ظروف التشديد في القانون الجنائي المغربي

الظروف باعتبارها عناصر عرضية أو ثانوية قد تتعلق بالركن المادي أو المعنوي لا تدخل في تكوين الجريمة، فهي مجرد وعاء حسب المدلول اللغوي يؤثر في مقدار الشيء دون جوهره، فهي تتعلق بالكم دون الكيف لكنها ذات أثر معدل، سواء بالنسبة للجسامة المادية للجريمة أو للخطورة في شخصية الجاني مما يستوجب المغايرة في الجزاء الجنائي الواجب التطبيق، ومن ثم فهي تنال بالتشديد أو التخفيف أو الإعفاء من المسؤولية الجنائية أو تحديد نوع من التدبير الملائم لمقدار الخطورة الكامنة في شخصية الجاني.
أولا: حالة العود
وهو الحالة التي يوجد فيها الشخص عندما يرتكب جريمة جديدة بعد أن يكون قد صدر في حقه حكم غير قابل للطعن من أجل جريمة سابقة. والمشرع الجنائي قد اعتبر العود للجريمة ظرفا من ظروف التشديد التي يؤدي إلى رفع العقوبة عن الحدود العادية المقررة للجريمة الأولى التي لم تفلح في ردعه و إصلاحه بإبعاده كليا عن طريق الجريمة مما يتحتم معه التشديد في مواجهته لتوقي الخطورة الإجرامية الكامنة فيه.
ثانيا: حالة التعدد
النوع الأول: تعدد صوري
مثال: من يستعمل تهديدا لكي يحصل على القيام بعمل أو الامتناع من موظف حيث يوصف فعله حينئذ بأنه يشكل جرائم الارتشاء والتهديد وإهانة موظف عمومي.
والذي يظهر من المثال أننا لا نواجه تعددا حقيقيا للجرائم، لأن الفعل الواحد يقبل فقط أوصافا قانونية متعددة بتعدد النصوص التي تظهر بأن الفعل يشكل خرقا لها ولذلك قيل بأن هذا النوع من التعدد هو تعدد صوري (أي غير حقيقي). أما حكم هذا النوع من التعدد فقد تضمن في ظروف التشديد الذي ينص على أن" الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أن يوصف بأشدّها".
النوع الثاني: تعدد حقيقي
فالتعدد الحقيقي أو المادي للجرائم يتحقق عندما يرتكب الشخص جرائم متعددة في آن واحد، أو في أوقات متوالية دون أن يفصل بينها حكم غير قابل للطعن.
إن المشرع المغربي قد عالج أحكام التعدد الحقيقي للجرائم وهو من ظروف التشديد باتباع منطق ضم العقوبات أو التدابير الوقائية المقررة قانونا لكل جريمة من الجرائم التي اقترفها الفاعل جزئيا فقط فطبقه بالنسبة للعقوبات المالية والإضافية وللعقوبات إذا كانت الصادرة عن المخالفات وأخيرا بالنسبة للتدابير الاحتياطية أما العقوبات السالبة للحرية الصادرة عن الجنايات والجنح فإن المشرع اتبع بالنسبة لها قاعدة عدم الضم مادام في الإمكان إصلاح الجاني (أو الجانح) "بتطبيق عقوبة واحدة سالبة للحرية في حقه تقابل عقوبة الجريمة الأشد".
ثالثا: الوسيلة
قد يدخل المشرع في الاعتبار الوسيلة أساس في السلوك الإجرامي فيجعل منها عنصرا في الجريمة وسببا في اعطائه طابع ظروف التشديد، فما يتعلق في هذا الأمر فهناك نصوص عديدة في القسم الخاص من قانون الجنائي قد اعتبرت وسيلة ارتكاب النشاط ظرفا مشددا خاصا يلحق أو يقترن ببعض الجرائم، كمثال على ذلك جريمة التسميم لأنه يتضح لنا اتجاه المشرع إلى تشديد هذه عقوبة (الإعدام) نظرا لما تنطوي عليه هذه الوسيلة من خطورة وغدر وخيانة لأنه بلا شك أن القتل بالسم إنما يعد سهل التنفيذ وصعب الإثبات.
رابعا: المكان
قد يدخل المشرع في الاعتبار مكان ارتكاب السلوك الإجرامي من ظروف التشديد فيجعله عنصرا في الجريمة وقد يشترط ذلك صراحة كما في جريمة السرقة مثلا، فالمشرع المغربي يميل إلى تشديد عقوبة جريمة السرقة التي تقع على المنزل أو الدار أو الشقة ويرجع ذلك في الواقع إلى ما للمسكن من حرمة يجب احترامها وصيانتها، فالجاني الذي لا يكتفي بالاعتداء على مال الغير باختلاسه، بل وينتهك حرمة مسكنه وأن يجد به سكانا، ولكن ذلك لم يوهن من عزيمته بل يريد مقاومتهم مما يقترن بما سبق من اعتداء ثالث على الجسم
خامسا: الزمان
لقد تدخل المشرع واعتبر زمان ارتكاب الفعل الإجرامي ظرفا من ظروف التشديد حيث يعتبر عنصر الليل ظرفا مشددا في جريمة السرقة، فظرف التشديد هذا يرجع بالأساس إلى سهولة ارتكابها في ذلك الزمان، وفرار الجاني مستغلا بذلك جنح الظلام فضلا عن الصعوبة التي يجدها المجني عليه في ذلك الوقت في حماية ماله والدفاع عن نفسه وطلب النجدة مع تعذر ضبطه والتعدي عليه، فهو إنسان خطر بلا شك إذ يستغل تلك الظروف السابقة، وغالبا ما يعقد العزم على استخدام العنف مستغلا الظلام إذ اقتضت السرقة ذلك، ولذلك فهو بلا شك إنما يستحق تشديد العقوبة، مما جعل المشرع يقر به كموجب من موجبات التشديد على العقوبة دون الحاجة إلى أن تقترن به ظروف أخرى.
سادسا: ازدياد جسامة النتيجة الإجرامية
ان المشرع قد اتجه إلى تشديد عقوبة جريمة الضرب أو الجرح العمد مثلا إذا كان الضرب أو الجرح صادرين عن سبق إصرار وترصد وذلك إذا ترتب عليهما حدوث عاهة مستديمة، ولو لم يتوقع الجاني وقت ارتكاب الفعل حدوت تلك النتيجة الجسيمة، مكتفيا بتوقعه وإرادته النتيجة الأقل جسامة التي نالت جسد المجني عليه أول الأمر، ثم أفضت إلى تلك العاهة المستديمة معتبرا تلك النتيجة الجسيمة ظرفا مشددا لجريمة الضرب أو الجرح العمد.
سابعا: الإرادة الجنائية
ان الإرادة تعد عنصرا لازما في الركن المعنوي للفعل فلا يسأل الشخص عن نشاطه ونتيجته إلا إذا كان هذا النشاط تعبيرا عن إرادته، يستوي في ذلك أن تكون الجريمة عمديه أو غير عمدية. وفي ضوء ذلك اتجهت معظم التشريعات الجنائية المعاصرة إلى تقسيم القصد من حيث درجته إلى نوعين: قصد عادي أو بسيط وقصد مع سبق الإصرار مما يجعل الأرادة من ظروف التشديد.
ثامنا: صفة الجاني
المشرع قد اتجه إلى اعتبار صفة الجاني مجرد ظرف مشدد خاص من ظروف التشديد التي تلحق ببعض الجرائم، وكمثال على ذلك السرقات التي تحصل من الخدم بالأجر. والهدف من تشديد هذه العقوبة راجع بالأساس إلى إخلال الجاني بواجب الأمانة التي يجب اتصافه بها ونكرانه للجميل وإلى استغلاله الثقة الموضوعة فيه من قبل المخدوم أو رب العمل، تلك الثقة التي تتمثل بأن يترك في متناول يديه جانبا من أمواله حتى يمكنه القيام بأداء أعماله وما يترتب على ذلك من عدم احتراس المخدوم أو رب العمل قبلهم مما يسهل له فعل السرقة.
تاسعا: الباعث
الباعث على الجريمة يعتبر بأنه العامل النفسي الذي يحمل الشخص على توجيه إرادته الإجرامية الى تحقيق نتيجة ما، فهو يمثل القوة المكونة للإرادة ثم القوة الدافعة لها حتى تتحقق النتيجة وهو من أشد ظروف التشديد في القانون الجنائي المغربي.
عاشرا: علاقة الجاني بالمجني عليه
ويرجع ذلك في الواقع إلى سهولة ارتكاب الجريمة بحكم اتصال الجاني بالمجني عليه بالإضافة إلى عنصر الثقة الموجودة بين الجاني والمجني عليه، فضلا عما تدل عليه هذه الجريمة من وحشية بالغة ومخالفة للطبيعة البشرية فكان لابد من هذا الجزاء الرادع حتى يرتدع الغير, ولهذا عمل المشرع في القانون الجنائي المغربي من جعل قرب العلاقة بين الجاني بالمجني عليه ظرفا من ظروف تشديد العقوبة.

Aucun commentaire: