم ضد المشتبه فيه وهو ما يشدد مسؤوليته الجنائية كالاعتقال التحكمى أو التعذيب على سبيل المثال . لذلك وجب التفريق بين المسؤوليتين التأديبية والجنائية مع تحديد نطاق هذه الأخيرة .
المطلب الأول : الفرق بين م.ج.و.م التأديبية :
الفقرة الأولى : المسؤولية الجنائية :
 يخضع رجال الضابطة القضائية من ضباط سامين وضباط عاديين وأعوانهم إلى مقتضيات القانون الجنائي باعتبارهم أشخاص عاديين أو بحكم مهامهم باعتبار أن هذا القانون لا يضع تميزا بين مختلف أفراد ومكونات المجتمع سواء بسواء  وبالتالي فمن قام بأي فعل يعد خرقا للقانون الجنائي ، ولو داخل قيامه بمهامه يعاقب طبقا لفصول المتابعة وحيث أن هناك مجموعة من الأفعال التي تعتبر جرائم يمكن لضبابط الشرطة القضائية أن يرتكبوها أثناء مزاولتهم لمهامهم فهناك جريمة الشطط في استعمال السلطة (244-232 من قانون المسطرة الجنائية) وجرائم تجاوز الاختصاص من الفصول 237 إلى الفصول 240 والجرائم المتعلقة بالاختلاس والغدر من الفصول 241 إلى 247 إضافة إلى جرائم الرشوة واستغلال النفوذ وجرائم استعمال السلطة في وضعية غير شرعية بعد زوال الحق في مباشرتها وجريمة عدم الحفاظ على السر المهني 446 من القانون الجنائي ولا ننسى جريمة الاعتقال التحكمى الفصل 225 من ق.ج. وجريمة هتك حرمة منزل وجريمة التعذيب أو استعمال العنف ضد المشتبه فيهم.
ومن ثمة يتبين لنا أن المشرع الجنائي المغربي انطلاقا من مبدأ شرعية التجريم والعقاب حدد مختلف الأفعال التي يمكن أن تثار بمناسبة ارتكابها قيام المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية . التي تعتبر ضمانة قانونية لحماية حقوق الأفراد من خلال مفهوم الردع العام. لهذه الفئة مع تحديد عقوبات قاسية بشأنها عند الحكم على مرتكبيها لا لشيء وإلا لمحاولة تكريس مبادئ العدالة الجنائية وحماية الأفراد من منطلق أن الظلم أينما كان يحدد العدل في كل مكان  وبالتالي لا معنى من انتزاع الحقيقة من المتهم على مديح الحرية.
لذلك يتعين على رجال الشرطة القضائية بمختلف احترام القانون لاحترام حريات وحقوق الأشخاص ولكونهم فئة خاصة يفرض عليها الواجب إعطاء المثال الأعلى في تطبيق القانون.

الفقرة الثانية: المسؤولية التأديبية :
إن بعض ضباط الشرطة القضائية لا يميزون بين قيام مسؤوليتهم الجنائية وقيام مسؤوليتهم التأديبية وخصوصا منها المسؤولية التأديبية التي توقعه الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف وعن تلك التي يوقعها عليهم رؤسائهم الإداريين. انطلاقا من أسئلة وجهناها لبعض الضباط وهذا هو السبب الذي جعلنا نورد هذه الفقرة ضمن هذا العرض.
فإذا كانت المسؤولية الجنائية لضابط الشرطة القضائية تقوم بناء على إتيان فعل مخالف لما نص عليه المشرع الجنائي وعاقب عليه بعقوبات قاسية فإن مناط المسؤولية التأديبية يترتب عن كل إخلال بالواجبات الوظيفية والإخلال بالالتزامات المهنية التي تقتضي احترام مبادئ وأخلاقيات هذه المهنة من القسم الذي يؤديه ضابط الشرطة القضائية قبل اكتسابهم لهذه الصفة  لما يتطلبه القانون من التجرد وحسن المقصد في الأداء  وبالتالي فإن المسؤولية التأديبية ليست محددة بنصوص قانونية كما هو الحال بالنسبة للمسؤولية الجنائية المحددة أفعالها حصرا كما لا يخضع الخطأ التأديبي لقاعدة الشرعية بل هو خروج ومخالفة لواجب الموظفين عن السير العادي لوظيفته.
ذلك أن موقع ضابط الشرطة القضائية وهو يوثق مسبقا لوثائق المحاكمة الجنائية يجعله مسؤولا عن كل خطأ ناتج عن تقصير أو إهمال أو تجاوز يجعله عرضة للمسائلة التأديبية والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة يصعب تحديدها على سبيل الحصر غير أن من أبرزها سوء معاملة أحد أطراف البحث التمهيدي أو بمناسبة القيام بأحد إجراءات خارج الضوابط القانونية المنظمة لها كالتفتيش خارج ساعة العمل  لأن كل إجراء لم يتخذ لغاية نبيلة يهدف إليها المشرع سيرتب على ضابط الشرطة القضائية الذي ارتكبه قيام مسؤوليته التأديبية التي تبدأ انطلاقا من تحريك المسطرة التأديبية التي توقعها الغرفة الجنحية والمسؤولية التأديبية التي توقعها السلطة الرئاسية لضابط الشرطة القضائية. فتحريك المسطرة التأديبية القضائية تبدأ بتقديم كتابي من السيد الوكيل العام للملك الذي يترأس سلطة سير ضابط الشرطة القضائية إلى الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف أو تباشرها هذه الأخيرة مباشرة عند علماها بالمخالفة أثناء دراسة ملفات التحقيق  حيث تكون هذه التصرفات صادرة عنه بهده الصفة  كما يمكن أن تتولد مسؤولية تأديبية من طرف الرؤساء الإداريين عند ما يتم اكتشاف مخالفات للقانون أو المساطر المنجزة أو الأخطاء ضد القوانين والأنظمة الداخلية. وبالرجوع للقانون المنظم والمحدث للإدارة العامة للأمن الوطني نجده ينص على أن العقوبات التأديبية لا يمكن أن تخرج عن الآتي :
 الإنذار .
 التوبيخ .
 الحذف من جدول الترقي .
 الانتقال التأديبي .
 الإرجاع من الرتبة .
 الوقف من مزاولة العمل لعدة لا تزيد عن 6 أشهر .
 الإحالة على التقاعد .
وبهذه النقطة يختلف المسؤولية التأديبية عن المسؤولية الجنائية التي تكون العقوبة فيها سالبة للحرية والغرامة المالية. وأخيرا يمكن القول على أن المسؤولية الجنائية تختلف عن حضريتها من التأديبية لرجال الضابطة القضائية في كون أن القضاء هو الجهة التي تثبت قيام المسؤولية الجنائية من خلال الغرفة الجنائية الابتدائية لدى المحكمة الابتدائية أو المحكمة الابتدائية بحيث نوع الجريمة عكس المسؤولية  تأديبية فإن الجهة التي تطبق العقوبة هي الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف أو السلطة الإدارية التي ينتمي إليها ضابط الشرطة . ونفصل في هذه النقطة في المطلب الثاني من المبحث الثاني عند معرض الحديث عن مسطرة المتابعة في حالة قيام المسؤولية سواء من حيث المسطرة أو من حيث الاختصاص.
المطلب الثاني : حدود المسؤولية الجنائية لضابط الشرطة القضائية :
أثار موضوع المسؤولية الجنائية بصفة عامة وأساسها بصفة خاصة عدة نقاشات منذ القدم ضمن العلاقة الأزلية المتعلقة بإشكالية الجبر أو الاختيار وسنتحدث ونقتصر على المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية انطلاقا من الخروج والتطاول في اختصاصاتهم عن مجال أداء الواجب الذي لا يمكن معه قيام أية مسؤولية جنائية في حالة التقيد بحدوده لأنه ليس من المنطق في شيء أن يكلف المشرع الجنائي جهازا معينا لخدمة معيبة ومعاقبته.
وإنما يعاقب عن كل تجاوز للاختصاصات الغير مشروعة قانونا والغير الصادرة عن السلطة الشرعية .
الفقرة الأولى : المسؤولية الجنائية عن الفعل الشخصي كأصل :
فالأصل في المسؤولية الجنائية هي مسؤولية شخصية إن يعقب الشخص على مخالفة كل مقتضى من مقتضيات القانون الجنائي من منطلق أن كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا بصفة شخصية عن الجرائم التي يرتكبها وعن الجنايات التي يعاقب عليها كالجناية التامة وعن محاولات الجنح ضمن الشروط مقررة في القانون للعقاب عليها  ومن ثمة نستنتج على أن كل ضابط من ضباط الشرطة القضائية إذا تجاوز أداء مهامه وأخطأ في حق غيره ويعتبر ذلك موجبا لقيام المسؤولية الجنائية الشخصية.
فإذا كان هذا هو الأصل في قيام المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية فإن هناك استثناء ، وهذا الاستثناء متمثل في الفقرة الأخيرة بنص الفصل 132 من القانون الجنائي بقوله : "لا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك".
الفقرة الثانية : المسؤولية الجنائية عن فعل الغير كاستثناء :
وبالرجوع إلى النظام الأساسي الخاص لموظفي المديرية العامة للأمن الوطني  في نصوصه 46 والقانون المنظم للدرك الملكي كقوة عمومية. فباستطلاع مواده 129 لا نجد أية إشارة إلى هذا النوع من المسؤولية الجنائية عن فعل الغير.
ولكن بالنظر إلى طبيعة عمل الضابطة القضائية نجد أنه يطغى عليه الاحترام الواجب للتسلسل الإداري.
وبالتالي فكل أمر يتلقاه الضباط الصغار أو أعوانهم من طرف رؤسائهم يكون واجب التطبيق نظرا لما لذلك من أهمية في النظام الذي تمتاز به الشرطة القضائية ومختلف الأملاك المخزنية إلا وأصبحت الفوضى وحالة  اللانظام في هذا الجهاز الذي له من الأدوار ما يجعله مهما جدا لمحاربة الظاهرة الإجرامية أو على الأقل الحد منها على اعتبار أنه جهاز له فعاليته في السياسة الجنائية ومن ثمة فإن كل عمل يقوم به أحد الضباط بناء على سلطة وأوامر رؤسائه لا تقوم معه المسؤولية الجنائية إذا كان الفعل يتوافق وأداء الواجب أو أمرت به السلطة الشرعية .
أما إذا كان فعله مخالف للقانون تقوم مسؤولية الرئيس الضابط الأعلى درجة مصدر الأوامر وهذا فيه خروج عن المبدأ العام المتعلق بشخصية المسؤولية الجنائية الغير الشرعية وبذلك يكون الضباط الصغار وأعوانهم منفذين فقط إرادة رؤسائهم المباشرين . بحيث يعتبر الرئيس الإداري فاعلا معنويا للجريمة طبقا لموجبات المادة 131 من القانون الجنائي المغربي التي تنص على : "أنه من حمل شخص غير معاقب بسبب ظروفه أو صفة الشخصية على ارتكاب جريمة فإنه يعاقب بعقوبة الجريمة التي ارتكبها هذا الشخص".
المبحث الثاني:
تجليات المسؤولية الجنائية لضباط  الشرطة القضائية
المطلب الأول: الجرائم التي يمكن ارتكابها من طرف رجال الشرطة القضائية:
يعتبر رجال الشرطة القضائية قبل كل شيء، أشخاصا عاديين يتعين عليهم احترام كل القوانين الجاري بها العمل تحت طائلة قيام مسؤولياتهم الجنائية .
ولكونهم أشخاصا يفرض عليهم الواجب إعطاء المثال في احترام القوانين خاصة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية اللذان نصا على مجموعة من الجرائم يحتمل ارتكابها من طرف ضباط الشرطة القضائية ، بحيث يكون اقترافها مؤديا إلى زعزعة ثقة الأفراد  في الدولة ، وبالتالي فالمعني بالأمر يتعرض لإثارة مسؤوليته جنائيا كلما أخل بقوانين جنائية ، أي كلما طابق فعله عناصر جريمة.
وفي جميع الأحوال فالتصرف الذي تنتج عنه المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية يبقى خاضعا لمقتضيات القانون الجنائي العادي.   غير أن بعض مظاهر ذلك التصرف تكتسي خطورة قصوى حين تصدر عن ضابط الشرطة القضائية الشيء الذي يفسر التعرض لها بنصوص خاصة في القانون الجنائي ، إذا تناقض الغاية من الشرطة القضائية باعتدائها على حريات الأفراد وحقوقهم المدنية والوطنية.
هذه الجرائم منها التي ترتكب من طرف رجال الشرطة القضائية وجرائم قد يرتكبها ضابط الشرطة القضائية أو أي موظف عمومي.
الفقرة الأولى : الجرائم المرتكبة من طرف ضابط الشرطة القضائية بصفة خاصة:
1 ـ انتهاك حرمة منزل :
التفتيش إجراء استثنائي لا يصرح به إلا إذا كانت الجريمة قد ارتكبت فعلا وكانت من النوع الذي يمكن إثباته بواسطة حجز مستندات وغيرها من الأشياء الموجودة بحوزة الأشخاص  مشكوك مشاركتهم في الجريمة ، وقد نظمت المواد 59 إلى 63 من قانون المسطرة الجنائية شروط التفتيش وتوقيته، والذي بطبيعة الحال إذا ما تم خرقه فحينئذ نكون بصدد هتك حرمة منزل وبالتالي قيام المسؤولية الجنائية، مع العلم أن المساكن فرضت لها حماية دستورية وهي ما نص عليه الفصل 24 من الدستور المغربي 2011 "إن المنزل لا تهتك حرمته ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون " وحتى تكون بصدد جريمة هتك حرمة منزل ، فعلى  ضابط الشرطة القضائية عدم القيام بالمخالفات، بل يقتصر هذا الإجراء المسطري على الجنايات والجنح ، كما لا يمكن القيام به إلا من طرف ضابط الشرطة القضائية، ما لم يتعلق الأمر بمكتب محام، ففي هذه الحالة يقوم به قاض من قضاة النيابة العامة وبمحضر المحامين أو من ينوب عنه طبقا للفقرة 4 من الفصل 59 القانون الجنائي  بل الأكثر من دلك المادة 79 من القانون الجنائي تلزم ضابط الشرطة القضائية في حالة البحث التمهيدي بعدم الدخول إلى المنازل وتفتيشها دون موافقة صريحة من الشخص الذي ستجري العمليات بمنزله مع احترام أوقات التفتيش كما هو منصوص عليها في المادة 62 من القانون الجنائي "لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل h6 صباحا وبعد21h ليلا".
مع بعض الاستثناءات كطلب صاحب المنزل بالقيام بالتفتيش أو في حالة ما إذا وجهت استغاثة من داخله.
كما أنه في الجرائم الإرهابية يكفي أخذ الإذن من النيابة العامة  ومباشرة التفتيش ولو خارج الوقت القانوني.
وبالتالي فكل إخلال لما سبق وأن ذكرناه يعد جريمة انتهاك حرمة منزل تنتج عنه مسؤولية جنائية وعقوبة من شهر إلى سنة وغرامة من 200 إلى 500 درهم طبقا للفصل 230 من قانون الجنائي.
2- الاعتقال التحكمى :
لم يعرف المشرع المغربي الاعتقال التحكمى ، إلا أن بعض الفقه  عرفه بأنه: كل اعتقال سواء، كان احتياطيا أو في إطار الحراسة النظرية أو تنفيذ لعقوبة سالبة الحرية لا يحترم الإجراءات والشروط والضوابط التي وضعها المشرع له يعتبر اعتقالا تعسفيا".
وبالتالي، فهذه الجريمة تكون عندما نكون بصدد اعتقال احتياطي أو بوضع تحت الحراسة النظرية والتي حدد المشرع المدة المتعلقة بها طبقا للمادة 66 من القانون الجنائي ، إذ لا تتجاوز 48 ساعة تمدد مرة واحدة بإذن كتابي من النيابة العامة ، ما لم يتعلق الأمر بالمس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي فالمدة هي 96 ساعة تمدد مرة واحدة أما إدا تعلق الأمر بجرائم إرهابية تكون المدة 96 ساعة تمدد لمرتين بنفس المدة في كل مرة ,  فعدم احترام ضابط الشرطة القضائية لهذه المدة أو في حالة إهمال الاستجابة .. وإثبات حالة الاعتقال التحكمى الغير مشروع سواء في أمكنة أو المحلات المخصصة لذلك ، فهي تكون سببا في قيام مسؤوليته الجنائية معاقب بالتجريد من الحقوق الوطنية. كما هو منصوص عليه في الفصل 227-225 ق.ج. ما لم يكن تصرفه بناء على ألأمر صادر من رؤساءه ففي هذه الحالة يتمتع بعذر من العقاب وتطبق العقوبة على الرئيس الذي أصدر الأمر وحده.
وإذا كان العمل التحكمى ارتكب لغرض ذاتي أو بقصد إرضاء أهواء شخصية تطبق العقوبة المنصوص عليها في الفصول 436-440. كما هو منصوص عليه في الفقرة الأخيرة من الفصل 225 ق.ج
3- جرائم العنف وممارسة التعذيب :
تنص المادة 231 من ق.م.ج على ما يلي : "كل قاضي أو موظف عمومي أو رجال مفوضي السلطة أو القوة العمومية إستعمل أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب قيامه بها العنف ضد الأشخاص أو يأمر باستعماله بدون مبرر شرعي يعاقب على هذا العنف، على حسب خطورته ..." هذه الجريمة لم يكن منصوص عليها في القانون الجنائي المغربي بشكل صريح ولم يصدر القانون الذي يجرم هذا الفعل إلا في سنة 2000 بعد أن رفع المغرب تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب في 2004 . والتعذيب كما عرفه الفصل الأول من القانون المتعلق بتجريم ممارسة التعذيب  23.04والفصل 231.1 من ق.ج يقصد بالتعذيب بمفهوم هذا القانون        »     كل إيذاء سبب ألما أو عذابا جسديا أو نفسيا يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت له ، في حق شخص لتخويفه أو إرغام شخص آخر على الإدلاء بمعلومات أو بيانات  أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص .. «
وبالتالي فضابط الشرطة القضائية عليه الالتزام بما هو منصوص عليه في ق.م.ج فيما يتعلق بالبحث وجمع الأدلة واستنباط الدليل بكيفية مشروعة وليس استعمال العنف والإكراه.
إذ تنص المادة 293 من ق.م.ج على أنه "لا يعتد بكل اعتراف تبث انتزاعه بالعنف و الإكراه...".
بالإضافة إلى قيام المسؤولية الجنائية لمن تسبب في التعذيب ويعاقب بالسجن من 5 سنوات إلى 15 سنة وغرامة من 10.000 إلى 30.000 .
و تختلف هده العقوبة حسب الشخص الدي مرس عليه التعذيب من الفصل/1231إلى 2316/ ق.ج
المؤبد : قاصر دون 18 سنة.
الأشخاص في وضعية صعبة.
ضد امرأة حامل إذا كان مسبوقا أو تلاه اعتداء جنسي.
الفقرة الثانية : الجرائم التي يرتكبها رجال الشرطة القضائية وباقي الموظفين العموميين :
1 ـ جريمة التزوير :
إن أول عناصر جريمة التزوير هو أن يتم تغيير الحقيقة في محرر ويكون ذلك بطبيعة الحالة باستبدال واقعة صحية بأخرى كاذبة  وطرق التزوير المنصوص عليها في الفصل 352 م.ق.ج لا يرتكبها إلا القضاة والموظفون والموثقون والعدول شريطة أن يكون ذلك حدث منهم أثناء قيامهم بوظائفهم كوضع توقيعات مزورة.
أو تغيير في المحرر، وطالما أننا بصدد موضوع المسؤولية الجنائية  لضباط الشرطة القضائية فالتغيير قد  يكون في المحضر.
أو أن يضع ضابط الشرطة القضائية أشخاص وهميين أو استبدال أشخاص بآخرين، بل الأكثر من ذلك، كتابة إضافة أو مقحمة في المحضر بعد تمام تحريره.
أما إذا كان الضابط يمارس اختصاصه داخل جميع  التراب الوطني يرجع الاختصاص لمحكمة النقض حسب الكيفية المنصوص محاضر ضباط الشرطة عليها في الفصل 265ق.م.ج.
ما يمكن قوله  أن قاضي التحقيق في إصدار قراراته يأخذ من حيت الممارسة العملية على محاضر الضابطة القضائية.لكن في نظرنا نحن لا يشكل إثباتا قويا يستند إليه القاضي الجنائي.
وفي هذا الصدد نستحضر إحدى قرارات محكمة النقض  والدي جاء فيه بأنه لا يمكن للمحكمة أن تبنى مقررها إلا على الحجج عرض عليها أثناء الجلسة ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامها، وحيث يتجلى من القرار المطعون فيه وكذا القرار الابتدائي المؤيد به أن المحكمة لما أدانت الطاعن من أجل ما نسب إليه اعتمدت على اعترافه أمام الضابطة القضائية مما يكون القرار المطعون فيه والحالة هذه معرضا للنقض والإبطال .
2- جريمة الرشوة :
من المعروف أن الرشوة هي اتجار الموظف ومن حكمه بالوظيفة الموكولة إليه، أو بالأحرى استغلال السلطات المخولة له بمقتضى تلك الوظيفة لحسابه الخاص، ذلك حين يطلب لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعدا أو عطية لأداء أعمال وظيفته ... أوالأخلال بواجباته الوظيفية .
وانطلاقا من نص الفصل 248 فضابط الشرطة القضائية يعد مرتكبا لهذه الجريمة في حالات قبل عرض أو وعدا أو طلب هبة أو أي هدية أو أي فائدة أخرى لقيام بعمل مشروع أو غير مشروع ، ولكن ما يهمنا ماهو العمل الغير المشروع كمثال على ذلك "التزوير في المحضر" وبالتالي نكون بصدد جريمتي الارتشاء والتزوير وبالتالي يكون محل مساءلة جنائية وهي التي تكون عقوبتها السجن من خمس سنوات إلى 10 سنوات والغرامة من 5000 درهم إلى 1000.000 درهم  أما إذا كان مبلغ الرشوة يفوق 1000.000 درهم هنا يعاقب بالسجن المؤبد.
مع العلم أنه في هذه الحالة يكون الغرض من الرشوة القيام بعمل يكون جنحة معاقب عليه بالعقوبة السالفة الذكر فإن المشرع يشدد في العقوبة ليجعل منها جناية معاقب عليها بالسجن المؤبد طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 352 من ق.ج.
المطلب الثاني : مسطرة المتابعة بنصوص المسؤولية الجنائية لضباط الشرطة القضائية :
للنظر في مسطرة المتابعة عندما تنسب المسؤولية الجنائية لضابط من ضباط الشرطة القضائية يجب التمييز بين مسطرة المتابعة بخصوص المسؤولية الجنائية لضباط الساميين للشرطة القضائية، وكذا مسطرة المتابعة عندما تنسب المسؤولية  لضباط الشرطة القضائية العاديين ، وهذا ما توصلنا إليه من خلال استقرائنا للفصول 265-626  - 267-268    من قانون المسطرة الجنائية.
الفقرة الأولى : مسطرة المتابعة في حالة المسؤولية الجنائية للضباط الساميين للشرطة القضائية :
هنا أيضا يجب التمييز بين الحالة الأولى التي تنسب فيها المسؤولية الجنائية للوكيل العام ونوابه والحالة الثانية عندما تنسب إلى وكيل الملك ونوابه وكذا قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف ، ثم الحالة الثالثة التي تسب فيها المسؤولية الجنائية لقاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية.
الحالة الأولى :
عندما يرتكب الوكيل العام للملك أو نوابه وفعل يوجب مسؤوليتهم الجنائية فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض تأمر بناءا على ملتمسات الوكيل العام للملك بنفس المحكمة بأن يجري التحقيق في القضية عضوا أو أعضاء من هيئتها وبعد انتهاء التحقيق يصدر قاضي التحقيق أو قضاة التحقيق أمرا قضائيا بإحالة ما توصل إليه في هذه الحالة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض.
وهذه الأخيرة هي التي تبث في القضية وهنا يقبل الاستئناف داخل أجل 8 أيام وتبث فيه غرف محكمة النقض مجتمعة باستثناء الغرفة الجنائية التي سبق لها البت في القضية. وللإشارة فإنه لا تقبل أية مطالبة بالحق المدني أمام محكمة النقض.
الحالة الثانية :
عندما ينسب الفعل إلى وكيل الملك أو نوابه و كذا قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف .
يقوم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بإحالة قضيته بملتمس إلى الغرفة الجنائية بنفس المحكمة التي تقرر ما إذا كان الأمر يتطلب إجراء تحقيق في الموضوع.
وهنا في حالة الإيجاب تعين محكمة استئناف غير المحكمة التي يباشر في دائرتها المعني بالأمر مهمته.
حيث ينتدب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف المعينة قاضيا أو مستشارا للتحقيق لهذا الغرض في واقع النازلة، وبعد انتهاء قاضي التحقيق في مهمته يرفع الملف إلى الوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف ليقدم ملتمساته.
فإذا تعلق الأمر بجناية صدر قاضي التحقيق مرا بإحالة القضية إلى غرفة الجنايات ، بنفس محكمة الاستئناف التي بوشر فيها التحقيق . أما إذا تعلق الأمر بجنحة فإنه يصدر أمرا بإحالة القضية على غرفة الجنح الاستئنافية وتكون الأوامر الصادر عن قاضي التحقيق قابلة للطعن بالاستئناف أمام الغرفة الجنحية بنفس محكمة الاستئناف.
هنا يمكن المطالبة أمام المحكمة بالحق المدني لأن محكمة الاستئناف محكمة موضوع 
الحالة الثالثة :
عندما يكون الفعل منسوبا إلى قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بصفته ضابطا ساميا للشرطة القضائية فإن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف يحيل القضية بملتمساته إلى الرئيس الأول لدى نفس المحكمة الذي يقرر ما إن كان الأمر يقتضي إجراء بحث وفي حالة الإيجاب يعهد إلى قاضي التحقيق لدى نفس المحكمة للقيام بإجراءات التحقيق.
وبعد الانتهاء ترفع القضية أو الملف إلى الوكيل العام للملك ، ليقدم ملتمساته في حالة إذا تعلق الأمر  بجناية يأمر قاضي التحقيق بإحالة القضية إلى الغرفة الجنائية بنفس المحكمة، أما إذا تعلق الأمر بجنحة فإنه يأمر بإحالتها إلى غرفة الجنح الاستئنافية.
الفقرة الثانية : مسطرة متابعة لضباط الشرطة القضائية العادية :
إذ نسب الفعل الجرمي لباشا أو قائدا أو عامل أو لضابط  شرطة قاضية من غير المشار إليهم سابقا  أثناء ممارستهم لمهامهم.
يقوم الوكيل العام للملك لعرض القضية على الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف  الذي يقرر فيما إن كان يقتضي الأمر إجراء البحث.
في حالة الإيجاب بعين رئيس محكمة الاستئناف مستشارا مكلفا بالتحقيق بمحكمته.
وهنا نميز في حالة إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة.

جنائية   
هنا المستشار المكلف بالتحقيق بصدر أمر بالإحالة إلى غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف.   

جنحة
يحيل الملف أو القضية إلى محكمة ابتدائية غير التي يزاول المتهم مهامه بدائرتها.


خاتمة

وفي الأخير نشير إلى أنه في عصرنا هذا أصبح على  الشرطة القضائية أن تعمل على تطوير أساليبها ووسائل عملها لمواجهة الجرائم التكنولوجية العصرية، ولهذا نقترح مجموعة من الآليات :
1 ـ إنشاء شرطة قضائية تابعة للنيابة العامة سواء من حيث التكوين والإشراف الإداري والقضائي وهو ما يوجد في التشريع البرتغالي.
2 ـ الاعتماد على نظام تخصص المهام بالنسبة للشرطة القضائية مع الإشارة إلى أن المغرب قد بدأ في هذا الاتجاه حيث تم إعداد عدة فرق على مستوى المصالح الإقليمية والجهوية للشرطة :
 فرقة محاربة الهجرة السرية.
 فرقة محاربة الإصابات.
 فرق تختص بالجنايات.
3 ـ إنشاء بنك معلومات وطني لدراسة الجنايات .
4 ـ الاستعانة بتجارب الدول المتقدمة في مكافحة الجريمة ومن خلال تنظيم دورات لبعض أفراد ضباط الشرطة القضائية.                                                         

•مصطفى مداح : إدارة السجون وإعادة الإدماج السياسة الجنائية بالمغرب واقع وآفاق 9/10/11 دجنبر 2014 مكناس.
•عبد الواحد العلمي : شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول.
•لطيفة الداودي : دراسة في قانون المسطرة الجنائية طبعة 2005.
•السياسية الجنائية بالمغرب : واقع وآفاق مقال الأستاذ الحسن ألداكي الوكيل العام للملك طبنجة.
•أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول .
•الحسن البوعيسي : عمل الضابطة القضائية بالمغرب، الطبعة الأولى.
•يوسف وهابي : قواعد حضور ودفاع المحامي أمام الشرطة القضائية، ط :1، 2011.
•محاضرات في القانون الجنائي العام : الدكتورة حسنة كجي ، السنة الجامعية 2007-2008.
•النظام الأساسي الخاص لموظفي المديرية العامة للأمن الوطني : الظهير الشريف رقم 280-51-1 المؤرخ في 14 يناير 1958 .
•رياض عبد الغني : جهاز ضابط الشرطة القضائية الطبعة الأولى 2009.

Aucun commentaire: